الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وأصحابه الأبرار.

 

عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وطاعته، استجابةً لأمر الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أما بعد:

 

فيا معاشر الإخوة المؤمنين: "الابتزاز" مصطلح لم يعد خافيًا على أحد، فقد بات الجميع يعرفه نساء ورجالاً، كبارًا وصغارًا، من فرط الأخبار التي تنشر عنه في الصحف والمواقع، وما نسمع عنه في الإذاعات وشاشات التلفزة، أو ما يتناقله المجتمع من أخبار محزنة لا تمثل مجتمعنا المسلم الكريم. فلا يكاد يمر يوم وإلا نرى أو نسمع أو نشاهد قصة لابتزاز شاب لفتاة، وأحيانًا قليلة قصة ابتزاز فتاة لشاب، والوسيلة تسجيل صوتي أو صور منكرة.

 

ورغم اختلاف المختصين حول توصيف الابتزاز بين كونه مشكلة أم ظاهرة، إلا أن لغة الأرقام تدلل دلالة عملية على أن المشكلة قد كبرت، ونخشى أن تكون قد تحولت إلى ظاهرة تستحق الوقوف عندها وهو ما تؤكده إحصاءات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهة المخوّلة بمتابعة قضايا الابتزاز، فقد أفادت بأن عدد حالات الابتزاز المبلغ عنها عام 1430 تقدر بـ373 حالة، ما يفوق عدد حالات الابتزاز خلال ثماني سنوات بما يقارب الضعف؛ حيث إنها من عام 1421 - 1428هـ تقدر بـ 204 حالات فقط.

 

هذا إذا وضعنا في الحسبان أن بعض القضايا لا يتم التبليغ عنها بدافع الخوف والرهبة من الفضيحة.

 

لقد وصفت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ابتزاز النساء بالجريمة؛ إنه "أسلوب من أساليب الضغط الذي يمارسه المبتز على الضحية مستخدمًا أسلوب التشهير بها على أوسع نطاق، أو إبلاغ ذوي المرأة زوجًا كان أو أبًا أو أخًا؛ حتى يجعل الضحية تقع تحت وطأة ضغوط المبتز؛ ليجبرها على مجاراته، وتحقيق رغباته الجسدية أو المادية".

 

ومن المعلوم عرفًا: أن جرائم الابتزاز تكون من الرجل ضد المرأة، فمن النادر أن نجد جريمة ابتزاز معاكسة، إلا أن أسباب ابتزاز الرجل للمرأة تساهم فيها المرأة بشكل كبير؛ من خلال تساهلها في إقامة العلاقات، ومنح الطرف الآخر فرصة لابتزازها بمنحه صورها، أو السماح له بلقائها؛ مما يسهل عملية التصوير والتسجيل، وقد ذكر المسؤولون أن 88% من قضايا الابتزاز ترجع إلى الفتيات، علمًا بأن المبتز يتعرض لعقوبة تصل إلى 500 ألف ريال وبالسجن لمدة لا تزيد على سنة أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

أيها الإخوة المؤمنون: ما تصل المستشارين من حالات، يشيب لها الرأس، من فتيات وقعن في براثن الرذيلة مع الشباب، بدافع من غرائز غير مرشدة، وتربية باتت ضعيفة في زمن الإعلام المكشوف، بما يبثه من مواد إباحية، ومن ضمنها المسلسلات المدبلجة، والأفلام الساقطة التي تساعد على تأجيج المشاعر بصور سلبية تثير الغرائز، وتفسد القيم والأخلاق الحميدة، يقول الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].

 

إن مثل هذه المشكلات ما كانت لتنتشر لو أن كل أسرة قامت بواجب التوعية الوقائية لشبابها وفتياتها بخطورة ما يقوم بعضهم بفعله من اعتداء على المحارم، وما يجره ذلك من ويل وثبور على الأسر والمجتمع.

 

إن مجموعة من الفتيات لعبن بالنار بدافع التجربة، أو بسبب صديقات لهن، فكان المآل هو وقوعهن في حمأة الخطيئة، فوقع كثير منهن في براثن اضطرابات نفسية خطيرة؛ منها الاكتئاب، واضطراب الشخصية، والخوف المرضي الدائم، وبغضّ الحياة، حتى أصبحن يبحثن عن الموت فلا يجدنه، وهنا يتتابع الفشل الدراسي، والفشل الاجتماعي، والفشل النفسي.

 

وإن أبرز سبب لانحرافهن ووقوعهن ضحية للابتزاز: الضغوط النفسية المنزلية؛ حيث لا تجد الفتاة متنفسًا لها في داخل دارها، فتبحث عمن يستمع إليها في خارجه، أو حتى من تخرج معه، ثم تجد العقوبة الشديدة التي قد تصل إلى القتل من البيئة التي تسببت في انحرافها، بل إن الفتاة قد ترى في الوقت نفسه من انحَرفَ بها أول مرة يعيش منعمًا ومحترمًا ومقدرًا، وهي لا تستطيع أن تنبس ببنت شفة، بل تلعق القهر والمهانة كل يوم؛ خوفًا من أهلها أو منه.

 

وهنا تتفاقم العوائد النفسية الخطيرة على الفتاة بعد جريمتها التي قد تصل إلى درجة لصوق النظرة السوداوية في عينيها، حتى لا ترى ما يستحق العيش من أجله، وتفقد ثقتها في الرجال، حتى لا تجد رجلاً يستحق أن تقترن به، بل تعتقد بأن الحياة كلها ذئاب مفترسون، ومجرد الاختلاء لمرة واحدة يكفي أن يجعلها تدخل في دوامة من القلق الحاد على مستقبلها المهدد بالفضيحة عند الزواج، فتبدأ برفض الزواج وعندها سيتساءل الناس والأهل لماذا؟ فإذا بها تتلقى مزيدًا من النظرات الاتهامية المترددة المضطربة.

 

إن بعض هؤلاء البنات كن ضحايا لصديقات فاسدات أخذن بأيديهن الفتنة والرذيلة، فإذا وقعن أفقن، فإذا الواحدة منهن قد فقدت ما لا يمكن تعويضه، فتنهار، وتتراجع صحتها النفسية، وتتبعها صحتها العضوية، وتتبدل الحياة في وجهها، وكان يمكن أن تتوقى هذا كله قبل أن تقع: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].

 

أيها المؤمنون: توبوا إلى الله جميعًا، واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله مجير عباده من الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

 

فاتقوا الله -عباد الله- في مسؤوليتكم تجاه أولادكم وبناتكم، فالسعيد من وُعظ بغيره، والشقي من وُعظ بنفسه.

 

أجار الله هذه الوجوه الطاهرة المتوضئة من كل سوء وفتنة.

 

لقد سجّل مركز مختص في إحدى الدول العربية أكثر من عشرين ألف فتاة تعرضن للابتزاز، وذلك خلال ستة أشهر منذ انطلاقة مشروع مختص بالابتزاز بواقع 100 اتصال يوميًّا، وكان أكثر أنواع الابتزاز هو الابتزاز الجنسي بنسبة 45%، ثم المادي والنفسي، وإن ضحية الابتزاز تقع فيه بدون تخطيط للعلاقة، كما أن بعض الضحايا يجدون أنفسهم في مواقع عامة أو خاصة لناسٍ مجهولين قد تُدَار من قبل أناس عاطلين أو مجهولين أو صائدين.

 

وكان من أبرز الأسباب: البعد عن الله، وضعف الوازع الديني، الاستخدام السلبي لوسائل التقنية والاتصال الخادمات، والصديقات وجارات السوء، ودورهن في حفلات السهر، وهروب الفتيات، وابتعاث الفتيات للخارج، وانغماسهن في الحياة الإباحية في تلك دول، والاختلاط في الأماكن العامة وعند مراجعة الدوائر الحكومية والخيرية، والاضطراب النفسي، والتغير الاجتماعي نتيجة المستجدات في المجتمع السعودي، وظهور السلوك الاستهلاكي المتمثل في وسائل التقنية غير الضرورية، وضعف الرقابة الأسرية والمتابعة للأبناء، وضعف علاقات الودّ والعاطفة بين أفراد الأسرة، وغياب لغة الحوار والتفاهم، والفراغ وغياب الأهداف لدى الشباب، وندرة وجود المشاريع التنموية والترفيهية المعدة لاستثمار الطاقات الشابة، وملء أوقات فراغهم.

 

أعاننا الله جميعًا على تلافي كل ما يخلّ بشرفنا، ويحفظ أعراضنا، ومن سكت عن النار في دار جاره امتدت إلى داره.

 

اللهم إنا نسألك العافية من كل ما يضرنا في ديننا، وفي أنفسنا وفي أعراضنا وفي أولادنا، وفي أموالنا.

 

اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم أيدهم بالحق وأيد الحق بهم، واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك. واجعل بلادنا آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين.

 

اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه أجمعين، وعنا معهم برحمتك وفضلك ومنك يا أكرم الأكرمين.

المرفقات
الابتزاز.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life