عناصر الخطبة
1/أهمية العقود التجارية 2/تعريف عقد الإجارة ودوره 3/الفرق بين عقود التجارة وعقود البيع 4/حكم عقد التأجير المنتهي بالتمليك 5/الواجب على المسلم مع انتشار موجة البرد القارص.اقتباس
من عقود التجارة الَّتِي عمَّت وطمَّت في هذَا الزمان، وكثر السؤال عنها جِدًّا: عقد التأجير المنتهي بالتمليك، وهو من النوازل في هذه العقود، ومن هذه العقود المستحدثة، وقد انتدبت له هيئة كبار العلماء في بلادكم المملكة العربية السعودية، فدرست هذَا العقد...
الخطبةُ الأولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شهادةً نرجو بها النَّجَاة والفلاح يوم لقاه، ونَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى، ونبيه المُجتبى.
فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنَّ تقوى الله هي المنجية، وهي المحقّقة للسعادة الأبدية السرمدية، في الدين والدنيا والآخرة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: إنَّ من العقود التجارية الَّتِي يحتاجها النَّاس كَثِيرًا، ولا يكاد يستغني عنها أحد: عقد الإجارة، وعقد الإجارة هو بيع منفعة، سواء إِلَى مدة معلومة، كالإجارة في سكنٍ وسيارة، أو عَلَى عمل ومهنة، أو إجارة إِلَى أداء عملٍ معيَّن، كما يتعلَّق ذلك بالبناء، ويتعلَّق أَيضًا ذلك بالصيانة، وغير ذلك.
وعقود التجارة -يا عباد الله- تخالف عقود البيع؛ لأنَّ البيع بيعٌ لمنفعة العين، وأمَّا الإجارة فإنها عقدٌ يتعلَّق بالمنفعة لا بالعين، مدةً معلومة، أو لقضاء شيءٍ محدود معلوم، أما البيع؛ فإنه تمليك للعين بنفسها، وإن لم يحصل لها تمليكٌ للمنفعة، وَهذَا موسى -عَلَيهِ السَّلَامُ- خرج من مصر خائفًا يترقَّب، فأورده الله الأمان في أرض مدين، فكان من شأنه ما تعلمون مِمَّا قصَّه الله علينا في سورة القصص، حَتَّى جاءت المرأة فقالت: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[القصص: 26].
ووقع الاستئجار بين شيخ مدين وبين موسى -عَلَيهمَا السَّلَامُ- عَلَى أن يأجره ثماني حجج، أي: ثماني سنوات، مقابل تزويجه بهذه البنت الحيية الكريمة، ثُمَّ قَالَ له شيخ مدين: (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيكَ)[القصص: 27]، فأتمها موسى -عَلَيهِ السَّلَامُ- عشر سنين يخدمه، مقابل هذَا النِّكَاح والمهر المستحقّ المتعلق عليه.
وَهذَا يدل عَلَى أنَّ الإجارة تقع عَلَى عين، وتقع عَلَى المنافع، فإن من الإجارة المنافع، وقد استأجر النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- المتعلِّمين الكتبة من أُسارى بدر أن يُعلّم كل واحد منهم عشرة من أبناء الصَّحَابَة، ويكون في هذَا فكاكه.
وقد استأجر -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ومعه الصِّدِّيق أبو بكر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لمَّا خرجا مهاجرين من مكة إِلَى المدينة، استأجرا دليلاً خرِّيتًا، هو عبد الله بن أُريقط الليثي، وَهذَا عقد إجارة بين مسلمين -رسول الله وأبي بكر-، وبين هذَا المشرك الكافر الدليل الخِرِّيت عبد الله بن أُريقط الليثي.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشأنه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إنَّ من عقود التجارة الَّتِي عمَّت وطمَّت في هذَا الزمان، وكثر السؤال عنها جِدًّا: عقد التأجير المنتهي بالتمليك، وهو من النوازل في هذه العقود، ومن هذه العقود المستحدثة، وقد انتدبت له هيئة كبار العلماء في بلادكم المملكة العربية السعودية، فدرست هذَا العقد، ودرست ما يتعلَّق به من شروطه ومن آثاره.
فخرجت بقرارٍ بتحريم هذَا العقد تحريمًا أغلبيًّا؛ لأنه عقدٌ انطوى عَلَى عقد بيع وعقد إجارة، وقد نهى النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عن عقدين في عقد، كما أنه انطوى عَلَى عقد بيعٍ وشرط، وقد نهى النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك، كما انطوى عَلَى الغرر والجهالة؛ ولهذا أكثر المشاكل الدارجة الآن الناتجة من هذَا العقد هي مشاكل تتعلَّق بالغبن والغرر والجهالة، وَهذَا ما أنَّت منه المحاكم الشَّرْعِيَّة في هذَا العقد عَلَى جهة الخصوص.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ هذَا البرد الَّذِي هبَّ عَلَى النَّاس يوجب علينا العِبْرَة والعظة، ومن ذلك: أن يتفقد الإنسان نفسه وأهله، وأن يلاحظ المساكين والمحاويج، فيتفقدهم في حوائجهم طعامًا وشرابًا وملبسًا، فإنه بهذا يقي نفسه وماله وأهله عذاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
وقد اشتكت النَّار إِلَى الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ما تجده من شدة بردها، وما تجده من شدة حرها، فأذن الله لها بنفسين: نفس في الشتاء، وهو ما تجدونه من شدة البرد؛ فإنه من زمهرير جهنم، ونفسٍ في الصيف، وهو ما تجدونه من شدة الحر فإنه من فيح جهنَّم، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "فأبردوا فيه بِالصَّلَاةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ من حديث أبي هريرة.
ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أعراضنا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في ديننا وأموالنا وأهلينا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضارّ المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد لنا فكد عليه يا ذا الجلال والإكرام يا خير الماكرين، اللَّهُمَّ احفظنا من بين أيدينا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا.
اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ أتمم علينا نعمك، اللَّهُمَّ اجعلنا لنعمائك من الشاكرين، ولفرائضك من المؤدين، ولنواهيك من المجتنبين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أصلح قلوبنا، وأصلح فساد أعمالنا، ورد ضالنا إليك ردًّا جميلاً، إنك أكرم مسؤول، وأعظم مرجي مأمول.
اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات
ابو فهد
02-03-2024شكرا لك