الإنصاف مع رمضان والانتصاف

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ سرعة مرور الأيام والأزمان 2/ ماذا قدمنا في نصف شهر رمضان الأول؟ 3/ الحث على الاجتهاد فيما بقي من رمضان 4/ شدة اجتهاد السلف وصالحي الأمة في أواخر رمضان 5/ العشر الأواخر ميدان عظيم للفوز 6/ احذر الفتور 7/ وصايا في ختام شهر رمضان.
اهداف الخطبة

اقتباس

مضى نصف شهرنا، فماذا أودعنا أيامه من أعمالنا؟! والعجيب أن البعض كلما أخذ رمضان بالنقص أخذ هو في النقص، كلما أخذ في التحويل أخذ في التقصير والنوم الكثير، فتجد البعض في أوائل الشهر نشيطًا قارئًا، ثم يبدأ النقص فتقل القراءة وينقص الجلوس في المسجد وانتظار الفريضة وتضعف العبادة، وهذا له أسباب كضعف الإيمان وكثرة العصيان، وعدم إشعار النفس بفضل الزمان، ومتابعة خطوات الشيطان وكثرة الشواغل ومتطلبات الولدان، وضعف الصدق مع الرحيم الرحمان، وتذكر ثواب رمضان...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

لك الحمد يا ذا الجود والمجد والعلا *** تباركت تعطي من تشاء وتمنع

إلهي وخالقي وحرزي وموئلي *** إليك لدى الإعسار واليسر أفزع

 

وأشهد أن لا إله إلا الله جل في علاه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله فأبواب الجنان مفتوحة وأبواب النيران مغلقة والشياطين مصفدة فهي فرصة سانحة وتجارة رابحة.

 

أيها الصائمون: كنتم بالأمس تتطلعون إلى شهركم وتنظرون رسائل جوالكم، بالأمس تترقبون وعلى أحر من الجمر تنتظرون وشعاركم وأنتم تدعون وبسماتكم وأنتم تستبشرون "دخل رمضان" ونزل في الميدان، مضت الأيام وقام وصام الصيام وفي لحظة سريعة ولمحة بديعة وإذا شهرنا قد انتصف وسارع للنقص واحتف.

 

انظروا إلى سرعة مرور الأيام وانقضاء الشهر والأعوام، وكأننا صمنا يومًا من الأيام..

أحلام نوم أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع

 

وصدق المصطفى "في آخر الزمان تكون السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة، والساعة كإحراق السعفة بالنار" (رواه الترمذي).

فسرعتها في زماننا من العجائب وانقضاءها من الغرائب.

 

أيها الصائمون: إن شهر رمضان قد انتصف فمن منكم حاسب نفسه فيه لله وانتصف؟ من منكم قام في هذا الشهر بحقه الذي عرف؟ من منكم عزم قبل غلق أبواب الجنة أن يبني فيها غرفًا من فوقها غرف؟

 

ألا إن شهركم قد أخذ في النقص، فزيدوا أنتم في العمل فكأنكم به وقد انصرف، فكل شهر عسى أن يكون منه خلف، وأما شهر رمضان فمن أين يكون الخلف؟!

 

أيها الصائمون: تقبل الله صيامكم وقيامكم وزادكم وأعطاكم، بادروا شهركم قبل فواته وبادروا ساعاته ولحظاته قبل أن تبدو مظاهر ذهابك وتعتصر أيامك، بادروا قبل فوات الأيام وتمني الإنسان وتقلص أيام رمضان فها هو أخذ في النقصان.

لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يُغَرّ بهذا العيش إنسان

 

يا عباد الله: تذكروا بالأمس: نقول أهلاً ومرحبًا بالصيام واليوم نقول: مهلا يا شهر القيام، ما أسرع خطاك يا رمضان تأتي على شوق وتمضي على عجل وسرعان.

 

وهذه السرعة هي من أعمالنا ودنو آجالنا، فالرحيل لرمضان يعود في سائر الأزمان والرحيل لنا لا عودة ولا رجوع في سائر الأزمان؟

 

فحينما يأخذ رمضان في النقصان والانتصاف لنتذكر ماذا أخذنا من الزاد والاستعداد والإسعاف، فالعمل الصالح أنت سترحل عنه لا أنه هو سيرحل عنك فما هي عدتك؟!

سبيلك في الدنيا سبيل مسافر *** ولا بد من زاد لكل مسافر

ولا بد للإنسان من حمل عُدَّة *** ولا سيما إن خاف صولة قاهر

 

ورمضان مواسم أخروية ودورات سنوية، سوف يأتي وأنت فيه بين أطباق ثلاثة؛ إما موجود أو مفقود أو موجود مفقود، فإن أدركته فتلك نعمة، وإن فقدته فخذ الآن منه العدة، وإن كنت موجودًا مفقودًا فخذ من الصحة والعافية والأهبة قبل حلول مرض أو عارض أو صدمة.

تنصف الشهر والهفاه وانهدم *** واختص بالفوز بالجنات من خدمَ

وأصبح الغافل المسكين منكسرا *** مثلي فيا ويحه يا عُظم ما حُرِمَ

من فاته الزرع وقت البدار فما *** تراه يحصد إلا الهم والندم

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته *** في شهره وبحبل الله معتصم

 

من حكم الصيام -أمة سيد الأنام- أن الدنيا سريعة الذهاب، وأنها معدودة الزمان فلفت الرحيم الرحمن تذكيرًا للإنسان فقال في محكم القرآن: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ) [البقرة: 184]، إشارة إلى سرعة ذهابها وانقضائها، وإشارة إلى ملئها واستثمارها فهي أيام معدودة فلا تفوت وتذهب بدون أعمال محسوبة وقربات مرصودة.

 

تعالوا -أيها الصائمون الموفقون- نستعرض كشف حساب فيما مضى من الأيام وحالنا مع الصيام والقيام، ما حالنا مع القرآن والصدقة والمحافظة على الصلوات المكتوبة وصلوات التراويح مع الإمام والبر وصلة الأرحام؟

وهكذا في سلسلة العبادات ومجالات الطاعات.

 

فإن كانت الأعمال والاستثمار والمحافظة على الليل والنهار، فعند الصباح يحمد القوم السرى، فسر على بركة المولى، وإن كانت الحالة الإهمال والكسل وسوء العمل فبادر أيامك القادمة قبل أن تغادرك، وتدارك وقتك قبل أن تذهب عنك، فالموفق من بادر أوقاته ولازم أنفاسه.

 

فالبدار البدار قبل زوال الليل والنهار ما دام في العمر فسحة وفي الوقت لحظة وأنت في أمن وعافية وصحة، رمضان انتصف فهل من مشمر لما بقي واعترف وهل من تائب لما جنى واقترف.

رمضان يا قوم انتصف *** فتداركوا ما قد سلف

وتزودوا لمعادكم *** قبل الندامة والأسف

وتذللوا لإلهكم *** فالذل للمولى شرف

 

مضى نصف شهرنا، فماذا أودعنا أيامه من أعمالنا؟!

والعجيب أن البعض كلما أخذ رمضان بالنقص أخذ هو في النقص، كلما أخذ في التحويل أخذ في التقصير والنوم الكثير، فتجد البعض في أوائل الشهر نشيطًا قارئًا، ثم يبدأ النقص فتقل القراءة وينقص الجلوس في المسجد وانتظار الفريضة وتضعف العبادة، وهذا له أسباب كضعف الإيمان وكثرة العصيان، وعدم إشعار النفس بفضل الزمان، ومتابعة خطوات الشيطان وكثرة الشواغل ومتطلبات الولدان، وضعف الصدق مع الرحيم الرحمان، وتذكر ثواب رمضان.

 

فلهذا الموفق كلما أخذ رمضان في النقص أخذ هو في الجد والحزم يحافظ على وقته وتزداد ختماته، وتتضاعف جهوده وتكثر صدقاته، الموفق من إذا أخذ رمضان في النقصان سارع وسابق الفرسان، وحافظ على الفرائض والنوافل وقراءة القرآن، وهذا هدي السلف تتضاعف جهودهم، وتتكاتف أعمالهم، لهذا من كان يختم في ثلاث يختم في يومين، ومن كان في يومين يختم في يوم، وهكذا سائر الطاعات تزداد ركعاتهم وسجداتهم وبرهم وصدقاتهم.

 

إن بعض الناس يزداد كسله وتضعف همته ويقل خيره وتنقص قراءته وصلاته ويزداد نومه، بل ربما نام عن فرضه يسهر الليالي بدون فائدة وعمل باقي.

 

ومن هدي المصطفى أنه في آخر الشهر تختلف حاله وتكثر عباداته وتتضاعف جهوده كما وصفته عائشة "إذا دخل العشر شد مئزره، وأيقظ أهله وأحيى ليله"، وعبد ربه واجتهد وزاد في الأعمال والتعبد، كيف لا وآخر الشهر في فضائل كليلة القدر والاعتكاف وإجابة الدعوات وتنزل الرحمات وبسط الخيرات.

 

إن الشواغل تتكاثر في آخر الشهر وتتضاعف في السفر والحضر، فلابد من وقفة صادقة ونية خالصة، وترتيب وقت، وتنظيم حياة، وإشعار النفس بفرصة الزمان ومنحة الرحيم المنان على بلوغ رمضان، وربما المرء عباد الله لا يدرك آخره ويصبح فيه من أهل الآخرة وربما صامه وأكمله لكن آخر صوم يدركه.

 

أيها الصائمون الفائزون: نافسوا وسابقوا وبادروا وسارعوا، فالباب مفتوح والخير ممنوح والوقت يغدوا ويروح.

 

أيها الصائمون الفائزون: لا إرث يدوم ولا خير يقوم سوى الأعمال الصالحة لاسيما في زمن وقت المرابحة هي الميراث الحقيقي والكنز الباقي.

وإذا افتَقَرْتَ إلى الذَّخائِرِ، لمْ تجدْ *** ذُخراً يكونُ كصالحِ الأعمالِ

 

بادروا أوقاتكم فالأيام معدودة والليالي معلومة فالوقت ثروة كبيرة ونعمة جليلة ورمضان درة ثمينة وساعاته فرصة عظمة.

 

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع

 

من عرف الوقت صان الوقت، من عرف رمضان زاد في العمل والإحسان، انظروا إلى سلفنا الصالح لما عرفوا قيمة الوقت صنعوا في حفظه ورعايته أمثلة مدهشة وأحوال مذهلة يعدها الغافلون الجاهلون نوعا من الأساطير، لكنها عند العقلاء النابهين حقائق وأخبار وميدان فهم في رمضان على قدم وساق. وإذا تدانت شمسه للغيوم ووقته للأفول رأيت المنافسة واللاحق وهجر الوساد، والسباق.

 

واحذر أيها الصائم والأخ القائم أن تتأسف في اليوم القادم على التفريط والكسل فاحرص على النفس والهمة والعزائم .

وما مر يوم أرتجي فيه راحة فأذكره *** إلا بكيت على أمسي

إذا تصرمت الأيام بان الفائز بجده واجتهاده وندم المسرف على تفريطه وإهماله

أهل المحبّة قومٌ شأنهم عجبُ *** سرورهم أبدٌ وعيشهم طرَبُ

العيش عيشهمُ والمُلك ملكُهمُ *** ما الناسُ إلا هُم بانوا أو اقتربوا

 

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي منَّ بمواسم الخيرات أحمده سبحانه على توالي نعمه والمسرات ..

 

أيها الصائمون والصائمات ها أنتم في نصف شهركم الأخير فاعزموا على النشاط والتشمير فالليالي القادمة فرصة ذهبية ومنحة إلهية وأوقات إيمانية وحياة روحانية.

 

فمما تزدان بها البشرى والشكر والثناء حرص الصائمين على إحياء هذه العشر تأسيًا بسيد البشر فتكتظ بهم المساجد ما بين راكع وقارئ وساجد فهم على قدم وساق واجتهاد ولاحق.

 

فلهذا وصيتي المبذولة وكلماتي المسموعة لك -أيها الصائم وأيها الصائمة- اغتنام العشر بالطاعات قدر الإمكان، اغتنم ليالي العشر بطلب ليلة القدر، اغتنم ليالي العشر بالقراءة والذكر، اغتنم ليالي العشر بالجلوس في المساجد طلبًا للأجر، اغتنم أيام العشر للاعتكاف إن تيسر دون مفسدة أو ضرر، اغتنم أيام العشر بالدعاء والبكاء لاسيما أوقات السحر، اغتنم أيام العشر في تربية الأسرة على العبادة والأجر.

 

أيها الصائمون الغانمون: إن الفرس في السباق لا تعطي قوتها وتخرج طاقتها إلا إذا قربت على النهاية أخرجت طاقتها وقوتها لتكون أول الفائزين وأمام المسابقين، فها أنت في منتصف شهرك الكريم، فاحذر أن يكون اجتهادك في أوله وطاقتك في بدايته وفي آخره من المتخلفين والكسالى والغافلين.

 

فأوقات الرحمات دنت وإقالة العثرات قربت وإجابة الدعوات حلت وسماع الشكايات والهموم نزلت، فاحذر الكسل والإهمال والتهاون والتباطؤ في الأعمال.

 

أيها الصائم: الفتور وقلة النشاط أمر يعتري الإنسان فما من إنسان إلا وينتابه حالتان حالة نشاط وحالة فتور، كالسنبلة فهي تميل أحيانا، وتقوم أحيانا؛ فإن انتابه حالة النشاط نفَر إلى الجد والأعمال، وارتفعت همم الرجال، وإن انتابه حالة الفتور فليروح عن نفسه بالسرور، وليحذر الفتور المستمر والضعف الدائم المنتشر فليجاهد ويجتهد ويتوكل على الله ويعتمد يشحذ همته ويقوي عزيمته (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت: 69].

 

وليتذكر قول المولى المقتدر (وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت:6]، وقوله سبحانه: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة:7]، وقوله سبحانه (وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً).

 

وقوله تعالى في الحديث: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا، فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

 

وخذ قدر طوق النفس لا تسأمنه *** وقل تستعن بالنوم عند التهجد

فإن لم تصل فاذكر الله جاهدًا *** وتب واستقل مما جنيت تسدد

فلا خير في عبد نؤم إلى الضحى *** أما يستحي مولاً رقيبًا بمرصد

يناديه هل من سائل يعط سؤله *** ومستغفر يغفر له ويؤيد

 

هذا وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم كما بلغنا أول رمضان أن يبلغنا آخره ونحن في أمن وإيمان وصحة وعافية أبدان.

 

اللهم ارزقنا فيما بقي من شهرنا القوة والنشاط والجد والاجتهاد..

 

 

 

المرفقات
الإنصاف مع رمضان والانتصاف.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life