عناصر الخطبة
1/ أهمية نعمة الأمن للمجتمعات 2/ الأمن هو أول دعوة دعا بها إبراهيم -عليه السلام- 3/ تعميق الإسلام لمعاني الأمن والأمان 4/ نعمة الأمن في بلاد الحرمين 5/ استحكام الأمن في البلد الحرام عقيدة راسخة 6/ فضل صيام وقيام شهر رمضان 7/ كيفية استقبال شهر رمضان المباركاهداف الخطبة
اقتباس
في أغوار الفتنِ وأعماقِها، وبين فحيحِها وضُبَاحِها، تأتلِقُ قضيَّةٌ فيحاء، عريقةٌ بلْجَاء، هي من الضرورات المُحكَمات، والأصول المُسلَّمات، ومن أهم دعائم العُمران والحضارات، يُذكَّرُ بهذه القضية في زمنٍ روَّقَ علينا بكَلكَلِه، وأوانٍ كثُرت فيه الفتنُ البَهماء، واكفهرَّت لياليه الظَّلماء، واسبقَرَّت مِحَنُه العمياءُ الدَّهماء. فبَين صياخِدةٍ حادَّة، وأزماتٍ مُتضادَّة، مُتشاكِسةٍ هادَّة، وأشلاءٍ ودماءٍ، ودمارٍ وأصلافٍ وأرزاءٍ، تستعِرُ جوانبُ أمَّتنا الإسلامية، وتتقلَّبُ فيها ..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُك ربَّنا ونستعينُك ونتوبُ إليك ونستغفرُك، ونُثنِي عليك الخيرَ كلَّه.
الحـمدُ لله حمدًا دائمًا وكفَى *** شُكرًا على سَيْبِ جَدواه الذي وكَفَا
لك الحمدُ ربِّي على الأمنِ وارِفًا *** صِرنا بفضلـِه موطِنَ المُحسَدِ
أحمدُه سبحانه مكَّنَ فينا الأمنَ وأوثقَا، وأضاءَ من نوره الكونُ فأشرقَا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستكشِفُ بها دخَنً، ونستنيرُ بها دغَنًا، ونرجُو بها أمنًا مُتحقِّقًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله الهادي إلى النور المُبين فأفلَقَ، فملأَ الكونَ أمنًا وأغدَقَ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الأعراق، وصحابتهِ الغُرِّ الميامين الأعلاق، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم التلاقِ.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا ربَّكم -تبارك وتعالى- واشكُروه، وأطيعوه ولا تعصُوه، اشكُروه على نعمِه الباطنة والظاهرة، وعلى آلائه المُتوافِرة المُتكاثِرة، تفُوزوا بخير الدنيا ونعيمِ الآخرة.
الشـكرُ يفـتحُ أبوابًا مُغلَّقةً *** لله فيهـا على من رامَه نِعَمُ
فبادِرِ الشكرَ واستغلِق وثائِقَهُ *** واستدفِعِ اللهَ ما تجري به النِّقَمُ
أيها المسلمون: في أغوار الفتنِ وأعماقِها، وبين فحيحِها وضُبَاحِها، تأتلِقُ قضيَّةٌ فيحاء، عريقةٌ بلْجَاء، هي من الضرورات المُحكَمات، والأصول المُسلَّمات، ومن أهم دعائم العُمران والحضارات، يُذكَّرُ بهذه القضية في زمنٍ روَّقَ علينا بكَلكَلِه، وأوانٍ كثُرت فيه الفتنُ البَهماء، واكفهرَّت لياليه الظَّلماء، واسبقَرَّت مِحَنُه العمياءُ الدَّهماء.
فبَين صياخِدةٍ حادَّة، وأزماتٍ مُتضادَّة، مُتشاكِسةٍ هادَّة، وأشلاءٍ ودماءٍ، ودمارٍ وأصلافٍ وأرزاءٍ، تستعِرُ جوانبُ أمَّتنا الإسلامية، وتتقلَّبُ فيها الأحداثُ الدولية والعالمية، وإلى الله وحده المُلتجَأ أن يُجلِّيَ الخُطوبَ، ويكشِف عن المُسلِمين الكُروبَ.
إنها -يا رعاكم الله- قضيةُ الأمن والأمان، والاستقرار والاطمئنان.
وما الدينُ إلا أن تُقامَ شعائرٌ *** وتُؤمَنُ سُبلٌ بيننا وشِعابُ
فيا للهِ! ما أعظمَها من نعمةٍ، وأكرمَها من مِنحةٍ ومِنَّة، فمنذُ أن أشرَقَت شمسُ هذه الشريعة الغرَّاء ظلَّلَت الكونَ بأمنٍ وارِفٍ، وأمانٍ سابغِ المعاطِفِ، لا يستقِلُّ بوصفِه بيان، ولا يخُطُّه يَراعٌ أو بَنان، فالأمنُ فيها من أولَى المطالِب، وأفضلِ الرغائِب، وأهمِّ المقاصِد؛ فهو مطلبٌ ربَّانيٌّ، ومقصدٌ شرعيٌّ، ومطلبٌ دوليٌّ، وهاجِسٌ إنسانيٌّ.
فإذا ما تحقَّق وتأكَّد، وعمَّ وتوطَّد، تأتلِقُ قُدراتُ الإنسان شطرَ الازدِهار، والتميُّز والابتِكار، والإنماء والإعمار، وينحسِرُ الاضطرابُ والبَوار.
فلله ثم لله؛ كم في الأمنِ من الفضائل والبركات، والآثار السنيَّات؛ كيف وقد جعله سبحانه من أجلِّ النِّعَم، وقرَنَه بالإطعام من الجوع، فقال سبحانه: (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش: 4].
معاشر المسلمين: ولقد كان الأمنُ أولَ دعوةٍ دعا بها خليلُ الرحمن إبراهيم -عليه السلام-؛ حيث قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة: 126]، فقدَّم الأمنَ على الرزقِ؛ بل جعلَه قرينَ التوحيد في دُعائِه، فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35].
وقد عمَّقَ الإسلامُ هذا المعنى ورنَّقَه، ففي ظِلالِه يتضوَّعُ الجميعُ الأمنَ والأمانَ، ويأمَنونَ الغُدَرَ الجِوان، ورميَ الرَّجَوَان؛ في البخاري عن أبي شُريحٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والله لا يُؤمِن، والله لا يُؤمِن، والله لا يُؤمِن". قيل: مَن يا رسول الله؟! قال: "الذي لا يأمَنُ جارُهُ بوائِقَه".
الله أكبر، الله أكبر!
ببـعثَته المكـارِمُ قد تجلَّـت *** فولَّى الشركُ وانهزَمَ انهزامًا
وسادَ الأمنُ بعد الخوف حتَّى *** ترقَّى الكونُ وانتظمَ انتظامًا
أمةَ الإسلام: تلكُم هي المنهجيَّة الإسلامية الصحيحة لهذه القضية الشاملة الرَّحيبة: قضية الأمن والأمان، فهما جنبان مُكتنِفان للإيمان مُنذُ إشراق الإسلام إلى أن يُحشَرَ الأنام، فلقد أعلَى الإسلامُ شأنَها ورفعَ شأوَها؛ حيث قال نبيُّ الهدى -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبحَ آمنًا في سِربِه، مُعافًى في جسده، عنده قُوتُ يومه، فكأنَّما حِيزَت له الدنيا بحذافِيرها". أخرجه الترمذي، وحسَّنه.
لقد طابَت الدنيا بطِيبِ مُحمَّدِ *** وزِيدَت به الأيامُ حُسنًا إلى حُسنِ
لقد فكَّ أغلالَ الضـلالِ بسُنَّةٍ *** وأنزلَ أهلَ الخوف في كنَفِ الأمنِ
ولقد امتنَّ الله تعالى على بلاد الحرمين الشريفين بنعمة الأمن والأمان، فقال سبحانه: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57]، وقال سبحانه: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت: 67].
فسبحان الله -عباد الله-، ها أنتم أُولاء ترونَ الناسَ من حولكم وما يعيشونَه من خوفٍ واضطرابٍ، ما هي أنباءُ إخوانكم في الأرض المُبارَكة فلسطين؟! بل ما حال إخواننا على رُبَا الشام الحَزين؟! ناهِيكم عمَّا يجري للمُسلمين في بُورما وأراكان من تقتيلٍ وتنكيلٍ وحرقٍ شائنٍ مُهينٍ، وقُل مثلَ ذلك في كل صِقعٍ رَهينٍ.
ولو كان سهمًا واحدًا لاتَّقيتُه *** ولكنَّه سهمٌ وثانٍ وثالثُ
فبلادُنا -بحمد لله- وهي قبلةُ المُسلمين، ومُتنزَّلُ وحي ربِّهم، ومبعثُ ومُهاجَرُ نبيِّهم -عليه الصلاة والسلام- آمِنةٌ -بفضل الله- من الحروبِ العاصِفة، والفتنِ القاصِفة التي تقُضُّ المضاجِع، وتُغوِّرُ الفواجِع، وتذَرُ الديارَ بلاقِع.
سلَّمها الله تعالى من الأحداث النوازل، والنَّكَبات القوازِل، وبسطَ الأمنَ في رُبُوعها، ونشرَ الأمانَ في أرجائِها، فلله الحمدُ والشكرُ أولاً وأخيرًا، وباطنًا وظاهرًا.
وليس مثلُ الأمنِ يحلُو به *** رغيدُ العيش وتهنَأُ الأنفُسُ
أمةَ الأمن والأمان: إن استِحكام الأمن في البلد الحرام عقيدةٌ راسخةٌ، أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء، لا يضيرُها عُكابات الأغتام ولا ذمُّ الصَّعافِقة اللِّئام، فقد أجدَبَت أشفارُهم، وتطايَرَت أحلامُهم، ووخَرَ الحقدُ صُدورَهم، فصاروا أطيَشَ من القدُوح الأقرَح، وساءَهم كلُّ ما يُفرِح، ومهما قطَّروا الجَلَب وناهَزوا الغَلَب؛ انعكَسَ عليهم الحال، وساءَت بهم الفِعال، الأمرُ الذي أقضَّ مضاجِعَهم، وزادَ حنَقَ ناعِقهم، فأجلَبوا بخيلِهم ورجِلهم، وبثُّوا الأراجيفَ الكاذِبة، والشائعات المُغرِضة، وما أشبهَهم بقول الأول:
كناطحٍ صخرةً يومًا ليُوهِنَها *** فلم يُضِرها وأوهَى قرنَه الوعِلُ
(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر: 43]، ما يُؤكِّدُ وبقوةٍ لاسيَّما للأجيال الناشِئة عدمَ الإصغاء لدُعاة الفتنة، وخفافيش الظلام، ومُثيري الشَّغَب والفَوضَى، ومُروِّجي الأفكار الضالَّة، ومن أسلَسُوا قِيادَهم وجعلُوا من أنفسهم أدواتٍ في أيدي أعدائهم، لاسيَّما عبر شبكات البثِّ المعلوماتيِّ، ووسائل التواصل الاجتماعيِّ.
فبلادُنا -بحمد لله- آمنةٌ مرغُوسة، وفي تُخوم الأمانِ مغروسة، ومن الأعادي -بإذن الله- مصونةٌ محروسة، وستظلُّ -بحول الله- ثابتةً على عقيدتها، مُتلاحِمةً مع وُلاتها وقادتها، وإن أصابَتها العُضالات، ومهما فقَدَت من رجالاتٍ وكفاءاتٍ، فخلفَهم أقيالٌ قاداتٌ.
إخوة الإيمان: وإننا إذ نُشنِّفُ الآذان في الحديث عن قضية الأمن والأمان لا ننسَى ما رُزِئَ به الأمنُ من فاجِعةٍ عظيمةٍ، وما ألمَّ به من مُصيبةٍ جسيمةٍ بوفاة رمزٍ من رموزه الكِبار الذي قادَ لأعوامٍ عديدةٍ منظومةَ العمل الأمنيِّ في البلاد، حتى انتشرَ الأمنُ -بفضل الله- في كل الأصقاع والوِهادِ.
وطلبُ الأمنِ في الزمانِ عسيرُ *** وحديثُ المُنَى خِداعٌ وزُورُ
فأضحَت البلادُ -بفضل الله تعالى ومنِّه- واحةَ أمنٍ وأمان، ودَوحةَ سلامٍ واطمئنان.
ودَّ العِدَى أن يكون من رعيَّته *** ليأخذوا الأمنَ تعويضًا من الحَذَرِ
كما نتذكَّرُ الأيادي الشاهِدة والأعمال الرائِدة التي أزجاها فقيدُ الأمة -رحمه الله، وطيَّب ثراه-، وخصوصًا فيما يتعلَّقُ بأمنِ الحَجيج والمُعتمرين، وسلامة القاصِدين والزائِرين.
فرحِمَ الله عبدَه الفقيدَ رحمةَ الأبرارِ، وألحقَه بعباده المُصطفَيْن الأخيار، وأمطرَ على قبره شآبِيبَ الرحمات، وأسكنَه فسيحَ الجنات، ورفعَ درجتَه في المهديِّين، وأخلفَه في عقبِه في الغابِرين.
سلامٌ على نفسِك الزاكِية *** وشكرًا لهمَّتك العالية
بل الأمنَ أرسلتَه مُحسِنًا *** أمِنتُ به كيدَ أعدائِيَ
وإننا وإن رُزِئنا بفقده، فعزاؤُنا فيمن خلَفَه وأتى بعده من هذه المنظومة المُتألِّقة، والسلسلة المُتأنِّقة.
وإنا إذا قمرٌ تغيَّبَ أو خبَا *** إذا قمرٌ في الأُفقِ يتلُوه ساطِعُ
فوفَّقهما الله وسدَّدَهما، وأعانَهما وأيَّدَهما في تحمُّل هذه الأعباء الجَسيمة، والمسؤوليَّات العظيمة، ووفَّق الله الجميعَ لما يحبُّ ويرضَى، وجنَّبَنا ما لَه يسخَطُ ويأبَى، إنه جوادٌ كريمٌ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].
بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الطَّول والمنِّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أفاضَ علينا من جزيلِ آلائِهِ الإيمانَ والأمنَ، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من صلَّى وصامَ، وأفضلُ من تهجَّدَ وقامَ، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبِهِ سادات الأزمان، كانوا من الليل الرُّهبانَ القُوَّام، ومن النهار الفُرسان الصُّوَّام، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا ربَّكم واشكرُوه على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، ومِنَنه التي أرسلَها تَترَى ولا تُستقصَى، فكما أفاءَ علينا سبحانه الأمنَ والأمانَ، فقد خصَّ هذه الأمةَ بمواسم الخيرات والنَّفَحات والبَرَكات، ومن أجلِّ هذه المُناسَبَات: ما نستشرِفُ مُحيَّاه، ونتطلَّعُ إلى لُقياه، خيرُ الشهور على مرِّ الأعوام والدُّهور: شهرُ رمضان شهرُ الخير والبرِّ والإحسان.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قامَ رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه".
أهلاً بشهر التُّقَى والجُودِ والكرَمِ *** شهر الصِّيامِ رفيعِ القدرِ في الأُمَمِ
أقبـلتَ في حُلَّةٍ حفَّ البهاءُ بها *** ومـن ضِيائِكَ غابَت بصمةُ الظُّلَمِ
فيا لهُ من فرصةٍ عظيمةٍ، ومُناسبةٍ كريمةٍ، تشرئِبُّ إليها الطُّلَى لتنالَ الدرجاتِ العُلَى، لكنَّها تحتاجُ منَّا إلى تهيِئَة فؤاد، وإعدادٍ للنفوسِ والأجساد.
أمةَ الصيام والقيام: إن الأمةَ وهي تستقبِلُ شهرَها الكريمَ، ووافِدَها العظيمَ، بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى استِدعاء معاني المُحاسَبة والتدبُّر، والتقويم والتفكُّر، وتهيِئَة النفوس للصيام والقِيام، والوحدة والاعتِصام، والتسامُح والتصافِي والوِئام، والحَذَرِ من الفُرقة والانقِسام، وأعمال العُنف والاضطِرابِ والخِصام، وتجديدِ التفاؤُل والأمل بنصر هذه الأمة في فلسطين، وبلاد الشام التي تتطلَّبُ قراراتٍ سريعةً مُلزِمةً، وخطواتٍ عاجلةً صارِمةً لإنهاءِ مأساتِها الخطيرة مع حلول شهر النصر والبطولات، وصلاحِ أحوال الأمة في كل مكان، ونهاية الظَّلَمة والطُّغاة والبُغاة بقوةِ الواحد الديَّان.
فاستقبِلوا شهرَكم يا قومِ واستبِقُوا *** إلى السعادةِ والخيراتِ لا الوِزرِ
أحيُوا ليـالِيَه بالأذكار واغتنِموا *** فليلةُ القدر هـذِي فُرصةُ العُمرِ
ألا فليهنَأِ المُسلِمون جميعًا في مشارقِ الأرض ومغارِبِها بهذا الموسم العظيم، ولينعَموا بحُسن استِقبال هذا الشهر الكريم، وهنا لا بُدَّ من لفتةٍ جادَّة للقائمين على الوسائل الإعلامية والقنوات الفضائيَّة أن يُراعُوا حُرمةَ هذا الشهر الفَضيل؛ فلا يخدِشُوا روحانيَّتَه بما لا يليقُ من البرامِج والمشاهِد والأفلام، لاسيَّما ما يمَسُّ سيدَ الأنام وآله وصحابته الكرام.
ألا فاتقوا الله -عباد الله-، وعاهِدوا أنفسَكم -أيها المُوفَّقون- على الصلاح والاستِقامة، والإخلاص والاستِجابة، والتوبة والإنابة؛ تسعَدوا في الدنيا، ودار الخُلد والكرامة.
ثم صلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على نبيِّ الرحمة والهُدى أفضلِ الصائمين، وأشرفِ القائمين، كما أمرَكم بذلك ربُّكم ربُّ العالمين، فقال -وهو أصدقُ القائلين-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا". خرَّجه مسلمٌ في صحيحه.
يـا أيها الراجُون خيرَ شفاعةٍ *** من أحمدٍ صلُّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما *** صامَ عبـدٌ أو تهجَّدُ مُسلِمُ
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على الرحمة المُهداة، والنعمةِ المُسداة، سيدِ الأولين والآخرين، ورحمة الله للعالمين، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرمَ الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، دمِّر الطغاةَ والظَّلمةَ وسائرَ المُفسدين وسائر أعداء الدين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم شتِّت شملَهم، وفرِّق جمعَهم، واجعلهم عبرةً للمُعتبِرين يا قويُّ يا عزيزُ.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتَنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا خادمَ الحرمين الشريفين، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائِبَه وإخوانه وأعوانه إلى ما فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألِّف بين قلوبِهم، وأصلِح ذات بينهم، واهدِهم سُبُلَ السلام، وجنِّبهم الفواحِشَ والفتنَ ما ظهرَ منها وما بطَنَ.
اللهم احفَظ على هذه البلاد عقيدتَها، وقيادتَها، وأمنَها، ورخاءَها، واستِقرارَها، اللهم احفَظها من شرِّ الأشرار، وكيدِ الفُجَّار، وشرِّ طوارِق الليل والنهار، وسائر بلاد المسلمين يا عزيزُ يا غفَّارُ.
اللهم انصر إخوانَنا المُجاهِدين في سبيلِك في كل مكانٍ، اللهم انصر إخوانَنا في سُوريا، اللهم انصر إخوانَنا في بلاد الشام، اللهم انصر إخوانَنا في بلاد الشام، اللهم أصلِح حالَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا حيُّ يا قيُّوم برحمتك نستغيثُ، فلا تكِلنا إلى أنفُسِنا طرفةَ عينٍ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم إنهم حُفاةٌ فاحمِلهم، اللهم إنهم عُراةٌ فاكسُهم، اللهم إنهم جِياعٌ فأطعِمهم، ومظلومون فانصُرهم، ومظلومون فانصُرهم، ومظلومون فانصُرهم، يا ناصرَ المُستضعَفين، يا ناصرَ المُستضعَفين، يا مُجيبَ دعوة المُضطرين، يا مُجيبَ دعوة المُضطرين.
اللهم بلِّغنا بمنِّك وكرمِك شهرَ رمضان، اللهم اجعلنا ممن يصومُه ويقومُه إيمانًا واحتِسابًا، اللهم سلِّمنا لرمضان، وسلِّمه لنا، وتسلَّمه منا مُتقبَّلاً.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدينا ولجميع المُسلمين الأحياءِ منهم والميِّتين برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
سُبحان ربِّك ربِّ العِزَّة عمَّا يصِفُون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
التعليقات