اقتباس
الإسراف في المجتمع أنواعه أسبابه وطرق الوقاية منه
عبد الإله جاورا أبو الخير
المقدمة:
الحمدُ للهِ الذي جعلنا أُمَّةً وسطًا، وخلق لنا ما في الأرض جميعًا، كما جعلنا من خير أُمَّةٍ أُخرجت للناس، نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله، فنحمده أنْ رزقنا خيرَ نبيٍّ، وخيرَ كتابٍ أُنزل، وخيرَ الليالي؛ ليلة القدر، وأُصلِّي وأُسلِّم على سيِّدنا محمدٍ أفضل مَنْ صلَّى وصامَ، وعلى آله وصَحْبِه حمَلة السُّنَّة إلينا، وجزى اللهُ خيرًا أجْدادَنا الذين نقلوا إلينا هذا الدين عذبًا سلسلًا، وكل من خدم هذا الدين، وبعد:
فقد طلب مني جماعة من الشباب أن أُلقي محاضرةً حول الإسراف في المجتمع؛ لما رأوا من كثرته في أُمَّتِنا؛ فلبَّيْتُ دعوتهم حينما رأيتُ حرصهم الشديد على خدمة الدين، واستجابة لقول النبي المصطفى: ((إن الدالَّ على الخير كفاعله))، وعسى أن يهديني الله وإيَّاهم، وكل من سمِعها أو قرأها إلى سبيل الرشاد، إنه وليُّ ذلك، والقادر عليه.
عناصر موضوع الإسراف في المجتمع:
1- مفهوم الإسراف.
2- حكم الإسراف.
3- من معاني الإسراف في القرآن.
4- الحكمة في تحريم الإسراف.
5- من أنواع الإسراف.
6- من أسباب الإسراف.
7- الاعتبار بمن كان قبلنا.
8- عقوبة المسرفين.
9- طرق الوقاية من الإسراف.
♦ ♦ ♦
مفهوم الإسراف:
الإسراف في اللغة: مجاوزة الحد.
الإسراف في الاصطلاح: تجاوز الحدِّ المشروع فيما أحلَّ الله لك من الأقوال والأفعال.
حكم الإسراف: حرام، قال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
عبَّر عنها بعض السلف: أنها نصف آية جمعت الطبَّ، وفي الحديث عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنهم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلوا واشربوا، والبسوا وتصدَّقُوا، في غير إسرافٍ ولا مخيلةٍ))؛ رواه البخاري مُعلَّقًا مجزومًا به.
وجاء في رواية ابن ماجه: ((كلوا واشربوا، وتصدقوا والبسوا، ما لم يخالطه إسرافٌ أو مخيلةٌ))، وزاد أحمد في روايته: ((إن الله يحبُّ أن تُرى نِعْمتُه على عبده)).
من معاني الإسراف:
ولنذكر ستة معانٍ للإسراف مما ورد في القرآن الكريم:
1- الزيادة على القدر الكافي والحدِّ المشروع؛ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].
2- الشرك والتجرُّؤ على الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 43].
3- مجاوزة الحلال إلى الحرام؛ قال تعالى: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾ [النساء: 6].
4- التجاوز فيما يجب فعله شرعًا؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33].
5- الإسراف والتبذير في النفقة؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
6- الإفراط في المعصية؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
الحكمة في تحريم الإسراف:
من الحكم في تحريم الإسراف:
1- وقاية الفرد والمجتمع من الأمراض الناجمة عن الإكثار من المأكولات والمشروبات.
2- حفظ مال الفرد والمجتمع حتى لا يحل عليهم الفقر.
3- بقاء المجتمع آمِنًا من الفتن والحسد والعداوة؛ إذ بالإسراف قد توقد النيران بين الفقراء والأغنياء خصوصًا بين ذوي الأرحام.
من أنواع الإسراف:
إن صور الإسراف في مجتمعاتنا كثيرة، فلا نستطيع حصرها؛ لكن نحاول أن نجمعَ بعضًا منها بقدر وِسْعنا.
1- الإسراف في البيوت.
من الإسراف في البيوت عدم تقليل الماء أثناء الوضوء أو في الاستحمام مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بأربعة أمداد من الماء، وكذلك في الكهرباء بحيث يتركون المصابيح مُتَّقِدة صباحًا ومساءً.
2- الإسراف في الأسواق:
ارتفاع الأسعار، وانتشار الرِّبا في الأسواق، وإهمال المراقبين للأسواق حتى كثُر السُّرَّاق فيها.
3- الإسراف في المراكب:
لقد كثُرت الحوادث في السيارات، والعربات، والدرَّجات الناريَّة من أجل السرعة، وازدحام الناس فيها من فوقها، وكذلك رفع أسعار استخدام السيارات في المناسبات.
4- الإسراف في المدارس:
تجاوز التلاميذ الحدود في الغياب بلا مبرِّر، وقد كثُرت الشكوى من الإدارات إلى أوليائهم.
5- الإسراف في الشوارع:
سدُّ الطُّرُق العامَّة للعب، أو للزفاف، أو للمحاضرات دون طلب الإذن من البلدية، أو التنسيق مع العمدة؛ فيؤذون الجيران والمارِّين.
6- الإسراف في الأعراس وحفلات الزفاف:
لبس العروسة لباسًا مكشوفًا قيمته غالية، وتجاوز الحدِّ في الإنفاق حتى بعض الناس يأخذون ديونًا لا يستطيعون سَدادَها.
7- الإسراف في شهر رمضان:
من مظاهر الإسراف في شهر رمضان كثرة الأكل والشرب حتى يعجِزون عن صلاة التراويح، ويسهرون الليل كله بالمحادثات دون تهجُّد فيؤذون الجيران بأصواتهم.
8- الإسراف في الكلام:
وذلك يحدث أثناء زيارة الناس للمرضى في المستشفيات؛ فيرفعون أصواتهم أمام المرضى في القيل والقال دون شعور به ودون مراعاة لآداب الزيارة.
9- الإسراف في التقنيات الحديثة:
أضاع كثيرٌ من الناس أوقاتهم في مشاهدة التلفاز، وفي استماع الإذاعات، والمحادثة عبر الفيسبوك، والواتساب وغيرها من التقنيات الحديثة حتى أنساهم ذكر الله والصلوات، والقيام بشؤون أسرهم.
10- الإسراف في أيام العزاء:
بعد موت أحدهم قد تقوم أسرته بذبح المواشي، ويأتي الجيران فيجلسون معهم خلال أسبوع كامل أو شهر، وهذا عدا كونه إسرافًا مرفوضًا، فإن الوقت قد يضيع إما في الكلام الباطل حول الميِّت أو حول الناس.
أسباب الإسراف:
الأسباب التي تقود الناس إلى الإسراف كثيرةٌ، وسنذكر بعضًا منها:
1- وجود نقص في التربية الإيمانية، فلو كان المرء يخشى الله حقًّا، لاجتنب كثيرًا من الأمور المُحرَّمة.
2- تقليد الآخرين.
3- حبُّ الرياء والسُّمْعة.
4- صُحْبة المسرفين.
5- قسوة القلب.
6- وجود انحراف في البيئة التي يعيش فيها المسرف.
الاعتبار بمن كان قبلنا:
على المرء أن يأخذ العبرة ممَّن قبلَه من الأُمَم، ومن الذين طغوا، فأسرفوا في أقوالهم وأفعالهم، فأهلكهم الله؛ كفرعون بقوله، وقارون بماله، وقوم عاد بقوَّتهم.
عقوبة المسرفين:
1- فالمسرف يُضلُّه الله، ولا يهديه ما دام في إسرافه؛ قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28]، وقال أيضًا: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ﴾ [غافر: 34].
2- تزيين الأعمال للمسرف:
قال تعال: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يونس: 12].
3- المسرف مع شرار الناس؛ كفرعون:
قال تعالى: ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83].
4- المسرف في زمرة الهالكين:
قال تعالى: ﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنبياء: 9].
5- المسرف بالشرك:
قال تعالى: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 43].
طرق الوقاية من الإسراف:
1- العلم بأن الله يحبُّ المتقصدين المعتدلين في الإنفاق؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].
2- اليقظة بعد الجهل.
3- الدعاء فهو سلاح المؤمن.
4- عدم اليأس مع رجاء المغفرة من الله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
5- توعية الناس، وإرشادهم عبر المرئيَّات، والسمعيَّات لعلهم يتذكَّرون أو يخشون.
نسأل الله أن يشرح صدُورنا حتى يتبيَّن لنا الحق، ويلهمنا إلى ما فيه صلاحنا، إنه وليُّ ذلك، والقادر عليه.
التعليقات