عناصر الخطبة
1/مكانة الإخلاص وفضله 2/تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته لأعمال القلوب 3/خطر الرياء وعقوبته 4/ من صور إخلاص السلف والصالحيناقتباس
إنَّ في تَذَاكُرِ سِيَرِ الصالحينَ وأخبارِهم في الإخلاصِ للهِ عِظَةٌ وعِبرَةٌ؛ ويُحدِثُ في القلبِ رِقَّةً وقُرباً إلى اللهِ رَبِّ العالمين، وقد كان لسلفنا الصالحِ مَواقِف مُتَنوِّعَة في الإخلاصِ للهِ -سبحانَهُ-، سواءٌ في إنفاقِهم أو في صلاتِهم أو قِراءَتِهم للقُرآنِ أو في جِهادِهم في سبيلِ اللهِ إلى غيرِ ذلك من الخيرات؛ ولنا فيهم قُدوَةٌ؛ فقد جاءَ...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ للهِ نَحمدُهُ، ونَستعينهُ ونَستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ -تعالى- من شُرورِ أنفُسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومن يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، جَلَّ عن الشبيهِ والـمَثيلِ والكُفْءِ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه، وصَفِيُّهُ وخليلُهُ، وخيرَتُهُ من خَلقِه، وأمينُهُ على وَحْيِه.. أرسلَهُ رَبُّه؛ُ رحمةً للعالَـمين، وحُجَّةً على العبادِ أجمعين، فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ، ومَن سارَ على نَهجِهِ، واقْتَفى أثَرَهُ، واسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إلى يَومِ الدِّين.
أما بعد:
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: لما فَرَضَ الله الفَرائِضَ وسَنَّ الأحكامَ جعلَ الأعمالَ على أقسامٍ؛ فمنها أعمالٌ خاصَّةٌ بالجَوارِحِ، ومنها أعمالٌ خاصةٌ بالقُلوب؛ فجعلَ أعمالَ القُلوبِ في كثيرٍ من الأحيانِ مُقَدَّمَةً على أعمالِ الجوارح، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].
وبَيَّنَ اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- أنهُ لا يَنفعُ الإنسانَ يومَ القيامةِ إلّا إذا قَدِمَ على اللهِ بقلبٍ سليم قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89]؛ أي: سليمٌ من الشركِ والرِّياءِ، ومن القَوادِحِ التي تُفسِدُ عليهِ عمَلَه؛ سواءٌ أفسدَتْ عملَهُ الباطِنَ أو عملَه الظاهِر؛ فالرِّفْعَةُ عندَ اللهِ في الدَّرَجات ومُضاعَفَةُ الحسناتِ وتَكفيرُ السيِّئاتِ تَتَحَقَّقُ بإصلاحِ أعمالِ القلوب.
وقد بَيَّنَ نبيُّنا -صلى الله عليه وآلهِ وسلم- فَضْلَ الإخلاصِ للهِ -سبحانَهُ وتعالى-، وصِدْقَ النيةِ في التَّقَرُّبِ إليهِ بقوله: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ" (رواه البخاري ومسلم).
ثُمَّ ذَكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هذهِ الأصنافَ، وهُم ما ارْتَفَعوا وفُضِّلوا إلَا لِصلاحِهم في أعمالِ قلوبِهم، فذكرَ منهم: "رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ"؛ فإنَّ قلبَهُ هو الذي تَعَلَّقَ، فلمَّا وَقَعَ في قلبِهِ حُبُّ الصلاةِ والتعظيمُ لها اسْتَحَقَّ أنْ يَسْتَظِلَّ بِظِلِّ العَرشِ يومَ القِيامَة.
قال: "وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ"؛ فالمحبة -أيضاً- عملٌ من أعمالِ القلوب.
قال: "وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ". وهذا عملٌ من أعمالِ القلوبِ وهو الإخلاصُ للهِ -تعالى-.
قال: "وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"؛ فإنَّهُ عَمِلَ عملاً بالقلبِ وهو الخشيةُ والخوفُ والتعظيمُ للهِ -تعالى-؛ مما أدَّى إلى رِقَّةِ قلبهِ وخَشيَتِهِ، فدَمَعتْ مِن أثرِ ذلكَ عَينَه.
أيُّها الأحبَّةُ الكِرام: إنَّ الذي يَنظُرُ في حالِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- ويَتَأمَّلُ في حالِ أصحابهِ الكرامِ يَجِدُ أنَّهم كانوا يُعَظِّمونَ أعمالَ القلوبِ؛ وخاصةً ما يَتَعَلَّقُ بإخلاصِ الأعمالِ للهِ -سبحانَهُ وتعالى-؛ فأيُّ مُصيبةٍ أعظمُ من أن يَلْقَى العبدُ رَبَّهُ -جَلَّ وعَلا- وهو قد أرادَ بِصَلاتِهِ أو صَومِهِ أو أرادَ بأمرِهِ بالمعروفِ ونَهيهِ عن المنكرِ أو أرادَ بِبَذْلِهِ في الخيرِ أو أرادَ بِشَيءٍ من الطاعاتِ أنْ يـَحْصُلَ على ثَناءِ الناسِ، أو أنْ يَرَى مِنهُم إكْراماً لأجلِ ما عَمِل!
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ" (رواه البخاري ومسلم).
ومَعنى: "مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ"؛ مَنْ عَمِلَ العملَ الصالـِحَ ثمَّ بَدأَ يُسْمِعُ الناسَ ذلكَ كأنْ يقولَ لهم: قَدْ كُنتُ الليلةَ قائِماً أُصلِّي، أو قد تَصدَّقْتُ في اليومِ الفُلاني، فهو يُسْمِعُ الناسَ ويَتحدَّثُ بأعمالِهِ، فهذا يُسَمِّعُ اللهُ -تعالى- بِهِ؛ أي: يَفْضَحُهُ يومَ القيامةِ، ويُقالُ لَه: اذْهَبْ إلى الذينَ كُنتَ تُسْمِعُهُم في الدُّنيا، وانْظُرْ هل يُعطونَكَ جَزاءَ عَمِلِك، أم لا؟!
ومعنى: "وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ"؛ أي: أنَّ مَن يُرائي الناسَ فيُحَسِّنُ صَلاتَهُ لأجلِ نَظَرِهم إليهِ، أو يَتَصدَّقُ لأجلِ نظرِهم إليه، أو يأمُرُ بالمعروفِ ويَنهى عن المنكرِ ليسَ غَيْرَةً للهِ، وإنَّما لأجلِ أنْ يُثْنِيَ الناسُ عليهِ ويقولونَ: فُلانٌ يُنكِرُ المنكراتِ أو لا تأخُذُهُ في اللهِ لَومَةُ لائِمٍ؛ فَمَن يُرائي الناسَ بِعملِهِ سواءٌ بإنكارِه أو دَعوَتِه أو صدَقَتِه أو بتأليفِه أو بخُطبَتِه يُرائِي اللهُ بِه؛ أي: يَنْشُرُ يومَ القيامةِ اسْمَهُ ويَرفَعُ خَبَرَهُ، ويُقالُ: هذا الذي رَاءَى، وكانَ يَعمَلُ هذهِ الأعمالَ لِغَيرِ اللهِ -سبحانه وتعالى-.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: جاء في الحديث عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ أَنَّهُ، دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ حَتَّى قَعَدْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاسَ، فَلَمَّا سَكَتَ وَخَلاَ قُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ بِحَقٍّ، وَحَقٍّ لَمَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَقَلْتَهُ وَعَلِمْتَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَقَلْتُهُ وَعَلِمْتُهُ، ثُمَّ نَشَغَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَشْغَةً فَمَكَثْنَا قَلِيلاً ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا البَيْتِ مَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ نَشَغَ نَشْغَةً فَأَفَاقَ، فَهُوَ يَقُولُ: أَفْعَلُ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَشَغَ الثَّانِيَةَ فَأَفَاقَ، وَهُوَ يَقُولُ: لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَشَغَ الثَّالِثَةَ، أَوِ الرَّابِعَةَ ثُمَّ أَفَاقَ، وَهُوَ يَقُولُ: أَفْعَلُ، لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْبَيْتِ لَيْسَ مَعِي فِيهِ غَيْرُهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ؛ فَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ، فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، فَيَقُولُ اللَّهُ -تعالى- لَهُ: عَبْدِي، أَلَمْ أُعَلِّمْكَ مَا أَنْزَلْتُ عَلَى رَسُولِي؟ فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلَّمْتُكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، كُنْتُ أَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، اذْهَبْ فَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ عِنْدَنَا شَيْءٌ، ثُمَّ يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْمَالِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: عَبْدِي، أَلَمْ أُنْعِمْ عَلَيْكَ؟ أَلَمْ أُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكَ؟ أَوْ نَحْوَهُ، فَيَقُولُ: بَلَى يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا آتَيْتُكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كُنْتُ أَصِلُ الرَّحِمَ، وَأَتَصَدَّقُ، وَأَفْعَلُ، وَأَفْعَلُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، اذْهَبْ فَلَيْسَ لَكَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ شَيْءٌ، وَيُدْعَى الْمَقْتُولُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: عَبْدِي، فِيمَ قُتِلْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، فَيكَ، وَفِي سَبِيلِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ -تعالى-: كَذَبْتَ، وَتَقُولُ لَهُ الْمَلَائِكَةُ: كَذَبْتَ، بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، اذْهَبْ فَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ عِنْدَنَا شَيْءٌ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ عَلَى رُكْبَتِي، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (رواه أحمد والترمذي واللفظ له والنسائي ورواه مسلم مختصراً).
فأوَّلُ مَن تُهَيَّجُ أو تُذْكَى بهم النارُ هم ثلاثةُ أصنافٍ؛ فهل قال: الزَّاني وشارِبُ الخَمرِ والعَاقِّ لِوَالِدَيه؟ أو قال: المشرِكُ والقاتِلُ والـمُرتَشي؟! قال: "رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ، ومُتَصَدِّقٌ، وَرَجُلٌ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
عجباً! أهَذا جَزاءُ الـمَرْءِ إذا قَدَّمَ عَمَلاً صالِحاً صارَ أوَّلَ من تُسَعَّرُ بهِ النارُ يومَ القيامَةِ؟
كلا... ولكنْ انظُرْ إلى السَّبَبِ والعِلَّةِ! قال: "وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ".
أرادَ أنْ يُقالَ عنه: صوتُهُ جميلٌ أو حَسَنٌ، أو أنَّه عالمٌ بالقرآنِ أو مُعَلِّمٌ له، لكنَّه ما فَعَلَ هذا لله، فكانَ هذا جَزاؤه.
"وَيَقُولُ اللَّهُ: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ".
فقاتلَ في سبيلِ اللهِ ودَعَمَ بنفسهِ ومالِه الجهادَ في سبيلِ الله، فيما يظهر للناس، ولكن اللهُ -تعالى- وَحدَهُ هو الذي يَعلمُ ما في قلبِهِ وما كانتْ نِيَّتُهُ، فقد أرادَ بعمله أنْ يُثْنِيَ الناسُ عليهِ ويَمدَحوهُ لشجاعَتِه، فكانَ جزاؤهُ النار.
"وَيَقُولُ اللَّهُ -تعالى-: بَلْ أَرَدْتَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ذَاكَ،، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ.
فهذا الرجُلُ الـمُنفقُ الـمُتَصَدِّقُ قد بَنى المساجِدَ، وكَفَلَ الدُّعاةَ، وأنفقَ على الأيتامِ، وأطعَمَ المساكينَ، وطَرَقَ كُلَّ أبوابِ الخيرِ لكن ليسَ لوَجْهِ اللهِ؛ وإنَّما ليُقالَ: جوادٌ كريمٌ، فكان هذا مَصيرُهُ وجَزاؤه.
قَالَ أَبَو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رُكْبَتِي فَقَالَ: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ".
أقولُ ما تَسمَعونَ، وأستَغْفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذَنْبٍ، فاسْتَغْفِروهُ وتوبوا إليه؛ إنَّهُ هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِهِ، والشُّكرُ لَهُ على تَوفيقِهِ وامتِنانِهِ، وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَه، تَعظيماً لِشأنِه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه الدَّاعي إلى رِضوانِه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آلهِ وصَحبِهِ وإخوانِه وخِلّانِه، ومن سارَ على نَهجِه، واقْتَفى أثَرَهُ، واسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ إلى يومِ الدِّين.
أما بعد:
أيُّها الأحبة الكرام: إنَّ في تَذَاكُرِ سِيَرِ الصالحينَ وأخبارِهم في الإخلاصِ للهِ عِظَةٌ وعِبرَةٌ؛ ويُحدِثُ في القلبِ رِقَّةً وقُرباً إلى اللهِ -رَبِّ العالمين-، وقد كان لسلفنا الصالحِ مَواقِف مُتَنوِّعَة في الإخلاصِ للهِ -سبحانَهُ-، سواءٌ في إنفاقِهم أو في صلاتِهم أو قِراءَتِهم للقُرآنِ أو في جِهادِهم في سبيلِ اللهِ إلى غيرِ ذلك من أنواعِ الخيرات؛ ولنا فيهم قُدوَةٌ وعِظَةٌ.
فقد جاءَ رَجُلٌ -يُقالُ له: حَمْزَةُ بْنُ دِهْقَان- إلى بِشْرٍ الحافي، فقالَ له: يا بِشرُ أريدُ منكَ ساعةً أخلو مَعكَ فيها، قال: فَواعَدَهُ ساعةً في ذلك، قال: فدخلتُ عليهِ وإذا هو في قُبَّةٍ يُصلي يَنتظِرُ ذلك الرجل، قال: فصلَّى أربَعَ ركَعاتٍ ثم سمعتُهُ يَدعو وأنا واقِفٌ وَراءَهُ يَقول: "اللهمَّ إنَّكَ تَعلَمُ فَوقَ عَرشِكَ أنَّ الذُّلَّ -يَعني الانكِسارَ وعَدَمَ الشُّهرَةِ وعدمَ الظهورِ- أمامَ الناسِ أحَبُّ إلَيَّ من الظهور، اللهمَّ وإنَّكَ تَعلمُ فوقَ عرشِكَ أنَّ الفَقْرَ أحبُّ إليَّ من الغِنى، اللهمَّ إنَّكَ تَعلمُ فوقَ عرشِكَ أنِّي لا أؤثِرُ على حُبِّكَ شَيئًا"، قال: فلمَّا سَمِعتُهُ يقولُ ذلك: بَكَيتُ وشَهَقْتُ، قال: فقال: "اللهمَّ إنَّك تَعلم أني لو أعلَمُ أنَّ هذا يَسمَعُني ما رَفَعتُ صَوتي بِدُعائِك".
وقال الأعمشُ: "كنتُ عندَ إبراهيمَ النَّخَعي وهو يَقرأُ في مُصْحَفٍ، فاسْتأذَنَ عليهِ رجلٌ فَخَبَّأَ المصحفَ، فقلتُ له: لماذا؟ قال: لأنَّ هذا دَخَلَ عليَّ مِراراً وأنا أقرأ، فلا أريدُهُ أن يقولَ في نفسهِ: هذا يَختِمُ كُلَّ يوم".
وكان أبو الحسن محمد بن أسلم الطوسي يَدخُلُ بيتاً، ويُدخِلُ معه ماءً في إناءٍ ثم يُغلِقُ البابَ، يقولُ عنه خادِمُه: فلم أدرِ ما يَصنعُ حتَّى سَمِعتُ يوماً صغيراً له يَبكي بِبُكاءِ الكبار، فقلت لأمه: ما هذا؟ قالت: إنه يُقَلِّدُ بُكاءَ أبي الحسن! قلت: أيُّ بُكاءٍ؟ قالت: إنه يدخلُ هذا البيتَ فيقرأُ القرآنَ ويَبكي، فيسمعُه الصبيُّ فيُقلِّدُه الآن! قالت: فإذا أرادَ أن يخرجَ إلينا غَسَلَ وَجهَهُ بالماءِ الذي مَعَه حتى لا يَظهَرَ عليهِ أثرَ البُكاء.
وقال أبو إسماعيل الصائغ: "كان أبي ومَشيَخَةُ الحيِّ إذا كان يومُ صومِ أحدِهم ادَّهَنَ -أي دَهَنَ شَفَتيهِ ويَدَيهِ- وتَطَيَّبَ، ولَبِسَ أحسنَ ثِيابِه، ثمَّ خرجَ إلى الناسِ حتى لا يُعرَفَ أنَّ فُلاناً صائِمٌ".
وقال محمد بن واسع: "أدركتُ أقواماً واللهِ إنَّ رأسَ أحدِهم يكونُ بجانِبِ رأسِ امرأتِه على وِسادَةٍ واحِدَةٍ، وقد بَلَّ ما تحتَ خَدِّهِ من دُموعِه من خَشيةِ اللهِ، وإنَّ امرأَتَه لا تَعلمُ عنهُ شيئاً".
وكان ابنُ عُيَينةَ إذا حدَّثَ بحديثٍ عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وهو في حَلْقَتِه بكى، فكانَ يجعلُ طرفَ عِمامَتِهِ على عَينَيهِ وأنفهِ؛ ويقولُ: "ما أشَدَّ الزُّكامَ اليوم!".
أيُّها الأحبة الكرام: كان سلفنا -رحمهم الله- أحرص ما يكون على الخير، وكان اعتناؤهم بقلوبهم أشد ما يكون، ومن اعتنائهم بقلوبهم إخفاؤهم لأعمالهم.
قيلَ لعبدِالله بنِ المبارك: إبراهيمُ بنُ أدهم -وهو العابِدُ- ممَّن سَمِعَ؟ أي ممن أخذَ الحديثَ والعلمَ؟ فقال: "قد سمعَ من الناسِ، وله فَضلٌ في نَفسِه، فما رَأيتُهُ يُظهِرُ تَسبيحاً ولا شيئاً من الخير، ولا أكلَ مع قومٍ قَطُّ إلّا كانَ آخِرَ مَن يَرفَعُ يَدَهُ"؛ أي: يَتَظاهَرُ أمامَهم أنَّه يأكلُ كثيراً حتى لا يُقالُ عنه: زَاهِد.
وخرجَ عبدالله بن المبارك في غزوِ بلادِ الرومِ، فالتَقى المسلمونَ معَ الرومِ، فخرجَ رجلٌ من فرسانِ الرومِ يَطلُبُ المبارَزَةَ، فخرجَ إليهِ رجلٌ من المسلمينَ وقاتَلَه، فقَتَلَ ذلكَ الروميُّ المسلمَ، ثمَّ صاحَ الروميُّ يُطالِبُ بِرَجُلٍ آخَرَ، فخرجَ إليهِ مُسلمٌ آخرُ فقَتَلَهُ الروميُّ، ثم صاحَ الروميُّ يطلبُ رجلاً ثالثاً، فخرجَ إليهِ رجلٌ مُلَثَّمٌ عليهِ آلَةُ الحربِ، فقاتَلَهُ حتى قَتَلَ المسلمُ ذلك الروميَّ، فلما خَرَّ الروميُّ صريعاً، رجعَ المسلمُ إلى أصحابهِ وهو يُحْكِمُ لِثامَهُ حتى لا يَعرفوه، فاجتمعَ إليهِ الناسُ وهم فَرِحونَ مُستَبشِرونَ، وجعلوا يَسألونَه: من أنت؟ وهو يَتَخفَّى عنهم، يريدُ أن يَفِرَّ، فأقبلَ رجلٌ من أصحابِ عبدالله بن المبارك - اسمهُ أبو عمر- فجعلَ يُقَرِّبُ يَدَهُ حتى نَزَعَ اللِّثامَ عن وجههِ، قال: فردَّ عبدالله بن المبارك اللثام، وقال: يا أبا عمر! -عفى اللهُ عنك- حتى أنتَ ممن يُشنِّعُ علينا ويَفضحُنا، وأخذَ يُغطِّي وَجهَه حتى لا يَراهُ الناس، فيُذْكَر أو يُشْكر.
وحينَ حاصرَ مسلمةُ بن عبدالملك حِصناً للروم، فاشتدَّ الحصارُ، وشقَّ على المسلمين طولُ الانتظار، ورَغِبَ المسلمون لو يَجدونَ مكاناً يَدخُلونَ فيهِ الحصنَ، لكنَّ الرومَ قد تَحصَّنوا تَحصيناً شديداً وأخذوا أُهبَتَهم من الطعامِ والشراب، وكان الرومُ كلَّما اقتربَ أحدُ المسلمين من الحصنِ رَمَوهُ مُباشرةً بالسِّهامِ، فيقتلونَه قبلَ أن يَصِلَ إليهم، والمسلمونَ تَحتَهم وليس عندَهم شيءٌ يَقيهم من هذه السهام، فأقبلَ رجلٌ من المسلمينَ وركضَ حتى وصلَ إلى الحصنِ، وجعلَ يَلتَصِقُ بالجدارِ حتى لا تُصيبُه السهام؛ لأنه كلَّما التَصقَ بالجدارِ لا يَستطيعونَ إصابَته؛ لأنَّهم فوقَ الجدار، وجعلَ يَضرِبُ الجدارَ حتى نَقَبَ فيه نَقباً، ثمَّ صاحَ بالمسلمين، فلمَّا رَأوا هذهِ الفَجوَةَ أقبلوا ودَخلوا، ثم قتلوا من عندَ البابِ، وفَتحوا بابَ الحِصنِ ودخلِ المسلمون، فبَحثَ مسلمةُ عن صاحبِ النَّقْبِ فلم يَجِده، فجعلَ يُنادي في الناس: عزمتُ على صاحبِ النَّقبِ أن يأتيَ إليَّ، فلم يأتِهِ أحدٌ، فخرجَ مسلمةُ في الناسِ وأقسمَ قائلاً: أقسمتُ باللهِ العظيمِ على صاحبِ النَّقْبِ أن يأتيَ إليَّ، فلمَّا كان الليلُ أقبلَ رجلٌ مُلَثَّمٌ حتى وصلَ إلى الحاجبِ عندَ خَيمةِ مسلمة فهم لا يزالونَ في نهايةِ الحربِ، فقال له الحاجب: أنتَ صاحبُ النقب؟ قال: أنا أدُلُّكم عليه، أريدُ أن أقابلَ القائد، فدخلَ على القائدِ، فقال له: إنَّ صاحبَ النَّقْبِ يَشتَرِطُ عليكم ثلاثاً:
أولاً: ألّا تَسألوه عن اسمِهِ، ثانياً: ألَّا تُعطوهُ جائِزةً، ثالثاً: ألَّا تَرفعوا بهِ للخليفة، فإذا أعطيتموهُ هذهِ الشروطَ الثلاثةَ جاءَكم صاحبُ النقب، قال مسلمة: مادامَ أنَّ الأمرَ كذلك فَقُلْ لَه: نَعم له ذلك، فقال: أنا هو، أنا -واللهِ- صاحبُ النَّقْبِ، قال: اكشِفْ عن وَجهِك لأراك، قال: لا -واللهِ- لا أكشفُ عن وَجهي، ولا أخبرُكَ باسمي، إنما عَمِلتُها لله، ثم خرجَ من مكانه.
ولما ماتَ عليُّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب -الملقب بزينِ العابدين-، وأرادوا أن يَغسِلوهُ بعدَ موتِه، فلما نَزَعوا عنه ثيابَه رَأوا في ظهرِه أثَراً كأنَّه آثارُ حمَّال؛ لأنَّ الحمالَ الذي في السوقِ يَظهرُ على جلدهِ آثاراً من كثرةِ ما يحملُ على ظهره، فعجِبوا من هذا! فما كان يحملُ على ظهره؟ وهو الذي عندَهُ مِائةُ خادمٍ ما بينَ مُستأجَرٍ وعبدٍ مملوك! فلما دَفنوه انقطعت الميرةُ- وهي الطعامُ والصدقاتُ- عن مِائةِ بيتٍ في المدينة، وهي أناسٌ فقراءُ كانت تُحمَلُ إليهم في الليل، لا يَدرونَ من الذي يُحضِرُها إليهم، فلما رَأوا ذلكَ علموا بأنَّ الذي كان يَحمِلُها في ظُلمَةِ الليلِ، رجلٌ صالحٌ اسمُهُ زينُ العابدين.
أيُّها الأحبَّةُ الكرام: يَنبغي أن يُعالِجَ الإنسانُ نَفسَهُ وخُصوصاً في إخلاصهِ للهِ -سبحانه-، ويتعاهد سريرته مع الله فيحاسِبْ نفسَه قبلَ كلِّ شيءٍ، في أي عمل ٍ يعمله، هل ما أعمَلُهُ للهِ أم لغيرِ الله؟
فإذا أردت -يا عبد الله- أن يصلح الله قلبك فاعمل لله، واجتهد على إخفاء العمل؛ فإن في ذلك إصلاحاً عظيماً للقلب.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح قلوبنا وأن يصلح أعمالنا، ويصلح سرائرنا، ويصلح ظواهرنا، وأن يتوب علينا، ويغفر لنا تقصيرنا، وإسرافنا في أمرنا.
اللهمَّ اجعلنا من الصادقين ووفِقنا لفعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحُبِّ المساكين.
اللهمَّ اغفِرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا اللهمَّ من كانَ منهم حياً فمتِّعْهُ بالصحةِ على طاعتِك واخْتِمْ لنا ولَه بخير ومن كان منهم مَيِّتاً فَوَسِّعْ له في قَبْرِهِ وضاعِفْ له حسناتِه وتَجاوزْ عن سيئاتِه واجمعْنا بهِ في جنَّتِك يا رَبَّ العالمين.
اللهمَّ أصْلِحْ أحوالَ المسلمين في كُلِّ مكان.
اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين.
اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجْته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنكَ حميدٌ مجيد،
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النَّحْلِ:90].
فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات:180-182].
التعليقات
زائر
08-06-2022خطبة رائعة جزاكم اللّه خير الجزاء
زائر
13-08-2023زادكم الله كل خير
زائر
20-08-2023جزاكم الله خيرا
وكتب ألله أجركم