عناصر الخطبة
1/الحث على الإحسان 2/من مجالات الإحسان 3/من مظاهر الإحسان في البيت

اقتباس

وأما الإحسان في السوق ومع عامة الناس: فهو أن يمشي الإنسان بسكينة ووقار، وأن يفشي السلام على كل مسلم، وأن يغض بصره عن المحارم، وأن يَسْلَمَ المسلمون من يده ولسانه، وأن يعطي السائل، ويحنُّ إليه على قدر استطاعته، كما روي أنه...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

     

الحمد لله الذي دعا إلى الإحسان، وحرّم الظلم على نفسه، وجعله بيننا محرّمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، الذي كتب الإحسان على كل شيء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: اعلموا أن الله خلق الثقلين الجنَّ والإنس، وأمرهم أن يسيروا في الأرض، ويضربوا في نواحيها باحثين عن مصالحهم ومنافعهم؛ كل هذا لحكمة بالغة، وهذه الحكمة هي اختبارهم، وابتلاؤهم؛ ليتبين المحسن من المسيء، وليتبين الخبيث من الطيب، قال الله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 2]، فصدق الله العظيم، وجلت من حكمة بالغة.

 

والإحسان باب عظيم من أبواب الخير، يمس جميع نواحي الحياة: فالإحسان مع الله -تعالى-: هو أن يعلم العبد أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأن يعبده في صلاته، وجميع العبادات، في خشوع ورهبة، حتى كأنه يرى الله عيانًا، فإذا لم يستطع فليعلم أن الله مطلعٌ عليه، وأنه بين يدي علام الغيوب، الذي لا يغيب عنه شيء، حتى أنه ليسمع ويرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة السوداء في ظلمة الليل؛ كما قال جبريل -عليه السلام- لمحمد -صلوات الله وسلامه عليه-، حينما سأله عن الإحسان؟ فقال له: "الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(البخاري ومسلم)، فالإحسان مع الله هو أن يراقبه الإنسان في حركاته وسكناته، وأن يدرك تمام الإدراك أنه بين يدي مولاه، الذي يعلم ما تُخفي الصدور.

 

وأما الإحسان في السوق ومع عامة الناس: فهو أن يمشي الإنسان بسكينة ووقار، وأن يفشي السلام على كل مسلم، وأن يغض بصره عن المحارم، وأن يَسْلَمَ المسلمون من يده ولسانه، وأن يعطي السائل، ويحنُّ إليه على قدر استطاعته، كما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تردُّوا السائل، ولو بشقِّ تمرة"(أخرجه القضاعي في مسند الشهاب والبيهقي في شعب الإيمان، قال الألباني: ضعيف جدًّا)، وقال الشاعر:

لَيسَ العَطاءُ منَ الفَضُولِ سَمَاحةً *** حتَّى تَجُودَ وَما لدَيْكَ قلِيلُ

 

وأن يُحسن معاملته مع الناس في بيعه وشرائه، جاعلًا نصب عينيه قوله -تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)[النحل: 128]، وقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[الكهف: 30]، وقال الشاعر:

مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ لا يَعْدَمُ جَوَازِيَهُ *** لا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ

 

وعلى كل حال فباذل الخير والإحسان ينبغي له أن يضعه في موضعه اللائق به، حتى يُعطى جزاءَهُ كاملًا مضاعفًا يوم القيامة، قال -تعالى-: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)[المزمل: 20]، وقال: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7 - 8].

 

فينبغي -أيها المسلمون- أن تواسوا فقراءَكم بالإحسان إليهم، فليس للإنسان إلا ما سعى وقدم.

 

والإحسان ليس مقصورًا على العطاء وبذل المال للآخرين؛ فإرشاد الضائع إحسانٌ، وإفشاء السلام إحسانٌ، والتواضع ولين الجانب إحسانٌ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحسانٌ إلى النفس وإلى الآخرين.

 

اللهم اجعلنا ممن يحسنون القول والعمل، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمدًا عبده ورسوله، الذي أمرنا بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن جميع الصحابة والتابعين، ومن تمسك بهديهم إلى يوم الدين، أما بعد:

 

أيها المسلمون: اعلموا أن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- يقول: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء"، ثم ذكر أنه يجب أن يكون الإنسان محسنًا حتى عند ذبح الذبيحة، وقال: إن إحسانه في ذبحها هو أن يحدَّ الشفرة، وأن يريح الذبيحة.

 

كذلك يجب -أيها المسلمون- أن يكون الإنسان منّا محسنًا في بيته، وعند أسرته، وأن يُنشِئ فيهم حبَّ الإحسان، ويكون ذلك بإحسانه إليهم، وقديمًا قيل:

ويَنشأُ ناشئُ الفتيانِ، مِنّا *** على ما كانَ عَوّدَهُ أبُوه

 

 وقال الشاعر:

يَنْشُو الصَّغِيرُ عَلَى مَا كَانَ وَالِدُهُ *** إنَّ الْأُصُولَ عَلَيْهَا تَنْبُتُ الشَّجَرُ

 

فيا أيها المسلمون: أحسنوا إلى أنفسكم، وإلى أطفالكم صغارًا، يحسنوا إليكم وينفعوكم كبارًا، وأروا أطفالكم أعمالَكم الحميدة، وخصالكم الطيبة، بإحسانكم إليهم وإلى غيرهم؛ لكي يشبوا خيرين، طيبين، محسنين.

 

وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ)[لقمان: 2 - 3].

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم ولِّ علينا خيارنا وابعد عنّا شرارَنا، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، إنك وليُّ ذلك والقادر عليه.

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النحل: 90 - 91]، فاذكروا الله -عبادَ الله- يذكركم، وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولًا، وأحسنوا إن الله يحبُّ المحسنين، ويعلم ما تخفون وما تعلنون، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life