عناصر الخطبة
1/أثر التقدم العصري على حياة الناس 2/شغف الناس بالترحال في الإجازات 3/حكم السفر وأقسامه 4/مقاصد الناس في أسفارهم 5/التفكر في عظمة الله من أعظم فوائد السفر 6/فوائد اخرى للسفر 7/الوصية بإصلاح النية في السفر 8/الفهم الخاطئ لمعنى السياحة 9/من معاصي المسافرين 10/الوصية بالتمسك بالدين في السفر 11/ثمرات السياحة داخل المملكة 12/محاولات ترويع المسلمين في أطهر البقاع 13/أحكام السفر وآدابه.اهداف الخطبة
اقتباس
إن السفر الذي احتُسب فيه الأجر والثواب, وحُرص فيه على الطاعة وأنزه الآداب لهو بحق روضة للعقول, وبلوغ للأنس المأمول، وهو مَجْلاة للسأم والكلال، وبُعد عن الرتابة والنمطية والإملال، وفضاء رحب للاعتبار والادكار.
أما بعد: فيا عباد الله، خير الوصايا الوصية بتقوى الله رب البرايا، فتقواه سبحانه أنفع الذخائر للمسلم وأبقاها، وآكد المطالب وأقواها، في قفوها منازل الحق والتوفيق، وفي التزامها الاهتداء إلى الرأي الثاقب الوثيق، فاتقوا الله ـ رحمكم الله ـ في كل أحوالكم، في حلكم وارتحالكم، وظعنكم وانتقالكم، ومن تنكب سواء التقوى انقلب خاسئاً وهو حسير، فلبئس المولى وبئس العشير.
أيها المسلمون، في دوامة التنامي الحضاري السريع، وفي خضم التقدم التقني المذهل، في أعقاب هذا العصر الوثاب، وما قابل ذلك من انحسار ملحوظ, بل وسريع في الجانب القيمي والأخلاقي والنفسي بِأَخَرة، أورث ذلك كله توسعاً مذموماً، وانفتاحاً محموماً، في كثير من المجالات، واستحكام أنماط وعادات في الحياة المعاصرة، وحدوث ظواهر مستجدة لم تكن على قدر من حسبان سلفنا الصالح رحمهم الله.
ولتلك الموروثات المعاصرة في شريعتنا ـ بمقاصدها وأهدافها ـ ضوابطها وأحكامها وآدابها، كما أسفرت هذه المدنية المادية عن تبرّم فئام من الناس من المكث في بلدانهم والاستقرار في أوطانهم، والتطلع بينهم إلى التنقل بين كثير من الأقطار, وحطّ عصا الترحال لجَوْب عدد من الأصقاع والأمصار، كل بحسب مقصده ومراده وبغيته ومرامه، وما أن يأفل نجم العام الدراسي، وينبلج صبح الفصل الصيفي، وتتوسط شمس الإجازة كبد السماء، تسفح الوجوه بفيحها وأوارها, وتشتد لفحات الهواجر، ويلتهب رَأْد الضحى، حتى ينزع الناس إلى مواطن الأفياء الظليلة الندية، والمياه الشفافة الرقراقة، والأجواء المخملية النضرة، إجماماً للنفوس، وتطلباً لمتناهي سكونها وهدوئها.
وفي غمرة هذه الأوقات المحتدمة تتبدّى ظاهرة جدّ مقلقلة، وتبرز قضية على غاية من الأهمية، جديرة بأن تسبر أغوارها، وتجلى مزاياها وعوارها، كيف، وقد غالى في فهمها أقوام ومعانيها، وشطوا عن حقيقتها ومراميها، وأكبر الظن ـ يا رعاكم الله ـ أنها قد خالجت أذهانكم, ولم تعد خافية على شريف علمكم، تلكم ـ دام توفيقكم ـ هي قضية السفر والارتحال، والسياحة والانتقال.
معاشر المسلمين، الأصل في السفر الإباحة، والأسفار قسمان:
سفر للمعصية ـ عياذاً بالله ـ، وسفر للطاعة، وسفر الطاعة يتضمن الواجب كسفر الحج وتحصيل الرزق عند انعدامه ونحو ذلك، ومنه ما هو مستحب كزيارة البقاع المقدسة، ومنه زيارة ذوي القربى وصلة الرحم والحب في الله، والسفر لطلب العلم وزيارة أهله، وإغاثة الفقراء والمنكوبين.
وأما السفر المباح فما كان للتطبب, والاتجار والتسبب، وما كان للسياحة والنزهة وترويح النفوس وتجرد عن نية الثواب والطاعة، فالأمور بمقاصدها، ولكل امرئ ما نوى، والنية إذا حسنت تحيل العادات إلى عبادات، وإذا عرفت فالزم.
إخوة العقيدة، إن السفر الذي احتُسب فيه الأجر والثواب, وحُرص فيه على الطاعة وأنزه الآداب لهو بحق روضة للعقول, وبلوغ للأنس المأمول، وهو مَجْلاة للسأم والكلال، وبُعد عن الرتابة والنمطية والإملال، وفضاء رحب للاعتبار والادكار، (قُلْ سِيرُواْ فِى الأرْضِ فَنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) [العنكبوت:20].
إبان السفر تتجلى عظمة الخالق البارئ سبحانه، فتخشع له القلوب أمام بديع السموات والأرض، أمام بديع خلق الطبيعة الخلابة, وتسبّحه الروح لمفاتنها الأخّاذة الجذابة، أراض شاسعة فِيح، أنبتت أجمل زهور بأطيب ريح، رياض أُنُف، وحدائق غلب، ونخيل باسقات، وواحات مُورقات، رواسٍ شمّاء، وأرض مدحية وسماء, وأنهار تجري بأعذب ماء.
(أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَـوتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ) [النمل:60]، (أَمَّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءلـهٌ مَّعَ اللهِ) [النمل:61].
فسبحان الله ـ عباد الله ـ، مشاهد في الطبيعة ذائعة، ومخلوقات بديعة رائعة، تدهش الألباب، وفي إتقانها العجب العجاب، تفعم النفس والقلب مسرّة وابتهاجاً، لكن شريطة أن تكون على ممس من القلب والروح والفكر، وسبحان الله، كم يغلب على كثير من الناس أن يمروا بهذه المناظر وكأنهم إزاءها دون نواظر. (أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الاْبْصَـارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ) [الحج:46].
يقول الإمام أبو الوفاء ابن عقيل رحمه الله: "فنعوذ بالله من عيون شاخصة غير بصيرة، وقلوب ناظرة غير خبيرة".
إخوة الإيمان، ومن الحثّ اللطيف على السفر النافع المفيد قول الثعالبي رحمه الله: "من فضائل السفر: أن صاحبه يرى من عجائب الأمصار, وبدائع الأقطار, ومحاسن الآثار ما يزيده علماً بقدرة الله تعالى, ويدعوه شكراً على نعمه".
إن العُلا حدثتني وهي صادقة *** فيما تحدث أن العز في النُقَل
وهل بلغ الصحابة الأجلاء، والسلف النبلاء، والأئمة الفقهاء، ما بلغوا من ذُرا القمم, وقصب السبق بين الأمم إلا بالرحلة في طلب الحديث، وتحصيل العلوم والمعارف.
ومن المعروف أن الكُحْل نوع من الأحجار كالثرى يرمى على الطرق, فإذا تغرّب جُعِل بين الجفن والحدق.
أيها المصطافون، أيها المسافرون، يا من عزمتم على جَوْب الأمصار والأقطار، وركوب الأجواء والبحار، واقتحام الفيافي والقفار، وتحدي الشدائد والأخطار, تلبثوا ملياً، وتريثوا فيما أنتم بسبيله، وليكن في نواياكم أسوتكم ونبيكم صلى الله عليه وسلم، حيث ارتحل من مكة إلى المدينة، حاملاً النور والضياء والهدى والإصلاح، وكذلك صحابته الكرام في أثره، حيث كانوا لنشر رسالتهم الربانية المشرقة أجل السفراء، وسار في ركابهم جلّة العلماء، فشقّوا الأرض شقاً، وذرعوها سفراً وتسياراً، طلباً للعلم والإفادة, والصلاح والسعادة، وتصعّداً في واقي الطهر والنبل، كل ذلك على كثرة المخاوف، وشُح الموارد، وخشونة المراكب، وقلة المؤانس, فهلاّ اعتبرنا بهم وشكرنا الباري جلّ في علاه على نعمه السوابغ.
وفي زمننا هذا المتضخم بالدعة والرفاه، وجدب النفوس من الآمال الغوالي أصبح السفر والتنقل ظاهرة جديرة بالاهتمام والتذكير بالآداب الشرعية والضوابط المرعية.
كيف, وبعض الناس يمتطون هذه الأيام متون الطائرات وأرفه المركبات، أإلى صلة الأرحام والقرابات؟ كلا، أإلى طلب العلم والأخذ من العلماء؟ كلا، أإلى الأعمال الخيرية والدعوية؟ كلا، أإلى مواطن الطهر والفضيلة؟ بكل الحُرقة: لا, وكلا، بل إلى مستنقعات الآثام والشرور, ومباءات المعاصي والفجور, لمبارزة الملك الديان, بالذنوب والعصيان، حيث أملى لهم الشيطان, أن هاتيك المنتجعات والشطآن, هي أدواء علاج الملل من الصيف اللافح، وأجواء الترفيه والسياحة والاصطياف.
أي دين وقيم عند من يسافرون إلى مباءات الأوبئة الفتاكة أجاركم الله؟! التي أسعرتها معطيات الحضارة السافرة، وألهبتها الشبكات الخبيثة المذهلة، وأذكاها الجفاف الروحي، واليباب الفكري والترف المادي الزائف، فكان هذا الفهم الخاطئ لمعنى السفر والسياحة، التي آضت عند بعض المنهزمين صناعة للتفلت من القيم, والتنصل من المبادئ والثوابت، في الوقت الذي تحولت فيه السياحة المعاصرة إلى استراتيجيات بنّاءة تخدم المثل والمبادئ, وتنبني على الفضائل العليا لتحقيق المصالح العظمى، مما كان سبباً في خلط الأوراق لدى كثيرين, بين السياحة البريئة والترويح المشروع وبين ضدها، وبضدها تتميز الأشياء.
حتى صرفت فئام من الأمة عن تأريخها وأصالتها وتراثها ولغتها، فأضحوا مُزَعاً تائهين أسرى الميليّة والتقليد والتبعية، والتقاليد المستوردة النشاز, حين هبت أعاصير الشهوات والملذات، وثارت لوثات الخلل الفكري والأخلاقي والانحرافات على جملة من السلوكيات في كثير من المجتمعات فتركتها في دياجير الظلمات.
وبنحو ذلك بعض الفتيات والأسر ممن حرموا متانة الدين وقوة الأخلاق, وعمق الأصالة والأعراق، حيث هتك بعضهن ـ هداهن الله ـ حجاب الطهر والاحتشام، ومما زاد الطين بلة والداء علة، اصطحاب البنين والبنات من المراهقين والمراهقات الذين سرعان ما تنغرز في أفئدتهم تلك الأوضاع الفاضحة والمشاهد المتهتكة.
فيا سبحان الله! كيف تقضي المرأة سحابة عامها كريمة معززة ثم تسافر لتطّرح خمارها وحياءها، فاتنة مفتتنة.
أتقضي الفتاة ربيع عامها في جو مصون محافظ ثم تسافر لتبدد حياءها وحشمتها؟!
هل نحن ـ رجالاً ونساءً ـ في شك من ديننا؟! أولسنا على ثقة من قيمنا وثوابتنا؟!
إذن لماذا هذا الانفصام في الشخصية, والتناقض والازدواجية في قضايانا الاجتماعية.
وإنكم لتأسفون أن يعلق كل هذا على مشجب الترويح والترفيه, زعموا، ومحل الصواب أن هذا ضرب من خيانة الأمانة في التربية والتنشأة والله عز وجل يقول: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـانَـاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
وهؤلاء وأمثالهم في كل مكان ـ إلا من رحم الله ـ كالغراب الأعصم, لا يعودون من أسفارهم إلا بكآبة المنظر, وسوء المنقلب, وندامة المعتقد الذي استعاذ منه المصطفى صلى الله عليه وسلم، لطّخوا أبصارهم فيما حرم الله، حتى غار منها ماء الحياء وراؤه، وجمعوا إلى العصيان عقوق امتهان الأوطان، وهل أبرز صوراً من الإرهاب والإخلال بأمن المجتمع إلا ضروب من الأسفار, غير منضبطة بما في الشريعة والأسفار.
وللأوطان في دم الشرفاء الأحرار حقوق واجبة وديون مستحقة مما يعظم المسؤولية في رعايتها حق رعايتها وتنشئة الأجيال على أمنها وعنايتها.
أمة الإسلام، وأنّى تندمل جروحنا النازفة وشروخُنا الراعفة وفي الأمة من لا يبالي بدين ولا قيم ولا أمن ولا ذمم, فليت شعري! أبمثل هذا تبنى المجتمعات ويشاد صرح الحضارات؟! وليت شعري! أبمثل هذا تعمر الأوقات وتدوم الخيرات والبركات وتستجلب البهجة والسعادة والمسرات؟!.
أيها المسافرون، إن النار حفت بالشهوات، فلا يكلِمنّ الشيطان دينكم بدعوى الترفيه والاصطياف في بقاع وبيئة شائكة.
ويا بغاة الشر كفوا وأقصروا، وتذكروا وازدجروا.
وإلى الذين اضطروا إلى السفر وعزموا عليه الله الله من إقامة شعائر دينكم والاستمساك بأخلاقكم والولاء لعقيدتكم وأمتكم في عزة وإباء، وليكن منكم في السويداء أمن دينكم وقيمكم في الذُرا جمالة وجلالا، وفي القمة عزة وكمالاً، فكونوا له خير سفراء وطبقوه خير منهاج وأحسن مثالاً.
أيها الأحبة في الله, شُكر النعم رباط تمنعنا من الإباق, وإننا لنشكر المنعم المتفضل سبحانه أن طهر ديار الحرمين من كثير من الأدران, وبسط في أرجائها ظلال الأمن والأمان, كما نلهج بالشكر له جل جلاله وهو أهل الشكر أن خص بلادنا المباركة بالجمال الخلاب, والمناخ الآسر الجذاب, أحاط بذلك أمن وارف الظلال تفتقده كثير من الأصقاع, فحبذا المروج الخضراء, والمقام النشي والهواء, والمواقع المنمنمة الفيحاء, والجداول المنسابة بالري والماء, مما يحقق المقصد المشروع من السفر والسياحة في أوفر أسباب الحشمة والعفاف, وفي سياج منيع للدين والفضيلة, وفي بُعد عن أسباب الشر والفساد والرذيلة.
أينما أرسلت رائد الطرف في هذا الثرى الأفيح، وكيف بكم إذا كانت السياحة تعبدية في عرصات الحرمين الشريفين, إنها الطهر والنماء والرقي في معارج الخير والسناء (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء) [الجمعة:4].
ولقد منّّ الله على بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله فجعلها واحة إيمان, ودوحة أمن وأمان، حباها الله من مقومات السياحة الحسية والمعنوية ما ليس لغيرها, ويأتي في الذؤابة منها تحكيم الشريعة التي فيها تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد, ودرء المفاسد عنهم والحفاظ على دينهم وأنفسهم وأموالهم وعقولهم وأعراضهم، ومجانبة مسالك العنف والإرهاب، والقتل والإرعاب، وإراقة الدماء المعصومة بغير وجه حق، والتعرض للمسلمين والمعاهدين والمستأمنين باعتداء أو إيذاء ونحو ذلك من صور الإفساد في الأرض، وبروز النسف والتفجير والعنف والتدمير, ويزيد الأمر خطورة حينما يصل الإجرام ذروته، في أفضل البقاع مكة المكرمة والمدينة النبوية التَيْن لهما من الحرمة والمكانة والقدسية ما لا يخفى على كل ذي بصيرة، ومما زاد الأمر ضِغثاً على إبالة، مصاحف مفخخة، ومساجد متحذة وكرا للجريمة والتستر على أصحابها عياذاً بالله.
لكن الله بلطفه وكرمه، ثم بالجهود الموفقة المبذولة من ولاة الأمر نصر الله بهم دينه، أحبط هذه المحاولات الإرهابية البائسة، وكشف عوارها ومن يقفوا وراءها.
ألا فلتدومي سالمة يا أرض الحرمين الشريفين، ولتعيشي هانئة يا موئل العقيدة ومأرز الإيمان، فلقد أثبتِّ بفضل الله الخروج من الأزمات أكثر تماسكاً وأشد تلاحماً بحمد الله، ولتبقي بإذن الله على مر الدهور, وكر العصور شامةً في دنيا الواقع, ومثلاً يُحتذى, وأنموذجاً يقتفى في الأمن والأمان, وبذلك تتضح لك أخي السائح المبارك, والمسافر الكريم صورة الارتباط الوثيق بين الأمة والسياحة والسفر والأمان.
ألا شاهت وجوه الأعداء المتربصين, وخسئت أعمال المعتدين المفسدين المجرمين, وردّ الله كيد الكائدين إلى نحورهم, وحفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من شر الأشرار, وكيد الفجار, إنه خير مسؤول, وأكرم مأمول.
أقول قولي هذا, وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفروه, وتوبوا إليه, فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، هدانا إلى أقوم السنن والآداب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة منيب أواب، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير من خشي ربه بالغيب وإليه أناب، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين سواقب الأحساب، وعلى الصفوة الخيرة من الأصحاب, وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا ـ رحمكم الله ـ أن شريعتنا الغراء قد أحاطت المسافر بجملة من الأحكام والآداب ابتداء من العزم على السفر وإلى غاية الإياب
منه، منها:
أولاً: الإخلاص لله، وحسن المقصد وشرف الغاية ونبل الهدف، ومنها ثانياً: إذن الوالدين ورضاهما، قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: "ويحرم السفر بغير إذنهما، لأن الجهاد إذا منع مع فضله فالسفر المباح أولى".
ثالثاً: التماس الوصية والدعاء من أهل الصلاح والفضل، عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أريد سفراً فزودني، قال: "زودك الله التقوى"، قال: زدني، قال: "وغفر ذنبك" قال: زدني بأبي أنت وأمي، قال: "ويسر لك الخير حيثما كنت"، الله أكبر يا لها من وصية, ما أعظمها وأجمعها.
رابعاً: توخي المرافق المطاوع الموافق الذي يدلك على الله مظهره, ويذكرك إن غفلت مخبره، وما سمي السفر سفراً إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ومعادنهم وطباعهم.
خامساً: الحرص على أدعية السفر فهي حصن حصين وكافية واقية من كل سوء بإذن الله، فيسن للمسافر إذا استوى على راحلته أن يقول: (سُبْحَـنَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبّنَا لَمُنقَلِبُونَ) [الزخرف:13، 14].
"اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى.." الحديث.
وبعامة فعلى المسافر أن يكثر من ذكر الله عز وجل ودعائه, يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".
ويجتهد المسافر في تمثل أدعية السفر ومعرفة مواطنها.
سادساً: فقه أحكام السفر وآدابه تعلماً ومساءلة لأهل العلم, وقوفاً على أحكام السفر وآدابه, كرخصة المسح على الخفين وقصر الصلاة وجمعها ومدة ذلك وكيفيته ومعرفة اتجاه القبلة والمحافظة على الصلاة في أوقاتها وغير ذلك.
أخي المسافر الكريم، وإذا قضيت نهمتك من سفرك فعجل بالرجوع إلى أهلك واسلك طريق العودة غير متوانِ إلى ديارك، يقول صلى الله عليه وسلم: "السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله" خرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن هذه الأحكام والآداب والأذكار لا تزال تحكم المسلم في شريعته ودينه في السفر كما في الحضر رفعاً للمشقة والإصر، وتذكيراً له بأنه موصول بخالقه في كل زمان وعلى أية حال, والله المسؤول أن يسلم المسافرين في جوه وبره وبحره من المسلمين, وأن يعيدهم إلى بلادهم سالمين غانمين, إنه جواد كريم.
التعليقات