الأمن والاستقرار أهميته وأسبابه - خطب مختارة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات:

اقتباس

وقد ظلت دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مختبئة سرية سنوات عدة خوفًا من أن يجتثها كفار قريش في مهدها، وقد كاد أن يحدث ذلك يوم أحاطوا ببيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- تاركًا دار الخوف إلى دار الأمان في المدينة المنورة حيث كانت الانفتاحة الكبرى وأُسست للمسلمين دولة قد توافر لها حد مناسب...

أكانت مصادفة أن يقدم نبي الله إبراهيم -عليه السلام- الأمن مرة على الرزق ومرة على العقيدة؟! فأما المرة الأولى ففي سورة البقرة عندما قال الله -تعالى- على لسان إبراهيم: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)[البقرة: 126]، فقد قدَّم طلب الأمن على طلب الرزق، وأما الثانية ففي سورة إبراهيم، وتقول: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إبراهيم: 35] فقد دعا بالأمن قبل أن يدعو بتجنيبه الإشراك؟!   وأجيب بملء فمي: كلا، لم تكن أبدًا مصادفة، وكيف تكون مصادفة وقد عاد الجليل -جل وعلا- نفسه ليقدم نعمة الأمن على نعمة الهداية عندما قال -عز من قائل-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام: 82]، كيف ولما عرَّف رسولنا -صلى الله عليه وسلم- المؤمن عرَّفه بأنه من يقدم الأمان للناس، قائلًا: "المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم"(ابن ماجه)!

 

كيف وقد قدم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بدوره نعمة الأمن على نعمتي الصحة والرزق، فعن عبيد الله بن محصن الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أصبح منكم معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا"(ابن ماجه)...  

 

فالآن قد أتضح أن الخليل إبراهيم كان يعي ويقصد أن يقدم نعمة الأمن على ما سواها، فلنصحح السؤال إذن فنقول: لماذا قدَّم إبراهيم -عليه السلام- الأمن على العقيدة والرزق؟ ونجيب: لأنه إذا انعدم الأمن انعدمت -تبعًا له- أسباب الرزق؛ فتوقفت التجارة والصناعة والزراعة ولم يجد الناس عملًا يتقوتون منه، وإذا انعدم الأمن لم يأمن الإنسان أن يذهب إلى مسجده ليعبد ربه -عز وجل-، بل انشغل الناس بالفرار مما يخافون عن القيام خاشعين أمام من يعبدون!   ومن الملفت للنظر أيضًا أن الله -عز وجل- لما قرر حقيقة أنه لا بد من ابتلاء المؤمن ليُعلم قوة إيمانه، جعل أول ابتلاء قد يناله هو الخوف -وهو أصعب الابتلاءات وأشدها-، فقال الله -تعالى-:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ)[البقرة: 155]، فقدَّم الابتلاء بالخوف على الابتلاء بالجوع والفقر...  

 

ولا عجب؛ فإن الخوف قد يعرقل دعوة الدعاة إلى الله -تعالى-، وقد أشار موسى -عليه السلام- لهذا، فعندما أمره ربه -عز وجل- بالذهاب إلى فرعون وملائه قال: (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)[القصص: 33-34]، فأمَّنه الله -جل وعلا- من ذلك ليستطيع أداء رسالته قائلًا: (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)[القصص: 35].  

 

وقد ظلت دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مختبئة سرية سنوات عدة خوفًا من أن يجتثها كفار قريش في مهدها، وقد كاد أن يحدث ذلك يوم أن أحاطوا ببيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة الهجرة، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تاركًا دار الخوف إلى دار الأمان في المدينة المنورة حيث كانت الانفتاحة الكبرى وأُسست للمسلمين دولة قد توافر لها حد مناسب من الأمن والاستقرار... ولو ظلت الدعوة في مكة في ظلال الخوف والاضطراب لما قامت للمسلمين دولة أبدًا -إلا أن يشاء الله-.  

 

فحق على كل داعية إلى الله -عز وجل- أن يعمل جاهدًا على استتباب الأمن والأمان، وأن يكافح من أجل تحقيقه، وأن يقوم على توفير "أسباب جلب الأمن والأمان" ومن أهمها:  

 

أولًا: الإيمان والتوحيد وإقامة شرع الله -تعالى-: وهذا هو وعد الله -سبحانه وتعالى- في قرآنه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)[النور: 55]، وفي سبب نزول هذه الآية يقول أبو العالية: "مكث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة عشر سنين بعد ما أوحي إليه خائفًا هو وأصحابه، يدعون إلى الله سرًا وجهرًا، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح، فقال رجل: يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال -عليه السلام-: "لا تلبثون إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليس عليه حديدة"، ونزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا"(تفسير القرطبي)، وما زال هذا الوعد ساريًا في حق كل من استتم شروطه.  

 

ثانيًا: شكر نعم الله -تعالى-: ومن أجلها نعمة الأمن، فإنه بالشكر تدوم النعم وتزداد، قال -تعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)[إبراهيم: 7]، والعكس بالعكس؛ فبكفر النعم تزول ويحل محلها العذاب بالخوف، وهذه حادثة واقعية قصَّها علينا القرآن الكريم قائلًا: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]، فقد كانت القرية في طمأنينة وأمان وفي رزق رغد، فلما كفرت النعمة أبدلها الله الجوع محل الرزق الرغد، والخوف محل الطمأنينة والأمن! وذلك -أيضًا- قابل للتحقق في كل عصر إذا ما توافرت أسبابه.  

 

ثالثًا: المودة والتآلف وإصلاح ذات البين: فالأمان والطمأنينة تبع ونتيجة لانتشار الحب والإخاء بين المسلمين، وقد حثنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- على الصلح بين المتخاصمين؛ فإن الخصومة هي بذر للخوف وتبديد للأمن في المجتمع، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة"، قالوا: بلى، قال: "صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة"، ويروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين"(الترمذي).  

 

رابعًا: عمل الحسنات واجتناب السيئات: فإن الذنوب والمعاصي نذير الشؤم ومجلبة الشر وحلول الخوف محل الأمن، وإن فعل الحسنات والقربات والصالحات أمان من كل خوف وفزع في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)[النمل: 89].   خامسًا: الدعاء بدوام الأمن والاستقرار: فقد سمعنا الخليل إبراهيم -عليه السلام- وهو يدعو فيقول: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا)[البقرة: 126]، ومرة قال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[إبراهيم: 35]، فلندْعُ إذن لأوطاننا ولأهلينا ولبيوتنا ولطرقاتنا ولقلوبنا ولنفوسنا أن يرفرف عليها الأمن والأمان والطمأنينة والوئام والسلامة والإسلام...   هذا، وقد جمعنا ها هنا بعضًا من خطب الخطباء حول الأمن وأهميته ووسائل تحقيقه...

فلعلها تكون لبنة في بناء صرح الأمن والأمان في مجتمعاتنا، وقد رتبناها في الصورة التالية:

الخطبة الأولى:
الخطبة الثانية:
الخطبة الثالثة:
الخطبة الرابعة:
الخطبة الخامسة:
الخطبة السادسة:
الخطبة السابعة:
الخطبة الثامنة:
الخطبة التاسعة:
الخطبة العاشرة:
الخطبة الحادية عشر:
الخطبة الثانية عشر:
الخطبة الثالثة عشر:
العنوان
قيمة الأمن ومقوماته 2021/10/04 1902 621 2
قيمة الأمن ومقوماته

الأمن كنز ثمين، به تحفظ الأنفس، وتصان الأعراض والأموال، وتأمن السبل، وتقام الحدود، وبدونه لا يهنأ عيش ولا يتحقق ازدهار. والأمن يمنح الحياة قيمتها، ويحفظ سلامتها، ولا تتحقق مطالب الحياة إلا بتوافر الأمن. والأمن والإيمان قرينان فلا...

المرفقات

قيمة الأمن ومقوماته.doc

قيمة الأمن ومقوماته.pdf

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life