عناصر الخطبة
1/أسس السعادة والشعور بالطمأنينة 2/أهمية تحقيق الأمن الاجتماعي 3/من وسائل تحقيق الأمن المجتمعي 4/الوقاية خير من العلاج.اقتباس
من تتبع أحوال الناس والمجتمعات والدول يجدهم يسعون ويكدحون من أجل تحقيق هذه القيم الثلاث في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن إهمال شيء منها أو ضياعه أو التفريط فيه كفيل بأن يجعل الحياة في مهب الريح، ولن تأتي لفرد لوحده دون أسرته...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: إن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أسس مفهوم السعادة والشعور بالطمأنينة وإرادة الحياة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أصبحَ آمنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في بدنِهِ، عندَهُ قوتُ يَومِهِ، فكأنَّما حِيزتْ لهُ الدُّنيا بحذافيرِها"(صحيح الترغيب للألباني).
تأملوا هذه القيم، هذه المعاني، هذا البيان، إذا توفرت لديك ولديَّ ولديه؛ فكأننا نملك الدنيا بما فيها، الأمن والعافية وقُوت اليوم، ومن يستطيع العيش وهو خائف لا أفراد ولا أُسر، ولا مجتمع ولا دول تستطيع العيش وقد نُزِعَ الأمن وحلَّ الخوف، الأمن تأتي معه الطمأنينة والسعادة، والهدوء والتفكير والتخطيط والبناء يأتي مع الأمن حفظ الأنفس، حفظ الأعراض حفظ الممتلكات.
والعافية وما أجمل العافية! عافية البدن، وعافية البيت، وعافية المجتمع وعافية الدول والعافية من الأوبئة والزلازل والبراكين والفيضانات.
حديث يرسم مقومات الحياة الكريمة، يرسم كيف يمكن قيام اقتصاد الأسر والمجتمعات والدول، ومن تتبع أحوال الناس والمجتمعات والدول يجدهم يسعون ويكدحون من أجل تحقيق هذه القيم الثلاث في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن إهمال شيء منها أو ضياعه أو التفريط فيه كفيل بأن يجعل الحياة في مهب الريح، ولن تأتي لفرد لوحده دون أسرته ومجتمعه ودولته.
إن واجبنا جميعًا أن نسعى جاهدين لتحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والصحي من منظور حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي سلف ذكره؛ لأن الأمن والعافية والصحة والسلامة والقوت والاقتصاد لن تأتي بمفردها، لن تتحقق لفرد أو أسرة أو مجتمع إلا بتعاون الجميع وسعي الجميع إلى إيجاد السبل والوسائل التي تجلبها وتأتي بها وتحققها، ومنها على سبيل المثال:
تربية الأبناء والبنات على القيم والمبادئ والأخلاق؛ رسالة أجعلها أمانةً في عنق كل أب وفي عنق كل مُرَبٍّ، لن تأمن أسرنا ولا مجتمعنا ولا دولتنا إلا إذا تربى أولادنا وبناتنا على القيم والثوابت التي جاء بها القرآن وسنة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعلى القيم والثوابت التي ورثها الآباء والأجداد والتي لا تخالف ولا تعارض سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، نربيهم على الاعتقاد الصحيح والفكر السليم والسلوك الحسن، نربيهم على احترام الآخرين وتقدير الناس، نربيهم على احترام الأعراض، نربيهم على الحذر من الاعتداء والظلم، نربيهم على الحذر من الذوبان في غيرهم والانسلاخ من جلودهم، نربيهم على العفو والتسامح وصلة الأقارب والجيران والإحسان إلى الفقراء والضعفاء، نربيهم على الاقتصاد وترشيد الاستهلاك والحذر من الإسراف والتبذير وكفر النعم ومجاراة الآخرين، نحذرهم من الترف والتنعم والتلين والتميع الذي ذم الله أهله وصانعيه؛ لأنه لا يأتي بخير لا يأتي إلا بالفساد وكفر النعم والطغيان.
فإذا تربى أبناؤنا وبناتنا على هذا فأبشروا بالخير، لن تجد في مجتمعنا ملحدين ولا تكفيريين ولا صوفية ولا معطلة، ولا مرجئة ولا عبدة شيطان، لن تجد في مجتمعنا مَن يقتل جاره ولا قريبه ولا أحد من الناس، لن تجد من يُشهر سلاحه في وجه من يعارضه أو يسبّه أو يختلف معه، لن تجد في مجتمعنا من يفضّل لبس الجينز والربطة وقصة الديك، ويرسم الخرائط في شعر رأسه ولحيته على الخنجر والثوب ولبس الآباء والأجداد.
ومن وسائل تحقيق الأمن المجتمعي: العمل وكسب الرزق، ونبذ العجز والكسل، قال -سبحانه وتعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[سورة الجمعة:10]، لماذا يوجد في مجتمعنا عاطلون؟ لماذا لا يعملون؟ لماذا لا يقف مع العاطلين آباؤهم أو أمهاتهم أو إخوانهم أو مجتمعهم حتى يجدوا لهم عملاً يكسبون منه قوت يومهم ويكفون شرهم؛ لأن العطالة خطر تأتي بالفساد وبالاعتداء بالسطو وبالسرقة وبإدمان المخدرات وترويجها، وإن العجب من بعض الآباء الذي لديه استطاعة وجدَةٌ وكنز ثم يترك أبناءه فريسةً لأهل الشر والترويج، لماذا لا تُشغلهم؟ لماذا لا تُوجِد لهم تجارة أو أعمالاً ولو يسيرة وتأمن عليهم وعلى سلوكهم؟
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظ مجتمعنا وأبناءنا وبناتنا من كل مكروه.
وللحديث بقية، أقول ما تسمعون…
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.
عباد الله: ومن أسباب حفظ الأمن المجتمعي: الحذر والتحذير من الإسراف، وقد ذكرنا سابقًا أن الاسراف والتبذير كُفْر للنِعم، وهذه الخصلة مصيبة في مجتمعنا يجب أن نجد لها حلاً عاجلاً حتى تدوم نعم الله وأمنه وأمانه وعافيته، (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[سورة الفرقان:67].
البيوت يطبخ فيها الغداء والعشاء؛ فيؤكل نصفه فقط، والنصف الآخر يرمى في صناديق القمامة.. حرام وإسراف وتبذير، ومثل ذلك في العزائم، ومثل ذلك في الزواجات، وإلى متى وهذا الحال؟ ألا نفيق؟ ألا نتعلم؟ ألا نعتبر؟ ألا نتعظ؟ ما للناس الجهال والصغار يظنون أن هذه النعم تولد معهم؟ وما علموا بالعسر الذي مرَّ على الأجداد، وما علموا بالعاقبة التي ينتظرها المبذرون إخوان الشياطين.
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[سورة النحل:112]، نقيد النعم بالشكر، نمنع صبّ الطعام في الزبالات، نصنع الطعام بما يكفي فقط، إذا زاد شيئًا نعطيه من يستحق أو نضعه للدواب في أماكن لا يُداس فيها ولا يُهان.
ومن أسباب الأمن المجتمعي: الحفاظ على صحة الفرد والأسرة والمجتمع من الأمراض والعدوى وانتشار الأمراض، وكلها بيد الله -عز وجل-، لكن فعل الأسباب مطلوب والله -عز وجل- علَّق الأمور بمسبباتها.
يجب على كل مسلم أن يهتمّ بصحته وصحة أهله ومجتمعه بقدر ما يستطيع، يهتمّ بصحته من حيث الطعام ووقته ونوعه وكمّيته، يحذر من التخمة والشبع المفرط، يُعوّد نفسه المشي والرياضة والجري والحركة، لا يكن كالماء الراكد الذي سرعان ما يَفسد ويتغير لونه وطعمه وريحته، والوقاية خير من العلاج، وقل مثل ذلك في حق النساء والأولاد.
الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى، يجب أن نحافظ على أنفسنا ومجتمعنا من السموم والمهلكات والمفسدات؛ مثل الدخان والشمة والشيشة والمخدرات، فوالله ثم والله ما أفلح صاحبها، وكل يوم وهو في انحدار وانحطاط وخسارة وتعاسة.
ربِّ أدم علينا نِعمك وسترك وعافيتك، اللهم احفظ مجتمعنا ودولتنا وأمننا وصحتنا، اللهم اصرف عنا الوباء والغلاء والربا والزنا والخمور والفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلوا وسلموا…
التعليقات