عناصر الخطبة
1/ الأماني الإيجابية تحفز الجوارح للعمل 2/ قوة الإنسان الداخلية تتخطى القارات والمحيطات 3/ نماذج للأماني الإيجابية 4/ اجتهادنا في انتقاد الآخرين وتقصيرنا في تنمية قدراتنا 5/ تضييع الأوقات وعدم استثمارها في التعلم والتزود منهاهداف الخطبة
اقتباس
يا من هرمت، ويا من كبرت، ويا شابًا في ريعان شبابه، ويا من أنت في فتوة رجولتك، ماذا يا ترى تتمنى؟! ما الأمنية التي تقارعك ليل نهار؟! تصارع عقلك وتصارع فكرك، سبقت جميع الأمنيات، فأصبحت هي الأمنية التي تؤرّق ليلك وتؤرّق نهارك، يا ترى هل عرفت الإجابة؟!
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله -جل وعلا- من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أرسله بالإيمان مناديًا وللجنة داعيًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم واسألوا المغفرة لكم ولغيركم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71]
أيها المسلمون: في أكمام الليل وهجوعه تتصاعد تلك الدعوات بأصدق الأمنيات، عندما تطرق الكلمات الصادقة المسامع الساهية الغافية، تتسلل حتى يتأثر أحد أعضاء ذلكم البدن حتى يرحل معها في عالم الأماني.
إنها إشارة المستقبل، يوم أن تتحرك المشاعر النائمة نحو الأمل البعيد فتراه قريبًا، الأحلام الزائفة نزغ من الشيطان، والرؤيا الصادقة كرم من الرحمن، فكم من أمانٍ لا تحقق الأماني، إنها كسراب بقيعة، روى البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَوْ كَانَ عِنْدِي أُحُدٌ ذَهَبًا، لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا يَأْتِيَ عَلَيَّ ثَلَاثٌ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ لَيْسَ شَيْءٌ أَرْصُدُهُ فِي دَيْنٍ عَلَيَّ أَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ".
إن الإنسان يمتلك قوة في داخله تتخطى القارات وتبحر في المحيطات وتصارع كل الحواجز لتحقق الأمل المنشود، شعاره:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى *** فما انقادت الآمال إلا لصابر
تأملوا معي هذه الأماني، ذكر ابن عبد البر وغيره أنه اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا؟!
وأنا أقول لكم أيضًا: "تمنوا"، اسبحوا الآن بأفكاركم، وطيروا بخيالكم، ارتقوا سقف هذا المسجد، وانطلقوا إلى سماء الدنيا، وتخطوا الأسوار وابلغوا بعقولكم الأماني، فاطرحوا بين أنفسكم هذا السؤال: "ماذا تتمنون يا ترى؟!".
كل واحد منا الآن يطرح هذا السؤال الذي يطرحه عليهم مصعب بن عمير.
يا من هرمت، ويا من كبرت، ويا شابًا في ريعان شبابه، ويا من أنت في فتوة رجولتك، ماذا يا ترى تتمنى؟! ما الأمنية التي تقارعك ليل نهار؟! تصارع عقلك وتصارع فكرك، سبقت جميع الأمنيات، فأصبحت هي الأمنية التي تؤرّق ليلك وتؤرّق نهارك، يا ترى هل عرفت الإجابة؟!
اسمع كلام هؤلاء الأبطال فإذا بهم يقولون: يا مصعب: ابدأ أنت، فقال: "أما أنا فأتمنى ولاية العراق، وتزوج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله". فنال ذلك.
يقول أهل السير: ثمّ تمنّى عروة بن الزبير، تمنّى أن يكون فقيهًا وأن يحمل عنه الحديث. قال أهل السير: فنال ذلك.
وتمنى عبد الملك بن مروان أن يكون خليفة المسلمين. قال أهل السير: فنال ذلك.
وتمنى عبد الله بن عمر الجنة، فنسأل الله أن يرزقنا وإياه الجنة.
الأماني الإيجابية هي بذور صادقة ومشاعر جياشة إذا سُقيت بالجد والمتابعة والعزيمة الصادقة، معها إخلاص وهمة لا تفتر، فسوف تؤتي أكلها عاجلاً لا آجلاً.
(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء)، (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33].
الأماني هي شيء صادق داخل النفس يتحرك، فإذا به ينطلق عند الإنسان بشيء عجيب، جالست أحد هيئة كبار العلماء فتناقشت معه، فإذا به يقول: كنت في المعهد العلمي في بلدتنا، وكان معي أحد الطلاب نتنافس أنا وإياه في المركز الأول، أنا توجهي ديني وهو كذلك لولا أنه دنيوي، تصارعنا وتخرجنا ونحن لا نزال نتصارع في كيفية التنافس، ما هي أمنية الأول وما هي أمنية الثاني؟!
أما الأول فنال، فقد أصبح الآن أحد أعضاء هيئة كبار العلماء في هذه البلاد، والثاني أيضًا نال ما نال، فهو لا يزال وزيرًا لأكبر وزارة في هذه البلاد، وكانا صديقين أيام الدراسة.
كانت الأماني تتحرك عند الناس، فكانت تنطلق تلك الأماني حتى تترجم في أرض الواقع، لكن يوم أن ترى ولدًا يبكي لأن والده لم يشترِ له جوالاً، أو ترى رجلاً يبكي لأنه لم يتوفر له مال، أو ترى إنسانًا يتحسر ويتألم لأنه لم يحظ بشيء من الأشياء التافهة في هذه الحياة!!
الأماني الإيجابية.. إن الأماني الإيجابية هي ذلكم التألق داخل النفس، فتشرق الآمال فتنطلق إلى الأمام، كن قائد الزمام بإصرار وحزم على مدى الأيام، يوم أن تمر بطريق من الطرقات فتعيب ما فيها، تذكّر أن تصنع جيلاً يقود علاج هذا العيب.
يوم أن تعيب وزارة من الوزارات فكّر في أن تنشئ ولدًا يكون وزيرًا يقود هذه الوزارة، يوم أن ترى مصنعًا فيه من العيوب وعدم التقنية فكّر أن تصنع جيلاً وابنًا يكون قائدًا لهذا المكان، يوم أن تعيب القضاء أو تعيب غيره فكّر في أمنية إيجابية أن تنشئ أولادًا يكونون في تلك الأماكن.
إننا نعيش بحور الانتقاد التي لا تدرك لنا الآمال، ولا نقطف من ورائها شيئًا، لكن يوم أن نخرج من هذا المسجد ومن هذه الجمعة ونحن نعيش أمنيات صادقة حتى نترجمها في بيوتنا وفي أعمالنا وفي وظائفنا وفي حياتنا، فسوف نترجم الواقع.
يا شباب: الإيجابية يوم أن تمر بمستشفى فتتمنى أن تكون طبيبًا فيها، الأماني الإيجابية يوم أن تقرأ سيرة عظيم من عظماء الدنيا -وأنصح بقراءة الكتب التي ألفها بعض الملوك أو الأمراء أو التجار أو غيرهم، اقتنوا هذه الكتب، تأملوا كيف صنع هؤلاء الدول، كيف صنعوا الأبراج، كيف أنشؤوا وأنشؤوا!! اقرؤوا سير العظماء من العلماء الذين عاصرتموهم اليوم، اقرؤوا سيرهم، طلقوا الواتس آب، طلقوا البلاك بيري، انزلوا إلى أرض الواقع، طالعوا أننا عندنا عيوب وأخطاء، نحن نعيش على بحر الأماني لا نضيف شيئًا، العالم من حولنا يصنع ونحن نستهلك، العالم من حولنا ينتج ونحن نستهلك، العالم من حولنا يعطينا فضالة أوقاته وفضالة أجهزته وفضالة تفكيره، وفضالة مصانعه، ونحن لا نزال نفخر بميزانيات ضخمة لكننا نفتقد عقولاً ضخمة، عندنا ثروة لكن هذه الثروة هي أرضنا وبلادنا ومملكتنا، لكن ننتظر ثروة تتحرك في العقول والأفكار والأفهام حتى ننتج، إلى متى ونحن لا نعيش ثورة نحرك بها أفكارنا وأفهامنا وعقولنا؟!
يوم أن تمر على صرح كبير من إمارة أو وزارة تتمنى أن تكون وزيرًا بها، لا تتمنى سيارة فارهة ولا بيتًا فارهًا، ولا جوالاً فارهًا، كل تلك سوف تزول وتبقى الأماني الإيجابية التي زرعها هذا الجيل فقطفها الجيل الذي بعده، (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ)، فأي أثر يجدونه من بعدك وهم يرون أثرك البارع!!
يوم أن ترى عالمًا من العلماء تمنَّ أن تكون أفضل منه، يوم أن ترى تاجرًا يمتلك تجارة ضخمة في بلادك أو في غير بلادك تمنَّ أن تكون أفضل منه.
إنها الأماني الإيجابية، يوم أن تتحرك تلك الأماني، يقول عنها -صلى الله عليه وسلم-: "يهرم ابن آدم ويشب منه اثنان: الحرص على المال، والحرص على العمر". رواه مسلم.
والمـرء يبليه في الدنيا ويخلقه *** حرص طـويل وعمر فيه تقصير
يطـوق النحر بالآمال كاذبة *** ولهاذم الموت دون الطوق مطرور
جذلان يبسم في إشراك ميتته *** إن أفلـت النـاب أردته الأظافير
لابد أن تدرك أن الأسنّة لا تُبنى إلا بقوة، لابد أن تعلم، (يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، فقد رأيت وتأملت وأبناؤنا من طلاب الجامعات والكليات والثانوية وغيرها يجتهدون طوال العام ويتنافسون لارتقاء أعلى الدرجات، فما رأيت طريقة -بإذن الله- تكون أنفع لطلابنا مثل أن يغرس في قلوبهم وعقولهم الأماني الإيجابية، ماذا تريد يا بني؟! أيها الطلاب: اسألوا أنفسكم: ماذا تريدون؟!
إنكم اليوم تأكلون ما صنع غيركم، إنكم اليوم تعيشون في ثروة لا تعلمون ما الأيام تخبئ لكم، إنكم اليوم تقطفون ثمار آباء تعبوا، وأنتم جئتم -يا جيل اليوم- تأكلون ما وجدتم، لكنكم لا تعلمون ما تلك الأيام التي قال الله عنها: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ).
إنكم -يا جيل اليوم- لابد أن تكون لكم أمانٍ إيجابية تصارعون فيها الوقت والزمان، إنكم اليوم تضحكون، لكن سوف تذكرون يوم أن يأتي إليك ولدك يطلب منك شيئًا لا تستطيع أن توفره له.
إنكم -يا شباب اليوم- تضيعون الأوقات بالضحكات والابتسامات والسهرات، سوف يأتي يوم تقف فيه أمام زوجتك وتطلب منك شيئًا بسيطًا لكنك لا تستطيع أن توفره وأنت قد بلغت الخمسين والستين، أوَتبكي على شباب ضاع! أوَتبكي على أيام انهدرت؟!
أين الأماني؟! أين ما كنت تتمناه لكي تأمن به في هذه الدنيا، الأماني يقول عنها ابن الجوزي -رحمه الله-: "لو كان لك باعث من نفسك ما احتجت إلى أحد أو إلى باعث من خارجك".
أكمل دراستك، إلى متى وأنت تظل على شهادة بسيطة!! لئن بلغ عمرك الستين والسبعين والثمانين فلسوف يأتي يوم لا قيمة للبكالوريوس، سوف يأتي يوم لهذه الشهادة الجامعية لا ترى لها أثر، فقد مرّ زمن الابتدائية توظف مدرسًا، ثم بعد ذلك المتوسطة ثم بعد ذلك الثانوية، ثم أدركنا زمنَنَا أن صاحب الشهادة الجامعية لا يجد وظيفة، فكيف بالجيل القادم إذاً؟! ماذا سوف يكون حال من ليس عنده علم ولا دراسة ولا تعليم؟!
إن المقاعد والعلم والدراسة لا تعرف من وصله الشيب ودقه الكبر، إنما تعرف الجد، ليست العبرة أن تكون في وظيفة، أما الأماني فطلّقها واهجرها، طلقها ثلاثًا بلا رجعة حتى ينكحها غيرك، ولا تنكحها أنت، إنما ابدأ سلاح الجد والمثابرة حتى تملك زمام هذه الأمة وتقودها في كل بحارها وآمالها.
إننا اليوم أمام صراع، هذا الصراع، القوة للقوي، ليس في بدنه وإنما في عقله وتفكيره وطموحه وإبداعه.
الأماني الإيجابية لا ينالها من لا يزال رهين صنم الكسل وفتور العزم، مات في أحضان القليل فرضي بالراتب القليل حتى يقول: أنا موظف، زوّجوه ما دام موظفًا!! وأصبحنا نعيش كسلاً، حتى بعض الناس اليوم إذا أراد أن يزوج بنته قال: أريدها لموظف!!
يا مسكين: زوّج ذا عقل، ذا علم، ذا إدراك، ذا طموح، ذا إبداع؛ لأنهم إن يكونوا اليوم فقراء يغنهم الله، أما إن زوجته لوظيفته فقد يُفصَل وقد يترك ولا يجد كفايته ولا مؤنته.
إن أحضان القليل قتلت الكثير منا، والله -جل وعلا- يقول: (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً)، إن الأرزاق والآمال لا ينطلق إليها إلا هدهد سليمان يوم أن قال الله: (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) [النمل:20].
إن الهدهد انطلق لكي يعطي سليمان درسًا بعنوان: (أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)، وجاء له من سبأ بالخبر المبارك اليقين.
إنها يوم أن تعطى لك العزائم لا تنظر لفتور من حولك، ولا لضعف من حولك، إن بعض الناس اليوم يقول: ما أحد شجعني، ما أحد أعانني، ما أحد وقف معي!!
إن الله ضرب لنا سورة في القرآن باسم سورة النمل، فقال الله عن سليمان لما خرج مع جنود قال: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النمل:18]، فتحركت الأماني الصادقات من نملة صغيرة حتى تنقل هذه الأمة.
لقد خرج الإمام إمام المحدثين في عصره من مصلح ساعات حتى خرج عالمًا من العلماء، أعرف أحد مشايخنا تخرج من آلة طابعة، يعمل في مكتبة، يطبع أوراقًا، إلى أنه الآن عالم وخطيب وداعية.
إننا اليوم بأمس الحاجة إلى من يحركون الأماني، تأمّل معي هذا الكلام الذي لا تجده في مكان إلا يوم أن تبحر في أغمار من خاضوا في هذا الغمار.
المغناطيس يجذب الحديد بخاصية فيه، الظليم يبتلع الحصى والحجارة فيذيبها حر قانصته حتى يجعلها كالماء الجاري، ولو طبخ ذلك بالنار لم ينخل، ذنب الجرادة يشق الصخرة وليس بالقوى، إبرة العقرب تنفذ في الطشت، خرطوم البعوضة يغوص في جلد الجاموس.
إنها خواص الإعجاز، إذا كان الزعفران في دار لم يدخلها الوزغ، والنملة الصبورة بذكائها وفطنتها وعندها خاصية الشم التي ليست عند غيرها، صنع الله الذي أتقن كل شيء.
فما هو أنت؟! فما هي خاصيتك؟! وما هي أمنيتك؟! وما هو طموحك؟! وما هو تفكيرك؟! وما هي آمالك؟!
اعلم يقينًا أن الأمة اليوم بحاجة إلى أمانٍ إيجابية، والله لو فتشت في أصحاب المخدرات والمسكرات والذين عاشوا السفر إلى الحرام والذين أكلوا الحرام، لوجدت أنهم كانت عندهم أمانٍ.
كانت أمنيته أن يسافر، كانت أمنيته أن يشرب، كانت أمنيته أن يفحط، كانت أمنيته في سيارة، كانت أمنيته واقفة عند هذا، فنال ما نال وخسر ما خسر، ولكن يوم أن ترى المجد في حق الذين تغربوا عن بلادهم وسافروا من أجل العلم وكابدوا الدراسة والتعب، وتألقوا وتفننوا، نالوا ما نالوا بإذن الله تعالى.
إنها الأمنيات التي تحرق الكسل، اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال، اللهم ارزقنا أماني صادقات، ونوايا ذكيات طيبات، وارزقنا -يا ربنا- همة تناطح السحاب، نعوذ بك اللهم من أصحاب السوء ورفقة السوء ونفس السوء، أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ذي الفضل والإنعام، والكرم والامتنان، والصلاة والسلام على محمد والآل ومن تبعهم بإحسان، واقتفى أثرهم بإيمان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: إن (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر:18].
يا من سمعت هذه الكلمات: حرّك عزيمتك وامض بصدقك، ثابر، حرك في أولادك العزائم، حرك في زوجتك العزائم، وانطلق بأمل كبير، يا من أنت موظف: حاول أن لا تكون مجرد موظف، بل حاول أن تجمع مع شهادتك شهادات، أعرف بعض الأشخاص والزملاء من عنده بكالوريوس وعنده شهادة جامعية عليا وعنده أيضًا تخصصات أيضًا عليا.
وإذا قرأتم بعض السير رأيت من عنده شهادات ماجستير، وشهادتا دكتوراه، قد يقول منكم قائل: أما هذا من ينطبق فيه قول الله: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)، نعم صدقت ولا فض الله فاك، لكنه تكاثر في الخير والعلم والارتقاء.
ولكن يوم أن ترى أن بعضنا أصيب بالفتور والضعف، فبارت حياتك وطموحك، حتى الدبلوم لم ترتقِ به، ولا تجلس فارغًا، امض في عملك بالنهار وتعلّم بالليل، وامضِ في كل وقت، وقارع ولا تنس ما نصحتك به في أول حديثي، امضِ ليلتك الليلة إلى أقرب مكتبة من المكتبات واقرأ سيرة الحكام أو التجار أو العظماء أو العلماء، واسمع ما فيها وتأمل كيف كانوا يعيشون الأماني التي انطلقت بهم إلى الإيجابية.
ثم مسك الختام؛ ما أروع أن نرى وزيرًا عندما يتولى الوزارة وهو فوق السبعين والثمانين، إن بعضكم ينظر ويقول: لقد هرم هؤلاء، والله ما هرم هؤلاء، يوم أن ترى حاكمًا في الثمانين لا تنظر لسنه إنما انظر لسنك أنت -يا صاحب العشرين والثلاثين والأربعين- وأنت تعيش حالة الضعف، لا تقود حتى نفسك، يوم أن ترى تجارًا وكبارًا، أعمار فوق الستين والسبعين، كيف صنعوا؟! كيف ارتقوا؟! ولا يزالون يعملون ولا يزالون ينتجون، ولا يزالون يعطون، إنها الأماني الإيجابية التي لا تموت إلا يوم أن تخرج الروح من الجسد.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين...
التعليقات