عناصر الخطبة
1/ظاهرة انتشار الألعاب الالكترونية وإدمانها 2/آثار الألعاب الصحية والسلوكية 3/الآثار العقدية لهذه الألعاب 4/واجب الآباء في توجيه أبنائهم 5/نصائح للشباب.اقتباس
لِنَكُنْ مُنْصِفِينَ، نَقُولُ: إِنَّ الْمَسْئُولِيَّةَ الْأَكْبَرَ عَنْ إِدْمَانِ الْأَطْفَالِ لِتِلْكَ الْأَلْعَابِ إِنَّمَا تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ فَهُمْ مَنْ أَتَاحُوهَا لَهُمْ وَيَسَّرُوا لَهُمْ أَسْبَابَهَا، وَهُمْ مَنْ قَصَّرُوا فِي مُرَاقَبَتِهِمْ وَتَوْجِيهِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ... هَذَا مَعَ مَا يَعْلَمُونَ مِنْ سَذَاجَةِ عُقُولِ الْأَطْفَالِ وَبَسَاطَتِهَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّهُ مَا مِنْ مُجْتَمَعٍ إِنْسَانِيٍّ الْيَوْمَ إِلَّا وَقَدِ اعْتَرَفَ بِحَاجَةِ الطِّفْلِ إِلَى اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ، لِذَا فَهُمْ يَعْتَبِرُونَ إِفْسَاحَ الْمَجَالِ لِلطِّفْلِ لِيَلْهُوَ وَيَلْعَبَ مِنْ حُقُوقِهِ وَاحْتِيَاجَاتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، وَلَقَدْ سَبَقَهُمُ الْإِسْلَامُ إِلَى ذَلِكَ مُنْذُ زَمَانٍ؛ فَهَا هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ تَقُولُ -وَقَدْ سَتَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ لِتَنْظُرَ إِلَى لَعِبِ الْحَبَشِ-: "فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي رِوَايَةٍ: "الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّعِبِ"(اعْتِلَالُ الْقُلُوبِ، لِلْخَرَائِطِيِّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ كَثُرَتْ أَنْوَاعُ أَلْعَابِ الْأَطْفَالِ فِي زَمَانِنَا هَذَا حَتَّى ظَهَرَ مَا يُعْرَفُ بِالْأَلْعَابِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ، تِلْكَ الَّتِي تَعَدَّدَتْ وَتَنَوَّعَتْ وَكَثُرَتْ وَعَمَّتْ حَتَّى أَصْبَحَتْ أَلْفَ نَوْعٍ وَنَوْعٍ، وَدَخَلَتْ فِي كُلِّ بَيْتٍ، وَغَزَتْ عَقْلَ كُلِّ طِفْلٍ وَأَصْبَحَتْ هَمَّهُ الْأَوْحَدَ وَشُغْلَهُ الشَّاغِلَ.
وَكَمْ عَايَنَّا مِنْ أَطْفَالٍ قَدْ جَلَسُوا مَشْدُودِينَ مَشْدُوهِينَ أَمَامَ تِلْكَ الْأَلْعَابِ تُخَاطِبُهُمْ فَمَا يُجِيبُونَ، تَهُزُّهُمْ بِيَدِكَ فَمَا يَنْتَبِهُونَ، تُحَاوِلُ لَفْتَ انْتِبَاهِهِمْ بَعِيدًا عَنْ تِلْكَ الْأَلْعَابِ فَمَا يَشْعُرُونَ! فَهُمْ عَلَى أَلْعَابِهِمْ عَاكِفُونَ، وَإِلَيْهَا مُنْصِتُونَ، وَلِمَا تُمْلِيهِ عَلَيْهِمْ طَائِعُونَ!
فَوَجَدْنَا تِلْكَ الْأَلْعَابَ -الَّتِي يُفْتَرَضُ أَنْ تَكُونَ أَدَاةَ تَعْلِيمٍ وَتَثْقِيفٍ لِلطِّفْلِ- وَقَدْ تَحَوَّلَتْ إِلَى إِدْمَانٍ يُدْمِنُونَ عَلَيْهِ، وَصَنَمٍ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْفِكَاكَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ! تُهْدِرُ طَاقَاتِهِمْ وَتُضَيِّعُ أَوْقَاتَهُمْ وَتُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى حَيَاتِهِمْ كُلِّهَا!
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: مَعَ أَنَّ مِنَ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ مَا هُوَ مُفِيدٌ نَافِعٌ يُسْهِمُ فِي تَنْمِيَةِ مَهَارَاتِ الْأَطْفَالِ وَتَوْسِيعِ مَدَارِكِهِمْ، إِلَّا أَنَّ أَغْلَبَهَا قَدْ صَارَ الْيَوْمَ خَطَرًا يُهَدِّدُ أَطْفَالَنَا وَيَضُرُّ بِمُسْتَقْبَلِهِمْ؛ فَبَعْدَ تَجْرِبَةٍ مُمْتَدَّةٍ مَعَ تِلْكَ الْأَلْعَابِ قَدْ كَشَفَ الْعُقَلَاءُ وَالْمُتَخَصِّصُونَ أَنَّ لِتَكَ الْأَلْعَابِ أَضْرَارًا جَمَّةً عَلَى صِحَّةِ الْأَطْفَالِ وَعَلَى سُلُوكِهِمْ، فَمِنْ أَضْرَارِهَا الصِّحِّيَّةِ:
الْإِصَابَةُ بِالسُّمْنَةِ: وَذَلِكَ بِسَبَبِ قِلَّةِ الْحَرَكَةِ، وَكَذَلِكَ ضَعْفِ الْبَصَرِ وَالْأَرَقِ وَاضْطِرَابَاتِ النَّوْمِ؛ بِسَبَبِ الْإِشْعَاعَاتِ الْخَارِجَةِ مِنْ شَاشَاتِ الْحَاسُوبِ وَالْهَوَاتِفِ الْمَحْمُولَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْهِزَةِ الْأَلْعَابِ، وَمِنْهَا: مُشْكِلَاتُ الْعَمُودِ الْفِقْرِيِّ، وَآلَامُ الْكَتِفَيْنِ وَالرَّقَبَةِ وَمَفَاصِلِ الْيَدَيْنِ؛ بِسَبَبِ فَتَرَاتِ الْجُلُوسِ الطَّوِيلَةِ.
وَمِنْهَا: الْإِرْهَاقُ النَّفْسِيُّ وَالضَّغْطُ الْعَصَبِيُّ نَتِيجَةَ التَّرْكِيزِ الشَّدِيدِ عَلَى الْأَلْعَابِ؛ مِمَّا يُجْهِدُ الْعَقْلَ وَالْأَعْصَابَ وَيُؤَثِّرُ عَلَى الدِّمَاغِ، وَقَدْ يُسَبِّبُ التَّشَنُّجَ وَالصَّرَعَ عِنْدَ بَعْضِ الْأَطْفَالِ، وَمِنْهَا: الْإِصَابَةُ بِالصُّدَاعِ وَالْإِرْهَاقِ الْعَامِّ، وَعَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّرْكِيزِ، وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَضْرَارِ الصِّحِّيَّةِ الْجَسِيمَةِ.
أَمَّا عَنِ الْأَضْرَارِ السُّلُوكِيَّةِ لِهَذِهِ الْأَلْعَابِ الْإِلِكْتُرُونِيَّةِ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ، فَهِيَ عَامِلٌ أَسَاسِيٌّ فِي إِصَابَةِ الطِّفْلِ بِالِانْطِوَائِيَّةِ وَعَدَمِ التَّفَاعُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْحُضُورِ مَعَ الْآخَرِينَ أَصْلًا، وَقَدْ يَتَطَوَّرُ الْأَمْرُ حَتَّى يُصَابَ الطِّفْلُ بِمَرَضِ "التَّوَحُّدِ"؛ إِذْ تَجْعَلُهُ هَذِهِ الْأَلْعَابُ يَعِيشُ فِي عَالَمِهِ الِافْتِرَاضِيِّ الْخَاصِّ بَعِيدًا عَنْ وَالِدَيْهِ وَأُسْرَتِهِ، فَيَنْشَأُ مُحِبًّا لِلْعُزْلَةِ يَصْعُبُ عَلَيْهِ مُشَارَكَةُ النَّاسِ فِي مُنَاسَبَاتِهِمْ وَعَقْدِ الصَّدَاقَاتِ مَعَهُمْ، وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَلْعَابِ يَزْرَعُ الْعُنْفَ وَالْعَصَبِيَّةَ فِي نُفُوسِ الْأَطْفَالِ، وَبَعْضُهَا الْآخَرُ يُنَمِّي لَدَيْهِمُ الْأَنَانِيَةَ وَحُبَّ الِانْتِقَامِ وَقَسْوَةَ الْقَلْبِ وَعَدَمَ التَّثَبُّتِ؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ قِيَامِ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْعَابِ عَلَى الْقَتْلِ الْعَشْوَائِيِّ وَالدِّمَاءِ الْمَسْفُوكَةِ وَالْأَسْلِحَةِ الْفَتَّاكَةِ...
وَالْأَلْعَابُ الْإِلِكْتُرُونِيَّةُ سَبَبٌ كَذَلِكَ فِي الْعَدِيدِ مِنَ الْأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ؛ كَالْقَلَقِ وَالِاكْتِئَابِ وَالْعُدْوَانِيَّةِ وَالتَّوَتُّرِ وَالتَّهَوُّرِ، وَهِيَ سَبَبٌ مُبَاشِرٌ فِي قِلَّةِ التَّحْصِيلِ الدِّرَاسِيِّ وَاللَّامُبَالَاةِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْمُعَلِّمِينَ...
وَمِنْ آثَارِهَا السُّلُوكِيَّةِ: إِهْمَالُ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ: فَمِنْ فَرْطِ انْشِغَالِهِمْ بِتِلْكَ الْأَلْعَابِ تَرَاهُمْ يُفَوِّتُونَ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ، وَيَتَقَاعَسُونَ عَنْ طَاعَةِ الْوَالِدَيْنِ وَتَنْفِيذِ أَوَامِرِهِمْ، وَيُهْمِلُونَ الْعِنَايَةَ بِمَزَارِعِهِمْ أَوْ مَوَاشِيهِمْ أَوْ مَا يُوَكَلُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَعْمَالٍ، فَتَكُونُ تِلْكَ الْأَلْعَابُ سَبَبًا فِي تَضْيِيعِ مَا اسْتَرْعَاهُمُ اللَّهُ!
وَتَكُونَ النَّتِيجَةُ النِّهَائِيَّةُ أَنْ يَنْشَأَ الْأَطْفَالُ عَلَى غَيْرِ مَبَادِئِ الْإِسْلَامِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الرَّحْمَةِ وَالتَّسَامُحِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَالتَّكَاتُفِ وَالتَّآلُفِ وَالْوُدِّ وَتَمَنِّي الْخَيْرِ لِلْآخَرِينَ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى... فَهِيَ مِعْوَلُ هَدْمٍ وَتَخْرِيبٍ لِعُقُولِ الْأَطْفَالِ وَقُلُوبِهِمْ، وَتَشْوِيهٍ لِشَخْصِيَّاتِهِمْ، وَتَهْدِيدٍ لِمُسْتَقْبَلِهِمْ.
وَالْآنَ نَقُولُ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-: لَيْتَ الْأَمْرَ اقْتَصَرَ عَلَى تِلْكَ الْأَضْرَارِ الصِّحِّيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، بَلْ لِلْأَسَفِ فَمَا سَبَقَ مِنْ أَضْرَارٍ -مَعَ فَدَاحَتِهَا- فَإِنَّهَا هَيِّنَةٌ إِذَا مَا قُورِنَتْ بِالضَّرَرِ الْعَقَدِيِّ الَّذِي تُسَبِّبُهُ تِلْكَ الْأَلْعَابُ، وَمِنْهَا مَا يَلِي:
ضَيَاعُ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ، وَذَوَبَانُ الْفُرُوقِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ فِي أَذْهَانِ الْأَطْفَالِ: فَفِي بَعْضِ الْأَلْعَابِ يَكُونُ الْفَوْزُ بِإِنْقَاذِ رَايَةٍ تَحْمِلُ رَمْزَ الصَّلِيبِ! وَمِنْهَا مَا يَكُونُ الِانْتِقَالُ فِيهَا مِنْ مَرْحَلَةٍ إِلَى مَرْحَلَةٍ عَبْرَ السُّجُودِ لِصَنَمٍ أَوْ تَقْدِيمِ قُرْبَانٍ لَهُ! وَهَذَا ضِدُّ مَا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنُ لِأَتْبَاعِهِ: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الْمُمْتَحَنَةِ: 4].
وَمِنْهَا: الِانْبِهَارُ بِحَضَارَةِ الْغَرْبِ الزَّائِفَةِ: وَالتَّطَلُّعُ إِلَى تَقْلِيدِهِمْ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ؛ بِسَبَبِ مَا يُبَثُّ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَلْعَابِ مِنْ مَظَاهِرَ أَخَّاذَةٍ لِتَقَدُّمِهِمْ وَقُدُرَاتِهِمْ وَإِبْدَاعَاتِهِمْ وَتَفَوُّقِهِمْ... فَيَشُبُّ الطِّفْلُ مُنْبَهِرًا بِهِمْ، مُحِبًّا لَهُمْ، سَاعِيًا لِأَنْ يَكُونَ مِثْلَهُمْ! وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَيَقُولُ: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).
عِبَادَ اللَّهِ: لِنَكُنْ مُنْصِفِينَ، نَقُولُ: إِنَّ الْمَسْئُولِيَّةَ الْأَكْبَرَ عَنْ إِدْمَانِ الْأَطْفَالِ لِتِلْكَ الْأَلْعَابِ إِنَّمَا تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ فَهُمْ مَنْ أَتَاحُوهَا لَهُمْ وَيَسَّرُوا لَهُمْ أَسْبَابَهَا، وَهُمْ مَنْ قَصَّرُوا فِي مُرَاقَبَتِهِمْ وَتَوْجِيهِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ... هَذَا مَعَ مَا يَعْلَمُونَ مِنْ سَذَاجَةِ عُقُولِ الْأَطْفَالِ وَبَسَاطَتِهَا؛ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُونَ الْمَآلَاتِ إِلَّا بِإِرْشَادِ آبَائِهِمْ! وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى عَاتِقِ الْوَالِدَيْنِ مَسْئُولِيَّاتٌ وَوَاجِبَاتٌ بِخُصُوصِ تِلْكَ الْأَلْعَابِ، وَمِنْهَا مَا يَلِي:
مُسَاعَدَتُهُمْ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَلْعَابِ الْمُفِيدَةِ النَّافِعَةِ وَتَجَنُّبِ الْخَبِيثَةِ الضَّارَّةِ، فَنُشَجِّعُهُمْ عَلَى اخْتِيَارِ اللُّعْبَةِ الَّتِي تَزِيدُ الْمَهَارَاتِ وَتُنَمِّي الذَّكَاءَ وَتُسَاهِمُ فِي عَمَلِيَّةِ التَّعَلُّمِ...
وَمِنْ وَاجِبَاتِهِمُ: التَّحَكُّمُ فِي الْوَقْتِ الْمُخَصَّصِ لِلَّعِبِ، وَعَدَمُ السَّمَاحِ لَهُمْ بِالْمُبَالَغَةِ وَالتَّمَادِي فِي اللَّعِبِ، بَلْ وَالِاتِّفَاقُ مَعَهُمْ أَلَّا يَكُونَ اللَّعِبُ إِلَّا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ وَاجِبَاتِهِمُ الْمَدْرَسِيَّةِ وَمَا يُكَلَّفُونَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ.
وَمِنْهَا: ضَبْطُ سُلُوكِهِمْ أَثْنَاءَ اللَّعِبِ؛ بِحَيْثُ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ مَتَى سَمِعُوا النِّدَاءَ، وَيُجِيبُونَ الْوَالِدَيْنِ فَوْرَ أَمْرِهِمْ أَوْ نَهْيِهِمْ، وَيُقَدِّمُونَ الْمُهِمَّاتِ عَلَى تِلْكَ الْأَلْعَابِ.
وَمِنْهَا: أَلَّا يُوَفِّرَ الْآبَاءُ لِأَوْلَادِهِمْ تِلْكَ الْأَلْعَابَ بِغَرَضِ الرَّاحَةِ مِنْ عَنَائِهِمْ، وَالتَّخَلِّي عَنْ تَحَمُّلِ مَسْئُولِيَّتِهِمْ، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ لِيُحَاوِلُوا مُشَارَكَتَهُمْ فِي أَلْعَابِهِمْ أَحْيَانًا بِنِيَّةِ التَّوْجِيهِ وَإِصْلَاحِ الْأَخْطَاءِ إِنْ وُجِدَتْ، وَتَعْوِيدِهِمْ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ أَثْنَاءَ اللَّعِبِ؛ كَقَوْلِ: "اللَّهُ أَكْبَرُ" إِذَا فَازُوا، وَ"سُبْحَانَ اللَّهِ" إِذَا فَاتَتْ مِنْهُمْ فُرْصَةٌ، وَ"لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" أَوِ "اللَّهُمَّ أَجْرُنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهَا" إِذَا خَسِرُوا... وَلْيَكُنْ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ؛ أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى).
وَمِنْهَا: الرِّفْقُ بِهِمْ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَتَعَرَّضُونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ إِلَى مَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ مِنْ فِتَنٍ وَمُغْرِيَاتٍ تَشُدُّهُمْ وَتُسَوِّلُ لَهُمُ الْبُعْدَ عَنْ تَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ! لِذَا فَإِنَّ الْأُسْلُوبَ الْأَمْثَلَ لِلْأَخْذِ بِأَيْدِيهِمْ هُوَ الرِّفْقُ وَالرَّحْمَةُ بِهِمْ، وَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أَلَا فَلْنَتَّقِ اللَّهَ -تَعَالَى- فِي أَوْلَادِنَا، وَلْنَكُنْ عَوْنًا لَهُمْ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَعَلَى التَّنَبُّهِ لِمَا يُرَادُ بِهِمْ، فَإِنَّنَا سَنُسْأَلُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلْنَدُلَّهُمْ عَلَى الْخَيْرِ وَنُشَجِّعْهُمْ عَلَيْهِ، وَنَمْنَعْ عَنْهُمُ الشَّرَّ، وَلْنَحْذَرْ مِنْ تَيْسِيرِهِ لَهُمْ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَيْهِ؛ فَذَلِكَ تَضْيِيعٌ لِلْأَمَانَةِ، وَإِنَّهَا -يَوْمَ الْقِيَامَةِ- لَنَدَامَةٌ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
فِيَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: لَسْتُمْ أَقَلَّ مِمَّنْ سَبَقَكُمْ مِمَّنْ عَمَّرُوا الدُّنْيَا وَفَتَحُوهَا بِالْإِسْلَامِ، وَرَفَعُوا رَايَةَ الْقُرْآنِ فَوْقَ رُبُوعِ الْأَرْضِ، فَكُونُوا كَقُطُزَ وَبِيْبَرِسَ، بَلْ كُونُوا كَأُسَامَةَ وَخَالِدٍ، هَؤُلَاءِ الشَّبَابِ الَّذِينَ طَلَبُوا الْمَعَالِيَ وَتَطَلَّعُوا إِلَى الْجِنَانِ وَعَمِلُوا لَهَا، فَاتَّخِذُوهُمْ قُدْوَةً وَمِثَالًا يُحْتَذَى، وَلَا تُضَيِّعُوا أَوْقَاتَكُمْ وَأَعْمَارَكُمْ بِأَلْعَابٍ تَافِهَةٍ لَا طَائِلَ مِنْ وَرَائِهَا، وَاعْلَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفَاسِفَهَا"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ)، فَاسْأَلُوا أَنْفُسَكُمْ: أَتَقُودُكُمْ هَذِهِ الْأَلْعَابُ إِلَى الْمَعَالِي؟!
أَيُّهَا الشَّبَابُ: انْتَبِهُوا لِمَا يَحِيكُهُ لَكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ مِنْ مَكَائِدَ لِيَأْخُذُوكُمْ بَعِيدًا عَنْ هَدْيِ دِينِكُمْ، وَلِيَشْغَلُوكُمْ بِاللُّعْبَةِ وَالْأَغَانِي وَالْمُوضَةِ وَالْفِيلْمِ وَالْمُسَلْسَلِ عَمَّا فِيهِ مَجْدُكُمْ وَعِزُّكُمْ وَشَرَفُكُمْ وَتَقَدُّمُكُمْ؛ (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 10].
إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: مِمَّا يُؤْثَرُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ: "عَلِّمُوا أَوْلَادَكُمُ السِّبَاحَةَ وَالرِّمَايَةَ وَالْفُرُوسِيَّةَ..."، وَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ ذِي لُبٍّ أَنَّ هَذِهِ الرِّيَاضَاتِ وَالْأَلْعَابَ فِيهَا مِنَ الْبِنَاءِ لِلْجِسْمِ، وَالتَّنْشِيطِ لِلْعَقْلِ، الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، فَمَا بَالُنَا نَسْتَبْدِلُ مَا يَجْلِبُ الْكَسَلَ وَالْأَمْرَاضَ الْجِسْمِيَّةَ وَالنَّفْسِيَّةَ بِمَا يُفِيدُ الْجِسْمَ وَيُنَمِّي الْعَقْلَ؟! خَاصَّةً وَأَنَّ هَذِهِ الْأَلْعَابَ الْإِلِكْتِرُونِيَّةَ قَدْ تَمَّ تَصْمِيمُهَا وَبَرْمَجَتُهَا -فِي الْغَالِبِ- مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَهَلْ نَتْرُكُ أَبْنَاءَنَا فَرِيسَةً لِفِكْرِ وَعُقُولِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ؟! فَعَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَعِيَ ذَلِكَ، وَيُحَاوِلَ أَنْ يُوجِدَ لِأَبْنَائِهِ الْبَدِيلِ الْآمِنِ الْمُصْلِحَ، حَتَّى يُصْلِحَ اللَّهُ أَبْنَاءَنَا، وَيَجْعَلَهُمْ قُرَّةَ عَيْنٍ لَنَا.
وَاللَّهَ نَسْأَلُ أَنْ يُوَفِّقَ أَبْنَاءَنَا لِكُلِّ خَيْرٍ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُمْ كُلَّ شَرٍّ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات