عناصر الخطبة
1/ مكانة المسجد الأقصى في الإسلام 2/ تخاذل المسلمين عن نصرة المستضعفين 3/ تطاول اليهود وتكرار اعتداءاتهم على الأقصى 4/ خطورة التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.اهداف الخطبة
اقتباس
حتى الملاعب وحتى البارات وحتى المراقص لم يحدث فيها ما حدث في المسجد الأقصى بمباركة من دول الغرب، ولو أن ما حدث من حرق وتكسير وتدنيس للأقصى حدث في برج من أبراجهم، أو منتزه من منتزهاتهم لضجّ الإعلام العالمي، ولوضعوا من فعل هذا في قائمة الإرهاب، ووصفوه بأقبح الأوصاف، وتنادوا ونادوا العالم على حرب هؤلاء.. أما قبلة الأنبياء فليفعل بها الفجرة ما شاءوا، وهذا يؤكد أن الغرب ليس لهم عدو إلا الإسلام، لذا لا قيمة لمقدسات المسلمين ولا لدمائهم ولا لأعراضهم عند الغرب، بل هم من يخطط لهذه الأشياء ويسعى لها ويدعمها..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: في البخاري عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله: "أي مسجد وضع في الأرض أول؟"، قال: "المسجد الحرم"، قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت كم بينهما؟ قال: "أربعون سنة" (رواه البخاري).
فالمسجد الأقصى ثاني مسجد وُضع في الأرض، قيل بناه آدم عليه السلام، المسجد الأقصى أولى القبلتين وقبلة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، صلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة -رضي الله عنهم- من بعثته عليه الصلاة والسلام، إلى أن هاجر وصلى إليه في المدينة ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا، ثم حُولت القبلة إلى الكعبة، قال الله: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [البقرة: 144].
المسجد الأقصى هو مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ربنا -جل وعلا-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [الإسراء: 1]، وفيه صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إمامًا بالأنبياء، ومنه عرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء، ثالث المساجد شرفًا وقداسة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسجد الأقصى" (رواه البخاري).
وقد جاء أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، ولمكانة المسجد الأقصى عند المسلمين لما فتحه عمر -رضي الله عنه- توجه بنفسه إلى بيت المقدس، واستلم مفاتيح بيت المقدس؛ دخل -رضي الله عنه- بيت المقدس من الباب الذي دخل منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الإسراء وصلى فيه مستقبلاً القبلة، وجعل يزيح بردائه الأقذار التي رماها النصارى في قبلته، ولما رأى المسلمون فعل عمر أخذوا بتنظيف المسجد من أقذار النصارى.
ظل بيت المقدس بعد فتح عمر له في السنة الخامسة أو السادسة عشر الهجرة تحت حكم المسلمين خمسة قرون حتى استولى عليه الصليبيون في أثناء حكم العبديين الفاطميين، ومكث في أيدي الصليبين أكثر من تسعين سنة، ثم استرده المسلمون على يد القائد المجاهد البطل صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- بعد رسالة جاءت له على لسان الأقصى الجريح تقول:
يا أيها الملك الذي *** لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة *** تسعى من البيت المقدس
كل المساجد طهرت *** وأنا على شرفي أدنّس
فانتفض صلاح الدين، وصاح وإسلاماه وإسلاماه، ثم حرك الجيوش، ومنع الضحك في الجيش وهيّأ الجنود لاسترداد الأقصى، ثم فتح الأقصى وطرد النصارى، وهز التكبير أرجاء المسجد الأقصى، وظل في حوزة المسلمين أكثر من ثمانية قرون إلى أن جاء الاستعمار الخبيث، فاستولى على الأقصى، وسلمه لليهود، وجعل من فلسطين وطنًا لليهود بعد ما يسمى "وعد بلفور" -أخزاه الله-، وما زال الأقصى المبارك مما يزيد على خمسين سنة في الأسر يأنّ تحت وطأة الاحتلال اليهودي.
تآمر عليه وعلى تدنيسه عُبّاد الصليب وإخوان القردة والخنازير، وقبل أيام دخله الصهاينة وعاثوا فيه فسادًا، أحرقوه وكسروه ودنسوه، ودول الكفر ترى وتسمع؛ الدول التي تدّعي احترام الأديان واحترام المقدسات، يدنس الأقصى قبلة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وهم ينظرون.
حتى الملاعب وحتى البارات وحتى المراقص لم يحدث فيها ما حدث في المسجد الأقصى بمباركة من دول الغرب، ولو أن ما حدث من حرق وتكسير وتدنيس للأقصى حدث في برج من أبراجهم، أو منتزه من منتزهاتهم لضجّ الإعلام العالمي، ولوضعوا من فعل هذا في قائمة الإرهاب، ووصفوه بأقبح الأوصاف، وتنادوا ونادوا العالم على حرب هؤلاء..
أما قبلة الأنبياء فليفعل بها الفجرة ما شاءوا، وهذا يؤكد أن الغرب ليس لهم عدو إلا الإسلام، لذا لا قيمة لمقدسات المسلمين ولا لدمائهم ولا لأعراضهم عند الغرب، بل هم من يخطط لهذه الأشياء ويسعى لها ويدعمها..
يدنّسون الأقصى؛ لأنهم قبل هذا دنسوا ديننا وأخلاقنا يوم أن علقونا بالدنيا، وجعلونا نعيش لشهواتنا لا لديننا، ونتخلق بأخلاق أعدائنا، ونمشي خلفهم في جحور الظلام.
دمعي يسيل وحسرتي لا تنقضي *** عجزت لوصف مصابي الأقــلام
فلتبكي يا غيم السماء بأدمع *** فالحال صعب والخطوب جسام
فالمسجد الأقصى أُبيح حرامه *** قتل الأرامل فيه والأيتام
بغداد تسبح في بحور دمائها *** والهند تصرخ أدركي يا شام
وازلتاه في أمة مقهورة طعنت *** فسار الجرح لا يلتأم
عباد الله: إن الواقع الذي نراه أمامنا من تدنيس للمسجد الأقصى، واعتداء على المرابطين في بيت المقدس، وقتل وإهانة للمستضعفين من الفلسطينيين؛ يدل على أن ما ذهب بالدم لا يُسترد إلا بالدم، وأن الصهاينة لا ينفع معهم سلام، وأن طاولة المفاوضات لا بد أن تُكسر، فما وُضعت إلا لخدمة الأطماع الصهيونية في المسجد الأقصى، والذين يريدون إعادة بناء هيكل سليمان -عليه السلام- في مكان المسمى بمسجد قبة الصخرة، وهو داخل في حدود المسجد الأقصى.
وهيكل سليمان عند اليهود معبد بناه سليمان -عليه السلام-، أما المسلمون فيقولون الذي بناه سليمان -عليه السلام- المسجد الأقصى، كما أنهم استولوا على حائط البراق ويسميه اليهود حائط المبكي.
وحائط البراق نسبة للبراق الدابة التي ركبها النبي -صلى الله عليه وسلم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، رافق ربط النبي -صلى الله عليه وسلم- البراق هناك لما عُرج به إلى السماء، فسُمي بهذا الاسم وهو من المعالم الإسلامية.
لكن الصهاينة أخذوا الحائط مع ما أخذوا بالقوة، وحولوه إلى معلم يهودي ديني يقدمون إليه ويبكون عنده مبكاهم القديم، ولذا سموه حائط المبكى.
وهكذا تلاعب الصهاينة بالمقدسات والمعالم الإسلامية في الأرض المباركة، ولو شاء الله ما فعلوا، ولكن لعل الله أراد جمعهم في هذا المكان ليوم الملحمة الكبرى التي ينتصر فيها المسلمون على اليهود، ويتحقق وعد نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعالى فاقتله، إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) [الكهف:98].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العلي العظيم، وأتوب إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وإخوانه وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد: فيا معاشر المسلمين: ما حدث ويحدث للمسجد الأقصى على أيدي الصهاينة في هذه الأيام لم يأتِ صدفة، فهذه الأحداث تأتي في رأس السنة العبرية، وهو عيد من أعياد اليهود التي مجموعها يقارب من مائة يوم في السنة، وقد أصدروا قانونًا بتقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا بينهم وبين المسلمين، وهذه خطوة في طريق الاستيلاء الكامل عليه، فالتقسيم الزمني معناه أنهم يقسمون ساعات النهار، فيسمحون للمسلمين بالدخول في أوقات الصلاة، ويمنعونهم من الساعة السابعة صباحًا إلى أذان الظهر؛ بحجة أنه ليس وقت للصلاة، ويكون مخصصًا لليهود.
ومنذ أيام أصدروا قانونًا يعتبرون المرابطين في المسجد الأقصى إرهابيين، والمرابطون أشخاص من أهل القدس يتواجدوان فيه ليشغلوه بحلقات العلم والذكر حتى لا يخلو لليهود.
ومن التقسيم الزمني أنهم جعلوا لليهود الحق في دخول المسجد في أيام أعيادهم المائة، إضافة ليوم السبت، والذي خُصص لليهود، فيتحصل لليهود ما يقرب من مائتي يوم، أما التقسيم المكاني فهم في البداية يريدون أن يجعلوا للمسلمين الأماكن المسقوفة كمصلى قبة الصخرة والمصلى المرواني، وتكون السيطرة لهم على الساحات الخارجية، وقد انتهوا من عمل مخططات لكنيستين سينفذونها داخل السور، لا أتم الله لهم أمراً.
وإني من هذا المكان أحيي المرابطين في أكناف بيت المقدس، أحيي الفلسطينيين الذين يدافعون عن الأقصى بأيدٍ خاوية وصدور عارية، الذين يضحون بالغالي والنفيس ليظل الأقصى المبارك في أيدي المسلمين.
أعاد الله علينا أيام الخير والبركات ووفقنا لفعل الطاعات وترك المنكرات.. عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله امتثالا لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومعينًا، اللهم احقن دماءهم، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم عجل لهم بالنصر والتمكين يا قوي يا قادر، اللهم عليك بالصهاينة الغاصبين، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، اللهم خالف بين كلماتهم، اللهم اجعل الدائرة عليهم، اللهم إنا نبرأ بك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم فك أسر المأسورين اللهم فرّج هم المهمومين اللهم نفس كرب المكروبين، اللهم اقض الدين عن المدينين، اللهم اشفِ مرضانا ومرض المسلمين، واكتب الصحة والتوفيق لنا ولكافة المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك حب الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت بنا فتنة فتوفنا غير مفتونين، نسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك.
اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وزوجاتنا، وأصلح فساد قلوبنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهما كما ربيانا صغارًا، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات