عناصر الخطبة
1/ تنوُّع المكافآت والعقوبات بتنوُّع الأعمال الصالحة والطالحة 2/ امتنان الله تعالى بأنواع من العبادات لتنوع اللذات في الجنات 3/ طائفةٌ من الأعمال الصالحة 4/ تصفية الأعمال الصالحة من الآفاتاهداف الخطبة
اقتباس
امتَنَّ الله على عباده وشرع لهم أنواعاً من العبادات؛ لتتنوع اللَّذاتُ في جنات النعيم، واللهُ سبحانه بفضله جعل لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثراً وجزاءً ولَذَّةً وألماً يخصُّهُ، لا يُشبه أثر الآخَر وجزاءَه؛ ولهذا تنوعت لَذَّاتُ أهل الجنة، وآلام أهل النار، وتنوع ما فيها من الطيبات والعقوبات ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله -عبادَ الله- حَقَّ التَّقْوى، وراقبوه في السر والنجوى.
أيها المسلمون: امتَنَّ الله على عباده وشرع لهم أنواعاً من العبادات؛ لتتنوع اللَّذاتُ في جنات النعيم، والله -سبحانه- بفضله جعل لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثراً وجزاءً ولَذَّةً وألما يخصُّه، لا يشبه أثر الآخر وجزاءَه؛ ولهذا تنوعت لَذَّاتُ أهل الجنة، وآلام أهل النار، وتنوع ما فيها من الطيبات والعقوبات.
فلبر الوالدين جزاء، ولصلة الرحم ثواب، ومن حافظ على الصيام دخل من (باب الريان)، ومَن كان من أهل الصدقات دخل من (باب الصدقات)، وكل باب لأهله من الجزاء ما ليس لغيرهم.
قال ابن القيم -رحمه الله-: مَن تنوعت أعماله المـــُرضِية المحبوبة له في هذه الدار تنوعت الأقسام التي يتلذذ بها في تلك الدار، وتكثرت له بحسب تكثرِهِ أعمالَه هنا، وكان مزيده بتنوعها والابتهاج بها والالتذاذ هناك على حسب مزيده من الأعمال وتنوعه فيها في هذه الدار.
فرمضان تضاعف فيه الأعمال وتكفر فيه الخطايا والأوزار، قال -عليه الصلاة والسلام-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفِّراتٌ لما بينهما؛ إذا اجتنبت الكبائر" رواه مسلم. وهو شفيع لأصحابه، قال أهل العلم: ما استعان أحَدٌ على تقْوَى الله وحِفْظِ حدوده واجتناب محارمه مثل الصوم.
وفي تلاوة القرآن اجر عظيم، كُلُّ حرفٍ بحسَنة، والحسنة بعشر أمثالها، والعبد منزلته في الآخرة عند آخر آية كان يرتلها في الدنيا، وفي القبر والحشر يشفع القرآن لصاحبه عند الله، وهو نور وهدى وشفاء، قال عثمان -رضي الله عنه-: لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم.
وأفضل صلاة بعد الفريضة هي صلاة الليل، وهي من صفات أهل الجنة، قال -سبحانه- (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:15-18].
وصلاة الليل من أسباب دخول الجنة، قال -عليه الصلاة والسلام-: "يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأَطْعِمُوا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصَلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام" رواه الترمذي.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوم من الليل حتى تتفطر، أي: تتشقق، قدَمَاهُ من القيام، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يقومون معه، ويحرصون على إحياء الليل بالصلاة، قال -عز وجل-: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل:20].
وقال -سبحانه- في وصفهم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح:29].
ومن صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. والمرء في ظل صدقته يوم القيامة وموعود بالمغفرة والغنى، قال -سبحانه- (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268]، والمنفق المؤمن آمن في الدنيا والآخرة، قال -جل وعلا-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:274].
والمتصدق تتيسر له أعماله، قال -سبحانه-: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل:5-10].
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الناس صدقة، ولا يستكثر شيئا أعطاه، ولا يرد سائلا، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سرورُه بما يُعطيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه.
والزكاة من أركان هذا الدين، لا يقوم الإسلام إلا بها، تطهر المال وتنميه وتزكيه؛ فطِبْ بها نفسا، وابذل بها كفَّاً، وواسِ بها محروما أو يتيما أو مَن فقد عائلا، وأخلِصْ بها قلباً، واحذر التسويف في إخراجها؛ فلا تعلم ما يعرض لك.
والمرأة مأمورة بما يؤمر به الرجال من التلاوة والتعبد والصدقة وقيام الليل، وصلاتها في دارها خير لها من صلاتها في مسجدها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وبُيوتهنَّ خير لهنَّ" رواه أبو داود.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج:77].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم- عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّمَ تسليماً مَزِيدَاً.
أيها المسلمون: القلوب أوعيةٌ، وخيرها أوعاها، وتصفية العمل من الآفات أشد من العمل، ورمضان موسم الاغتنام واستباق الخيرات، وقد أفلح مَن أخلص فيه لربه، وكل ما لا ينبغي به وجه الله يضحمل.
وكتمان الحسنات من الإخلاص، والرياء مَفْسَدَةُ الأعمال، فاحذروا الرياء، (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالْأَرْضُ) [آل عمران:133].
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبينا وسيدنا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعَنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أَعِزَّ الإِسْلَامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
التعليقات