عناصر الخطبة
1/حفت الجنة بالمكاره 2/الحث على السعي لدخول الجنة 3/أعمال صالحة توصل إلى الجنة 4/الأعمال الموصلة إلى الجنة كثيرة جدااقتباس
إن أعمال الخير الموصلة إلى الجنة كثيرة جدا، ومنها على سبيل العجالة: الجهاد في سبيل الله، وذكر الله -تعالى-، والصوم، والحج، وأداء السنن الرواتب، وبناء المساجد، وترك الجدال ولو كان محقا، وزيارة الإخوان في الله، وحضور حلق الذكر، وطلب العلم...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله .... أما بعد:
فيا أيها الناس: إن هذه الدار دار خلقنا الله فيها وابتلانا بأنواع البلايا، وأمرنا بتوحيده وعبادته، وأرسل -جل في علاه- رسلا للناس ليدلوهم على الطريق الحق، وينذرونهم سبل الضلال؛ (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36]، وكان من نعم الله على هذه الأمة أن أرسل لها أفضل رسله، وأنزل عليه أفضل كتبه، وشرع لهم أفضل شرائع دينه، ولقد قال -سبحانه- في وصف رسوله: (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[النحل: 64]، وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل: 44]، وقال: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا)[مريم: 97].
ولهذا ما فتئ المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- يبين للناس الخير ويحثهم عليه، ويبين لهم الشر ويحذرهم منه، حتى قال عن نفسه فيما أخرجه ابن ماجه من حديث أبي الدرداء، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "وأيم الله، لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء"، وما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مثلي كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار، يقعن فيها وجعل يحجزهن، ويغلبنه فيقتحمن فيها، فذلك مثلي ومثلكم؛ أنا آخذ بحجزكم عن النار: هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني فتقتحمون فيها"، حتى أصبح الناس ببعثة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- كما قال -تعالى-: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[الإنسان: 3]، ولقد جعل الله الجنة ثوابا للطائعين، وجعل النار عقابا للعاصين.
عباد الله: من هذا المنطلق وجب على المؤمن الفطن أن يحث السير على الجنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، فوالله إن طريق الجنة واضح ما به غبش، وكذلك طريق النار، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بذلك فيما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، ثم حفها بالمكاره ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها فذهب، ثم نظر إليها ثم جاء فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، فلما خلق الله النار قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات ثم قال: يا جبريل، اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها فقال: أي رب، وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها".
ولهذا سنتطرق في هذه الخطبة -بإذن الله- للأعمال التي تقود صاحبها إلى الجنة، وهي أعمال يسيرة غفل عنها الكثير فمن ذلك:
الإتيان بالأركان الخمسة كاملة، أخرج البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد، ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خمس صلوات في اليوم والليلة"، فقال: هل علي غيرهن؟ قال: "لا، إلا أن تطوع، وصيام شهر رمضان"، فقال: هل علي غيره؟ قال: "لا، إلا أن تطوع"، وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، فقال: هل علي غيرها؟ قال: "لا، إلا أن تطوع"، فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفلح إن صدق"، وفي رواية: "دخل الجنة إن صدق".
ومن الأعمال: الصدق في الحديث، أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن الصدق ليهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا".
ومن الأعمال كذلك: إفشاء السلام بين الناس، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة: "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
ومن الأعمال كذلك: قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، أخرج النسائي من حديث أبي أمامة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة؛ لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت".
ومن الأعمال كذلك: قول الذكر الوارد بعد الفراغ من الوضوء، أخرج النسائي في سننه من حديث عمر، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من توضأ فأحسن الوضوء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله؛ فتحت له أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء".
ومن الأعمال كذلك: أن يختم للعبد بالشهادة عند الموت، أخرج أحمد وأبو داود من حديث معاذ، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة".
ومن الأعمال كذلك: كفالة اليتيم، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة".
ومن الأعمال كذلك: بر الوالدين خصوصا الأم، أخرج أحمد والنسائي من حديث جاهمة قال: جاء شاب إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يريد الجهاد، فقال له: "أحي والداك؟"، قال: أمي، قال: "وتريد الجنة"، قال: نعم، قال: "الزمها؛ فإن الجنة تحت أقدامها".
اللهم أعنا على فعل الخيرات، وترك المنكرات يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين... أما بعد:
فيا أيها الناس: لقد سهل الله الأعمال، وطلب منا القليل، وأعطانا عليه الكثير، فكما مر معنا في الخطبة الأولى أعمال قليلة وأجرها جنة عرضها السموات والأرض، فما أعظمها من منه، وما أجزلها من عطية!، ولو أردنا أن نكمل الأعمال التي تدخل صاحبها الجنة فمن ذلك:
حفظ الفرج واللسان عن الحرام: أخرج البخاري من حديث سهل بن معاذ، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه؛ أضمن له الجنة".
ومن الأعمال كذلك: طاعة المرأة لزوجها، أخرج النسائي من حديث حصين بن محصن: أن عمته ذكرت زوجها للنبي -صلى اللّه عليه وسلم- فقال: "انظري أين أنت منه؟ فإنه جنتك ونارك".
ومن الأعمال كذلك: كثرة السجود لله -تعالى-، يعنى الإكثار من الصلاة، أخرج مسلم من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد؛ فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت؛ فلي النار"، وأخرج مسلم من حديث ربيعة بن كعب قال: كنت أبيت مع رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: "سل"، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك؟"، قلت: هو ذلك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"، وأخرج مسلم في صحيحه من حديث معدان قال: لقيت ثوبان فقلت: أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال: سألت عنه رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- فقال: "عليك بكثرة السجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط بها عنك خطيئة"، ثم لقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك.
ومن الأعمال كذلك: طاعة الرسول فيما جاء به عن الله، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى؛ من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
ومن الأعمال كذلك: الصلاة بعد الوضوء ما كتب الله له، أخرج البخاري من حديث أبي هريرة، قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال، أخبرني بأرجى عمل عملته منفعة في الإسلام؛ فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة؟"، قال: ما عملت -يا رسول الله- في الإسلام عملا أرجى عندي منفعة، من أني لم أتطهر طهورا تاما قط في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور لربي ما كتب لي أن أصلي".
ومن الأعمال كذلك: سقيا الماء، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسك بفيه ثم رقي فسقى الكلب؛ فشكر الله فغفر له، في كل ذات كبد رطبة أجر"، وفي رواية: أنها بغي من بغايا بني إسرائيل، وهذه السقيا لكلب، فما بالك لو كانت لمسلم عطشان؟!.
ومن الأعمال كذلك: إماطة الأذى عن الطريق، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "بينما رجل يمشي بطريق، وجد غصن شوك على الطريق فأخره؛ فشكر الله له فغفر له".
معاشر المسلمين: إن أعمال الخير الموصلة إلى الجنة كثيرة جدا، ومنها على سبيل العجالة: الجهاد في سبيل الله، وذكر الله -تعالى-، والصوم، والحج، وأداء السنن الرواتب، وبناء المساجد، وترك الجدال ولو كان محقا، وزيارة الإخوان في الله، وحضور حلق الذكر، وطلب العلم، وحب سورة الإخلاص، والصبر على مرض الصرع، وغيرها كثير، وما على العبد إلا أن يخلص النية ويثابر على فعل الخير وليبشر بالجنة.
التعليقات