الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية "استراتيجية وتاريخ"

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-12-12 - 1445/05/28
التصنيفات:

 

 

د. رمزي سلامة

 

المصدر: كتاب "مشكلة المياه في الوطن العربي"

 

أدرك القادة الصَّهَايِنَةُ منذ مائة عام - أي قبل قيام دولتهم في 1948م - الموقف المائِيَّ الحَرِج الَّذي يمكن أن يَجعل أَمْنَهُم مُهَدَّدًا، وخاصَّة مع الأهَمّيَّة القصوى التي تحتلهما الزراعة والاستيطان في الأيديولوجية الصِّهْيَوْنِيَّةِ، وكان الحلُّ في نظرهم هو ضرورة الاعتماد على الموارد المائية في البلدان المجاورة، وإذا كان هذا الأمر قد تحقَّق بقوة السلاح فيما بعد، فإنَّه في البداية كان عبارة عن مطالب يبعث بها الصهاينة إلى القوى البريطانية والأمريكية التي ستساعدهم على تأسيس دولتهم.

 

فقد وضعت الحركة الصِّهْيَوْنِيَّةُ منذ بازل (1898م) خريطتها لدولة إسرائيل على أساس التحكُّم في مجمل المصادر الطبيعية للمياه بالمنطقة؛ بل خططت لتغيير خريطتها الطبيعية في مجاريها ومصَبَّاتها لحسابها، ليس فقط بالنسبة لمجرى نهر الأردن الرئيسيِّ؛ بل وأيضًا لمنابعه وروافده العليا (الدان، بانياس، الحاصباني)، والوسطى (اليرموك)، وشملت خريطتها المائية الليطاني في لبنان؛ بل ونهر النيل في مصر، فأرض الميعاد لدى الإسرائيليين تمتد في خِطَطِهِمُ السّرّيَّةِ من النيل إلى الفرات.

وإسرائيل - التي لا تضع خِطَطَها على الورق - قد عمدت فورًا لتنفيذ استراتيجيتها المائية من أوَّل سنة بعد تأسيس دولتها مباشرة كما سنرى.

 

- وحين فكر هرتزل مؤسس دولة إسرائيل في إنشاء الدولة عام 1897م ربط بين المياه وبقاء هذه الدولة؛ لذا فقد حاول الحصول على وعد من السلطان عبدالحميد الثاني بهجرة اليهود إلى فلسطين، ولمَّا فَشِلَ في ذلك، اتَّجهت أنظاره إلى سَيْناءَ، وتشكلت في عام 1902 لجنة من ثمانية أعضاء يهود اتَّجهت إلى العريش لدراسة المنطقة، وفي مارس 1903 أقرَّت صلاحية شمال سيناء لاستيطان اليهود، وآنذاك لم توافق مصر ولا الدولة العثمانية ولا بريطانيا على نقل الماء إلى سيناء من النيل.

 

- لقدِ استعان الصهاينة منذ مطلع القرن العشرين بمساندة إنجلترا والولايات المتحدة لتضمين حدود فلسطين منابع مائية لم تكن ضمن حدودها من قبل في مؤتمر فرساي بفرنسا (3 فبراير 1919م)، والذي يطلق عليه مؤتمر الصلح، تقاسم الحلفاء غنائم الحرب الأولى، كما نجح الصهاينة في اقتطاع جزء كبير من جنوب لبنان، وضَمِّهِ إلى فلسطينَ ليكون لها – أي إسرائيل – مصدرًا واحدًا على الأقل من مصادر مياه نهر الأردن الشمالية، وجزء كبير من الأراضي الواقعة على الضفة الشرقية في أعالي الأردن على امتداد الحدود الشرقية لبحيرة الحولة، وكل بحيرة طَبَرِيَّة، كل هذه المناطق ضمت إلى فلسطين؛ ليكون لإسرائيل السلطة المطلقة على نهر الأردن، كما امتدت آمال اليهود إلى تأمين منابع المياه الأخرى لنهر الأردن؛ كاليرموك والليطاني.

 

وقد أدلى هربرت صموئيل في مؤتمر الصلح بفرساي (وكان أول مُفَوَّض سامي بريطاني في فلسطين وهو صهيوني) بتصريح جاء فيه "أن جبل الشيخ هو مصدر المياه الحقيقي لفلسطين، ولا يمكن فصله عنها دون أن يترتَّب على ذلك القضاء على حياتها الاقتصادية، لذلك يجب أن يخضع كليًّا لنا، كما يجب التوصُّل إلى اتّفاق دولي لتأمين المياه في جنوب نَهْرِ اللّيطاني".

 

وليس هذا الفِكر بِجَديد، فحين تَشكَّلت اللجنة الاستشارية لفلسطين بعد وعد بلفور عام 1917م لتعيين حدودها، وكانت غالبيَّة أعضاء اللجنة منَ الشخصيات الصهيونية الناشطة، قدَّمت هذه اللجنةُ اقتراحاتِها في 6 أكتوبر عام 1918م بأن تكون الحدود على الشكل التالي (استنادًا إلى ما أسمَوْه بالعوامل التاريخية والجغرافية والاقتصادية):

شمالاً: نهر الليطاني حتَّى بانياس بمقربة من منابع نهر الأردن.

شرقًا: غرب خط حديد الحجاز.

غربًا: البحر الأبيض المتوسط.

جنوبا: إلى نقطة بالقرب من العقبة.

 

أي أن تشمل فلسطين اليهودية (إسرائيل) كل فلسطين الموضوعة تحت الانتداب، ولبنان الجنوبي بما في ذلك مدينتي صور وصَيْدَا، ومنابع نَهْرِ الأردن، وجبل الشيخ، والجزء الجنوبي من الليطاني، ومرتفعات الجولان السورية بما في ذلك مدينة القنيطرة ونهر اليرموك، ووادي الأردن بكامله، والبحر الميت، والمرتفعات الشرقية حتَّىب مشارف عمان إلى خط يتجه جنوبًا بمحاذاة الخط الحديدي الحجازي، وحتى خليج العقبة، وتجريد الأردن من كل منفذ بحري.

- أمَّا سيناء فقد اكتفى المخطّط بِالحُصول على الجُزْءِ الممتَدّ فيها من العريش على البحر المتوسّط باتّجاه جنوبي مستقيم حتى خليج العقبة.

 

- ومن أراضي المملكة العربية السعودية شمل المخطط ضم الجزء الشمالي الغربي من الحجاز، والواقع إلى الغرب من خطي سكك حديد الحجاز حتى مدخل العقبة، وكذلك المنطقة الممتدة من المدينة المنورة (التي كان يقْطُنها اليهود قديمًا) إلى أقصى شمال الحجاز مع حُرّيَّة الوصول إلى البحر الأحمر، وفرصة إقامة مواني جديدة على خليج العقبة.

 

- وفي 29 / 12 / 1919م كتب "حاييم وايزمان" أوَّل رئيس لدولة إسرائيل إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا رسالة بطلب جاء فيها: "إن مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يعتمد على موارد مياهها للري والكهرباء، وتستمدّ موارد المياه بصفة رئيسية من منحدرات جبل حرمون (جبل الشيخ)، ومن نَهْرَيِ الأردن والليطاني، ونرى من الضروري أن يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطان.

 

وقد أعاد وايزمان نفس المطالب في العام التالي 1920م في رسالة إلى لورد كروزون وزير الخارجية البريطاني أكَّد فيها: "أنَّ الصَّهاينة لا يُطَالِبُونَ فَقَطْ بِتَقْسِيم فلسطين؛ ولكنَّهم يُرِيدون مدَّ حدود الوطن القومي؛ ليشمل جنوب لبنان".

 

وكَتَبَ لويد جورج إلى مُمَثِّلي فرنسا رسالةً يدَّعي فيها أنَّ المياهَ ضروريَّة لِوجود فلسطين، وأنَّ جميعَ اليهود متَّفقون على أنَّ منابِعَ جَبَلِ الشيخ (حرمون) ونَهْرِ الأردن ضروريَّة لِلبلاد، وأنَّ هذه المياه لا يستغِلّها أحدٌ في سوريا؛ ولِهذا فهو يطالب ممثلي فرنسا أن ينظروا بتجرُّد إلى مسألة تخطيط حدود فلسطين، وكان ردّ وزير الخارجية الفرنسي أنَّ مياه سوريا الجنوبية تستخدم لري أراضي شمال الأردن، وأنَّ ثلوج حرمون (جبل الشيخ) ثروة دمشق فلا يمكن حرمان سوريا منها، كما أنَّ مِياه نَهْرِ اللّيطاني تروي أخصب بقاع سوريا، وأضاف أن حدود فلسطين التَّاريخيَّة غير معروفة؛ ولكنه يرى أنَّ خطَّ عرض بحيرة طبرية يدلّ عموما على الحدود الفلسطينية.

 

وإذا كان القادة الصهاينة لم يحصلوا من مؤتمر فرساي على الحدود التي طالبوا بها ورسموها؛ إلا أنهم نجحوا في اقْتِطاع بعض الأجزاء من جنوب لبنان، والضفة الشرقية في أعالي الأردن، وبحيرة طبرية بأكملها، وأجزاء من سوريا بحدودها الشمالية، وبحيرة الحولة لتضم إلى فلسطين ولتسيطر إسرائيل تمامًا على مياه حوض نَهْرِ الأردن، ومَع ذلك لم يقنع الصهاينة بذلك، واعتبروا هذه الحدود حدودًا مؤقتة، لأنَّها لم تحقق متطلبات الوطن القومي اليهودي الاقتصادية والاستراتيجية.

 

- وقد أخذ الصِّراع حول المياه بين إسرائيل والعرب شكل مشروعات ومشروعات مضادة، وظل الفارق بينهما – ولا يزال - أنَّه بينما كانت المشاريع العربية تقف عند حد الطرح على الورق، ثم لا يَتِمّ تنفيذها بسبب الخلافات العربية والعقبات الإسرائيلية، كانت المشروعات الإسرائيلية تجد طريقها وبسرعة إلى التنفيذ، مستحدثة في ذلك كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة (انظر الفقرة التالية عن المشروعات المائية بالمنطقة).

 

- في عام 1967م نَشَبَتْ حربُ الأيَّام السّتَّة بعد الفخّ الذي رسم بعناية لاستدراج مصر وتعبئة الرَّأيِ العام العالمي ضدَّها، على اعتبار أنَّ مِصر عبدالناصر دولةٌ مُعْتَدِية أغلقتْ خليجَ العقبة أمام البواخر الإسرائيلية، وحشدت جُيوشَها في سيناء، وهددت بقذف إسرائيل الضعيفة الصغيرة (أقل من 2 مليون نسمة آنذاك) في مياه البحر المتوسط!

 

وكانت إسرائيل قد مهَّدت لحرب يونيو 1967م بغارات استهدفت نهر الحاصباني؛ لمنع تحويل قسم من مياهه إلى مَجرَى نَهْرِ اللِّيطاني، كذلك ليس سرًّا أنَّ أحد الأهداف الرئيسية لحرب 1967م كان تدمير المنشآت العربية على المجرى الأعلى لنهر الأردن، وسدِّ خالد بن الوليد على نهر اليَرْمُوك، بعدما كان السوريون والأردنيون قد أنجزوا القِسْمَ الأوَّل منه، وفي هذا السياق يُجمِعُ المحلِّلُون على أنَّ احتلالَ إسرائيل لهضبة الجولان السورية؛ إنما كان لأسباب عسكرية لموقعها الاستراتيجي المطلِّ على إسرائيل وأيضًا لأسباب مائية ظهرت فيما بعد؛ كما سبق وذكرنا، كما أنَّ استيلاء إسرائيل على الجنوب اللُّبْناني في 1978م ثم 1982م، قد ضَمِنَ لها التحكُّمَ في مِياه نَهْرَيِ اللّيطاني والوزاني، وسهَّل لَها احتلالَ الضفة الغربية وغزة مصادر مائية جوفية، وقننت استخدامها على المواطنين العرب.

 

- بعد حرب 1967م كتب ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك "إن حرب التحرير حققت لإسرائيل مكاسب ضخمة بمساحات كبيرة من الأرض، ولكن خلال فترة قصيرة اتَّضح لنا أن سبب عدم تطوير الزراعة هو قلة المياه وليس قلة الأرض. إن مصادر المياه موجودة بشمال البلاد في حين أنَّ جنوب البلاد قاحلة، وبهذا الشكل خلق الله إسرائيل وعلينا الالتزام بالإصلاح والتطوير، إنَّ إسرائيل العطشى لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدرًا إلى البحر.

 

- مِمَّا سبقَ يتَّضح أنَّ المياه العربية كانتْ سندًا قويًّا في السياسة الصهيونية والإسرائيلية لتمسّكها باختيار فلسطين لتكون وطنًا قوميًّا لليهود منذ الحرب العالمية الأولى وحتَّى اليوم، حيثُ وضع زعماء الحركة الصهيونية العالمية قضية المياه نصب أعينهم عندما طالبوا بتأسيس دولة إسرائيلية سياسيًّا، واختاروا لها شعار (من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل).

 

المشروع المائي الإسرائيلي

ذكرنا أنَّ الصِّراعَ الإسرائيليَّ - العربيَّ على المياه أخذ شكل المشروعات والمشروعات المضادَّة، وذكرنا أنَّ إسرائيل كانت دومًا الأسرع إلى التنفيذ وبالطرق المشروعة وغير المشروعة، ونضيف هنا أنَّ المشروع العربيَّ للمياه لم يتحقَّق أبدًا في منطقة حوض نهر الأردن؛ لأن إسرائيل - باستثناء بعض الإنشاءات البسيطة – كانَتْ تَحُولُ دون قيام أيّ مشروع عربي لا توافق هي عليه.

وقَدْ تَبَلْوَرَ المشروعُ المائِيّ الإسرائيلي في خطوطه العريضة في خمسة بنود، وكان نتاجًا لمشروعاتٍ واقتراحات ودراسات عديدة لا داعي لشرحها (مشروع أبي ديبرس 1938م، مشروع لادورميلك 1939م، مشروع هايز 1948م، مشروع ماكدونالد 1950م، مشروع بنجر 1952م، مشروع جونستون 1953م).

 

وباختصار يقوم المشروع المائي الإسرائيلي – الذي نشر كدراسة متكاملة عام 1990م، وبعد محاولات عديدة لطرْحِه وتطويره منذ عام 1974م – يقوم على الأركان الأربعة التالية:

1 - تزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالمياه من مصادر خارجية، ويطرح المشروع النيل أو اليرموك أو الليطاني أو جميعها؛ كمصدر رئيسي خارجي.

2 – نقل مياه النيل إلى شمال النقب؛ حيثُ يَزعُمُ المشروع أنَّ كمياتٍ ضئيلةً منَ المياه بالمقياس المصري (0.5 % من الاستهلاك) لا تشكل عنصرًا مهمًّا في الميزان المائي المصري. كما أن هناك مشروعًا مصريًّا حاليًّا لتزويد سيناء بالمياه يمكن مده.

3 – مشروعات مع لبنان تتضمن الاستغلال الكهربائي لنهر الحاصباني، ونقل الليطاني إلى إسرائيل واستغلاله كهربائيًّا.

4 – هيئة مائيَّة مُشتركة أردنيَّة - إسرائيلية للتنمية المشتركة، واقتسام موارد المياه.

 

والمشروع كما نرى يحتوي – كالعادة – على تجاوزات ومزاعم في الشَّأن المائي، أبرزُها: أنَّ لدى مصرَ فائضًا مائيًّا يضيع في البحر المتوسط، ومعروف أن تصريف أي نهر يحول دون ارتداد المياه أو فيضانه، ويحول دون إحداث كوارث طبيعية، كما أنَّ ذلك التصريف يساعد على التخلّص منَ الأملاح الزائدة والمحافظة على التَّوازُن المِلحي؛ كما أنَّ المشروع الإسرائيلي يتجاهل كون مصر دولة من دول حوض النيل، ولا يحقّ لها الانفراد بالتصرّف في مياه النيل خارج نطاق الحوض، فقواعد القانون الدولي لا تَسمح لها بذلك؛ إلا إذا كانت إسرائيل ترغب في - وتسعى إلى – استعداء الدول الإفريقية الصديقة ضد مصر، وتهديد أمنها القومي.

 

وربما أن البند الوحيد الذي تحقق – برغم تجاوز الوجود السوري – هو البند الأخير والخاص بالمشروعات المائية الأردنية المشتركة[1].

ويثور السؤال الآن عن ماهية الموقف المائي الإسرائيلي وهل يعاني الفرد في إسرائيل من أزمة مياه تبرر هذا الصراع؟

 

الموقف المائي الإسرائيلي

تعتمد إسرائيل حاليًّا في أكثر من 55 % من استهلاكها من المياه على ما تَمَّ الاستيلاء عليه عقب حربي 1967م، 1982م من إجمالي الإيراد المائي لها في عام 1990م، والذي يقدر بـ (من 1.8 إلى 1.95 مليار متر مكعب سنويًّا) تستهلك منه حاليًّا 90 %.

- فهي تعتمد - منذ احتلالها للضفة الغربية وغزة - على سحب حوالي 550 مليون م3 سنويًّا من الأحواض الجوفية للضفة إلى جانب حوالي 50 مليون م3 سنويًّا يستهلكها 300 ألف مستوطن يعيشون على أكثر من 150 مستعمرة، شيدتها إسرائيل في الضفة الغربية. وبذلك تستهلك إسرائيل 87.6 % من جملة مياه الضفة القابلة للتجديد والبالغة 742 مليون م3.

 

  - أمَّا قطاع غزة فإن المستوطنين الإسرائيليين الذين يبلغ عددهم (عام 1994م) أربعة آلاف مستوطن يستهلكون حوالي 35 مليون م3 سنويًّا؛ أي حوالي 58 % من جملة مياه قطاع غزة القابلة للتجدد والبالغة 60 مليون م3.

- وبقيام إسرائيل بتحويل مجرى نهر الأردن وضخ مياهه إلى المناطق الغربية فيها، بلغت كمية المياه التي تتحصل عليها سنويًّا من هذا النهر حوالي 800 مليون م3 سنويًّا.

 

- وتحصل إسرائيل من نَهْرَيِ الليطاني (بعد احتلالها للجنوب اللبناني) على حوالي 400 مليون متر مكعب سنويًّا، كما تَحْصُل على حوالي 100 مليون م3 سنويًّا من مياه نهر اليرموك؛ (ولهذا السبب عارضتْ فِكرةَ بناء الأردن لسد خالد بن الوليد، ولم توافق إلا أخيرا جدًّا على بناء سدّ الوحدة على هذا النهر، بعد إبرام اتفاقية سلام شاملة مع الأردن)؛ وأخيرًا تحصُل إسرائيل على حوالي 35 مليون م3 من مياه هضبة الجولان بسوريا.

 

ويُمْكِنُ تَوْضِيحُ هذا الوضع المائِيّ الإسرائيلي في جدول يلخص جملة ما تحصل عليه من مياه من هذه المناطق التي تحتلّها (جدول رقم 3/4)، فإذا علِمْنا أنَّ الاستهلاك الكلي لإسرائيل يبلغ 1.955 مليار م3 سنويًّا، وأنَّ إجماليَّ ما كانَتْ تَحْصُل عليْهِ من داخل حدودها قبل 1967م، فسوف يتَّضح لنا أنَّ إسرائيل تَحْصُل على مياه من خارج حُدودِها (الشرعيَّة) تبلغ كميتها حوالي 1075 مليون م3 سنويًّا (بنسبة 55% من إجمالي إيراداتها المائية).

 

جدول رقم (3/4)

مصادر مياه إسرائيل في الوقت الحاضر

 

المصدر                                                                     كمية المياه (بالمليون م3)

نهر الأردن                                                                     800

هضبة الجولان                                                                 35

نهر الليطاني                                                                    400

نهر اليرموك                                                                    85

الضفة الغربية                                                                  600

قطاع غزة                                                                     35

المجموع                                                                        1.955

المصدر : د. بسَّام النصر: "الصراع على مياه وأراضي مناطق الحكم الذاتي"؛ ص 537.

 

- وبحساب متوسط نصيب الفرد في إسرائيل من المياه (على أساس تعداد سكاني 5.5 مليون نسمة للعام 1998م) فسوف يكون حوالي 355 مترا مكعبا سنوًّيا، وهو كما نرى تحت خط الأمن المائي، الأمر الذي يفَسِّرُ سبب حدة الصراع الإسرائيلي على المياه في المنطقة.

 

- ويقدر العجز المائي بحلول عام 2000 بحوالَيْ 850 مليون متر مكعب سنويًّا، وهو ما يشكل حوالي 45 % من استهلاكها الحالي؛ لمواجهة سُكَّانٍ يَتَزايَدُونَ بِمُعَدّل 2.2 % سنويًّا، وهُناك تقديرات تَصِلُ 10 % فِي السنوات الَّتِي يَزيدُ فيها مُعَدَّل التَّهجير اليهودي من الخارج إلى المستوطنات الإسرائيلية، ومعلومٌ أنَّ الإصلاح الزّراعي يستهلك وحده 75 % من إجمالي الاستهلاك الإسرائيلي للمياه.

 

- كُل هذه المعطيات المائية الجغرافية السياسية، تُمْلِي على إسرائيل – إن لم يَكُنْ لا خيار لها على الإطلاق – أن لا تفرّط في مورد مائي عربي واحد مِمَّا تستولي عليه الآن، وتعتبره أمرًا واقعًا، وحقًّا مكتسبًا (من وجهة نظرها).

أليس فيما سبق من تفاصيلَ للصورة المائية في المنطقة ما يكفي لتفسير كُلّ هذه المناورات التي تَمْنعُ بِنيامين نيتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي)، من تسليم الأراضي في سوريا ولبنان والضفة بدون الحصول على تنازُل عربِيّ صريح عن بعض حقوقهم في مياه المناطق المحتلة منذ 1967م؟

 

- إنَّ الحديث عن السلام هو حديث عن المياه قبل الأرض، ولا يمكن لإسرائيل أن تقبل باتفاق سلام لا يجعل مياه المنطقة مشاعًا بين دولها، وهي دعوة تتخذ من السلام ستارًا لها، ففي ضوء ميزان القوة المختل عربيًّا والمائل لصالح إسرائيل لن يعني السلام سوى أن تتحكَّم إسرائيل في المنطقة مائيًّا ثم اقتصاديًّا كما سبق وأن أحكمت قبضتها عليها عسكريًّا، إن إسرائيل تستطيع أن تتنازل عن جنوب لبنان وهضبة الجولان والضفة الغربية؛ لكنها لا تستطيع أن تفرط في لتر ماء واحد تحصل عليه من أي من هذه المصادر الثلاثة.

 

[1]   ومن دهاليز السياسة خرج أخيرًا إلى الوجود من جديد مشروع سد الوحدة الأردني السوري، بموافقة إسرائيلية بالطبع؛ ليبدأ التنفيذ في هذا العام 1998م - بمشيئة الله - وذلك حسب ما أفادت به وكالات الأنباء في 17 / 5 / 1998م.

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life