اقتباس
وفي حالة انتشار الفساد في المجتمع، فالوسيلة الوحيدة لإزالته هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مع العلم أنه من الواجب أن نعرف أن هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون دون كلل ولا ملل، ولا أقول يجب أن يستمر أياماً ولا شهوراً ولكن العمر كله..
كاتب الموضوع: موقع العمق
يقول الشيخ محمود عبد الرؤوف القاسم -رحمه الله- في كتابه "القرآن يتحدى" (بتصرف): "كتاب القرآن يتحدى (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الرعد:11] آية كريمة واضح معناها موجزة ألفاظها. إنها سنةٌ من سنن الله –سبحانه- في خلقه. إنها السنة الاجتماعية الرئيسة التي تسيّر المجتمعات الإنسانية وتوجهها منذ أن شاء الله –سبحانه- إلى أن يشاء سبحانه.
إن مما تبينه هذه الآية أن واقع أي مجتمع إنساني هو تابع، أو موجَّه، أو هو محصِّلة لما في نفوس مجموع أفراد هذا المجتمع. فإن كانت محصلة ما في نفوس أفراد هذا المجتمع سيئةً يكون واقعه سيئاً، وتكون المحصلة سيئة إن كان كل ما في النفوس، أو غالبه، سيئاً. وعكس المعادلة صحيح، أي إن كان واقع هذا المجتمع سيئاً فهذا يعني أن ما في نفوس أفراده، أو غالبه سيء.
وباستثناء بضعة بلاد لم تتمركس (تصبح دولا ماركسية يسارية أو اشتراكية)، فإن واقع المسلمين سيء بنسب متفاوتة، وهذا يعني أن ما في نفوس المسلمين سيء بنسب متفاوتة والدعاية الرمادية والسوداء تعمل بنشاط على مركسة ما لم تتمركس بعد.
ولا تحتاج معرفة أمراض المجتمعات الإسلامية إلى عبقرية؛ لأنها واضحة فاضحة، يأتي في مقدمتها وما حول مقدمتها غياب الصدق والأمانة. والصدق والأمانة قبل العقيدة، فالله –سبحانه- عندما أراد أن يبعث محمداً -صلى الله عليه وسلم- هيأ له مجتمع الصدق والأمانة وبعثه فيه.
وللدلالة على أن مجتمع قريش كان مجتمع الصدق والأمانة، تكفينا هنا ثلاثة أمثلة مشهورة:
1-حلف الفضول الذي تعاقدوا فيه وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته. والذي قال فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لقد شهدت في دار عبد الله بن جُدعان حلفاً ما أُحب أن لي به حمر النَّعم ولو أُدْعى به في الإسلام لأجبت"، وهذا من الصدق والأمانة.
2- موقف أبي سفيان عند هرقل عندما سأله هرقل أسئلة عن محمد -صلى الله عليه وسلم- فجال في خاطر أبي سفيان أن يكذب عليه في بضعها، لكنه خاف من الرهط القرشيين الذين كانوا حاضرين معه أن يفضحوه في قريش وبين العرب حيث سوف يلقبونه بالكذاب، ولو كانت الكذبة ضد عدوٍّ لهم، وتدل الحادثة على وجود الصدق و الأمانة في الجاهلية.
3- ما كان يحدث أن بعض الذين كانوا يفتكون بالمسلمين عندما يقع بين أيديهم مسلمون، ويؤذون من يستطيعون إيذاءه. وعندما يقع بعض هؤلاء في قبضة المسلمين الذين سيطبقون عليهم قوله سبحانه: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ) [البقرة:194]، وقوله سبحانه: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ)[النحل:126]، وكان يكفي الواحد من هؤلاء الكفار الذين فتكوا بمسلمين وآذوا آخرين أن يقول: "لا إله إلا الله"؛ لينجو من العقوبة ومن الأسر معاً، ثم يستطيع بعد أن يتخلص من بين أيدي المسلمين أن يعود إلى شركه، لكنهم ما كانوا يفعلون ذلك؛ لأنهم لو فعلوه لصار مجتمعهم ينظر إليهم على أنهم كذابون. فكان واحدهم يفضل أن يُقتل على أن يعرف بين الناس بالكذاب.
وهذا لا يعني أنه ما كان يوجد استثناءات، ففي المجتمعات الإنسانية لا يوجد مجتمع يتصف كل أفراده بكل صفات الخير، بل يوجد دائماً مع الخير شر، كما لا يوجد مجتمع يتصف كل أفراده بكل صفات الشر، بل يوجد دائماً مع الشر خير، وإنما الحكم للطاغي من الصفات.
ودعونا من أسلوب "الطبطبة" ومن أسلوب تفاؤل الحالمين وتبريراتهم، فهذا لا يفيد شيئاً في إنقاذ الأمة من وهدتها، لكن المفيد إنما هو الأسلوب القرآني، أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف بعد معرفة المعروف معرفة صحيحة أكيدة تامة، والنهي عن المنكر بالمعروف وبعد معرفة المنكر معرفة صحيحة أكيدة تامة.
دعونا من تبريرات الحالمين ولنواجه الحقيقة المرة. لقد انتشر الفساد في مجتمعنا وطغى، لذلك لا أمل لنا بأي نصر أو نهوض من كبوة إلا بزوال الفساد، أو على الأقل بانحساره في زاوية مهملة. عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- قالت: "قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" البخاري ومسلم. لقد كثر الخبث، بل أصبح أكثر من كثير بكثير.
يقول سبحانه: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]. يقول سبحانه: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ*كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78ـ 79].
وفي تفسير هذه الآية يقول ابن كثير: "قال ابن أبي حاتم حدثنا عن عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد المسيء ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض أو ليلعنكم كما لعنهم" (وقد رواه أبو داود أيضاً).
وكذلك أورد عن الإمام أحمد: حدثنا.. عن حذيفة بن اليمان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدْعُنَّه فلا يستجيب لكم" (ورواه الترمذي أيضاً).
وفي تفسير الآية (105) من سورة المائدة، يورد ابن كثير عن الإمام أحمد -رحمه الله -: حدثنا.. عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه يوشك الله -عز وجل- أن يعمّهم بعقابه". وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "يا أيها الناس إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان..."اهـ
وتغيير المنكر لا يكون بحماسة المراهقين، ولا بالانحراف مع سبل الدعاية الرمادية والسوداء، التي يظهر بعضها بشكل شعارات جوفاء نرددها كالببغاوات مع فرق كبير هو أن ما تردده الببغاوات لا يؤثر في سلوكها، بينما ما نردده نحن يوجه سلوكنا ويرسم لنا مسار تفكيرنا وتصرفاتنا، ويظهر بعضها الآخر بشكل مواعظ بنيت على شعارات فارغة، أو بشكل أحكام استُنبطت بأسلوب حديث يشبه الشعر الحديث والنقد الحديث وبعض الأسماء الحديثة التي يطلقونها على بعض التفاهات الحديثة.
إنهم يبحثون عن آية أو بعض آية من القرآن الكريم توافق، إن عُزلت عن غيرها، هوى في نفوسهم، فيقتطعونها من القرآن ويضعونها في معزل عن بقية آياته، ثم ينادون بها على أنها حكم قرآني، ولو أنهم نظروا إلى هذه الآية على أنها جزء من القرآن مرتبطة بآياته التي تقيد بعضُ نصوصها بعضَ النصوص الأخرى، وقد تخصص العام منها أو تعمم الخاص، لو فعلوا ذلك لرأوا أن معناها مختلف تماماً عما نادوا به من حكم أو أحكام.
وأضرب مثلاً على ذلك تفسيرهم آية سورة التوبة أو آيتيها: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة:5]، (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)[التوبة:29].
اقتطع بعض الغثاء هاتين الآيتين أو اقتطعتا لهم من القرآن وقرؤوهما معزولتين عن بقية آياته، فكان الحكم الذي فهموه أن عليهم أن يقتلوا المشركين والمسيحيين حيث وجدوهم، وبدأوا بتنفيذ هذه المهمة، فكانوا سبباً لتوقف المدّ الإسلامي الذي انتشر في سبعينات القرن الميلادي العشرين في الغرب بشكل جعل المتفائلين يظنون أنه لن ينتهي القرن حتى تكون أوروبا قد أسلمت.
لقد جرفهم السيل سيل الدعاية الرمادية والسوداء فكانوا فتنة للذين كفروا وهم يظنون أنفسهم مجاهدين في سبيل الله، لقد أوقفوا المدَّ الإسلامي، بل كانوا سبباً في ردة بعض الذين أسلموا. ولو أنهم تدبروا القرآن قبل تخبطّهم، لوجدوا آيات تبين لهم فقه ما جهلوه. يقول سبحانه: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة:190].
لنلاحظ أن الحكم في هذه الآية مرتبط بصفة من صفات الله –سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، إذن فحكمها محكمٌ غير قابل للنسخ حاكمٌ على كل آيات الجهاد.
ويقول سبحانه: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) [البقرة:193]؛ لننتبه أن هدف القتال هو ألاّ تكون فتنة، فإن كان القتال سيسبب فتنة في الدين فهو منهي عنه بمنطوق هذه الآية.
والفتنة في الدين هي الابتعاد عن الدين، إن كان صغيراً فالفتنة صغيرة، وإن كان كبيراً فالفتنة كبيرة، والفتنة أيضاً هي كل تصرف أو سلوك يسبب ابتعاداً عن الدين أو نفوراً منه أو إغلاق القلوب أمامه.
ويقول سبحانه: (الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [البقرة:194].
لننتبه إلى قوله سبحانه: (وَاتَّقُوا اللَّه) بعد قوله: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) والتي تعني أننا إذا اعتدينا عليه بأكثر مما اعتدى علينا نكون قد انحرفنا عن تقوى الله. ثم لننتبه إلى قوله سبحانه بعد ذلك: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التي تعني أننا إذا اتقينا الله –سبحانه- ولم نعتد إلا بمثل ما اعتدي علينا، فالله –سبحانه- يكون معنا، أما إن زدنا بالاعتداء فالله –سبحانه- لا يكون معنا. ومع هذا يجب أن نتذكر قوله سبحانه: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى). فلا نحاول أن نقتص من الأبناء بجريمة الآباء، ولا من الأخ بجريمة أخيه، ولننتبه إلى قوله سبحانه في سياق الآيات الآنفة: (فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) و(فَإِنِ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ)، ويقول سبحانه: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل:126].
والعجيب في الأمر أن الماركسية كانت طيلة القرن الميلادي العشرين تقتل المسلمين في كل مكان بالملايين وعشرات الملايين ومئاتها، وتزج المسلمين بالسجون في كل مكان بعشرات الألوف ومئات الألوف والملايين، وتشرد المسلمين في كل مكان بالملايين، والمسلمون يشتمون أمريكا والصليبية، ويشتمون معها الأنظمة التي تقف سداً أمام المدّ الماركسي وبعضها يطبق الإسلام تشريعاً ونظام حياة. (كان هذا قبل الدجلية التي تقول إن الماركسية انتهت!!؟؟).
نطلب من الله –سبحانه- النصر، وهو طلب عجيب، نضع أنفسنا جنوداً لقاتلينا وهاتكي أعراضنا ونجعل من أنفسنا آلات أو قنابل ندمر أنفسنا في الهجوم على أعداء قاتلينا ومشردينا وهاتكي أعراضنا وناهبي أموالنا!!! ثم نطلب النصر من الله –سبحانه!! فأي نصرٍ هذا الذي نطلبه؟! وعلى من ننتصر؟!
وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما وصفنا بأننا غثاء كغثاء السيل. يأتي السيل فيجرف الغثاء، فلا يعرف الغثاء من أين هو آت؛ لأنه غثاء، ولا إلى أين هو ذاهب لأنه غثاء، ولا يشعر إن كان هناك سيل يجرفه، وهل يشعر الغثاء بالسيل؟
فإن كنا، حقيقةً نرى النصر فعلينا أولاً: التخلص من الغثائية، وللتخلص من الغثائية لا يوجد أمامنا إلا طريق واحدة هي طريق العلم الذي نستقيه، أولاً، من الوحي الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- بعد فهمه فهماً صحيحاً سليماً لا فهماً غثائياً أو صوفياً كما هو واقعنا، وثانياً: من حقائق العلم التي توصلت إليها الإنسانية في هذه العصور.
ولنبدأ بنصوص الوحي، بالآية التي جعلناها عنواناً لهذه المقالة، بقوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ). إذن فلنعمل على تغيير ما بأنفسنا بالأسلوب الصحيح، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالأمر بالمعروف بعد معرفة المعروف معرفة صحيحة، وبالنهي عن المنكر بالمعروف وبعد معرفة المنكر معرفة صحيحة. ثم بتطبيق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
لكن تطبيق هذا الحديث محكوم بقاعدة "المفسدة لا تزال بمفسدة". فمن رأى أمامه منكراً، فيجب عليه أن يغيره بيده إن كان يستطيع، وذلك ضمن ثلاثة شروط لازمة صارمة:
الشرط الأول: أن تكون محاولتنا لتغيير المنكر بأيدينا مدروسة دراسة علمية وافية من قبل علماء متخصصين بموضوع المنكر الذي نريد تغييره وبالظروف التي تحيط به. وهذا يعني أن علم الشريعة وحده لا يكفي، بل لا بدّ معه من العلم الوافي بموضوع المنكر وبالظروف المحيطة به.
الشرط الثاني: أن يكون الأسلوب الذي نتبعه أسلوباً علمياً مدروساً دراسة وافية من قبل علماء مسلمين صادقي الولاء للإسلام مختصين بعلم النفس الاجتماعي، على ألاّ يكونوا حاملين لأفكارٍ صوفية، أو أفكارٍ ماركسية ألبسوها ثوباً إسلامياً، كأفكار حزب التحرير.
الشرط الثالث: ألاّ تكون محاولتنا يمكن أن تؤدي إلى مفسدة، فتكون حينئذ كمن ينفق جهده ووقته وماله ليستبدل الكوليرا بالطاعون.
وإذا فُقد شرط من هذه الشروط الثلاثة، عندئذ تُمنع محاولة تغيير المنكر باليد، ويأتي دور اللسان.
وتغيير المنكر باللسان هو الأسلوب الفعال واللازم في جميع الأوقات، حتى مع التغيير باليد، إذ أن التغيير باليد إذا لم تسبقه دعوة وشروح وتبيان، وتصاحبه دعوة وشروح وتبيان، فسوف تكون نتيجته مفسدة تضاف إلى المفسدة التي يراد تغييرها.
وفي حالة انتشار الفساد في المجتمع، فالوسيلة الوحيدة لإزالته هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. مع العلم أنه من الواجب أن نعرف أن هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب أن يكون دون كلل ولا ملل، ولا أقول يجب أن يستمر أياماً ولا شهوراً ولكن العمر كله.
فإذا التزم كل واعظٍ وكل خطيبٍ وكل مدّرس في المساجد أو في المدارس أن يبدأ كل وعظٍ وكل خطبة وكل درسٍ بالدعوة إلى الصدق والأمانة، لمدة أربع دقائق أو ثلاث، ثم يخوض في الموضوع الذي يريد شرحه، بل إذا التزم كل مسلم أن يدعو إلى الصدق والأمانة في كل جلسة وكل مناسبة، إذا فعلوا ذلك، فستظهر النتائج، أو سيبدأ ظهور النتائج بعد سنوات يمكن أن تصل إلى عشر سنوات وقد تزيد وقد تنقص.
قد يقول قائل إن هذا وقت طويل، والجواب هو أن نصل إلى مجتمع يسوده الصدق والأمانة بعد عشر سنوات خير من ألا نصل أبداً. وعندئذ نأمل النصر من الله. وعندئذ نأمل أن يستجاب لنا إذا دعونا. وعندئذ نأمل أن يهدينا الله –سبحانه- إلى الطريق المستقيم، طريق النصر في الدنيا والآخرة ولله الحمد أولاً وآخراً وفي جميع الأحوال، وإليه المشتكى وهو المستعان إنه على كل شيء قدير.
موقع العمق
التعليقات