عناصر الخطبة
1/شرف الرحم وأهميتها 2/حكم صلة الرحم وعقوبة قاطع الرحم 3/من آثار صلة الرحم 4/فضل صلة القاطعاقتباس
وَمِنْ أَخْلاقِ الكِبَار أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكْ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك؛ فَـ "لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوْا اللهَ وَرَاقِبُوه، وأَطِيْعُوهُ ولاَ تَعْصُوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عِبَادَ الله: إِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ المَحَبَّة، وَسَبَبٌ لِلْأُلْفَةِ والمَوَدَّة، وَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّة؛ إِنَّهَا صِلَةُ الرَّحِم، قالَ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ"(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
وَلِشَرَفِ الرَّحِمِ وأَهَمِّيَّتِهَا قَرَنَ اللهُ حَقَّهُ مَعَ حَقِّهَا، (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ). قالَ السُّدِّي: "اتَّقُوا اللَّهَ، وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا!"، وَسُئِلَ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ سِرِّ بِعْثَةِ اللهِ لَه؛ فقال: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ"(رواه مسلم).
وَصِلَةُ الرَّحِم فَرِيْضَةٌ مُؤَكَّدَة، وَعُقُوْبَتُهَا مُعَجَّلَة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ؛ مِثْلُ: الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ!"(رواه الترمذي وصححه).
وَالقَاطِعُوْنَ لِلأَرْحَام لا يَسْمَعُوْنَ ولا يُبْصِرُوْن، وَعَنْ رَحْمَةِ اللهِ مَطْرُوْدُوْن، وَعَنْ جَنَّتِهِ مَقْطُوْعُوْن، قال تعالى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد:22-23]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ!"(رواه مسلم).
وَصِلَةُ الرَّحِمِ دَرَجَات، وَأَدْنَاهَا تَرْكُ المُهَاجَرَةِ والخِصَام، وَصِلَتُهَا وَلَوْ بِالسَّلَام، قالَ ابْنُ عُثَيْمِين: "وَالرَّحِمُ: هُمُ الأَقَارِب، وَصِلَتُهُمْ بِمَا جَرَى بِهِ العُرْف، وَاتَّبَعَهُ النَّاس".
وَالأَقْرَبُوْنَ أَوْلَى بِالمَعْرُوْف، ونَفَقَةُ الإِنْسَانِ على أَقَارِبِه المُحْتَاجِيْنَ أَعْظَمُ أَجْرًا، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ)[البقرة:215]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ"(رواه النسائي وصححه الألباني).
وَكُلَّمَا كَانِتْ الرَّحِمُ أَقْرَب، كانَتْ صِلَتُهَا أَوْجَب؛ فَفِي الحَدِيث: "ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ"(رواه النسائي وحسنه الألباني).
وَصِلَةُ الرَّحِم مِنْ صِفَاتِ المُرُوْءَة، وَخِصَالِ الرُّجُوْلَة، قَالَ بَعْضُهم: "مَنْ لَمْ يَصْلُحْ لِأَهْلِهِ: لَمْ يَصْلُحْ لَك، وَمَنْ لَمْ يَذُبَّ عَنْهُمْ: لَمْ يَذُبَّ عَنْك".
وَصِلَةُ الرَّحِم بَرَكَةٌ فِي الأَمْوَال، وَطُوْلٌ في الأعمار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رواه البخاري، ومسلم).
وَصِلَةُ الرَّحِم عَلامَةُ الإِيْمَان، وَطَرِيْقُ مَحَبَّةِ الرَّحْمَن، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ؛ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رواه البخاري).
والآبَاءُ وَالأُمَّهَات يُسَرُّونَ بِصِلَةِ الْقَرَابَات، حَتَّى بَعْدَ المَمَات؛ فَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ رَسُوْلَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيِّ شيءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا؟"؛ فقَالَ: "نَعَمْ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا"(رواه أبوداود، وصححه الحاكم).
وَصِلَةُ الرَّحِم؛ كَالمَاءِ البَارِد؛ تُطْفِئُ نَارَ القَطِيْعَةِ والضَّغِيْنَة! فَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَرَابَتَهُ ذَاتَ يَوْم؛ ثُمَّ خَاطَبَهُمْ قَائِلًا: "إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا"(رواه البخاري ومسلم).
وَمِنْ بَرَكَةِ الصِّلَةِ أَنَّهَا سَبَبٌ لِلأَمَان، وَدَفْعِ المَخَاوُفِ والأَحْزَان! فَعِنْدَمَا أَقْبَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى خَدِيْجَة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -وَقَلْبُهُ يَرْجُفُ مِنَ الخَوْف- قَالَتْ لَه: "كَلَّا وَاللَّهِ! مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ!"(رواه البخاري ومسلم).
وَمِنْ أَخْلاقِ الكِبَار أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكْ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك؛ فَـ"لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا"(رواه البخاري)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّ لِي قَرَابَةً: أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ!، فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ؛ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ -أي الرماد الحار-، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ!"(رواه مسلم).
يقولُ النَّوَوِي: "فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ: وَمَعْنَاه: كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُم الرَّمَادَ الحَار! وَهُوَ تَشْبِيْهٌ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الإِثْمِ العَظِيم؛ بِمَا يَلْحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الأَلَم!".
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِبَادَ الله: الجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل؛ فَمَنْ وَصَلَ رَحِمَه وَصَلَهُ اللهُ وَرَحِمَه؛ فَفِي الحَدِيث: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ؛ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنْ الْقَطِيعَةِ! قَالَ: نعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ!"(رواه البخاري ومسلم).
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات