عناصر الخطبة
1/ أهمية الأخلاق في حياة الأفراد والمجتمعات 2/ أخلاق المسلم ثابتة لا تتغير في جميع الأحوال 3/ من الأخلاق الضرورية عند اشتداد الفتناهداف الخطبة
اقتباس
وعند الفتن والمشاكل تزداد شهوة الكلام، وتكثر الأخبار، وتنتشر الشائعات وتتنوع المعلومات، ويكثر القيل والقال، خاصة في زماننا مع وجود وسائل الإعلام المختلفة والقنوات الفضائية وشبكات الإنترنت وغيرها، وكم من أخبار كاذبة ومعلومات خاطئة، واتهامات باطلة، وشائعات مغرضة تنشر في هذه الوسائل ضد أفراد أو مجتمعات أو شعوب أو دول، ومع ذلك تجد ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي تفرد في أزليته بعز كبريائه، ونوّر بمعرفته قلوب أوليائه، وطيّب أسرار القاصدين بطيب ثنائه، وأمّن خوف الخائفين بحسن رجائه، الحي العليم الذي لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في أرضه ولا سمائه، القدير لا شريك له في تدبيره وإنشائه. وأشهد ألا لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير.
يا رب:
أنا من أنا؟ أنا في الوجود وديعة *** وغدًا سأمضي عابرًا في رحلتي
أنا ما مددت يدي إلى غيرك سائلاً *** فارحم بفضلك يا مهيمن ذلتي
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا.. عبدُ الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: إن للأخلاق مكانة عظيمة في حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، ولذلك اعتبرها الإسلام قيمة إيمانية مرتبطة بعقيدة الفرد وصلته بربه، ورتب عليها الجزاء في الدنيا والآخرة، وجعل -سبحانه وتعالى- تربية الخلق وتزكية نفوسهم بالأخلاق والفضائل من أهداف الرسالات والنبوات فقال عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة 2]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق" وفي روايةٍ "صالحَ الأخلاقِ" (السلسلة الصحيحة).
وأهل البر هم أصحاب الأخلاق الكريمة والتي من أعظمها ما ذكره الله في كتابه فقال: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].
بل إن صاحب الخلق ليبلغ به خُلقه منازل عالية في الدنيا والآخرة، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنّ من أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" (رواه البخاري في الأدب المفرد).
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما شيء أثقل من ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذيء"(صحيح الترغيب والترهيب).
وأخلاق المسلم ثابتة لا تتغير يجب أن يلتزم بها في حال الغضب والرضا والحرب والسلم، والعسر واليسر، والقوة والضعف، وفي الفقر والغنى.. لما فتحت فارس وسقط مُلك الأكاسرة أرسل القائد الفاتح نفائس الإيوان إلى المدينة المنورة؛ كانت أكوامًا من الذهب والجواهر في حقائب بعضها فوق بعض، حُملت من المدائن إلى دار الخلافة لم تنقص ذرة خلال آلاف الأميال.
قال ابن جرير: لما قدم بسيف كسرى مع بقية الكنوز قال عمر: "إن أقوامًا أدوا هذا لذوو أمانة"، فقال له علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "إنك عففت يا أمير المؤمنين فعفت الرعية".
إنها أخلاق الإسلام، فلا يمكن أن يأتي زمن أو ظروف أو حادثة تبيح للمسلم أن يتنصل عن هذه الأخلاق.
ولا يعني وجود المشاكل والاختلافات بين الناس الخروج عن هذه الأخلاق والقيم والخضوع لغرائز الغضب والحمية الجاهلية، وإشباع نوازع الحقد والقسوة والأنانية، فلابد أن يكون المسلم عادلاً ورعاً وأميناً وصادقاً ووفياً في سائر أحواله؛ لأنه يتعبد الله بهذه الأخلاق، ويبتغي مرضاة الله بهذا السلوك، قال تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]. أي لا يحملكم بغضكم لأعدائكم أن تتجاوزوا وتظلموا بل التزموا بالعدل في أقوالكم وأفعالكم. وقال تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 152].
أيها المؤمنون عباد الله: عند نزول الفتن وحدوث الصراعات والاختلافات، واحتدام المشاكل بين الأفراد والمجتمعات والدول ينبغي للمسلم أن يوطّن نفسه أن يكون صاحب أخلاق عظيمة يُرضي بها ربه، وتكون سبباً في دفع المصائب والشرور عنه، وطريقاً للنجاة ومثالاً يحتذي به غيره.
ومن هذه الأخلاق: صدق اللسان وسلامة المنطق، والقول الحسن؛ فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطورة اللسان وسوء استخدامه وبيّن لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- أن طريق السلامة وسبيل الخيرية إنما يكون بكفّ اللسان عن الشر. قال معاذ: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم" (صحيح الترغيب والترهيب).
فكل كلمة أو لفظ مسجل ومحسوب يقول الله -عز وجل-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18ٍ].. وقال -تعالى-: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80].
إن حفظ اللسان عن المآثم والحرام والكذب والخوض في الباطل عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان في قلب المسلم. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" (صحيح الترغيب).
وعند الفتن والمشاكل تزداد شهوة الكلام، وتكثر الأخبار، وتنتشر الشائعات وتتنوع المعلومات، ويكثر القيل والقال، خاصة في زماننا مع وجود وسائل الإعلام المختلفة والقنوات الفضائية وشبكات الإنترنت وغيرها، وكم من أخبار كاذبة ومعلومات خاطئة، واتهامات باطلة، وشائعات مغرضة تنشر في هذه الوسائل ضد أفراد أو مجتمعات أو شعوب أو دول، ومع ذلك تجد الكثير لا يتثبت ولا يتحرى الصدق، ولا يتأنى، بل يشارك في نقلها، ولا يدرك أن ناقل الكذب والمروّج له -سواء علم أو شك- أنه كذب، أو أذاعه من دون تثبت ولا تمحيص هو أحد الكاذبين؛ لأنه معين على الشر والعدوان، ناشر للإثم والظلم، والنبي-صلى الله عليه وسلم- يقول: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا" (صححه الألباني).
وهذه هي التي يسميها بعض الناس: "وكالة قالوا" دون تثبت أو فحص وتأكد، ودون مراعاة للمصالح والمفاسد من وراء ذلك؛ بل هو الخوض في أعراض الناس ودمائهم وأموالهم، والذي يندم أصحابه يوم القيامة وهم يسألون عن سبب وجودهم النار، فأجابوا كما أخبر -تعالى-: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر42-48].
وعن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بشراركم؟!" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "المشاءون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت" (حسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد)، أي الذين يريدون تلطيخ سمعة غيرهم.
فالمسلم إن لم يتكلم في الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصلح بين الناس ويجمع الكلمة وينصح للمسلمين؛ وإلا فإن الصمت أولى وأوجب؛ فأخلاقه وقيمه ومبادئه ثابتة في الرخاء والشدة، والعسر واليسر، ولا يمكن أن تُباع في سوق الفتن؛ لأنه يتعبد الله بها ويبتلى من الله في ذلك قال -تعالى-: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان 20].
عباد الله: إن على المسلم أن يتصف كذلك بالأناة والتؤدة وعدم التسرع والعجلة، وعليه أن يحكّم الشرع والعقل والمصلحة في كل أموره وفي كل قراراته؛ حتى يتبين له الحق من الباطل، والخير من الشر، والمصلحة من المفسدة، وعليه أن يستعين بمن شاء من أصحاب العلم والأخلاق والفهم والرأي.
وفي زمن الشدائد والفتن أحرى وأولى للمسلم أن لا يتسرع أو يتعجل الأمور قبل أن تتبين له؛ لأنه وقت تطيش فيه العقول، وتضطرب القلوب، وتختل المواقف، ولا يسعف المرء إلا التثبت والأناة والحلم والرفق واتباع الحق؛ فالعجلة والتسرع والغضب المذموم قد يزيد من انتشار الشر، وزيادة المنكر، وذهاب الأمن وحلول المصائب وظهور العداوات، وبالتالي يخسر المسلم دينه ودنياه وآخرته بسبب لحظة عابرة أو موقف تافه أو سلوك لا يدرك خطورته ولا يستوعب عواقبه ولا يقدر نتائجه.
ولهذا جاء عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "إنها ستكون أمور مشتبهات؛ فعليكم بالتؤدة، فإنك أن تكون تابعاً في الخير خير من أن تكون رأساً في الشر" (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف).
فأوصى بالتؤدة: وهي الأناة وعدم التعجل، وأن يكون معول خير لا معول هدم آمراً بمعروف وناهياً عن منكر، وقائلاً بكلمة الحق لا يخشى لومة لائم، ساعياً بكل ما أوتي من قوة إلى درء الفتنة ونشر الخير وجمع الكلمة، وإصلاح ذات البين والدعوة إلى الأخوة والألفة والتراحم، والله -تبارك وتعالى- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات: 10].
كتب رجلاً إلى ابن عمر -رضي الله عنه- ما يطلب منه أن أكتب له شيئاً عن العلم؛ فكتب إليه: "إن العلم كثير يا ابن أخي، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، كافّ اللسان عن أعراضهم، لازماً لجماعتهم، فافعل" (سير أعلام النبلاء)
فاحذر التسرع والعجلة والحكم على الأمور، وتيقن قبل أن تكون سبباً في دماء تُسفك وأعراض تُنتهك، وأموال تُنهب، وفتنة تعمّ، وإنسان يُظلم، وباطل يُنصر، وحق يُخذل، ومعروف يُهمل.. قال -عليه الصلاة والسلام- لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة" (رواه مسلم).
ويقول الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِي عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النّاسِ" فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ. قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَ: "لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ؛ إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ" (رواه مسلم).
فكيف لا نلتزم بهذه الأخلاق وهي من صميم ديننا، ذكرها الله في كتابه وذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في سُنته ومارسها صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في واقع الحياة ففتحت لهم القلوب ودانت لهم الدنيا.
اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا واهدنا سواء السبيل.. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
عباد الله: يقول عز من قائل: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].
فكن صاحب خُلق لا ترهبك فتنة، ولا تستهويك شهوة، ولا يزين الشيطان لك سوء أعمالك، فيصدك عن الحق والخير والعدل والأمانة والصدق والوفاء، ولا تنس المعروف بينك وبين إخوانك المسلمين تحت أي ظروف.
وانظروا إلى رسولكم -صلى الله عليه وسلم- والحرب تدور رحاها مع المشركين يوم بدر والمسلمين في ضائقة وكرب لم ينسَ -صلى الله عليه وسلم- من أسدى إليه معروف يوماً من الأيام؛ فهذا أبا البحتري بن هشام أحد الرجال القلائل من المشركين الذين سعوا في نقض صحيفة الحصار والمقاطعة الظالمة التي تعرض لها رسول الله وأصحابه في شعب أبي طالب فعرف له الرسول جميله وحفظه له، فلما كان يوم بدر قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لقي أبا البحتري بن هشام فلا يقتله".
يا لعظمة هذه الأخلاق ويا لروعة هذا الوفاء.. مع أنه عدوه ويحاربه وهم في ميدان مواجهة ومع ذلك لم ينس المعروف.
وأنت كم بينك وجيرانك وإخوانك في الدين والوطن من معروف وصلات أرحام ووشائج قربى؛ فاحذر من الفتنة ومن العصبية والعداوة والبغضاء، واحذر مزالق الشيطان وخطواته، واحذر من شياطين الأنس الذين انحرفت أخلاقهم وسلوكياتهم؛ فالحق أحق أن يُتبع، والسعيد من جنبه الله الفتنة، وهداه إلى الحق بإذنه.
واعلم أن أخلاقك دين تتعبد الله بها، وليست للبيع والشراء أو المساومة وأنصاف الحلول ومجاملة فلان وعلان من الناس أو تقرباً من هذا وذاك كلا.. إنها رأس مالك فاثبت عليه ومارسها سلوكاً في الحياة.
ولن تنال هذه الأمة رحمة الله ولن تفرّج كرباتها إلا بعقيدة صحيحة وأخلاق حسنة وسلوك قويم؛ فأحسنوا الظن بالله وبعفوه ورحمته، وثقوا بحسن بتدبيره، وتوكلوا عليه.
اللهم اهدنا بهداك ولا تولنا أحداً سواك، وألف بين قلوبنا واحقن دماءنا، واحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين.
وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.
التعليقات