عناصر الخطبة
1/من أسباب القرب من الله 2/ من أسباب البعد عن الله

اقتباس

فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ؛ فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بالتَّدَبُّر؛ لاشْتَغَلُوا بِهَا عْنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا...

الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

عِبَادَ الله: لا طُمَأْنِيْنَةَ لِلْقَلْبِ إِلا بالْقُرْبِ مِنْ الرَّب، والتَّفَاوُتُ في الدَّرَجَاتِ العَلِيَّة بِحَسَبِ القُرْبِ مِنْ رَبِّ البَرِيَّة، قال تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى)[طه: 75]. قال ابْنُ عَطِيَّة: "الدَّرَجاتُ الْعُلى: هِيَ القُرْبُ مِنَ الله".

 

وَمَنْ حَقَّقَ الإِيْمَان كَانَ أَقْرَبَ إلى الرَّحْمَن، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ)[الإسراء:57]، قال ابنُ القَيِّم: "فَابْتِغَاءُ الْوَسِيلَةِ إِلَيْهِ: طَلَبُ الْقُرْبِ مِنْهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَالْمَحَبَّةِ؛ فَذَكَرَ مَقَامَاتِ الْإِيمَانِ الثَّلَاثَةَ: الْحُبَّ، وَالْخَوْفَ، وَالرَّجَاءَ".

 

وَالْقُرْبُ مِنَ الله لا يُنَالُ إِلا بِالْقُرْبِ مِنْ حَبِيْبِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ بِاتِّبَاعِ شَرِيْعَتِه، والتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِه، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)[آل عمران:31]، واللهُ قَرِيْبٌ مِمَّنْ دَعَاهُ، (وَإذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)[البقرة:186].

 

وعَلَى قَدْرِ ذِكْرِ العَبْدِ لله يَكُوْنُ قُرْبُهُ مِنْه، وعلى قَدْرِ غَفْلَتِهِ يَكُونُ بُعْدُه، يَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ؛ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

 

والصَّلاةُ قُرَّةُ العُيُونِ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ القُرْب؛ لَا سِيَّما فِي حَالِ السُّجُود، قال تعالى: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق:19]، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ؛ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ"(رواه مسلم).

 

وَحَظُّ العَبْدِ مِنَ القُرْب على قَدْرِ إِحْسَانِهِ في عِبَادَةِ الله، وإِحْسَانِهِ إلى عِبَادِ الله،  قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف: 56]، قال -صلى الله عليه وسلم- في تَعْرِيفِ الإِحْسَان: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ"(رواه مسلم). قال ابنُ رَجَب: "يُشِيْرُ إلى اسْتِحْضَارِ قُرْبِه، وأَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْه؛ وذَلِكَ يُوْجِبُ الخَشْيَةَ والهَيْبَة، والنُّصْحَ في العِبَادَة، وَبَذْلَ الجهْدِ في تَحْسِيْنِهَا وإِتْمَامِهَا".

 

والحَيَاءُ والخَشْيَة يَتَوَلَّدَانِ مِنَ العِلْمِ بِقُرْبِ الله؛ فاتَّقِ اللَّهَ أَنْ يَكُوْنَ أهْوَنَ الناظِرِيْنَ إِلَيْك، واسْتَحِ مِنْهُ على قَدْرِ قُرْبِهِ مِنْكَ، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28].

 

وَكُلَّما زَادَ العَبْدُ في طَاعَةِ الله زادَ مِنْه في القُرْبِ، قال تعالى: "وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا"(رواه مسلم). "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"(رواه البخاري).

 

 وَمَنْ أَرَادَ الْقُرْبَ مِنَ الله فَلْيَتْرُكْ مَا يُبْعِدُ مِنَ الله؛ فَاللهُ قَرِيبٌ مِنَ التَّوَّابِيْنَ المُسْتَغْفِرِيْن، (فَاسْتَغْفِرُوْهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)[هود:61].

 

والشِّرْكُ والبِدَع، لا تَزِيْدُ صَاحِبَها مِنَ اللهِ إِلا بُعْدًا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى)[الزمر:3]. قال شَيْخُ الإسلام: "مَا ازْدَادَ مُبْتَدِعٌ اجْتِهَادًا؛ إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْدًا".

 

وَمَنْ كانَ مِنَ اللهِ أَقْرَب؛ كانَ خَوْفُهُ أَشَدّ، وَكُلُّ أَحَدٍ إِذَا خِفْتَهُ فَرَرْتَ مِنْهُ، إلا الله؛ فَإِنَّكَ إِذَا خِفْتَهُ؛ فَرَرْتَ إليه، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الذاريات:50].

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

عِبَادَ الله: مَنْ ذَاقَ حَلاوَةَ الْقُرْبِ، حَصَلَ لَهُ الأُنْسِ، وكُلَّمَا اشْتَدَّ الْقُرْبُ قَوِيَ الْأُنْسُ، وَكُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ قَوِيَتِ الْوَحْشَةُ.

 

والفِرْدَوْسُ الأَعْلَى هِيَ دَارُ المُقَرَّبِيْن؛ فَهِيَ سَيّدَةُ الجِنَان؛ لِقُرْبِهَا مِنْ عَرْشِ الرَّحْمَن؛ فَفِي الحَدِيْث القدسي: "أُولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ، غَرَسْتُ كَرامَتَهُمْ بيَدِي، وخَتَمْتُ عليها، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، ولَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ علَى قَلْبِ بَشَرٍ"(رواه مسلم). (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [الواقعة:10-12].

 

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَوَفِّقْ وَلِيَّ عَهْدِهِ لِكُلِّ خَيْر.

 

المرفقات
C9KEFu61BKm37yGASPju5Obj0niDCfHTzyJRm8rA.doc
Oo9XmBgaLJhq886Vy2ulYVoNPtijCRnnYn6QoSPm.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life