عناصر الخطبة
1/التمسك بالوحيين عاصم من الفتن 2/أصبح لدى الناس قناعة بسوءات النهج التكفيري 3/من يُقتل دفاعا عن وطنه وأهله وماله يعتبر شهيدا 4/وجوب تنشئة الأبناء والطلاب تنشئة صحيحة

اقتباس

وإذا كانت امرأة قد دخلت النار في هِرَّة حبستها حتى ماتت جوعًا وعطشًا، فرآها النبي -صلى الله عليه وسلم- في النار، والهرة تخدشها في وجهها وصدرها، فكيف عقوبة من قَتل وأخاف الناس وهم آمنون في أنفسهم وأموالهم؟!

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي منَّ علينا بخير الشرائع وأوفاها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عزَّ ربًّا وجلَّ إلهًا، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه الله بأكمل الْمِلَل وأزكاها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أعلم الأمة وأتقاها وأهداها، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الأيام وبلغت منتهاها.

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوَى الله -عزَّ وجلَّ-، فاتّقوه حقَّ التقوَى، فهي الذّخر الأبقَى والطّريقُ الأنقَى.

 

لقد كان الناس يظنون أن الأفعال الإجرامية والتفجيرية التي ابتُليت بها بلادُنا أنها قد تلاشت، وأن مَدَّ الغلو قد انحسر؛ فإذا هو اليوم يلبس لَبوسًا جديدًا من الغدر والتخوّن لرجال أمننا، كما في حادثة منطقة "القصيم" هذا الأسبوع. فرحم الله الجندي والمقيم المقتولَين، ومن سبقوهما، وكتبهم في الشهداء، والحمد لله الذي لطف، فكفانا شرَّ القَتَلة المجرمين بعد لحظات من فِعلتهم الخائنة.

 

وهذه الحادثة وأمثالها لا بد أن تزيدنا تمسكًا بالوحيين؛ فهما العاصم من الفتن، ويرسخ معاني الأمن، ويحفظ -بإذن الله- من عاديات الزمن، وهذه الحادثة توجب علينا الالتفاف حول علمائنا وولاة أمورنا. ولنوقن يقينًا لا يخالطه شك أن الأمن ليس محل مساومة؛ فإن ضوء النهار ليس مسؤولًا عن عُشْي الأبصار، وضُعفاء الإبصار.

 

ولقد تولد لدى الناس -ولله الحمد- قناعة بمثالب وسوءات النهج التكفيري وخطورته، حتى غدا فكرًا مذؤومًا مدحورًا، أُجَاجًا ممجوجًا مجّه الصغير كالكبير.

 

وإذا كانت امرأة قد دخلت النار في هِرَّة حبستها حتى ماتت جوعًا وعطشًا، فرآها النبي -صلى الله عليه وسلم- في النار، والهرة تخدشها في وجهها وصدرها، فكيف عقوبة من قَتل وأخاف الناس وهم آمنون في أنفسهم وأموالهم؟! أمَا قال صلى الله عليه وسلم: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"((سنن الترمذي: (1395)، وسنن النسائي: (3987)).

 

وبكلّ مرارةٍ وأسى أنهم أبناؤنا بَغَوْا علينا، وخرقوا سياجَ أُمّتنا وأَمنِنا، وكفى لؤْمًا أن ينشؤوا على ترابها ويأكُلوا من خيراتها ثم يقلِبوا لها ظهرَ المجَنّ تخريبًا وتفجيرًا.

 

ولا يسوغ في مثل هذه الفتن أن يكون صوت الانتقاد والتخطئة خافتًا، أو على استحياء؛ فإن جهاد هؤلاء الملبِّسين من أعظم الجهاد؛ سواء جهاد السلاح بالبنان، أو جهاد الكلمة والبيان. فاللهم إنا نبرأ إليك مما صنع هؤلاء، ونسألك أن تديم علينا أمننا واجتماعنا، وأن تهدي ضالَّ المسلمين، وترده إلى الحق.

 

ويا رجال الأمن في القطاعات كافة: إليكم هذه البشارةَ. قال سماحة الشيخ ابنُ باز -رحمه الله-: "من يُقتل في الدفاع عن الدينِ والنفسِ والأهلِ والمالِ والبلادِ وأهلِها وهو مسلم يُعتبر شهيدًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ"((الجملة الأولى في صحيح البخاري (2480) وصحيح مسلم (378) وباقي الجُمَل في سنن الترمذي (1421) سنن النسائي (4095))، ((فتاوى ابن باز (18/ 93)). ا.هـ.

 

أيها الإخوة: وبعد أن رَدَّ الله البغاة بغيظهم لم ينالوا خيرًا، فلنحمد الله على حفظه لأمننا وحرماتنا، ثم لنرفع تحية إجلالٍ واعتزاز إلى جنودنا المرابطين على نقاط التفتيش، وعلى ثغورنا الأبيَّة؛ أن طبتم وطاب رباطكم ودفاعكم، وأُجِرتم؛ إذ سهرتم فنمنا، وذُدْتم فأمِنّا، في استبسال لا تُتبعونه مَنًّا، وهنيئًا لمرابطينا في حدودنا قول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ". ((صحيح مسلم (5047)).

 

فيا رجال الأمن قولوا ونحن نؤمِّن: (اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم). فاللهم احفظ رجال الأمن واكلأهم واحفظهم من كل كائد متربص، يا ذا الجلال والإكرام).

 

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْحَجِّ: 40]: ألا فلتسلمي ديارَ التوحيدِ شامخةً في قوة وأيد، سالمةً من كل مكرٍ وكيد، حائزةً لكل برٍّ وخير، منيعةً عن كل سوء وضير، ولازلتِ للأمة الإسلامية العينَ الحانية الباصرة، واليد الطولى الناصرة).(بتصرُّف واختصار من خطبة رائعة ماتعة وقطعة أدبية لمعالي الشيخ د. عبد الرحمن السديس).

 

 

الخطبة الثانية:

 

فعلينا أن نواصل التوجيه والتربية؛ بأن نقي أنفسَنا وأبناءنا وطلابنا نارَ الآخرة؛ بتنشئتهم التنشئةَ الصحيحة، ولا نتركَهم عرضةً لأصحاب الأهواء والفكر المنحرف، أو لمن يريدون أن يتبعوا الشهوات، حتى لا نميل ميلًا عظيمًا. وهذا يفرض على المهتمين بشأن الناشئة الاعتناءَ ببناء الحصانة الداخلية، وبناء جيل يتسلح بسلاحين:

 

الأول: سلاح العلم الشرعي المؤصَّل بالورع والتقوى.

 

الثاني: سلاح العقل؛ ليعلو على صوت العاطفة والحماس.

 

وخذوا هذه القصة الدالّة على خطابَيِ العلمِ والعقلِ:

 

قال التابعي قبيصة بن جابر -رحمه الله-: "خَرجنا حُجَّاجًا، فبينما نحن محْرِمون إذ سَنَح لنا ظبي، فرماه رجل منا بحجَر، فقتَله، فأُسْقِطَ في أيدينا، فدخلتُ أنا وصاحب الظبي على عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقصَّ عليه القصةَ، فالتفتَ عمرُ إلى رجل بجانبه، كأنه يشاوره، ثم أقبَلَ على صاحبي فقال له: خُذْ شاة من الغنم، فأَهْرِقْ دَمَها، وتصدق بلَحْمِها. فأقبل قبيصة على صاحبه قائلًا له بخطاب شبابيّ متحمس جاهل فيه سوء أدب: أيها المستفتي عمرَ بن الخطاب؛ إن فتياه لن تُغْني عنكَ من الله شيئًا، واللهِ ما عَلِمَ عمرُ حتى سأل الذي إلى جنبه، فانْحَرْ راحلتَكَ، فتصدَّق بها، وعظِّم شعائر الله".

 

فسمعه عمر، فغضب. قال قبيصة: "فواللهِ ما شَعُرْت بعمر إلا يضرِب بالدِّرَّة عليَّ. ثم قال: قاتَلَك الله! تعدَّى الفُتيا، وتَقتل في الحَرَم، وتقول: واللهِ ما عَلِمَ عمرُ حتى سأل الذي إلى جنبِه؟! أمَا تقرأ كتابَ اللهِ؟! فإن الله يقول عمن قتل صيدًا وهو محْرِم: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)[الْمَائِدَةِ: 95]". فأخذ عمر بمَجَامع ردائه، فقال قبيصة بجرأة الشباب: "يا أمير المؤمنين! إني لا أُحِلُّ لكَ منِّي أمرًا حرَّمه اللهُ عليكَ"، فتركه عمرُ ثم أزجى له هذه النصيحةَ الجليلة البليغة فقال: "إني أراك شابًّا فَصِيح اللسان، فَسِيح الصدر، وقد يكون في الرجل عشَرةُ أخلاق، تِسْعٌ حَسنة، وواحدة سيئة، فيُفْسِد الخلقُ السيِّئُ التِّسعَ الصالحة، فاتَّق طَيْراتِ الشباب، وإيَّاك وعَثْرةَ الشباب"(رواه بمعناه عبد الرزاق في المصنف (8240)، والبيهقي في الكبرى (10146)، والطبراني في الكبير (258)، والحاكم وصححه في المستدرك (5355)، ووافقه الذهبي).

 

فانظروا للمحدَّث المُلهَم عمر؛ كيف احتوى الشابَ وأقنَعه بالحجة والحكمة، وأزال عنه الشبهةَ، حتى صار ذلك الشابُ بعد ذلك تلميذًا لعمرَ وابنِ مسعود، ثم إمامًا من التابعين.

 

فاللهم اهدِ شبابنا وشباب المسلمين. اللهم اهدِ مَنْ ضَلَّ فاغتر من شبابنا بفكر تكفيري أو تحرري إلحادي. اللهم قِهم فتن الشبهات والشهوات.

 

اللهم يا ذا المُلك والمَلَكوت، يا مجيبَ الدعوات احفظ لنا ملكَنا وأمدَّه بالصحة في طاعتك، ومصلحة الإسلام والمسلمين. اللهم أعنه على نفسه وعلى إدارة مملكته بولي عهده وبأمرائه، وبوزرائه، اللهم أمكن ولاتَنا من كل حاقد على أوطاننا، وكل خائن لله ورسوله.

 

المرفقات
اغتيالة-غادرة-خاسئة-خاسرة.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life