اصنع عظيمًا للإسلام...!

حمزة بن فايع آل فتحي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وفي صناعتك وتوجيهك توخَّ المواهب، واقصد النوابغ، وخص الأفذاذ، واحتف بالأذكياء، فإنهم يوفرون عليك وقتا ومالا وجهدًا، ويحصل بهم من حسن العاقبة، وجميل العائدة، ما لا يخفى على ذي لب ونباهة...

لا تَستهِن بكلمةِ توجيه، أو نبرة غيرة، أو نصح شفيق، أو عنايةً مخصوصة، فكلها في الذهنية التربوية سترسخ وتبزغ يومًا من الأيام.

 

كثير من التلاميذ خرجوا من عباءة أشياخهم، وكان للكلمات والعظات التربوية أثر وتشجيع في بروزهم ونبوغهم، يُروى عن الإمام سفيان بن عيينة -رحمه الله- يقول: "دخلتُ الكوفةَ ولم يتمَّ لي عشرونَ سنة، فقال أبو حنيفة لأصحابه ولأهل الكوفة: جاءكم حافظُ علمِ عمرِو بن دينار، فجاء الناس يسألونني، فأولُ مَن صيَّرني محدِّثـًا، أبو حنيفة"! رحم الله الجميع.

 

وإذا ذُكرت عقول الخلفاء الأربعة وتميزهم لا يُنسى مربيهم والمدرسة النبوية التي نبغوا منها، فأبو بكر صاحبه وخليله، والفاروق العبقري الملهم، وعثمان الجواد الذي تستحي منه الملائكة، وعلي له كمنزلةِ هارون من موسى.

 

وحينما تسمع ابن مسعود يتفاخر بعلو همته في التفسير، وأنه أخذ من فم رسول الله سبعين سورة، ولا يكاد يجاريه أحد، تعلم أنه قيل له في مكة "إنك غلام معلَّم" فحفرت وحفزت..!

 

وإذا تلألأ لكم علم ترجمان القرآن وحبر الأمة ابن عباس -رضي الله عنهما-، تستحضر دعوات رسول الله له وعنايته به "اللهم علمه الحكمة".

 

وثبات عمرو بن تغلب -رضي الله عنه- وزهادته في الدنيا نتيجة لثناء وتشجيع عزيز "إنِّي أُعْطِي الرَّجُلَ وأَدَعُ الرَّجُلَ، والذي أدَعُ أحَبُّ إلَيَّ مِنَ الذي أُعْطِي، أُعْطِي أقْوَامًا لِما في قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ والهَلَعِ، وأَكِلُ أقْوَامًا إلى ما جَعَلَ اللَّهُ في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى والخَيْرِ منهمْ عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ"، فَقالَ عَمْرٌو: ما أُحِبُّ أنَّ لي بكَلِمَةِ رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حُمْرَ النَّعَمِ. أي النوق النفيسة.

 

وحينما تطالع علم عكرمة ومجاهد وقتادة ومالك والمزني، وابن القيم، لا تنسى المؤثرين فيهم كابن عباس وسعيد والزهري والشافعي وابن تيمية وأشباههم، وكيف شجعوا وآزروا.

 

وهؤلاء العظماء مغمورون في المدارس والمعاهد والجامعات، ويحتاجون المعلم العاقل، والأستاذ اللبيب، وأن يتعب قليلا، ويحتسب كثيرا، حتى تخرج الغراس.

 

وفي العصر الحديث نبغ الشيخ العلامة حافظ الحكمي، وتساءل الناس من وراءه..؟! فعلمنا دور الشيخ عبدالله القرعاوي -رحمه الله- واستلاله له من أسرته.

 

والشيخ العلامة ابن باز، وأثر العلامة محمد بن ابراهيم في ذلك، وابن عثيمين والشخصية السعدية في حياته وعلمه واختياراته، فتوقن أن وراءهم أساتذة تعبوا، وضحوا، وتفانوا تعليما وتفقيها وتبصيرا.

 

ولربما بعضهم تبنّى يتيما عبقريا، وآخر مسكينا نابها، وآخر غريبا مضيّعا، فصرف من ماله، وبذل من وقته، وخصّه بفضل تربية وتوجيه وإحسان.

 

الإسلام يحتاج عظماء وحكماء ونبلاء يحملون دعوته، ويضخون ينابيعه في كل مكان، ويبثون أفانينه في الآفاق.

 

إن في النشء والمدارس طاقات ونوابغ، تنتظر من ينتشلها ويصنعها ويدربها ويعمل على هدايتها.

 

ادخلْ إلى مدرستك أو جامعتك، وأنت تعتقد فضلَ الله عليك، وأن كلمتك مؤثرة، وحكمتك آسرة، وتوجيهك بليغ، وحنوك عظيم.

 

هم أبناؤك ولو قصّرت، وأحبابك ولو تجاهلت، وغراسك ولو أهملت، فما تنتجه ثمرات لكم وحسنات، وما تخطئ فيه تواقيع وبصمات.

 

الإسلام دين إيجابي تفاعلي مع الحياة والناس، يغيثهم ويمنحهم أفضاله، ويرتقي بعقولهم وسلوكهم، ويشجع فيهم الإبداع والإتقان، ويكفينا فيه أول آية نازلة (اقرأ باسم ربك الذي خلق).

 

ومن البدهي أن العلم استنارة وانفتاح، ويقظة وارتفاع، تحمل صاحبها على العمل والإصلاح، وبناء الأجيال، واحتساب الأجر على تلميذ أو ابن، أو جار، أو زميل، ففي الحديث الصحيح: "الدينُ النصيحة"، وفي الحديث الآخر المشع: "إن الله وملائكته ليصلون على معلمي الناس الخير".

 

وفي صناعتك وتوجيهك توخَّ المواهب، واقصد النوابغ، وخص الأفذاذ، واحتف بالأذكياء، فإنهم يوفرون عليك وقتا ومالا وجهدًا، ويحصل بهم من حسن العاقبة، وجميل العائدة، ما لا يخفى على ذي لب ونباهة...!

 

وكان أبو الفرج ابن الجوزي –رحمه الله- مِن الأذكياء، وقيض الله له أشياخاً اهتموا به، يقول في رسالته لفتة الكبد: "ولقد وُفـِّقَ لي شيخنا أبو الفضل ابن ناصر -رحمه الله-، فكان يحملني إلى الأشياخ، وأسمعني المسندَ وغيرَه من الكتب الكبار، وأنا لا أعلم ما يُراد مني، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، فناولني ثبتها، ولازمته إلى أن توفي -رحمه الله-، فأدركتُ به معرفة الحديث والنقل. ولقد كان الصبيان ينزلون دِجلة، ويتفرجون على الجسر، وأنا في زمن الصغر آخذُ جزءًا، وأقعد حُجزةً من الناس إلى جانب الرِّقة، فأتشاغلُ بالعلم".

 

وتدبر عظمة ابن الجوزي في الإسلام، وما خلفه من آثار محمودة، ومصنفات عجيبة، ونظيره ابن تيمية وابن القيم والنووي وابن حجر وابن كثير وابن مفلح والعراقي والذهبي، وأعلام كثيرون...!

 

فهبوا معاشر َالمربين والدعاة والغيارى، مستعينين بالله، ومحتسبين العمل، فالأمة ولادة، والزمان مشاعل نور ومجد وابتكار، والله الموفق.

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life