اسم الله تعالى السلام ومقتضياته

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ أهمية التعبُّد لله تعالى بأسمائِه وصِفاتِه 2/ أسماء الله حُسنَى وصِفاتُه عُلَى 3/ تأملات في معاني اسمِ الله تعالى السلام 4/ مُقتضَيَات اسم الله السلام ولوازِمه.

اقتباس

فهو السلامُ مِن الصاحِبة والولَد، والسلامُ مِن الكُفؤِ والنَّظيرِ والسمِيِّ والمَثِيل، والسلامُ مِن النِّدِّ والشَّرِيك، حياتُه -سبحانه وتعالى- سلامٌ مِن الموتِ والسِّنَةِ والنَّوم، قائِمٌ على خلقِه، سلامٌ مِن التَّعبِ والعَجزِ واللُّغوبِ، وعِلمُه سلامٌ مِن الجهلِ والذُّهُولِ والنِّسيَان، وكلِماتُه عدلٌ وصِدقٌ سلامٌ مِن الكذِب والظُّلم. وكلُّ صِفاتِه سلامٌ مما يُضادُّ كمالَها أو يُوهِمُ النَّقصَ فيها، وكما أنه السلامُ في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه فمِنه تعالى كلُّ سلامٍ وأمنٍ، ومِنه يُطلَبُ السلامُ، ومَن ابتَغَى السلامةَ عند غيرِه لم يجِدها..

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، وراقِبُوه في السرِّ والنَّجوَى.

 

أيُّها المسلمون: أسماءُ الله حُسنَى وصِفاتُه عُلَى، وآياتُه -سبحانه- الكونيَّةُ والشرعيَّةُ دالَّةٌ على ذلك شاهِدةٌ به، وجميعُ الأسماء والصِّفات مُقتضِيةٌ لآثارِها مِن العبوديَّة والأمر اقتِضاءَها لآثارها مِن الخلقِ والتكوين، ولكل اسمٍ وصفةٍ عبوديَّةٌ خاصَّةٌ هي مِن لوازِمِها ومُوجِبات العلمِ والإيمانِ بها، قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180].

 

والسلامُ اسمٌ له تعالى شامِلٌ لجميعِ صِفاتِه، دالٌّ على تنزيهِ الربِّ وتقديسِه وبراءَتِه مِن كل عيبٍ، وتعالِيه عما لا يَلِيقُ بجلالِه وكمالِه وعظمتِه، سَلِمَ مِن كل آفةٍ، وبرِئَ مِن كل نقصٍ.

 

فهو السلامُ مِن جميعِ العيُوبِ والنقائِصِ لكمالِه في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه وأفعالِه، قال -سبحانه-: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر: 23].

 

واستِحقاقُه -سبحانه- لهذا الاسمِ أكملُ مِن استِحقاقِ كلِّ ما يُطلَقُ عليه، وهذا هو حقيقةُ التنزيهِ الذي نزَّه الله به نفسَه ونزَّهَه به رسولُه -صلى الله عليه وسلم-.

 

فهو السلامُ مِن الصاحِبة والولَد، والسلامُ مِن الكُفؤِ والنَّظيرِ والسمِيِّ والمَثِيل، والسلامُ مِن النِّدِّ والشَّرِيك، حياتُه -سبحانه وتعالى- سلامٌ مِن الموتِ والسِّنَةِ والنَّوم، قائِمٌ على خلقِه، سلامٌ مِن التَّعبِ والعَجزِ واللُّغوبِ، وعِلمُه سلامٌ مِن الجهلِ والذُّهُولِ والنِّسيَان، وكلِماتُه عدلٌ وصِدقٌ سلامٌ مِن الكذِب والظُّلم.

 

وكلُّ صِفاتِه سلامٌ مما يُضادُّ كمالَها أو يُوهِمُ النَّقصَ فيها، وكما أنه السلامُ في ذاتِه وأسمائِه وصِفاتِه فمِنه تعالى كلُّ سلامٍ وأمنٍ، ومِنه يُطلَبُ السلامُ، ومَن ابتَغَى السلامةَ عند غيرِه لم يجِدها.

 

وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحقِّقُ هذا الاسمَ وما اشتَمَلَ عليه مِن صِفةِ السلامة؛ فكان إذا انصَرَفَ مِن صلاةٍ مفرُوضةٍ استغفَرَ ثلاثًا، وقال: "اللهم أنت السلامُ، ومِنك السلامُ، تبارَكتَ يا ذا الجلال والإكرام" (رواه مسلم).

 

سلَّمَ -سبحانه- أولياءَه مِن عُقُوبتِه، وسلَّم جميعَ الخلق مِن الظُّلم الذي تنزَّهَ عنه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) [النساء: 40].

 

ولأنه السلامُ، ومِنه كلُّ سلامةٍ فلا يُقالُ: السلامُ على الله؛ "فإن الله هو السلامُ" (رواه البخاري).

سلَّم على أنبيائِه ورُسُلِه لسلامةِ ما قالُوه مِن النَّقصِ والعيبِ، قال -سبحانه-: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [الصافات: 180، 181].

 

وكتبَ السلامَ لعبادِه الصالِحين، فقال: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) [النمل: 59].

وخصَّ مَن شاءَ بفضلِه مِن خلقِه بالسلامِ عليه في العالَمين؛ كنُوحٍ - عليه السلام - فقال: (سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ) [الصافات: 79]؛ وسلَّمَ على إبراهيم ومُوسَى وهارُون وإل ياسِين.

 

وأكرمَ الله نبيَّه يحيَى وخصَّه بالسلام في ثلاثةِ مواضِع، أوحشَ ما يكُونُ الخلقُ فيها، (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [مريم: 15].

 

وأمَرَ الله المُؤمنين بالسلامِ على نبيِّنا مُحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وسلَّم الله وجبريلُ على خديجَة - رضي الله عنها -؛ لخِدمتها الفَذَّة للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، ونُصرتِها له؛ أتَى جبريلُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "يا رسولَ الله! هذه خديجَةُ قد أتَتْك معها إناءٌ فِيه إدامٌ أو طعامٌ أو شرابٌ، فإذا هي أتَتْك فاقرَأ عليها السلامَ مِن ربِّها -عزَّ وجل- ومِنِّي" (متفق عليه).

كما سلَّم جبريلُ - عليه السلام - على عائشةَ؛ لعلمِها وكمالِ عقلِها.

 

قال -عليه الصلاة والسلام-: "يا عائِشُ! هذا جبريلُ يُقرِئُكِ السلام" (متفق عليه).

وكلُّ مُصلٍّ في تشهُّدِه يُسلِّمُ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وعلى الصالِحِين: "السلامُ عليك أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالِحِين" (متفق عليه).

 

ومَن دخَلَ بيتًا شُرِعَ أن يُسلِّمَ على أهلِه؛ فإنها تحيَّةٌ مُبارَكةٌ طيبةٌ، قال -سبحانه-: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: فليُسلِّم بعضُكم على بعضٍ (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) [النور: 61].

قال القُرطبيُّ - رحمه الله -: "وصَفَها بالبركةِ؛ لأن فيها الدعاءَ واستِجلابَ مودَّةِ المُسلَّم عليه، ووصَفَها أيضًا بالطِّيبِ؛ لأن سامِعَها يستَطِيبُها".

 

وشرَعَ تعالى لعبادِه دِينًا فِيه الهُدَى والسلام، فقال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران: 19].

أحكامُه وعقائِدُه سالِمةٌ مِن الزيادةِ والنُّقصان، قال -عزَّ وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].

 

في اتِّباعِ هذا الدينِ السلامةُ في الدنيا والآخرة، قال -عزَّ وجل-: (وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) [طه: 47].

 

ومُنتهَى أهلِه الجنةُ دارُ السلام، قال -عزَّ وجل-: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس: 25].

 

ومَن أرادَ الأمنَ والسلامَ في نفسِه وأهلِه ومُجتمعِه فعليه بدينِ الإسلام؛ فعقائِدُه وشرائِعُه أمنٌ وسعادةٌ، وأُنسٌ واطمِئنانٌ، وكلما زادَ تحقيقُ الإسلام في مُجتمعٍ عمَّ فِيه الأمنُ والسلامُ، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82].

 

وسلامُ هذا الدينِ شامِلٌ لجميعِ الخلقِ بعِزَّةٍ وعلُوٍّ؛ فنُفُوسُ أهلِه وأموالُهم وأعراضُهم معصُومة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "أُمِرتُ أن أُقاتِلَ الناسَ حتى يشهَدُوا أن لا إله إلا الله، وأن مُحمدًا رسولُ الله، ويُقيمُوا الصلاةَ، ويُؤتُوا الزكاةَ، فإذا فعَلُوا ذلك عصَمُوا مِنِّي دماءَهم وأموالَهم إلا بحقِّ الإسلام، وحِسابُهم على الله" (رواه البخاري).

 

الإسلامُ دينُ أمانٍ، فأنفُسُ أهل الذمَّةِ والعهدِ والمُستأمَنِين معصُومة؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن قتَلَ مُعاهَدًا لم يرَح رائِحةَ الجنَّة"(رواه البخاري).

 

ومَن أخافَ معصُومًا ولو بالإشارةِ فقد توعَّدَه الله؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن أشارَ إلى أخِيهِ بحديدةٍ فإن الملائِكةَ تلعَنُه حتى يدَعَه وإن كان أخاهُ لأبِيهِ وأمِّهِ"(رواه مسلم).

 

بل إن البهائِمَ والدوابَّ كفَلَ الإسلامُ لها عيشَها وأمنَها وسلامَها؛ "فدخلَت امرأةٌ النارَ في هِرَّة" (متفق عليه).

"وبغِيٌّ سقَت كلبًا فغُفِرَ لها به" (متفق عليه).

 

والمُسلمُ مأمُورٌ بنشرِ السلامِ بين الخلقِ بقولِه وفعلِه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "المُسلمُ مَن سلِمَ المُسلِمون مِن لسانِه ويدِه"(رواه البخاري).

 

وأعظَمُ عملٍ للسلامِ هو الدعوةُ إلى الله وتعريفُ الناسِ بربِّهم ونبيِّهم ودينِهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: 33].

 

وامتَدَحَ الله مَن سالَمَ الجاهِلَ وقابلَ المُسيءَ بالإحسان، فقال: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان: 63].

 

ومِن شعائِرِ هذا الدين تحيَّةُ السلامِ بذِكرِ اسمِ الله تعالى السلام، وطلبِ السلامةِ مِنه تعالى، مع العهدِ بالأمانِ ألا ينالَ المُسلَّمُ عليه شرًّا أو أذًى مِن المُسلِّم.

 

وهو أولُ خِصالِ التآلُفِ ومِفتاحُ استِجلابِ المودَّة، وفي إفشائِه أُلفةُ المُسلِمين بعضِهم ببعضٍ، وإظهارُ شِعارِهم المُميَّزِ لهم بينَهم، وإلقاءُ الأمنِ والطُّمأنينةِ بينَهم، ودليلُ التواضُعِ والتواصُلِ بسببِ الإسلام.

 

قال -عليه الصلاة والسلام-: "ما حسَدَتكُم اليهودُ على شيءٍ ما حسَدَتكم على السلامِ والتأمينِ" (رواه ابن ماجَه).

 

وهي التحيَّةُ التي ارتضاها الله لآدم وذريَّته؛ قال -عليه الصلاة والسلام- عن أولِ خلقِ آدم: "فلما خلقَه قال: اذهَب فسلِّم على أولئِك النَّفَر مِن الملائكةِ جُلُوس، فاستَمِع ما يُحيُّونَك فإنها تحيَّتُك وتحيَّةُ ذُريتك، فقال: السلامُ عليكُم، فقالُوا: السلامُ عليك ورحمةُ الله، فزادُوه: ورحمةُ الله"(رواه البخاري).

 

ورغَّبَ الإسلامُ في البَدءِ بها؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إن أَولَى الناسِ بالله مَن بدأَهم بالسلام" (رواه أبو داود).

 

وأُمِرَ الناسُ بإفشائِها؛ قال البراءُ بن عازِبٍ -رضي الله عنه-: أمَرَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بسَبعٍ، وذكرَ منها: ".. إفشاءُ السلام"(رواه البخاري).

 

وهو مِن وسائلِ نشرِ الإسلام؛ قال عبدُ الله بن سلامٍ -رضي الله عنه-: لما قَدِمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، جِئتُ في الناسِ لأنظُرَ إليه، فلما استَبَنتُ وجهَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، عرَفتُ أن وجهَه ليس بوجهِ كذَّابٍ، وكان أولُ شيءٍ تكلَّم به أن قال: "يا أيها الناس! أفشُوا السلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وصلُّوا والناسُ نِيَام، تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ"(رواه الترمذي).

 

قال النوويُّ -رحمه الله-: "إفشاءُ السلامِ إشاعَتُه وإكثارُه وأن يبذُلَه لكل مُسلمٍ".

وأمَرَ الله بردِّ السلامِ بمِثلِه أو أحسَنَ مِنه، فقال: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء: 86].

قال ابنُ كثيرٍ - رحمه الله -: "الزيادةُ مَندوبةٌ والمُماثَلةُ مفرُوضةٌ".

 

السلامُ مِن خير خِصالِ الإسلام وأفضلِ شُعَبِه؛ سألَ رجُلٌ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الإسلام خَيرٌ؟ قال: "تُطعِمُ الطعامَ، وتقرَأُ السلامَ على مَن عرَفتَ ومَن لم تعرِف" (متفق عليه).

قال ابنُ رجَبٍ - رحمه الله -: "هذا أفضلُ أنواعِ إفشاءِ السلام".

قال النوويُّ - رحمه الله -: "الحاجةُ إلى إفشاءِ السلامِ وإطعامِ الطعامِ أهمُّ وأكثَرُ؛ لِمَا يحصُلُ مِن إهمالِهما والتساهُلِ في أمرِهما".

 

ومَن أدَّى السلامَ كُتِبَت له عشرُ حسناتٍ إلى ثلاثين حسنة؛ جاء رجُلٌ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال: السلامُ عليكُم، فردَّ عليه السلامَ ثم جلَسَ، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "عشرٌ"، ثم جاءَ آخرُ فقال: السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، فردَّ عليه فجلَسَ، فقال: "عشرُون"، ثم جاء آخرُ فقال: السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه، فردَّ عليه فجلَسَ، فقال: "ثلاثُون"(رواه أبو داود).

 

وابتِداءُ السلام وردُّه مِن حُقُوق المُسلم على بعضٍ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "حقُّ المُسلم على المُسلم سِتٌّ .."، وذكرَ مِنها: ".. إذا لقِيتَه فسلِّم عليه"(رواه مسلم).

وعند البخاري: "ردُّ السلام".

 

السلامُ هو دواءُ المُتهاجِرِين، وخيرُهما مَن يبدأُ به؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يحِلُّ لمُسلمٍ أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتَقِيَان فيُعرِضُ هذا، ويُعرِضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأُ بالسلام" (متفق عليه).

 

ولا يكمُلُ الإيمانُ، ولا يصلُحُ الحالُ فيه إلا بالتحابِّ؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "والذي نفسِي بيدِه؛ لا تدخُلُون الجنةَ حتى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعَلتُمُوه تحابَبتُم؟ أفشُوا السلامَ بينَكم"(رواه مسلم).

وكان الصحابةُ - رضي الله عنهم - يعُدُّون ذلك مِن الإيمان.

 

قال عمارُ بن ياسرٍ -رضي الله عنه-: "ثلاثٌ مَن جمَعَهنَّ فقد جمَعَ الإيمان: الإنصافُ مِن نفسِك، وبَذلُ السلامِ للعالَمِ، والإنفاقُ مِن الإقتارِ".

في السلامِ حُلُولُ الخير والبركة، قال تعالى: (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) [النور: 61].

 

وردُّ السلامِ مِن حقِّ الطريقِ لمَن جلَسَ فِيه؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "إياكُم والجُلُوسَ على الطُّرُقات"، فقالُوا: ما لنا بُدٌّ، إنما هي مجالِسُنا نتحدَّثُ فِيها، قال: "فإذا أبَيتُم إلا المجالِسَ فأعطُوا الطريقَ حقَّها"، قالوا: وما حقُّ الطريقِ؟ قال: "غضُّ البصَر، وكفُّ الأذَى، وردُّ السلام، وأمرٌ بالمعروفِ، ونهيٌ عن المُنكَر" (متفق عليه).

 

ومِن آدابِه: أن يُسلِّم الصغيرُ على الكبيرِ، والرَّاكِبُ على الماشِي، والماشِي على القاعِدِ، والقليلُ على الكثيرِ.

ويُشرعُ تَكرارُ السلام عند الحاجةِ لذلك.

 

قال أنسٌ -رضي الله عنه-: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا سلَّم سلَّمَ ثلاثًا"(رواه البخاري).

 

والسلامُ على الصِّبيَان سُنَّةٌ، وفي ذلك سُلُوكُ التواضُع، ولِينُ الجانِبِ معهم، وتدرِيبُهم على آدابِ الشريعَةِ.

مرَّ أنسُ بن مالكٍ -رضي الله عنه- على صِبيَانٍ فسلَّمَ عليهم، وقال: "كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يفعَلُه" (متفق عليه).

 

وكما أن السلامَ مشرُوعٌ في الطُّرُقات، فهو مشرُوعٌ في المجالِسِ عند دخُولِها والخروجِ مِنها.

قال -عليه الصلاة والسلام-: "إذا انتهَى أحدُكُم إلى المجلِسِ فليُسلِّم، فإذا أرادَ أن يقُومَ فليُسلِّم؛ فليسَتِ الأُولَى بأحَقَّ مِن الآخرة"(رواه أبو داود).

 

وتحيَّةُ الإسلام بالسلام خاصَّةٌ بالمُسلمين؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا تبدَؤُوا اليهودَ ولا النصارَى بالسلام"(رواه مسلم).

 

"وإذا سلَّم عليكُم أهلُ الكِتابِ فقُولُوا: وعليكُم" (متفق عليه).

ويُستحبُّ رفعُ الصوتِ بالسلام بقَدرِ ما يتحقَّقُ السلامُ.

قال ابنُ عُمر - رضي الله عنهما -: "إذا سلَّمتَ فأسمِعْ؛ فإنها تحيَّةٌ مِن عند الله مُبارَكةٌ طيِّبةٌ".

 

"وكان -عليه الصلاة والسلام- يدخُلُ مِن الليل فيُسلِّمُ تسليمًا لا يُوقِظُ نائِمًا، ويُسمِعُ اليَقظَانَ"(رواه مسلم).

 

ولا يمنَعُ مِن السلامِ وردِّه إلا الخُطبة؛ لوُجود الإنصاتِ فِيها، وكذلك حين قضاءِ الحاجة، فليس موضِعَ تحيَّةٍ وذِكرٍ.

 

والسلامُ أمانٌ ودُعاءٌ، ومِن جمالِ الإسلام وكمالِه أن سنَّ ذلك للأحياء والأموات، وليس أحدٌ أحوَجَ إلى الدُّعاء ممَّن فارَقَ الحياة.

 

وكان مِن هَديِهِ -عليه الصلاة والسلام- إذا أتَى المقبَرةَ يقولُ: "السلامُ عليكُم دارَ قَومٍ مُؤمِنِين"(رواه مسلم.

وتحيَّةُ المُؤمنين مِن ربِّهم في الآخرة: سلامٌ، قال -عزَّ وجل-: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) [الأحزاب: 44].

ومنزِلُهم الجنةُ دارُ السلام، فلا موتَ فيها ولا أحزان، ولا هُمومَ ولا أسقَام، قال تعالى: (لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الأنعام: 127].

ويُقالُ لهم: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ) [الحجر: 46].

 

وتُفتَّحُ لهم أبوابُ الجنَّة، ويستقبِلُهم خزَنَتُها قائِلِين: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر: 73].

وإذا دخَلُوها قال -سبحانه-: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) [الواقعة: 25، 26]، (خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ) [إبراهيم: 23]، (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 23، 24].

 

وإذا تنعَّمَ أهلُ الجنة بما أنعَمَ الله عليهم فيها، فكمالُ نعيمِهم بالنَّظَر إلى ربِّهم وسلامِه عليهم، قال تعالى: (سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس: 58].

 

وبعدُ .. أيها المُسلمون: فدِينُ الإسلام دينُ سلامٍ شامِلٌ لجميعِ تعالِيمِ الحياة، صالِحٌ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، وفي أحكامِه استِقامةُ أمرِ الدنيا والآخرة وسعادةُ البشريَّة، يدعُو بالسلامِ إلى الإسلام، ويكفُلُ الرحمةَ بين الخلق، ويَهدِي في كل أمرٍ للتِي هي أقوَم، مَن تمسَّك به فازَ وعزَّ ونالَ رِضَا المولَى.

 

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 208].

 

باركَ الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ العظيم، أقولُ قولِي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميعِ المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له تعظِيمًا لشأنِه، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابِه، وسلَّمَ تسليمًا مزيدًا.

 

أيُّها المسلمون: العلمُ بأسماءِ الله وصِفاتِه أشرفُ العلوم، وبه محبَّةُ الله وتعظيمُه وخشيتُه ورجاؤُه، وكلما زادَ علمُ العبدِ بذلك عظُمَ إقبالُه على الله، ولزِمَ أمرَه ونهيَه.

 

والعبوديَّةُ بجميع أنواعِها راجِعةٌ إلى مُقتضَيَات أسماءِ الله وصِفاتِه، وغايةُ السعادة ونَيلُ الدرجات العالِيَة في السَّير إلى الله مِن هذا الطريقِ، وهو -سبحانه- يُحبُّ أسماءَه وصِفاتِه، ويُحبُّ ظُهورَ آثارِها ومُقتضاها في خلقِه.

 

ثم اعلَموا أنَّ الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَمِ التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)  [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانُوا يعدِلُون: أبي بكرٍ، وعُمرَ، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرَم الأكرَمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائِرَ بلاد المُسلمين.

 

اللهم أصلِح أحوالَ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم اجعَل دِيارَهم دِيارَ أمنٍ ورخاءٍ يا قويُّ يا عزيزُ.

اللهم انصُر جُنودَنا، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على العدوِّ يا قويُّ يا عزيزُ.

 

اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميعَ وُلاة أمورِ المسلمين للعمَلِ بكتابِك وتحكيمِ شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

 

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكُروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُرُوه على آلائِه ونِعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلَمُ ما تصنَعون.

 

المرفقات
اسم-الله-تعالى-السلام-ومقتضياته.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life