عناصر الخطبة
1/ فضائل شهر رمضان 2/ وظائف هذا الشهر وأعماله 3/خطورة تضييع رمضان 4/ الحث على تعلم فقه الصيام 5/ أهمية اغتنام أيام البراهداف الخطبة
اقتباس
إن بلوغ رمضان نعمة كبرى، ومنّة عظمى، جدير بالمسلم أن يدعو الله بها ويحمدَه عليها، ويسألَه التوفيق لشكرها، جدير بالمسلم – كي يستشعر عظيم فضل الله عليه، وكبير منته عليه - أن يتذكّر إخوة له تمنّوا لقاء رمضان فعاجلهم الأجل وما يلقوه، وأدركهم الموت وما يحيوه، جدير بالمسلم أن يتذكّر إخوة له على الأَسِرّة مرضى - شفاهم الله - تمنعهم الأمراض من الصيام والقيام.
الخطبة الأولى:
الحمد لله....
فها هو ذا الزمان يكمل دورتَه، وتمضي أيامه ولياليه سِراعًا تباعا، وبعد ساعات ترقب الأمة ضَيفًا عزيزًا، وشهرًا مباركًا كريمًا، خلّد الله ذكره في كتابه، وعظّمه وشرّفه بإنزال وحيه فيه وقرآنه، فقال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].
شهر يتمنى النبي - صلى الله عليه وسلم – لقاءه، ويدعو الله تعالى، يسأله وصوله وبلوغه، فيقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان".
يفرح بقدومه ويُبشِّر أصحابه، ويرشدنا أن نفرح ونستبشر فيقول: "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغلق فيه أبوب جهنم، وتُغلّ فيه مَرَدة الشياطين، لله فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم".
بلوغ رمضان نعمة كبرى، ومنة عظمى، جدير بالمسلم أن يدعو الله بها ويحمدَه عليها، ويسألَه التوفيق لشكرها، جدير بالمسلم – كي يستشعر عظيم فضل الله عليه، وكبير منته عليه - أن يتذكّر إخوة له تمنّوا لقاء رمضان فعاجلهم الأجل وما يلقوه، وأدركهم الموت وما يحيوه، جدير بالمسلم أن يتذكّر إخوة له على الأَسِرّة مرضى - شفاهم الله - تمنعهم الأمراض من الصيام والقيام.
رمضان شهر التوبة والصيام، والصلاة والقيام، شهر الجود والقرآن، والكرم والإحسان، شهر العفة والنقاء، والطهر والصفاء.
شهر التذلل والدموع، شهر التخلص من حظوظ النفس الموبقة، ونزغاتها المهلكة، شهر الراحة النفسية والمتعة الروحية.
في الحديث: "إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ، صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدَةُ الجن، وغُلِّقَت أبواب النيران فلم يُفتَح منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقْبِل، ويا باغي الشر أقْصِر، ولله عتقاءُ من النار، وذلك كُلَ ليلة..."
كم دخله من بعيد فقربه الله إليه، كم دخله من مسيء فتاب الله عليه، وكم دخله من محروم فوسع الله عليه.
هاهي أيام الخيرات قد أقبلت، وليالي البركات قد أسرعت، فهلا استقبلناها أحسن استقبال، هلا عقدنا العزم وبيتنا الصدق على استغلالها أحسن استغلال.
عباد الله، من أرادَ الصلاةَ تطهر لها، ومن أراد الصّيام والقيامَ وقَبول الدعاء، تطهر من أدرانِ الذنوب، وغسل قلبَه من أوحالِ المعاصي والعيوب.
جدير بنا أن نقدم بين يدي رمضان توبة نصوحًا، عربون صدق ومفتاح خير، لنيل خيراته، والفوز بفضله وإحسانه وبركاته، فما فاز بالخيرات إلا التائبون: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ....) [التحريم: 8].
ليتفكر كل فيما مضى من عمره، كيف ذهبت لذته، وبقيت تبعته وحسرته، نُسيت أفراحه وأتراحه، وبقيت حسناته وسيئاته، فالسعيد من بادر بالتوبة قبل الفوات وقبل الممات، قبل : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) [الزمر: 56]، واغتنموا أعماركم (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ) [المنافقون: 10].
عباد الله، فرض الله صيام رمضان علينا كما فرض الصيام على الأمم قبلنا، إيناسًا لنفوسنا، وبعثًا لروح المنافسة في الطاعة في قلوبنا، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 182 - 183].
فرض الله صيامه لنطهر نفوسنا من أدران الذنوب التي تشقيها، وتقعدُ بها إلى الأرض عن السمو إلى باريها، فرض الله صيامه عونًا لنفوسنا على التحلي بجمال التقوى، وجلال الأخلاق الفاضلة الحسنى، يقول تعالى: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26] .
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
رمضان شهر التحلي بالإخلاص لله تعالى والمران عليه، في كل الطاعات في سائر الأوقات، ففي الحديث القدسي، يقول الله عز وجل منوهًا بالصائم في إخلاصه، متكفلاً بثوابه وجزائه: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها".
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
رمضان شهر التحلي بالصبر والمران عليه، يربي في الصائم إرادة الامتناع عن شهواته وملذاته باختياره، إرادة قوية ثابتة، لا يَضِيرُها كيدُ الشيطان، ولا تستعبدها نزغات النفس والعصيان.. ففي الحديث: "الصوم جُنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقل: إني صائم، إني صائم".
وفي الحديث أيضًا: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
رمضان شهر القرآن الكريم، نور حياتنا وشفاء أسقامنا، وعزنا وشرفنا في دنيانا وأخرانا؛ "كان جبريل عليه السلام يأتي النبي – صلى الله عليه وسلم - كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن". كذلكم فاحرصوا على تلاوته، ومتّعوا النفوس والعقول بتدبره وتفهمه، وطهّروا القلوب والجوارح بعظاته وهدايته.
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
رمضان شهر القيام، والتذلل بين يدي الملك العلام، ففي الحديث: "مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". وفيه أيضًا: " من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له أجر قيام ليلة". فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، " من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه".
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
رمضان شهر الكرم والجود، والعطاء الحسن المحمود، "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن". وفي الحديث أيضًا: "من فطَّر صائمًا فله مثل أجره، من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء".
يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
رمضان شهر الدعاء، واللجأ إلى الله لجلب الخير ودفع الضر والبلاء، يدعو الله تعالى عباده لدعائه بين آيات الصيام، فيقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186] . فاجتهدوا وألحوا في الدعاء، وتعرضوا لما عند الله من واسع الخير وعظيم العطاء.
يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر.
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة: 185].
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله...
فإن مما يزيد الصيام حبًّا إلى قلوبنا طاعة لله وتعبدًا: معرفة ما ورد فيه من الفضل، وعظيم ما وعد الله عليه من الثواب والأجر.
الصيام كفارة ومغفرة لصغائر الذنوب، ففي الحديث: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه"، وفيه أيضا: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".
الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما يوم القيامة، ففي الحديث: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال فيشفعان".
الصيام سبب للسعادة في الدارين، ففي الحديث: "للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
للصائمين باب في الجنة لا يدخل منه أحد سواهم، ففي الحديث:" إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون، فيقومون فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد" رواه مسلم.
الصيام جُنّة ووقاية من النار، ففي الحديث: " إنما الصيام جُنّة يستجن بها العبد من النار" أحمد. وفي حديث آخر: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" أخرجه الشيخان.
ألا ما أعظم خسارة، من يدرك شهر رمضان، ثم لا يغنم الأجر فيه والمثوبة والغفران، "صعد النبي – صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، قيل يا رسول الله، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين، آمين، آمين، فقال: "إن جبريل - عليه السلام - أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفر له فدخل النار فأبعده الله. قل آمين. فقلت آمين" ابن حبان وابن خزيمة.
فالله الله عباد الله في الجد والاجتهاد في طاعة الله في رمضان، دون استثقالٍ لصيامه، واستطالة لقيامه، واستبطاءٍ لأيامه. اعرفوا لشهركم حرمته وفضله، أروا الله من أنفسكم خيرا، فبالجد فاز من فاز، وبالعزم جاز من جاز. تقول عائشة – رضي الله عنها – "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره".
تعلموا ما لا يصح صيامكم إلا به من فقهه وأحكامه، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
اللهم بلغنا رمضان، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبه وترضاه يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لنا ما سلف وكان، من الذنوب والخطايا والآثام، اللهم اجعله شهر عزٍ ونصرٍ وفرج للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم وأعنا فيه على الصيام والقيام، واجعلنا ممن يصومه ويقومه، ويقوم ليلة القدر فيه إيماناً واحتساباً.
اللهم بلغنا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، واجعلنا فيه من عتقائك من النار.
اللهم إنَّا نسألُك التوبة قبل الموتِ، والراحة بعد الموتِ، ونسألُكَ لذةَ النظرِ إلى وجهكَ الكريمِ، والشوقَ إلى لقائِكَ في غيِر ضراءَ مُضرة، ولا فتنةً مضلة. اللهم زينا بزينةِ الإيمانِ، واجعلنا هداةً مهتدين.
التعليقات