عناصر الخطبة
1/ شكر الإنسان لمن أحسن إليه 2/ كثرة النعم وأفضلها ووجوب شكرها 3/ لا يعرف قدر النعم إلا من فقدها 4/ كفران الإنسان للنعم وجحوده لها 5/ استنكار القرآن على من جحد نعم اللهاهداف الخطبة
اقتباس
عِنْدَمَا يُحْسِنُ إِلَيْنَا عَبْدٌ من عِبَادِ اللهِ -تعالى-، بإِسْدَاءِ مَعْرُوفٍ، أَوْ بِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ بِإِعَانَةٍ على أَمْرٍ من الأُمُورِ، فَإِنَّا لا نَعْرِفُ كَيْفَ نَشْكُرُهُ وَنَرُدُّ لَهُ الجَمِيلَ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ لَهُ: إِنِّي عَاجِزٌ عَن شُكْرِكَ، وَلَكَ فَضْلٌ عَلَيَّ لا أَنْسَاهُ مَا حَيِيتُ، أَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَجْزِيَكَ عَنِّي خَيْرَاً. هذا مَعَ عَبْدٍ من العِبَادِ، وفي أَمْرٍ قَد يَحْصُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ولا يَتَكَرَّرُ، فَكَيْفَ بِنَا مَعَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: عِنْدَمَا يُحْسِنُ إِلَيْنَا عَبْدٌ من عِبَادِ اللهِ -تعالى-، بإِسْدَاءِ مَعْرُوفٍ، أَوْ بِقَضَاءِ حَاجَةٍ، أَوْ بِإِعَانَةٍ على أَمْرٍ من الأُمُورِ، فَإِنَّا لا نَعْرِفُ كَيْفَ نَشْكُرُهُ وَنَرُدُّ لَهُ الجَمِيلَ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ لَهُ: إِنِّي عَاجِزٌ عَن شُكْرِكَ، وَلَكَ فَضْلٌ عَلَيَّ لا أَنْسَاهُ مَا حَيِيتُ، أَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَجْزِيَكَ عَنِّي خَيْرَاً.
هذا مَعَ عَبْدٍ من العِبَادِ، وفي أَمْرٍ قَد يَحْصُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ولا يَتَكَرَّرُ، فَكَيْفَ بِنَا مَعَ رَبِّ الأَرْبَابِ، مَعَ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ لِخِدْمَتِنَا، الذي يَقُولُ: (وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
والذي يَقُولُ: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) [لقمان: 20].
يا عباد الله: كَيْفَ يَكُونُ مَوْقِفُنَا مَعَ رَبِّ الأَرْبَابِ، ذِي الطَّوْلِ والإِنْعَامِ العَزِيزِ الوَهَّابِ، الذي أَكْرَمَنَا بِنِعْمَةِ الإِسْلامِ والإِيمَانِ، إِذْ بِهَا صَلاحُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ؟ قَالَ تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
يا عباد الله: لا سَبِيلَ لِعَدِّ وَحَصْرِ نِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَيْنَا، من النِّعَمِ نِعْمَةُ الأَمْنِ من الخَوْفِ، وَنِعْمَةُ الإِطْعَامِ من الجُوعِ، قَالَ تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش: 4].
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنَاً فِي سِرْبِهِ، مُعَافَىً فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" [رواه الترمذي عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ].
يا عباد الله: لَقَد كُنَّا نَتَقَلَّبُ في هذهِ النِّعَمِ، وَمَا كُنَّا نَعْرِفُ قَدْرَهَا حَتَّى فَقَدْنَاهَا.
من النِّعَمِ: نِعْمَةُ الحَوَاسِّ من سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَأَفْئِدَةٍ، قَالَ تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 36].
وَنَحْنُ وَبِكُلِّ أَسَفٍ، الكَثِيرُ مِنَّا لا يُقَدِّرُ هذهِ النِّعْمَةَ، ولا يَشْكُرُ اللهَ -تعالى- عَلَيْهَا، بَلْ يَصْرِفُهَا في مَعْصِيَةِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-.
من النِّعَمِ التي أَسْبَغَهَا اللهُ -تعالى- عَلَيْنَا: نِعْمَةُ الإِيجَادِ والإِمْدَادِ، قَالَ تعالى مُشِيرَاً إلى بَعْضِ هذهِ النِّعَمِ: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ * وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعَاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم: 20 - 25].
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعَمِهِ؟
يا عباد الله: هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ الإِيجَادِ والإِمْدَادِ؟
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ الزَّوْجَاتِ والأَزْوَاجِ؟
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ؟
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ اللِّسَانِ والنُّطْقِ؟
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ؟
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ المَاءِ؟
هَلْ شَكَرْنَا اللهَ -تعالى- على نِعْمَةِ المَوْتِ والبَعثِ والنُّشُورِ؟
يا عباد الله: الكَثِيرُ مَن عَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ الإِيجَادِ، وَبِنِعْمَةِ الأَزْوَاجِ، الكَثِيرُ مَن تَجَرَّأَ على مَعْصِيَةِ اللهِ -تعالى- في أَرْضِهِ وَتَحْتَ سَمَائِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- قَادِرٌ على خَسْفِ الأَرْضِ بِهِ، أَوْ إِنْزَالِ العَذَابِ عَلَيْهِ من السَّمَاءِ، قَالَ تعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك: 16 - 17].
يا عباد الله: الكَثِيرُ مِمَّنْ عَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ اللِّسَانِ فَنَطَقَ بِكَلِمَةِ الكُفْرِ، والسَّبِّ والشَّتْمِ واللَّعْنِ، والطَّعْنِ في دِينِ اللهِ -تعالى- والعِيَاذُ باللهِ -تعالى- والطَّعْنِ فِي سَلَفِ الأُمَّةِ.
والكَثِيرُ مِمَّنْ عَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ المَاءِ بالإِسْرَافِ، بَلْ تَجَرَّأَ البَعْضُ على مَنْعِهَا عَن عِبَادِ اللهِ -تعالى-، وهؤُلاءِ سَيُمنَعُونَ مِن فَضْلِ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ، إِذَا لَم يَتُوبُوا إِلى اللهِ -تعالى-.
والكَثِيرُ مِمَّنْ أَنْكَرَ البَعْثَ والنُّشُورَ، فَعَاثَ في الأَرْضِ جَوَّاً وَبَحْرَاً وَبَرَّاً فَسَادَاً وَإِفْسَادَاً.
يا عباد الله: واللهِ حَالُنَا عَجِيبٌ، عِنْدَمَا نَرَى إِنْسَانَاً أَحْسَنَ إِلَيْنَا رَأَيْنَا أَنْفُسَنَا صِغَارَاً أَمَامَ هذا العَبْدِ، وَاحْتَرْنَا كَيْفَ نُقَدِّمُ لَهُ الشُّكْرَ والثَّنَاءَ، أَمَّا مَعَ اللهِ -تعالى- تَرَى الكَثِيرَ قَد تَنَكَّرَ لِنِعَمِ اللهِ -تعالى- وَتَجَاهَلَهَا، وَنَــسِيَ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- هُوَ المُنْعِمُ، فَعَصَى اللهَ -تعالى- بِنِعْمَةِ اللهِ -تعالى-.
يا عباد الله: أَيْنَ المُقِرُّ بِأَنَّ اللهَ -تعالى- هُوَ المُنْعِمُ، فَقَابَلَ النِّعْمَةَ بالشُّكْرِ؟
يا عباد الله: لِنَسْمَعْ من اللهِ -تعالى- هذا الاسْتِفْهَامَ الإِنْكَارِيَّ، قَالَ تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) [النمل 60]؟
(أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل: 61]؟
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62]؟
(أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 63]؟
(أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [النمل: 64]؟
(قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) [النمل: 65]؟
يا عباد الله: مَن أَقَرَّ بِنِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْكُرَهُ ولا يَجْحَدَهُ.
كَفَانَا -يا عباد الله- ذُنُوبَاً وَإِعْرَاضَاً عَن اللهِ -تَبَارَكَ وتعالى-.
كَفَانَا سَفْكَاً للدِّمَاءِ، وَسَلْبَاً للأَمْوَالِ.
كَفَانَا نُكْرَانَاً لِنِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَيْنَا، وَلْنَكُنْ للهِ شَاكِرِينَ لا جَاحِدِينَ.
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بذلكَ، آمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات