عناصر الخطبة
1/الوقوع في الخطأ والذنب من طبيعة ابن آدم 2/أهمية المسارعة إلى الاستغفار والتوبة 3/خطورة الإصرار على المعاصي والمجاهرة بها 4/تعظيم الله تعالى واستغفاره.اقتباس
قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ ونُخطئُ، ومَشيئَةُ اللَّهِ فِينا أنَّنا نُقصِّرُ ونُسيءُ، فَكلُّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ، فلَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم ويَفْعَلُون ما يؤْمَرون. فَنحنُ مِن أَبٍ أَذْنَبَ وأَخطَأَ، ولِرَبِّهِ تَابَ واهتَدَى. فَالضَّعْفُ فِينا مَغروسٌ، تَضْعُفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله علاَّمِ الغيوب, أَشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له يعلمُ ما يلجُ في الأرضِ وما يخرجُ منها وما ينزلُ من السَّماءِ وما يعرجُ فيها وهو مَعَكُم أَينَما كُنتم واللهُ بما تَعملونَ بَصيرٌ، وأَشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ إمامُ التَّائِبينَ؛ صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليهِ وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ كانوا للهِ مُتَّقينَ.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: أوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تعالى- حَقَّ التَّقْوَى، وتَزَوَّدُوا فإنَّ خيرَ الزَّاد التَّقوى.
مَعاشِرَ المُسلمين: قَدَرُنا أنَّنا نُذنِبُ ونُخطئُ، ومَشيئَةُ اللَّهِ فِينا أنَّنا نُقصِّرُ ونُسيءُ، فَكلُّ بَني آدمَ خَطَّاءٌ، فلَم نكنْ يومًا ملائكةً لا يعْصونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم ويَفْعَلُون ما يؤْمَرون. فَنحنُ مِن أَبٍ أَذْنَبَ وأَخطَأَ، ولِرَبِّهِ تَابَ واهتَدَى. فَالضَّعْفُ فِينا مَغروسٌ، تَضْعُفُ نُفُوسُنا حِينًا، وتَعتَرِينا الغَفلَةُ زَمَناً طَويلاً.
مَنِ الَّذِي مَا سَاءَ قَطّْ *** وَمَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
في صحيح مُسلمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضِي الله عنْه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ".
فإذا أَدْرَكْنَا ذَلِكَ فَواجِبٌ عليْنا أنْ نَتَعَلَّم كَيفَ نَتَعَامَلُ معَ هذهِ الذُّنُوبِ والمَعاصِي؛ فلْنَتَعَلَّمْهَا وَلْنَعْمَلْ بِهَا، ولا يعني ما سَبَقَ التَّهوينُ مِن شَأنِ المَعصِيَةِ، أو تَسوِيغُها والتَّبرِيرُ لها، حتى لا نَجمَعَ حَشَفاً وسُوءَ كِيلَةٍ. وإلَّا فالسَّلامَةُ لا يُعادِلُها شيءٌ.
فإذا عَصَيْتَ اللهَ -تعالى-؛ فَبَادِر بَعدَ كُلِّ خَطيئَةٍ بالتَّوبَةِ والاستِغفارِ مهما قَلَّ ذَنُّبكَ أو عَظُمَ، مهما ابتَعدَّتَ عن اللهِ, فَأَصلِحَ ما أَفسَدَتْهُ جَوارِحُك بِدَوامِ الاستِغْفارِ، ولا تَيْأسْ ولا تَمَلَّ، فهذا أمْرُ اللهِ لَكَ, وطَلَبَهُ مِنكَ. قالَ اللهُ -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 134].
يَا عَبْدَ اللهِ: لا تَسْتَصْغِرْ أَيَّ ذَنبٍ، ولا تُهوِّنَ مِن أيِّ مَعصِيَةٍ؛ فلا تَدري، لعلَّ ما احتَقَرْتَهُ يكونُ سَببًا لِشقَائِكَ في الدُّنيا والآخِرَةِ. فقد دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ، ورَجُلٌ مُجاهِدٌ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فِي قِطعَةِ خِرقَةٍ اغْتَلْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ.
قالَ أبو رَافِعٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: "هَلْ تَسْمَعُ الَّذِي أَسْمَعُ؟" فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! لاَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "هَذَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ فِي شَمْلَةٍ اغْتَلْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ".
وربَّ كَلِمَةٍ يَتَكَلَّمُ بها الْعَبْدُ مِنْ سَخَطِ اللهِ لاَ يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ؛ فلا تنظُرْ إلى صِغَر المَعصِيةِ، وانْظُر إلى عَظَمَةِ مَن عَصَيتَ. ولذا حذَّرَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بِبَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى جَمَعُوا مَا أَنْضَجَ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذُهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكُهُ"(رواه أحمدُ، وحسَّنه ابن حجر).
فاللهمَّ استُرنا فوقَ الأرضِ وتحتَ الأرضِ ويومَ العرضِ. الَّلهمَّ اغفر لنا ذُنُوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا وكَفِّرْ عنَّا سَيِّئاتِنا وتَوفَّنا مع الأبرارِ. فاستَغفروا اللهَ يا مؤمنونَ وتُوبُوا إليهِ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رحيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، وَأَشهدُ أنْ لا إله إلاَّ اللهُ وحدَه لا شَريكَ لَهُ، َوأَشهَدُ أنَّ َنَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ, صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى جميعِ الصَّحبِ وَالآلِ, ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المآلِ.
أمَّا بعدُ: فَأُوصِيكم ونَفسي بِتقوَى اللهِ وتَعظِيمهِ، ولا تَكُونُوا مِمَّن استَحوَذَ عليهم الشَّيطانُ فَأنسَاهُم ذِكرَ اللهِ.
يَا عَبْدَ اللهِ: إيَّايَ وإيَّاكَ من المُجاهَرَةِ بِالعِصْيَانِ؛ فَمَا ظَلَمَ عَبدٌ نَفْسَهُ، بِمثِلِ تَفاخُرِهِ ونَشرِهِ لِلآثَامِ، فَفي الصَّحيحينِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ".
عبادَ اللهِ: ادْفَعُوا الخَطايا بِالإكثارِ من الحَسَنَاتِ؛ فإِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، لَكَ أنْ تَتَصَوَّرَ الأمَلَ الكبيرَ الذي فَتَحَهُ لَنَا نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حينَ جَاءَهُ رَجُلٌ وقَدْ أَصَابَ مِنْ امْرَأةٍ لَمْسَةً مُحَرَّمَةً فَتَلاَ عَلَيْهِ: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود:114]. فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا لَهُ خَاصَّةً يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً"(رواه مسلم).
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: خَرَجْنَا بِالأَمْسِ نَسْتَسْقِي رَبَّنَا, ألا فلتعلموا أَنَّ مِنْ أَسْبَابِ نُزُولِ القَطْرِ مِنَ السَّمَاءِ, الإكْثَارُ مِن التَّوبَةِ والاسْتِغْفَارِ فَلازِمُوهُ لَيلاً وَنَهَاراً, سِرَّاً وَجِهَارًا: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النمل:46]، بَابُ رَحْمَةِ اللهِ كَثْرَةُ اسْتِغْفَارِهِ؛ فَاللهُ -تعالى- يَقُولُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال:33].
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً"(رَواهُ البخَارِيُّ). وَإذَا كَثُرَ اسْتِغَفَارُ النَّاسِ، وَعَمَّ أَفْرَادَهَا، وَصَدَرَ عَنْ قُلُوبٍ مُوقِنَةٍ مُخْلِصَةٍ، دَفَعَ اللهُ عَنْها البَلاءَ وَالنِّقَمَ.
عبادَ اللهِ: عَظِّموا اللهَ بِقُلُوبكم وجوارِحكُم, واقدُرُوهُ حقَّ قَدرِهِ, وَارفَعُوا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إلى اللهِ وادْعُوهُ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجَابَةِ؛ فاللهم إنَّا نحمدك ونُثني عليك بأنَّك أنتَ اللهُ لا إله إلا أنتَ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم.
"اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا"؛ "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ, وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ, وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ"، "اللَّهُمَّ أَنْتَ الْغَنِيُّ، وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ"، "اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ، إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَق".
(ربَّنا ظَلمْنَا أَنفُسَنا وإنْ لَم تَغفِرْ لَنا وَتَرْحمْنا لَنَكُونَنَّ مِن الخَاسِرينَ)[الأعراف:23]، (ربَّنا آتِنا فِي الدُّنيا حَسَنَةً وفي الآخرةِ حَسَنَةً وقِنا عَذابَ النَّارِ)[البقرة:201]، (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45] .
التعليقات