عناصر الخطبة
1/اختبار الساعة الخامسة 2/ اختبار صلاة الفجر 3/عقوبة تارك الصلاة في قبره 4/المحافظة على صلاة الفجر 5/من عجائب أحداث صلاة الفجر.اقتباس
لقد أدركَ الصالحونَ الأولونَ قيمةَ هذه الصلاةِ، فما ضيَّعوها، وما تخيلُوا أصلاً أن يضيعَها مسلمٌ، ولذا لم تكن أعمالُهم تبدأُ في السابعةِ صباحاً، إنما كانت أعمالهُم مرتبطةً بصلاةِ الصبحِ. وتأملوا هذا الموقفَ العجيبَ؛ فهذا أنسُ بنُ مالكٍ.....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فهل أنتَ مستعدٌّ لاختبارِ الساعةِ الخامسةِ؟! إنه اختبارٌ وضعَه اللهُ -سبحانَه- كلَّ يومٍ؛ ليُعْلَمَ فيه الكاذبُ من الصادقِ. أتدرون ما هو؟! إنه اختبارُ صلاةِ الفجرِ.
صلاةُ الفجرِ التي ضيَعها كثيرٌ من الشبابِ سهرًا وكسلاً، بينما تراهم يقومونَ بعدها بساعتينِ لمدارسِهم وأعمالِهم: (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم:59]. أتدري ما الغيُ؟! الغيُ وادٍ في جهنمَ خبيثُ الطعمِ.
يا ولديَ الغالي، أيُّها الشابُّ الحبيبُ، يا قرةَ عينِ والديهِ: هل تعلمُ كيفَ يُعذَّبُ تاركُ الصلاةِ في قبرِه قبلَ يومِ القيامةِ؟ جاءَ في صحيحِ البخاريِ رؤْيَا مخيفةٌ رآها -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالَ: "إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ، فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الْحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ، فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى. قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ! مَا هَذَانِ؟ قَالا لِي: فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ".
فيا مُضيِّعًا للصلاةِ: هل تعلمُ أن مضيعَ الصلاةِ مجرمٌ مع المجرمينَ في جهنمَ، أتدري أن أصحابَ الجنةِ إذا دخلوها يَسألونَ عن أناسٍ يعرفونهم فقَدُوهم في الجنةِ، وإذ بهم يتفاجؤونَ أنهم في النارِ، فيسألونَهم: (يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ المُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلِّينَ)[المدثر:40-43].
أيُها المؤمنونَ: لقد أدركَ الصالحونَ الأولونَ قيمةَ هذه الصلاةِ، فما ضيَّعوها، وما تخيلُوا أصلاً أن يضيعَها مسلمٌ، ولذا لم تكن أعمالُهم تبدأُ في السابعةِ صباحاً، إنما كانت أعمالهُم مرتبطةً بصلاةِ الصبحِ.
وتأملوا هذا الموقفَ العجيبَ؛ فهذا أنسُ بنُ مالكٍ -رضي اللهُ عنه- يبكي حينما تَذَكّرَ فتحَ "تُسْتَرَ"، و"تُسْتَرُ" مدينةٌ فارسيةٌ حصينةٌ حاصرَها المسلمونَ أكثرَ من سنةٍ، ثم يسرَ اللهُ لهم فتحَها فتحاً مبيناً. لكنْ يا عجبًا: لماذا يَبكي أنسٌ -رضيَ اللهُ عنه-؟!
لقد فُتح بابُ حصنِ تُسْتَرَ قُبيلَ طلوعِ الفجرِ، ودارَ قتالٌ في منتهَى الضَراوةِ بين ثلاثينَ ألفِ مسلمٍ ومئةٍ وخمسينَ ألفِ فارسيٍّ كافرٍ، وكان الانتصارُ عندَ شروقِ الشمسِ! ولكنِ اكتشفَ المسلمونَ أن صلاةَ الفجرِ قد فاتَتْ في ذلكَ اليومِ المَهيبِ! وإذْ بأنسٍ يبكي لضياعِ صلاةِ فجرٍ لمرةٍ واحدةٍ في سنواتِه. يبكي وهو معذورٌ، وجيشُ المسلمينَ مشغولٌ، لكنَّ الذي ضاعَ شيءٌ عظيمٌ!. يقولُ أنسٌ: "وما تُسْتَرُ؟! لقد ضاعتْ مني صلاةُ الصبحِ، وَمَا يَسُرُّنِي بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"(صحيح البخاري ٢/١٥).
فإذا كانتْ الصلاةُ أعظمَ أسبابِ النصرِ، فباللهِ عليكم! كيفَ ينصرُ اللهُ قوماً فرَّطُوا في صلاةِ الفجرِ؟! (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[الحج: 41].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الهادي لأقومِ سبيلٍ، والصلاةُ والسلامُ على المؤيدِ بالتنزيلِ.
أما بعدُ: فمن عجائبِ أحداثِ صلاةِ الفجرِ: أن إهلاكَ الظالمينَ يكون غالبًا عند الصباحِ؛ فانظرُوا إلى إهلاكِ قومِ لوطٍ متى كانَ؟!: (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)[هود:81]. وهلكتْ عادٌ بالريحِ صباحًا: (فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)[الأحقاف:25]، وعندَ الصباحِ نجَا موسى وقومُه المصلونَ، وهلكَ فرعونُ وقومُه المجرمونَ: (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)[الشعراء:60].
والسؤالُ: أليس اللهُ -عزَ وجلَ- قادراً على إهلاكِهم في أيِ وقتٍ؛ فلماذا هذا التوقيتُ بالذاتِ؟!
والجوابُ: أن وقتَ الصبحِ هو وقتُ التمكينِ الأقوى، وسيظلُ هو وقتُ التمكينِ إلى اللحظاتِ الأخيرةِ من عمرِ الأرضِ، إلى زمنِ الجيلِ الذي يستحقُّ استقبالَ عيسى المسيحِ -عليهِ السلامُ؛ لأنه جيلٌ يحافظُ على صلاةِ الفجرِ. فقد قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلكم الجيلِ: "فَبَيْنَمَا إِمَامُهُمْ قَدْ تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبْحَ؛ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لاَ؛ إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ؛ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الأُمَّةَ"(رواه مسلم)؛ فيا لَعظمةِ الصلاةِ! فإنها مربوطةٌ بلحظاتِ التغييرِ والتمكينِ والعزةِ.
فاللهم اجعلنا وأهلِينا من المقيمينَ للصلاةِ. رَبَّنا اجْعَلْنا مُقِيمِينَ للصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّاتِنا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ. اللهم أصلح الشبابَ والفتياتِ، للمحافظةِ على الصلواتِ.
اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللهم احفظْ بلادَنا وبلادَ المسلمينَ.
اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ مَا لَا نشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ ارْفَعْ واكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفْهُ غَيْرُكَ.
إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَينا فَلا نُبَالِي غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لَنَا. اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات