عناصر الخطبة
1/اجتناب مجالسة العاصين دليل على نور البصيرة 2/وجوب إنكار المنكر عند الاستطاعة 3/مجالسة أهل الباطل هو تكثير لسوادهم وتشريع لهم 4/التحذير من المجاهرة بالمعاصياقتباس
ومن حضر مجالس المنكر استئناسًا بهم وفرحًا بأفعالهم أو رَضِيَهَا أو دعا إليها أو أيَّدَها أو أيَّدَ المواقعَ العنكبوتيةَ المشبوهةَ والصفحاتِ الخبيثةَ والمواقعَ الإباحيةَ والمواقعَ المعاديةَ لديننا وعقيدتنا وأخلاقنا وبلادنا وَمَهَرَ لها علامةَ الرضا والتأييد -فقد كثَّر في سوادهم، وصار من عدادهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا يوافي نعمَه وعطاياه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصَفِيُّه ونجيه ووليه ورضيه ومجتباه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً دائمةً ما انفلق صبحٌ وأشرق ضياءٌ.
أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا اللهَ بالسعي إلى مراضيه واجتناب معاصيه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها المسلمون: النأيُ عن مجالَسَة العصاة ومفارقتهم ومجانبة ساحتهم واعتزال أماكنهم والانكفاف عن صحبتهم واجتناب السفر معهم -دليلُ صحةِ النظرِ ونورِ البصيرةِ:
إِنَّ السَّلَامَةَ مِنْ لَيْلَى وَجَارَتِهَا *** أَلَّا تَمُرَّ بِوَادٍ مِنْ بَوَادِيهَا
والقلوب ضعيفة، والشُّبَهُ خطَّافة، والفتن تموج، وذو البصيرة يجتنب مجالسة من يُمرضون القلوبَ ويفسدون الإيمانَ، ويحذر من مصاحبة المفتونين الزائغين عن السُّنَّة، والمائلين عن الفضيلة والحشمة وأخلاق المسلمين:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَسْقَمْ وَصَاحَبْتَ مُسْقَمَا *** وَكُنْتَ لَهُ خِدْنًا فَأَنْتَ سَقِيمُ
ومن جلس مجلسَ قوم وفيه معصية أو بدعة وجَب عليه أن يُنكر عليهم بالحكمة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، والدليل الموضِّح للحق المزيل للشبهة، فإن قَدَرَ أن يُنكر ولم ينكر كان شريكا في الوِزْر، وإن عجز عن الإنكار عليهم وجب عليه أن يفارق مجلسهم؛ لأن المجالسة والمداخلة تُوجبان الألفةَ والمتابعةَ، والإغضاء عن المنكر والمودة في القلوب، وقد لا تخطئه الفتنة، قال عمر بن قيس: "لا تُجَالِسْ صاحبَ زيغ فيزيغ قلبك"، قال جل في علاه: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[النِّسَاءِ: 140]، قال الطبري: "وفي هذه الآية الدلالةُ الواضحةُ عن النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع، من المبتَدِعَة والفَسَقَة عند خوضهم في باطلهم"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لا يجوز لأحد أن يحضر مجالسَ المنكر باختياره لغير ضرورة"، كما في الحديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُشرب عليها الخمرُ".
وَرُفِعَ لعمر بن عبد العزيز قوم يشربون الخمر، فأمر بجلدهم، فقيل له: إن فيهم صائما، فقال: "ابدؤوا به، أما سمعتم اللهَ يقول: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ)[النِّسَاءِ: 140]"، بيَّن عمرُ بن عبدِ العزيزِ -رضي الله عنه- أن الله جعل حاضر المنكر كفاعله، ولهذا قال العلماء: "إذا دُعِيَ إلى وليمة فيها منكر كالخمر والزمر لم يجز حضورها؛ وذلك أن الله -تعالى- قد أمرنا بإنكار المنكر بحسب الإمكان، فمن حضر باختياره ولم ينكر فقد عصى الله ورسوله بترك ما أمره، وإذا كان كذلك فهذا الذي يحضر مجالس الخمر باختياره من غير ضرورة ولا ينكر المنكر كما أمره الله هو شريك الفساق في فسقهم، فيلحق بهم"، انتهى كلامه -رحمه الله تعالى-.
أيها المسلمون: لا تُكْثِرُوا سوادَ أهل البدع والباطل والمعصية، ولا تكونوا -يومًا- في عديد أصحاب الفتنة والمفسدين، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يُكثرون سوادَ المشركين على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيأتي السهمُ فيُرمى فيصيب أحدَهم فيقتله، أو يضربه فيقتله، فأنزل الله -تعالى-: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ)[النَّحْلِ: 28]، (أخرجه البخاري).
ومن حضر مجالس المنكر استئناسًا بهم وفرحًا بأفعالهم أو رَضِيَهَا أو دعا إليها أو أيَّدَها أو أيَّدَ المواقعَ العنكبوتيةَ المشبوهةَ والصفحاتِ الخبيثةَ والمواقعَ الإباحيةَ والمواقعَ المعاديةَ لديننا وعقيدتنا وأخلاقنا وبلادنا وَمَهَرَ لها علامةَ الرضا والتأييد فقد كثَّر في سوادهم، وصار من عدادهم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه كان للأوابين غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله آوَى مَنْ إلى لُطْفه أوى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، داوى بإنعامه مَنْ يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى عليه وعلى آله وأصحابه، صلاة تَرْقَى وسلاما يَتْرَى.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبُوه وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].
أيها المسلمون: لا تجاهروا بالمعاصي، لا تجاهروا بالمعاصي، ولا تستحلوا ما حرَّم اللهُ -تعالى-، ولا تغترُّوا بفتاوى المتساهلين، وأنصاف المتفقهين الذين يُفتون بلا إيقان ولا إتقان، ويميلون إلى طرف الانحلال بدعوى التيسير والوسطية والاعتدال، ومن أظهر المعصيةَ وجاهَر بها فقد أغضب ربَّه، فقد أغضب ربَّه، وهتك سترَه، واستخف بعقوبته، وآذى عباد الله المؤمنين، فاتقوا الله -يا أهل الإسلام-، فاتقوا الله -يا أهل الإسلام-، ولا تغتروا بالنعماء والرخاء، ولا تستعينوا بالعطايا على الخطايا، ولا تجاهروا بالعصيان، وقد أنعم الله عليكم بعيش رخيّ، وشراب رضيّ، والناس من حولكم يقتلهم الجوعُ الأغبرُ، والموتُ الأحمرُ.
وصلُّوا وسلِّمُوا على أحمد الهادي شفيع الورى طُرًّا، فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل بلاد المسلمين آمنة مطمئنة مستقرة يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين يا رب العالمين.
اللهم انصر جنودنا المرابطين المجاهدين على ثغورنا وحدودنا يا رب العالمين، اللهم احفظ رجال أمننا، اللهم احفظ رجال أمننا، واجزهم خير الجزاء وأوفاه يا رب العالمين، اللهم اشف مرضانا وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وفك أسرانا، وانصرنا على من عادانا، اللهم اجعل دعاءنا مسموعا، ونداءنا مرفوعا، يا كريم يا عظيم، يا رحيم.
التعليقات