عناصر الخطبة
1/من نعم الله إكمال الدين وإتمامه 2/النهي عن الابتداع في الدين 3/الاحتفال بالمولد بدعة 4/مناقشة أقوال المجيزين للاحتفال بالمولداقتباس
كَيْفَ يَعْمَلُونَ الْمَوْلِدَ بالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ لِأَجْلِ مَوْلِدِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ– في شهرِ ربيعٍ الأولِ، وَهُوَ الشهرُ الذي فُجِعَتْ الْأُمَّةُ بوفاتهِ فيهِ؟! فَعَلَى هَذَا كَانَ يَتَعَيَّنُ الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ الْكَثِيرُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَالْتَزَمُوهُ لَكَانَ أَيْضًا بِدْعَةً...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا بِكِتَابِهِ إلَى سُبُلِ الْهُدَى وَمَنَاهِجِ الصَّوَابِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الْأَرْبَابِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْحِكْمَةِ وَفَصْلِ الْخِطَابِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّم عَلَيْهِ إلَى يَوْمِ الْمَآبِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْمَلَ لَنَا دِينَنَا وَأَتَمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ، وَرَضِيَ لَنَا الْإِسْلَامَ دِينًا، وَأَمَرَنَا بأَمْرٍ فَصْلٍ فَقَالَ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعام: 153]، قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ"(رواه أحمد).
وقالَ ابنُ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهُما-: "كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ وإنْ رآها الناسُ حسنةً"، وكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ -رحمهُ اللهُ- لرَجُلٍ يَسْأَلُهُ عن بِدْعةٍ: "أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالاِقْتِصَادِ فِي أَمْرِهِ، وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَتَرْكِ مَا أَحْدَثَ الْمُحْدِثُونَ بَعْدَ مَا جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ"(رواهُ أبو داودَ)، وقالَ الإمامُ مالكٌ -رحمهُ اللهُ-: "مَن ابتدعَ في الإسلامِ بدعةً يراها حَسَنةً فقد زعمَ أنَّ محمداً خانَ الرسالةَ؛ لأنَّ اللهَ يقولُ: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)[المائدة: 3]، فما لَم يكنْ يومئذٍ دِيناً فلا يكونُ اليومَ دِيناً".
وقدْ يقولُ مَن يُهوِّنُ مِن شأنِ البدعِ: إنَّ الذي يأتيْ بالبدعةِ متقرِّباً بها إلى اللهِ قصدُه حَسَنٌ، فيكونُ فعلُه محموداً بهذا الاعتبارِ، والجوابُ: أنَّه لا بدَّ مع حُسنِ القصدِ أن يكونَ العملُ موافقاً للسُّنَّةِ، وهو أحدُ الشرطينِ لقبولِ العملِ، وهما الإخلاصُ للهِ، والمتابعةُ لرسولِ اللهِ، لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الحديثِ المتفَقِ عليهِ: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"، ومِمَّا يدلُّ على أنَّه لا بدَّ مع حُسنِ القصدِ من موافقةِ السُّنَّةِ، قصةُ الذي ذبحَ أُضحيتَه قبلَ صلاةِ العيدِ، فقالَ له النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شاتُك شاةُ لحمٍ"، "فالعملُ -وإن وافقَ نيةً حسنةً- لَم يصحَ إلاَّ إذا وقعَ على وُفْقِ الشرعِ"(فتح الباري).
والعباداتُ لا مجالَ للرأيِ فيها، بل لا بدَ أن يكونَ المشرِّعُ لها هوَ اللهُ -سبحانَه وتعالَى-: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)[الأنعام: 50]، والابتداعُ في الحقيقةِ يُناقِضُ الاتباعَ الذي أمرَ اللهُ به رسولَه والمؤمنينَ، والبدعةُ أحبُ للشيطانِ من المعصيةِ؛ لأن المبتدعَ يرَى صلاحَ نفسهِ وعملهِ، والعاصي يرَى أنه مخطئٌ.
وما أكثرَ ظُلُماتِ البدعِ عند ضعفِ نورِ العلمِ والإيمانِ!، ومن هذه البدعِ المُظْلِمَةِ المُنْكَرَةِ ما يُقيمهُ بعضُ الجُهالِ من بدعةِ الاحتفالِ بمولدِ النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وسببُ كونِ هذا الاحتفالِ بدعةٌ محرمةٌ منكرةٌ: أن السلفَ الصالحَ -وهم أشدُّ حبًّا وتعظيمًا واتباعًا- لم يكونُوا يزيدونَ منَ الأعمالِ في يومِ ولادةِ النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على سائرِ الأيامِ، ولو فعلُوا لنُقِلَ إلينا؛ إذ لا يأتيْ آخرُ هذهِ الأمةِ بأهدَى مما أتَى به أولُها، كما أن تلكَ المَوالدَ فيها إطراءٌ ومبالغةٌ في مدحِ الرسولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي قَالَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ"(رواهُ البخاريُ).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ أنَّ إخلاصَنا لربِنا، واتباعَنا لنبيِنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
أما بعدُ: فلأجلِ أن نعرفَ مدَى قُبحِ بدعةِ الاحتفالِ بالمولدِ، فلنتعرفْ على أولِ من ابتدَعَها، ألا وهمُ الدولةُ العبيديةُ بالقاهرةِ، والذين سَمَّوا أنفسَهم زوراً وكذباً بالفاطميينَ، وقد ابتدعُوها في القرنِ الرابعِ للهجرةِ، فلم تَعرفِ الأمةُ هذا المولدَ قبلَ هذهِ الدولةِ، فهل هيَ أهلٌ للاقتداءِ بها؟!.
ومن الردودِ على من ادعَى مشروعيتَها: ما قالهُ العالِمُ ابنُ الحاجِ المالكيُ: "والْعَجَبُ الْعَجِيبُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ الْمَوْلِدَ بالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ لِأَجْلِ مَوْلِدِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ– في شهرِ ربيعٍ الأولِ، وَهُوَ الشهرُ الذي فُجِعَتْ الْأُمَّةُ بوفاتهِ فيهِ؟! فَعَلَى هَذَا كَانَ يَتَعَيَّنُ الْبُكَاءُ وَالْحُزْنُ الْكَثِيرُ، مَعَ أَنَّهُمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَالْتَزَمُوهُ لَكَانَ أَيْضًا بِدْعَةً"(المدخل لابن الحاج مع تصرف يسير)، فلنحذرْ هذا الأسبوعَ من مشاهدةِ مَقاطعِهم وبرامجِ احتفالاتِهم.
ومنَ العجائبِ والعجائبُ جمةٌ أنّ المحتفِلينَ بالمولدِ يرمونَ المخالفينَ لهم بعدمِ محبةِ الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!، متناسِينَ بأنّ التعظيمَ والمحبةَ تكونُ بالاتباعِ لا الابتداعِ، وتتحقّقُ بالعملِ بسنّتهِ، وتقديمِ قولِهِ على كلِ قولٍ، وعدمِ ردِّ شيءٍ من أحاديثهِ.
فاللهم لكَ على الحمدُ على نعمةِ التوحيدِ والسنةِ، وجزى اللهُ خيرًا أسرةَ آلِ سعودٍ التي أقامتْ دولتَها على التوحيدِ والسنةِ، ورفعِ مقامِ العلماءِ الربانيينَ، لمناصرةِ دعوةِ الإمامِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ منذُ ثلاثةِ قرونٍ، فصِرْنَا –بحمدِ اللهِ- ندخلُ مساجدَنا ومقابرَنا، فلا نرَى علائمَ شركيةٍ أو بدعيةٍ، ولأجلِ هذا اعتمدتْ وزارةُ الشؤونِ الإسلاميةِ مشكورةً تخصيصَ خطبةِ اليومِ عما جرَى بيانُه.
فاللهم احفظنا بالتوحيدِ والسنةِ، واجنُبْنا وبَنِيْنا أن نعبدَ الأصنامَ، اللهم وفقْ وسددْ إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَ عهدِه الأمينِ، اللهم طهرْ بلادَ المسلمينَ من البِدعياتِ والشِركياتِ، اللهم واحفظْ بلادَنا وجنودَنا وحدودَنا، واخلفهُمْ في أهلِيهِم بخيرٍ، اللهم طهرِ المسجدَ الأقصَى وجنباتِهِ من رجسِ يهودَ، وافرُجْ كَرْبَ أهلِ غزةَ، ربَنا لا تجعلْنا فتنةً للقومِ الظالمينَ، وأصلحْ أحوالَنا وأحوالَ المسلمينَ.
اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات