اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيم أمره

عثمان بن جمعة ضميرية

2024-07-11 - 1446/01/05
عناصر الخطبة
1/فضائل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم 2/حقوق النبي صلى الله عليه وسلم 3/وجوب طاعة الرسول واتباعه والاقتداء بهديه 4/محبة النبي صلى الله عليه وسلم 5/كثرة الصلاة والسلام على رسول الله.

اقتباس

هذه أربعة من حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا: أولها: أن نؤمن به ونطيعه ونتَّبع سُنته. وثانيها: أن نُحبّه الحب الحقيقي الصادق، وندلل على ذلك بمتابعته والتمسك بهديه. وثالثها: أن نُعظّم أمره ونُوقّره. ورابعها: أن نُصلّي عليه ونسلم...

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: فإن الله -تعالى- قد امتنَّ علينا ببعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128]، وجعله الله -تعالى- سببًا للهداية من الضلال، وجعل سيرته العطرة نبراسًا للهدى ومعالم على الطريق، وبرهانَ التزام بالأمانة، وصدقًا في تحمُّل التبعات الجسام، ومنهج رشدٍ لا يزيغ عنه إلا هالك.

 

أيها المؤمنون: إن هذه النعمة التي أنعم الله -تعالى- بها على البشرية كلها ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- وبإنزال الوحي عليه، تستوجب علينا جملة من الحقوق لهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الكريم ينبغي أن نقوم بها؛ لنُدلّل بذلك على صدق إيماننا وعلى طاعتنا لله ومحبتنا لرسوله.

 

إن الله -تعالى- فرض علينا الإيمان بنبيه -صلى الله عليه وسلم- وتصديقه فيما أتى به فقال: (فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)[التغابن: 8]، والإيمان به -عليه السلام- هو تصديق بنبوته، وتصديقه في جميع ما جاء به، وهذا يُوجب علينا الطاعة التامة لنبيه التي قرنها الله -تعالى- بالطاعة لنفسه؛ فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ)[الأنفال: 20]، وقال: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)[النساء:80]، وما أرسل الله رسوله إلا ليُطاع فيما يأمر وينهى.

 

 وعندئذ يكون المؤمن المطيع مع الذين أنعم الله عليهم؛ (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النساء: 69].

 

وهذه الطاعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- تُوجب علينا اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه؛ فقد قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران: 31]. وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

 

ولذلك جعله الله -تعالى- الأسوة والقدوة الحسنة؛ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21].

 

وقد وردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- تأمرنا باتباع سُنته، وعدم مخالفة هديه؛ "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين".

 

 ومن هذه المشكاة جاء قول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "سَنَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وولاة الأمر من بعده سُننًا، الأخذ بها تصديق بكتاب الله واستعمال بطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، مَن اقتدى بها فهو مُهتدٍ، ومن انتصر بها فهو منصور، ومَن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولَّاه الله ما تولَّى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا".

 

أيها المسلمون: وإن من أوجب الواجبات علينا بعد الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وطاعته؛ أن نُحبه المحبة القلبية والعميقة التي ينشأ عنها الطاعة والالتزام بما جاء به، ولا يتم إيمان المرء إلا بهذه المحبة؛ فقد قال الله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[التوبة: 24].

 

ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"، وقال: "لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه"، ولهذه المحبة الصادقة ثوابها، فهي التي ترفع صاحبها ليكون في الجنة مع حبيبه؛ فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: "المرء مع من أحب". وعن أنسٍ أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: متى الساعة؟ قال: "ماذا أعددتَ لها؟"، قال: ما أعددتُ لها كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكنني أُحبّ الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببتَ".

 

وعلامة هذه المحبة الصادقة للرسول -عليه الصلاة والسلام- أن نُوافقه في كل ما جاء به، وأن نقتدي به وأن نهتدي بهديه وأن نتابعه ونتأدب بآدابه، وشاهد هذا كله قوله -تعالى-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[آل عمران: 31]. وتكتمل هذه العلامات على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمحبة أصحابه وآله وبالشفقة على أُمته والنصح لها.

 

وما وجدنا أحدًا يُحِبّ أحدًا كحُبّ أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- محمدًا، ولم يكن دليل صدقهم في حبّ النبي -صلى الله عليه وسلم- والإيمان به كلمات يتشدقون بها أو مجرد عاطفة تدعو أحيانًا إلى شيء من الغلو والانحراف، وإنما كان دليل صدقهم وإيمانهم ومحبتهم هو اتباعُهم لسُنته، واقتداؤهم وتأسيهم بكل الجوانب العقدية والتعبدية والأخلاقية للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله...

 

أيها المؤمنون: وإن واجبًا علينا -معشر المؤمنين- أن نُعظّم أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن نُوقِّره -عليه الصلاة والسلام-؛ (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)[الفتح: 9]، وألا نُقدِّم بين يديه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[الحجرات: 2- 3].

 

ولذلك كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يُعظّمون النبي -صلى الله عليه وسلم- ويُوقّرونه في خطابهم وفي معاملاتهم، وكانوا حوله وكأن على رؤوسهم الطير، يُنصتون له، ولا يحدّون النظر إليه؛ إجلالاً ومهابةً، وكان السلف يُعظّمون حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- وروايته، ويتمسكون به أشد التمسك، ويعتصمون بالسُّنة أشد الاعتصام وأقواه.

 

ويبقى من حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته حقّ رابع، وهو الصلاة والسلام عليه؛ فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]؛ فالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرض على الأمة غير محدَّد بوقت.

 

وقد تواردت أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك تعليمًا لأصحابه وأمرًا بذلك، وبيانًا للمَواطِن التي تُستحب فيها الصلاة أو تجب، كالصلاة عليه في التشهد ودعاء القنوت وصلاة الجنازة وفي خطبة الجمعة، وعند إجابة المؤذن، وعند الإقامة وعند الدعاء وعند دخول المسجد، وعند ذِكْر اسمه -عليه الصلاة والسلام-، وغير ذلك من المَواطِن الكثيرة التي تُشرع فيها الصلاة والسلام على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

وهذه الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها امتثال لأمر الله -تعالى- وموافقة لصلاته -سبحانه- على نبيه، وفيها رفع الدرجات وغفران الذنوب، وهي سبب استجابة الدعاء، وقد قال: "ما قعد قومًا مقعدًا لا يذكرون الله فيه، ولا يصلون على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم حسرة إلى يوم القيامة"، وقال: "مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشر صلوات، وحط عنه بها عشر سيئات، ورفعه بها عشر درجات".

 

وما أشد بُخل الذي يُذْكَر عنده النبي -صلى الله عليه وسلم- أو يَسمع ذِكْر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم لا يُصلِّي عليه.

 

فيا أيها المسلمون: هذه أربعة من حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا:

أولها: أن نؤمن به ونطيعه ونتَّبع سُنته.

وثانيها: أن نُحبّه الحب الحقيقي الصادق، وندلل على ذلك بمتابعته والتمسك بهديه.

وثالثها: أن نُعظّم أمره ونُوقّره.

 

ورابعها: أن نُصلّي عليه ونسلم، فخذوا أنفسكم بها لتكون سبيلاً لكم إلى جنة ربكم وشفاعة نبيكم.

 

فاللهم صلِّ وسلم وبارك على نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وشفِّعه فينا واسقنا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدًا يا رب العالمين.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life