عناصر الخطبة
1/ العبادات وأثرها في حسن الصلة بالله تعالى 2/ أعمال تماثل الصيام والقيام 3/ كراهية انقطاع العبد عن العمل الصالح الذي اعتاده 4/ أحوال الناس بعد رمضان 5/ بشريات الصائمين المقبولين 6/ كثرة الاستغفار في أعقاب مواسم الطاعاتاهداف الخطبة
اقتباس
اعلموا -وفّقني الله وإيّاكم- أنَّ الله -جل وعلا- يَتَحبَّبُ إلينا بمواسمِ الخير لرفعةِ درجاتِنا وزيادةِ حسناتِنا وتكفير سيِّئاتِنا وتهذيبِ أرواحنا، نعم لقد ودَّعنا رمضانَ، ولكنَّ المؤمنَ لن يودّعَ الطاعةَ والعبادةَ، بل سيوثِّق العهدَ مع ربِّه، ويُقوِّيَ الصلةَ بخالقه ليبقى نبعُ الخيرِ مستمراً, أمَّا أولئك الذين يَنقُضونَ عهدَ اللهِ، ويَهجُرونَ المساجد مع أول أيام العيد فَبِئْسَ القومُ أولئكَ, نَعوذُ باللهِ من حالِهم..
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي المنِّ والعطاءِ، نحمدُه على الإحسان والنَّعماءِ، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ لَهُ, شرَّفَنَا بالإسلامِ، وَتَابَع علينا الإنعَامَ، تَفَضَّل على التَّائبينَ والصَّائِمينَ بالعفو والغُفرانِ, ونشهدُ أنَّ نبينَا محمداً عبدُ الله ورسوله, إمامُ الحُنَفَاءِ، وسيِّدُ الأَصفِيَاءِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله الأتقياء، وأصحابِهِ الأوفياءِ، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ وإيمانٍ ما دامتِ الأرضُ والسماءُ.
أمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ يا مُسلمونَ، فالتَّقوى أكرمُ ما أَسرَرتُم وأَبَهى ما أَظْهَرتُم. هي أربَحُ بِضاعَةٍ، فاستقيموا على الخيرِ والطَّاعةِ, إلى أنْ تَقومَ السَّاعةُ.
هنيئًا لِمَنْ وُفِّق للصِّيامِ والقِيامِ، هَنِيئًا للصَّائِمينَ هنيئًا للتَّائبينَ, هَنِيئاً لَنا بِقولِ نبيِّنا-صلى الله عليه وسلم-:«مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّمَ من ذَنبِّهِ». وقُلُوبُنا بينَ خَوفٍ وَرَجَاءٍ، وألسِنتُنا تَلْهَجُ بالدُّعاءِ أنْ يتقبَّلَ اللهُ منَّا, وإنَّما يتقبلُ اللهُ من المُتَقينَ.
أيُّها المؤمنونَ: يَمتَازُ دِينُنا أنَّهُ دَائِمُ الصِّلَةِ باللهِ تعالى, لا يَنفكُّ المُسلِمُ عن ربِّهِ بِمُجَرَّدِ ذَهَابِ شَعِيرةٍ أدَّاها، بل يَظَلُّ الإسلامُ مُلازماً لكَ في كلِّ أوقاتِكَ وأحوالِكَ، في بيتِكَ وسُوقِكَ وعمَلِكَ، في شعبانَ ورمضانَ وشوالَ وكلِّ زمانٍ ومَكَانٍ. (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
بينما لو تأمَّلتَ دِياناتِ أخرى لوجدتَ أنَّ شَعَائِرَهم مُجرَّدَ طُقُوسٍ جَوفاءَ! لا تَصِلُ العَبْدَ بِخَالِقِهِ، ولا تُوجِدُ لهُ سَعَادَةً ولا طُمأنِينَةً! من هنا انتَقَلَت عبودِيَّتُنا لله تعالى مِنَ التَّكلِيفِ إلى التَّشريفِ! (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 98- 99].
ولمَّا قالَ اللهُ تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185]، قالَ العلماءُ: أي تَشكرونَ اللهَ عندَ إتمامِ الصِّيامِ وتَوفِيقِهِ وَتَسهِيلِهِ, وعلى ما منَّ به علينا من مَواسمِ الطاعات، فمن شكَرَه زادَه كما قالَ رَبُّنا: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].
قال المفسِّرون: أي أزِيدُكم مِن طَاعَتِهِ. فالصلواتُ المفْرُوضَةُ مَثَلاً هي صِلةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ كُلَّ يومٍ ولَيلَةٍ، هي خَمْسٌ في الفِعلِ وخمسونَ في الثَّوابِ والأجرِ! وقُلْ مثلَ ذَلِكَ في سَائِرِ العِبَادَاتِ! بل بفضلِ اللهِ لم يَقِفِ الارتباطُ بالخالقِ بالفَرَائِضِ فحسبُ؛ حتى النَّوافِلَ واللهُ في الحديثِ القدسيِّ يقولُ: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ».
فأيُّ ارتباطٍ أعظمُ من ذلكَ بينَ مَخلُوقٍ ضَعيفٍ وخالِقِهِ العظيمِ؟! فاللهُ تعالى يحفظُ عليك سَمْعَكَ وَبَصَرَكَ وَيَدَكَ وَرِجلَكَ عن الحرامِ ويُعطِيَكَ سُؤْلَكَ ويُعِيذك من الشَّيطانِ الرَّجيمِ!
أيُّها المسلمونَ: لقد شَرَعَ لنا رَبُّنا أَعمَالاً بَقِيَّةَ العَامِ تُمَاثِلُ الصِّيامَ والقِيامَ: «فَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ».
وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
فهذان الحديثانِ وغيرِهِما يَدُلاَّنِ على سَعَةِ فضلِ اللهِ -تعالى-، وأنَّ هناكَ أعمالاً لها من الخيرِ مِثْلَ ما لِصيامِ رمضانَ وقيامِهِ! مع الإيمانِ بفرضيَّتِهِ والتزامِهِ.
فكانت تلكَ الأعمالُ دافعاً على الجِدِّ والاستمرارِ في العملِ, ولهذا كانَ من تَوجِيهَاتِ نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- أنْ قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ».
حتى كَرِهَ أهلُ العلمِ أن ينقَطِعُ العبدُ عن العملِ الصَّالِحِ الذي اعتادهُ؛ استنباطاً من ذَلِكَ, ومن حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حين قَالَ لهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ».
ولا شَكَّ أنَّ الدَّوامَ على العملِ الصَّالِحِ سِرٌّ من أَسرَارِ العُبُودِيَّةِ للهِ, وفيهِ عَدَمُ مِنَّةٍ بِالعمَلِ,وأنَّ المِنَّةَ للهِ تعالى أنْ وفَّقَكَ وشَرَّفكَ بِعِبَادَتِهِ!
فيا مَن صُمتم وأحسنتُم: لازِمُوا ما اعتَدُّتم عليهِ من الخيرِ في رَمَضَانُ ولا تَنْقَطِعُوا عنه، وَخُذُوا مِن العَمَل مَا تُطِيقُون واثبتوا عليه ولو كان قَليلاً؛ (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].
فالقليلُ الدَّائِمُ يَنْمُو ويزكو، والكثيرُ الشَّاقُّ يَنْقَطِعُ ولا يَدُومُ, وفي الحديثِ أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: «إنَّ الْمُنْبَتَّ لا أَرْضَاً قَطَعَ ولا ظَهْرَاً أَبْقَى». وَقَالَ قَتَادَةُ -رَحمَهُ اللهُ-: "من استطاعَ منكم ألاَّ يُبطِلَ عَمَلاً صَالِحَاً عَمِلَهُ بِعَمَلٍ سَيءٍ فَلْيفْعَلْ، ولا قُوَّةَ إلا باللهِ؛ فإنَّ الخَيرَ يَنْسَخُ الشَّرَّ، وإنَّ الشَّرَ يَنْسَخُ الخَيرَ، وإنَّ مِلاكَ الأَعمَالِ خَوَاتِيمُها".
بارك الله لنا جميعاً في القرآنِ والسُّنَّةِ، ونفعنا بما فيهما من البَيِّنَاتِ والحكمة، أقولُ ما سمعتم وأستغفرُ اللهَ فاستغفروه إنَّهُ هو الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله الكريمِ المنَّانِ، نشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لهُ (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرحمن: 29].
ونشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا وسَيِّدَنَا مُحمْدَاً عبدُ اللهِ ورسولُه، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ ما تعاقَبَ الزَّمانُ.
أمَّا بَعدُ: فعليكم بتقوى اللهِ سبحانه، ولزومِ طاعتِه في المَنشَطِ والمَكْرَهِ، والغَضَبِ والرِّضَا، ومنْ يَتِّقِ اللهَ يجعلْ له من أمرِهِ يُسرًا.
واعلموا -وفّقني الله وإيّاكم- أنَّ الله -جل وعلا- يَتَحبَّبُ إلينا بمواسمِ الخير لرفعةِ درجاتِنا وزيادةِ حسناتِنا وتكفير سيِّئاتِنا وتهذيبِ أرواحنا، نعم لقد ودَّعنا رمضانَ، ولكنَّ المؤمنَ لن يودّعَ الطاعةَ والعبادةَ، بل سيوثِّق العهدَ مع ربِّه، ويُقوِّيَ الصلةَ بخالقه ليبقى نبعُ الخيرِ مستمراً, أمَّا أولئك الذين يَنقُضونَ عهدَ اللهِ، ويَهجُرونَ المساجد مع أول أيام العيد، -وحاشك أن تكون منهم- فَبِئْسَ القومُ أولئكَ.
نَعوذُ باللهِ من حالِهم, لقد ارتدوا على أدبارهم، وَنَكَصُوا على أعقَابِهم، قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل: 92]. قالَ السَّعديُّ ما مفادُهُ: "فلا تَتَّصِفوا بِأَسوأِ الأَمثَالِ وأَقبَحِها وأَدَلِّها على سَفَهِ مُتَعَاطِيها، كَمَنْ تَغزِلُ صُوفاً قَوِيًّا فَإذَا استَحكَمَ وَتَمَّ نَقَضَتْهُ فَكَّكتْهُ! فَتَعِبَت في غَزْلِهِ ثُمَّ على نَقْضِهِ، ولمْ تَستَفِد سِوى الخَيبَةِ والعَناءِ ونَقْصِ الرَّأيِّ والعَقلِ".
أبشروا يا مَنْ صُمتُم وقَرَأتُم وَتَصَدَّقتم فلِعملِكم الصَّالحْ جَزَاءٌ في الدُّنيا وثوابٌ في الآخرةِ، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) [النحل: 97]. ففي ظلِّ طاعتِكم لله تُخبِتُ قُلُوبُكم وتنشرحُ صُدورُ َلمولاكم، وَيَحِلُّ بكم الأُنْسُ والاطمِئنانُ.
أَبْشِروا: فَثَوابُ طَاعَتكمِ ثَبَاتٌ في الدُّنيا عن مُضِلاَّتِ الفِتَنِ, وفي الآخِرَةِ خَتْمٌ على الإسلام! (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم: 27].
أَبشِروا: فَجَزاءُ عَمَلِكُم الصَّالِحُ مودَّةٌ في قُلُوبِ المُؤمِنِينَ قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96]. قال الشَّيخُ السَّعدِيُّ: "وهذا مِن نِعمَةِ اللهِ على عباده، الذين جَمَعوا بينَ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصّالِحِ، أنْ وَعدَهم مَحبَّةً ووِدَاداً في قُلوبِ أَوليائِه، وأهلِ السَّماءِ والأَرضِ، وإذا كانَ لَهم في القُلوبِ وُدٌّ تَيَسَّرَتْ لهم أمورُهم وحصلَ لهم من الخيراتِ ما حَصَلَ"، وَكُلُّكُم يَعلمُ يا رَعَاكُمُ: أنَّ اللهَ إذا أَحَبَّ عَبْدَا وَضَعَ لَهُ القَبُول ُفي الأَرضِ.
أبشروا أيها الصائمونَ: فجزاءُ عَمَلِكُم الصَّالِحِ تَفريجُ كُرُوبِكم وَتَيسِيرُ أُمُورِكم والرِّزقُ الواسعُ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 3- 4]. وفي الآخِرَةِ جَنَّةُ الخُلدِ ومُلْكٍ لا يَبْلَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) [الرعد: 29]، "حُسْنُ الذِّكرِ جزاءُ صِيَامِكُم وقِيامِكُم وعملِكُم الصَّالِحُ، قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا) [العنكبوت: 27].
فقد جمعَ اللهُ تعالى لإبراهيمَ -عليه السَّلامُ- بينَ سعادةِ الدنيا الموصولَةِ بسعادة الآخرة، فكان له في الدنيا الرِّزقُ الوَاسِعُ والثَّنَاءُ الجَمِيلُ والذِّكرُ الحسَنُ.
عباد اللهِ: لا قِيمَةَ لِطَاعةٍ دُونَ أن يكونَ لها أثرٌ مِنْ خَشيَةٍ أو تَقْوى! وما شُرعَ الصِّيامُ إلاَّ لِتَحقِيقِ التَّقوى! فَأينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا هُجرَ القُرآنُ، وضُيِّعَتِ الصَّلاةُ وانتُهكت المُحَرَّمَاتُ؟!
أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا أُكِلَ الرِّبَا، وأُخِذَت أَموالُ النَّاسِ بِالبَاطِلِ؟! وتَحَايَلَ المُسلِم في بَيعِهِ وشرائِهِ، وَكَذَبَ في لَيلِهِ وَنَهَارِهِ؟ أَينَ أَثَرُ رَمَضَانَ إذا عَقَّ الولَدُ والِدَيهِ, وأَسَاءَ الزَّوجُ لِزَوجَتِهِ وأَولاَدِهِ؟! هَل مِن شُكرِ اللهِ وإِتمَامِ الصِّيَامِ أنْ يُختمَ رَمَضَانُ بِرَقَصَاتِ شَعبِيَّةٍ وطَبلٍ ومِزمَارٍ؟!
فَيَا أَهْلَ الطَّاعَةِ والصِّيامِ: اللهُ –تعالى- لا يُرِيدُ منَّا عِبَادَاتٍ جَوفاءَ, وجُهداً ومَشَقَّةً وعَنَتاً، بَلْ طَلَبَ مِن وراءِ ذلكَ خَشْيَةً وتَقْوى واللهُ تعالى يقُولُ: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
أَيُّها الصَّائِمُونَ: اختِمُوا أعمَالَكُم بِكثَرَةِ الاستِغفَارِ, فَنِعمَ خِتَامُ الأَعمالِ الصَّالحةِ الاستغفَارُ, فَبِهِ نَطرُدُ الغَفْلَةَ والنِّسيانَ، وَنَمحو عنَّا شَوَائِبَ التَّقصِيرِ والغَفْلَةِ.
الاستغفارُ يَدْفعُ عنَّا الكِبرَ والإعجابَ بِأعمَالِنا، ويورِثُنا الشُّعُورَ بالتَّقصِيرِ، قال ابنُ القيم -رحمَهُ اللهُ-: "الرِّضا بالطَّاعَةِ من رُعُونَاتِ النَّفسِ وَحَمَاقَتِهَا، وأربابُ العَزَائِمِ والبَصَائِرِ أشدُّ ما يَكُونُونَ استغفَاراً عَقِبَ الطَّاعَاتِ، لِشُهُودِهم تَقصِيرَهُم فيها، وتركِهمُ القيامَ به للهِ كَمَا يَلِيقُ بِجَلالِهِ وكِبْرِيائِهِ".
فاللهم تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ, وتب علينا إنَّك أنت التَّوابُ الرحيمُ. اللهم اجعل مستقبلنا خيراً من ماضينا. اللهم إنَّا نسألكَ الثَّباتَ على الأمرِ والعزيمةَ على الرُّشدِ والغنيمةَ من كلِّ بِرٍ والسلامةَ َمن كلِّ إثم والفوزَ بالجنة والنجاةَ من النَّار.
اللهم ارزقنا الاستقامة على دِينِكَ اللهم وزدنا هدىً وصلاحاً وتوفيقَاً. اللهم اغفر لنا ولوالدينا وجميعِ المُسلِمينَ يا ربَّ العالمين.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ وأذلَّ الكفر والكافرينَ ودَمِّر أعداء الدِّينِ,وانصر إخواننا المجاهدينَ في سبيلكَ في كلِّ مكانٍ. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 204].
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ) [آل عمران: 8].
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [النحل: 90].
التعليقات