عناصر الخطبة
1/خبر أبي الدرداء وسلمان -رضي الله عنهما- 2/من أسباب إزهاق الأنفس 3/خمس عواقب لمن أزهق نفساً بحادث سير 4/من السبل المعينة على حفظ الأنفساقتباس
من أسبابِ الإعانةِ على إيذاءِ المسلمينَ، والاستهانةِ بأرواحِهم أن تُعطَى قيادةُ السياراتِ إلى صغارِ سنٍ أو صغارِ عقولٍ، لا يستطيعونَ التخلصَ في ساعةِ الخطرِ، وأشدُ منهم هؤلاءِ المتهورِونَ أو المفحطونَ الذين لا يُراعونَ النظامَ، ولا يَحفظونَ حُرمةَ نفوسِ المسلمينَ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ على نِعَمٍ تترَى، وعلى أرزاقٍ لا نُطيقُ لها حصرًا، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له شهادةً تكونُ لنا ذخرًا، وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المخصوصُ بالفضائلِ الكبرَى، صلى اللهُ وسلم عليهِ إلى يومِ الأُخرى.
أما بعدُ: زَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ –رضيَ اللهُ عنهُما- فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا!, فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ, قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ, قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ, فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ! فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ! فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الآنَ, فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ ناصِحًا وموجِّهًا: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ, فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صَدَقَ سَلْمَانُ, سَلْمَانُ أَفْقَهُ مِنْكَ"(رواهُ البخاريُ وغيرُه).
نَعَمْ! إِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَ منَ التفريطِ الظاهرِ الاستهانةَ بحفظِ حقِ النفسِ، التي هي إحدى الضروراتِ الخمسِ التي أَمرَ الإسلام بحفظِها؛ (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء29], لكنْ من الأسبابِ التي تؤدِي إلى فاحشةِ قتلِ النفسِ شدةُ الغضبِ؛ فالغاضبُ قد لا يتصرفُ في الظروفِ الحرجةِ إلا بعضلاتهِ وسلاحهِ، لا سيما إذا كان بحوزتهِ أداةٌ حادةٌ، وهذهِ ظاهرةٌ شبابيةٌ خطيرةٌ بدأت تتفشَى، وهي اقتناؤهُم لسكاكينَ في جيوبهِم وسياراتِهم.
وإليك قصةً تتبينُ من خلالَها أن الغضبَ سببٌ مباشرٌ لوقوعِ جريمةِ القتلِ، فقد روَى مسلمٌ عن وَائِل بن حُجْرٍ قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا قَتَلَ أَخِي, فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَقَتَلْتَهُ؟", قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ, قَالَ: "كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟", قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِنْ شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي فَأَغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلْتُهُ.
أيُها المؤمنونَ: إن من أسبابِ الإعانةِ على إيذاءِ المسلمينَ، والاستهانةِ بأرواحِهم أن تُعطَى قيادةُ السياراتِ إلى صغارِ سنٍ أو صغارِ عقولٍ، لا يستطيعونَ التخلصَ في ساعةِ الخطرِ، وأشدُ منهم هؤلاءِ المتهورِونَ أو المفحطونَ الذين لا يُراعونَ النظامَ، ولا يَحفظونَ حُرمةَ نفوسِ المسلمينَ؛ فكثرتْ بسببِهمُ الحوادثُ والفواجعُ، وأصبحَ المصابونَ ما بين كَسيرٍ وجَريحٍ وذَبيحٍ؛ (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب58].
وليُعلم أن مَن تهورَ فأزهقَ نفسًا بحادثِ سيرٍ لزِمَ منهُ خمسُ عواقبَ وخيمةٍ:
الأول: إخراجُ هذا الميتِ من الدنيا وحرمانُه من التزودِ بالعملِ الصالحِ.
الثاني: فقدُ أهلهِ وأصحابهِ التمتعَ معه في الحياةِ.
الثالث: إرمالُ زوجتهِ وإيتامُ أولادهِ إن كانَ ذا زوجةٍ وعيالٍ.
الرابع: غرامةُ ديتِه لتُسلَّمَ إلى ورثتهِ.
الخامس: وجوبُ الكفارةِ حقًا للهِ -تعالى-، فإن كان الميتُ واحدًا فشهرانِ، وإن ماتَ اثنانِ فأربعةُ أشهرٍ، وهكذا.
نعم؛ (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً)[النساء92], لكنَّ اللومَ شديدٌ على المفرطِ المتسببِ بقتلِ مؤمنٍ خطأً!, وهذا المفرطُ ألا يتذكَّر والِدينِ مكلومينِ عَصرَ الألمُ قلوبَهما؟! أفلا يتذكَّر أَطفالاً صِغارًا يتَّمَهُمْ؟!.
ومن المحافظةِ على النفوسِ أنْ نتوخَّى الحذرَ أثناءَ قيادةِ السيارةِ وقتَ هطولِ الأمطارِ، والحذرَ من الاقترابِ للأماكنِ الخطرةِ كأماكنِ جريانِ السيولِ، وأما الذين يخاطرونَ بالذهابِ لمواقعَ تنقطعُ فيها أسبابُ النجاةِ أو تَقِلُّ فهم آثِمونَ؛ (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيْكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة195].
ومن إلقاءِ النفسِ بالتهلكةِ إدمانُ التدخينِ والمخدراتِ أو بالشفطِ والشمِّ للولاعاتِ والعطوراتِ والغازاتِ المذهبةِ للعقلِ، كبديلٍ عن المخدراتِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفى، وصلاة وسلامًا على النبيِ المصطفَى.
أما بعدُ: فإن من السبلِ المعينةِ على حفظِ نفسِك ونفوسِ الآخرينَ: التدربَ والتدريبَ الموثوقَ على الإسعافاتِ الأوليةِ، وليتَ الدوراتِ تكونُ إجباريةً لكلِ من يُريدُ الحصولَ على رخصةِ قيادةٍ, ولعلَ الطلابَ يَدرسونَها بمدارسِهم.
ومن المهمِ تعلمُ علاجِ الجروحِ والإنعاشِ، وحلُ الحالاتِ الطارئةِ ببيوتِنا، وتوفيرُ حقيبةِ أدواتِ السلامةِ، وطفايةِ الحريقِ.
أيُها الإخوةُ: من الجهودِ التي تُذكرُ فتُشكرُ سرعةُ تجاوبِ جمعيةِ الهلالِ الأحمرِ عندَ الاتصالِ برقمِ 997, ومن المهمِ لنا إذا رأينا حالةً تستدعِي إسعافًا أن نتصلَ بـ 997 لأنهم أسبقُ وأوثقُ.
وكذلكَ سرعةُ الاتصالِ بالجمعياتِ التطوعيةِ الإنقاذيةِ، كجمعيةِ فزعةٍ بالزلفي، وكجمعياتِ إنجادٍ المنتشرةِ بالمملكةِ, فشكرَ اللهُ شهامتَهم وإنقاذَهم للنفوسِ؛ (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[المائدة: 32].
فاللَّهُمَّ احفظْ نفوسَنا، وزكِها أنتَ خيرُ من زكاها؛ إِنَّكَ قُلْتَ: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60], وَإِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ، وَإِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمون, اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا، وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا، وَلاَ يَسَعُنَا إِلاَّ مَغْفِرَتُكَ, اللَّهُمَّ تَوْبًا تَوْبًا، لِرَبِّنَا أَوْبًا، لاَ يُغَادِرُ عَلَيْنَا حَوْبًا, اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا, اللهم احفظْ دينَنَا وبلادَنا وأدِمْ أمنَنا، ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات