إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا

سليمان السلامة

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/ الصلاة ميزان الإيمان 2/ أهمية تعظيم قدر الصلاة 3/ وجوب أداء الصلاة في وقتها 4/ أهمية الاعتناء بوقت الصلاة بداية ونهاية 5/ بيان الوقت الشرعي للصلوات الخمس 6/ بعض المسائل التي يقع فيها خلل وتأخير للصلاة عن وقتها 7/ خطورة إضاعة الصلاة وتفويت أوقاتها.
اهداف الخطبة

اقتباس

الصلاة ميزان الإيمان، وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل، ومن تعظيم قدر الصلاة: تعظيم وقتها، والاهتمام بأدائها قبل خروج وقتها، فدخول الوقت شرط، ولأهمية هذا الشرط فقد جاء مبينًا في القرآن، وجاءت هذه الأوقات مبيَّنة في السنة النبوية قولاً وفعلاً بيانًا كافيًا وافيًا شافيًا، ومن ذلك ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وقت الظهر ما لم يحضر العصر، ووقت..."

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ....... أما بعد:

 

فيا أيها المسلمون: خير الوصايا، وصية رب البرايا (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

 

أيها الناس: الصلاة ميزان الإيمان، وعلى حسب إيمان العبد تكون صلاته وتتم وتكمل، ومن تعظيم قدر الصلاة: تعظيم وقتها، والاهتمام بأدائها قبل خروج وقتها، فدخول الوقت شرط لوجوب الصلاة، وشرط لصحتها، فلا تجب إلا بدخوله، ولا تصح إلا بدخوله.

 

قال الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103]، ولأهمية هذا الشرط فقد جاء مبينًا في الكتاب والسنة فقال ربنا: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء: 78].

 

وجاءت هذه الأوقات مبينة في السنة النبوية قولاً وفعلاً بيانًا كافيًا وافيًا شافيًا، ومن ذلك ما رواه مسلم عن عبدالله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وقت الظهر ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس".

 

يا مسلمون: ومما يؤكد أهمية الاعتناء بوقت الصلاة بداية ونهاية، أن جبريل -عليه السلام- أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم، وصلى به كل الصلوات، وأتاه من الغد وصلى به كل الصلوات الخمس، وقال له: "يا محمد! هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين" (رواه أحمد من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-).

 

الله أكبر... جبريل ينزل في يومين متتالين، ويؤم النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع الصلوات، حتى يعلِّمه في تطبيق عملي أوقات الصلاة، ألا يشعرنا ذلك بأهمية الاعتناء بأوقات الصلوات، وأن نعظِّم وقت الصلاة؟

 

ولقد كان للصحابة -رضوان الله عليهم- عناية كبيرة بأداء الصلاة في وقتها، ولذا لما ذكر لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فتنة المسيح الدجال، وأن مقدار لُبْثِه في الأرض أربعون يوماً؛ يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، قال الصحابة -رضي الله عنهم-: "فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره" (رواه مسلم).

 

الله أكبر! مع عظم فتنة المسيح الدجال إلا أن الصحابة سألوا عن ما له أهمية في حياتهم ولا يهملونه وقت الفتن والشدائد (الصلاة)، وهكذا المسلم حينما يحافظ على دينه ويحافظ على مبادئه.

 

معشر المؤمنين: الأفضل التعجيل بأداء الصلاة في أول وقتها لما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبيَّ أيَّ العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها..." الحديث.

 

إخوة الإيمان: تعالوا بنا نأخذ إلماحة سريعة حول وقت كل صلاة، كما جاءت في الحديث الذي رواه مسلم فوقت صلاة الظهر: "وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر".

 

ووقت العصر من بعد وقت الظهر مباشرة؛ إذ ليس بينهما فاصل، فيبدأ عندما يكون ظل كل شيء مثله، أما نهاية وقت العصر فله نهايتان: الأول: وقت اختيار، الثاني: وقت اضطرار. وقت الاختيار ينتهي حينما تصفر الشمس؛ لقوله: "ووقت العصر ما لم تصفر الشمس".

 

ووقت الاضطرار من اصفرار الشمس إلى غروبها، وتحديد وقت الاضطرار بالساعة (كم مقداره)؟ هذا يختلف باختلاف الوقت شتاءً وصيفًا، ومن أهل العلم من قدره بنصف ساعة في الصيف وبثلث ساعة في الشتاء.

 

إخوة الإيمان: ها هنا تنبيه مهم جدًّا، وهو أنه يوجد من المصلين من يؤخر صلاة العصر ولا يؤديها إلا في وقت الاضطرار من غير ضرورة ولا عذر، فتجده مثلاً سواء كان رجلاً أو امرأة ينام بعد خروجه من الدوام أو العمل أو الدراسة، ولا يستيقظ إلا آخر العصر ثم يصلي، وعلى هذا اعتاد يوميًّا؛ ظنًّا منه أن وقت العصر يمتد إلى غروب الشمس على الإطلاق، وهذا عمل لا يجوز، حرام، وفاعله آثم، وفيه شبه من المنافقين؛ كما روى مسلم: "تلك صلاة المنافق؛ يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلاً".

 

مَن فوَّت وقت صلاة العصر بلا عذر فقد نزل به غمان وخسارتان روى البخاري: "الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"؛ فهو كالذي أُخذت أمواله وأهله من بين عينيه فما أشد حسرته وهمه وغمه!!

 

عباد الله: قد يقول قائل: إذاً من الذي يجوز له أن يصلي العصر في وقت الاضطرار (من اصفرار الشمس إلى غروبها)؟

يجوز لمن اضطر لذلك بسبب مرض أو عذر قاهر، أما اعتياد النوم وقت العصر ولا يستيقظ يوميًّا إلا بعد اصفرار الشمس فليس هذا بعذر، بل هذا متساهل مفرِّط يجب عليه أن يتوب إلى الله، وأن يعظم ما عظَّم الله.

 

إخوة الإسلام: أما وقت صلاة المغرب فهو بين غروبين؛ من غروب الشمس إلى غروب الشفق الأحمر، وهاهنا تنبيهان مهمان جدًّا، التنبيه الأول: أن مقدار الوقت من غروب الشمس إلى غروب الشفق ليس ثابتا بل مختلف ومتفاوت، وقد ذكر الرائي الشهير عبد الله الخضيري -حفظه الله- أن الحد الأقصى (بعد الرصد والمتابعة) لوقت صلاة المغرب ساعة وسبع وعشرون دقيقة، وأقل حد يصل إليه ساعة وثلاث عشرة دقيقة.

 

التنبيه الثاني: أن تقويم أم القرى -وهو التقويم الرسمي المعتمد لدخول أوقات الصلوات- جعل دخول وقت صلاة العشاء دائمًا بعد أذان المغرب بساعة ونصف، فقد يظن ظانّ أن وقت المغرب لا ينتهي إلا بأذان صلاة العشاء، فيؤخر صلاة المغرب إلى قبيل أذان صلاة العشاء فيكون صلاها بعدما خرج وقتها، وتقويم أم القرى إنما جعل الوقت بين المغرب ساعة ونصف أو ساعتين في رمضان إنما هو توسعة للناس ومراعاة للمصلحة العامة.

 

معشر المصلين المؤمنين: أما وقت العشاء: من مغيب الحمرة في السماء (الشفق الأحمر) إلى نصف الليل، ويعرف نصف الليل بحساب الوقت من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر فنصف ما بينهما هو آخر وقت العشاء.

 

ومن الخطأ ما يعتبره بعض الناس من أن الساعة الثانية عشر هي نصف الليل دائمًا كما في التوقيت العالمي فلينتبه لذلك، وأن المعتبر هو نصف الليل الشرعي لا العالمي.

وأما ما بعد نصف الليل إلى طلوع الفجر فهو وقت ضرورة لا وقت اختيار.

 

أما وقت صلاة الفجر فمن طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، تلك الصلاة التي تئن وتشتكي من كثرة المتخلفين عنها المؤخرين لها عن وقتها، فلا يصلونها إلا عند ذهابهم لأعمالهم أو دراستهم.

 

أيها المصلون: من المسائل التي يقع فيها خلل وتأخير للصلاة عن وقتها ما يقع عند كثير من المسافرين على الطائرة، فمما يشاهد أن كثيرًا من المسافرين يؤخرون الصلاة حتى يخرج وقتها، وخاصة صلاة الفجر ولا يصلونها إلا إذا هبطت الطائرة، ووصلوا أماكن نزولهم أو سكنهم، والواجب على من دخل عليه وقت صلاة الفجر وهو مسافر بالطائرة وعلم أنها ستهبط بعد خروج وقت الصلاة أن يصلي في الطائرة ويؤديها بقدر ما يستطيع من ركوع وسجود واستقبال للقبلة.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة....

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أما بعد: فإن من إضاعة الصلاة تفويت أوقاتها بالنوم أو اللهو أو الغفلة أو التكاسل، ألا فليحذر المضيعون لوقت الصلاة من عقوبة الله القائل: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59]، قرأ عمر بن عبد العزيز هذه الآية ثم قال: "لم تكن إضاعتهم تركها، ولكن أضاعوا الوقت"، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) [الماعون: 4- 5]، قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها".

 

وجاء في حديث الرؤيا الطويل الذي رواه البخاري: "أما الذي يُثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة".

 

يا مؤمن يا عبد الله: مهما كانت ظروفك أو كثرة أعمالك فلا ينسينك هذا أداء الصلاة في وقتها، قال ابن تيمية: "فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة، ولا غير ذلك، بل يصلي في الوقت بحسب حاله، فإن كان محدثًا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانًا، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه، وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله، وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت؛ لأن فعل الصلاة في وقتها فرضٌ، والوقت أوكد فرائض الصلاة" ا.هـ.

 

قال الله تعالى: (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنعام: 72].

 

اللهم اجعلنا من مقيمي الصلاة...

 

 

المرفقات
إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life