عناصر الخطبة
1/قرب الحرام وسهولة الوصول إليه 2/أهمية التربية الإيمانية وتنمية الرقابة الذاتية 3/ثمرات التربية على مراقبة الله تعالى.اقتباس
أمسى المؤمنُ يخشى على نفسِه وعلى أهلِه وأولادِه، من الوقوعِ في سيلِه العرِم، ولا عاصمَ من أمرِ اللهِ إلا من رحِم. ومع كثرةِ أبوابِ الشّرِّ وتجدُّدِها، لم تَعُدْ وسيلةُ المنعِ والحجبِ تحقّقُ الهدفَ المنشود، فلا سبيلَ للنّجاةِ من تلك الفتن، إلا بالتربيةِ الإيمانيّة، وتنميةِ الرّقابةِ الذاتيّة، والتي تجعلُ المسلمَ يوقنُ أنّ اللهَ معه وينظرُ إليه ويراقبُه، ولا يَخفى عليه شيءٌ من أمرِه.
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ الذي يسمعُ ويرى، ويعلمُ السرَّ والنّجوى، أفلحَ من خافَ مقامَه ونهى النّفسَ عن الهوى، وخابَ من كذّب وعصى وآثرَ الحياةَ الدنيا، وأصلي وأسلمُ على نبيِّه المصطفى، وعلى آلِه وصحبِه ومن اقتفى.
أمّا بعدُ عبادَ الله: فقد ابتليَ الناسُ في هذا الزّمان، بتقريبِ الحرامِ والخلوةِ فيه وتسهيلِ الوصولِ إليه (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ)[المائدة:94]، حتى أمسى المؤمنُ يخشى على نفسِه وعلى أهلِه وأولادِه، من الوقوعِ في سيلِه العرِم، ولا عاصمَ من أمرِ اللهِ إلا من رحِم.
ومع كثرةِ أبوابِ الشّرِّ وتجدُّدِها، لم تَعُدْ وسيلةُ المنعِ والحجبِ تحقّقُ الهدفَ المنشود، فلا سبيلَ للنّجاةِ من تلك الفتن، إلا بالتربيةِ الإيمانيّة، وتنميةِ الرّقابةِ الذاتيّة، والتي تجعلُ المسلمَ يوقنُ أنّ اللهَ معه وينظرُ إليه ويراقبُه، ولا يَخفى عليه شيءٌ من أمرِه.
إذا ما خلوتَ الدهرَ يومًا فلا تقل *** خلوتُ ولكنْ قلْ عليَّ رقيبُ
ولا تَحسبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ ساعةً *** ولا أنَّ ما تُخفِي عليه يغيبُ.
إنّها منزلةٌ عظيمة، تضبطُ السلوك، وتهذّبُ الأخلاق، وتزكّي النّفوس، وتدفعُ لفعلِ كلِّ حسنٍ وتركِ كلِّ قبيح؛ حياءً من الله، وخوفًا منه ورجاءً لثوابِه.
عبادَ الله: يجبُ أنْ تتوجّهَ الجهود، إلى تربيةِ الأجيال، على مراقبةِ اللهِ -سبحانه-، وإجلالِه في القلوب، وتعظيمِ أمرِه ونهيِه، فإنّ ذلك هو الضمانُ الذي سيعصمُهم -بإذنِ الله-، عندما يواجهونَ داعيَ الشهواتِ والفتن، فيرفضونَ الوقوعَ في مستنقعِها بكلِّ شجاعةٍ ويقين، ويردِّدُونَ عتابًا لكلِّ مهزومٍ قد اتّبعَ الهوى: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق:14].
هكذا الإيمانُ إذا خالطت شاشتُه القلوب، فإنّه يستعلي بالمرءِ فوقَ حظوظِ نفسِه وشهواتِها، ويأخذُ بيدِه إلى سبيلِ العفّةِ والشرفِ والكرامة. خَرَجَ عمرُ بنُ الخطابِ -رضيَ اللهُ عنه- ذَاتَ لَيْلَةٍ يَطُوفُ بِالمَدِينَةِ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ قد أغلقت عَلَيْهَا بَابَهَا وَهِيَ تَقُولُ:
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ واسْودَّ جانبُه *** وَأَرَّقَنِي أَلَّا خليلَ أُلَاعِبُه
فواللهِ لولا خشيةُ اللهِ وحدَه *** لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوانِبُه
ولكنّني أخشى رقيبًا موكّلًا *** بِأَنْفُسِنَا لَا يَفْتُرُ الدَّهْرَ كَاتِبُه
فَلَمَّا أَصْبَحَ عمرُ بَعَثَ إِلَيْهَا بِنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ، وَكَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ يُسَرِّحُ لَهَا زَوْجَهَا من الغزو.
فيا من دعته نفسُه للحرامِ فقالَ: معاذَ الله، يا من زيَّنَ له شيطانُه المعصيةَ فقالَ: إنّي أخافُ الله، أبشرْ بما ستجدُه من سعادةٍ وانشراحِ صدرٍ وصلاحِ حال، أبشرْ بما سيُفتحُ لك من أبوابِ الخيرِ والتوفيقِ ممّا لا يخطرُ لك ببال، أبشرْ بانفراجِ كلِّ همٍّ وشدّةٍ وبلاء، فكما انفرجتْ الصخرةُ عن الثلاثةِ الذينَ كانوا في الغار، فتوسّلوا بأعمالٍ راقبوا اللهَ فيها، فسوفَ تنفرجُ عن طريقِك كلُّ صخرةٍ وعقبةٍ تعترضُك؛ بإذنِ الله.
عبادَ اللهِ: إنّنا إذا ربّيْنا جذوةَ الإيمانِ والمراقبةِ في قلوبِ الشباب، لم نَعُدْ بحاجةٍ إلى حُرّاسٍ وحُجّاب، ففي زمنِ الفاروقِ -رضيَ اللهُ عنه-، قالت الأمُّ لابنتِها: اخْلْطِي اللبنَ بالماء، فقالت البنتُ يا أمّاه، أمَا تعلمينَ أنّ عمرَ قد نهى عن ذلك، فقالت: إنّ عمرَ لا يرانا، فقالت البنتُ: إنْ كانَ عمرُ لا يرانا، فإنّ ربَّ عمرَ يرانا، وسمعَها عمرُ فزوّجَها لابنِه عاصم، فرُزقوا بنتًا أنجبتْ عمرَ بنَ عبدِالعزيز، الخليفةَ الراشدَ -رضيَ عنهم أجمعين-.
إنّها من ثمارِ المراقبةِ العاجلة، وما عندَ اللهِ خيرٌ وأبقى، يقولُ -عليه الصلاةُ والسلام-: "سبعةٌ يظلُّهم اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه، وذكرَ منهم: رجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال، فقالَ: إنّي أخافُ الله".
فتذكّرْ -رحمك اللهُ- عندما تخلو بالحرام، أنّك لستَ وحدَك:
وإذا خلوتَ بريبةٍ في ظلمةٍ *** والنّفسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ
فاستحيِ من نظرِ الإلهِ وقل لها *** إنّ الذي خلقَ الظلامَ يراني
فاللهُ -تعالى- يسمعُك ويراك (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ)[النساء:108]، وتذكّرْ أنّ معك الملائكةَ الكاتبين، ولا يَغُرَّنَّكَ صمتُ أعضائِك، فإنّ لها يومًا تتكلمُ فيه (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[يس:65].
فاتقوا اللهَ رحمكم الله، وراقبوا ربَّكم في خلواتِكم، وفي جميعِ أحوالِكم، وحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قبلَ أن تُحاسبوا، وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الأَكْبَرِ، يومئذ تعرضون لا تَخفى منكم خافية.
بارك اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العظيم وبهديِ سيّدِ المرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنّه هو الغفورُ الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانِه، صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه وإخوانِه أبدًا إلى يومِ الدّين.
أمّا بعد: عبادَ الله: اتقوا اللهَ حقَّ التقوى، واستمسكوا من الإسلامِ بالعروةِ الوثقى، واحذروا المعاصي فإنّ أجسادَكم على النار لا تَقوى، واعلموا أنّ مَلَكَ الموتِ قد تخطّاكم إلى غيرِكم، وسيتخطّى غيرَكم إليكم فخذوا حذرَكم، فالكيّسُ من دانَ نفسَه، وعملَ لمَا بعدَ الموت، والعاجزُ من أتبعَ نفسَه هواها وتمنّى على اللهِ الأمانيّ.
إنّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ رسولِ الله، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعةِ المسلمينَ فإنّ يدَ اللهِ مع الجماعة، ومن شذَّ عنهم شذَّ في النّار.
اللهمّ وفقْنا لهداك، واجعلْ عملَنا في رضاك، وأسعدْنا بطاعتِك وتقواك، واجعلنا ممّن يخشاكَ حتى كأنَّه يراك.
اللهمّ ألهمْنا رشدَنا، وقِنا شرَّ أنفسِنا والشيطان، وأعِذْنا من مضلاتِ الفتن، وأصلحْنا وأولادَنا والمسلمين، برحمتك يا أرحمَ الراحمين
اللهمّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمّرْ أعداءَ الدّين، وانصرْ عبادَك المجاهدين، وجنودَنا المرابطين، وأنجِ إخوانَنا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمين.
اللهمّ آمنّا في أوطانِنا ودورِنا وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا وهيّءْ لهم البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ يا ربَّ العالمين.
اللهمّ أبرمْ لأمةِ الإسلامِ أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أهلُ طاعتِك، ويُذَلُّ فيه أهلُ معصيتِك ويؤمرُ فيه بالمعروفِ ويُنهى فيه عن المنكرِ يا سميعَ الدّعاء.
اللهمّ ادفعْ عنّا الغلا والوبا والرّبا والزّنا والزلازلَ والمحنَ وسوءَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطن، اللهمّ فرّجْ همَّ المهمومينَ ونفّسْ كرْبّ المكروبينَ واقضِ الدَّينَ عن المدينينَ واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهمّ اغفرْ لنا ولوالدِينا وأزواجِنا وذريّاتِنا ولجميعِ المسلمين، برحمتِك يا أرحمَ الرّاحمين.
عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، ويقولُ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "من صلّى عليَّ صلاةً واحدةً صلّى اللهُ عليه بها عشرًا".
اللهمّ صلِّ وسلمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أبدًا إلى يوم الدّين. وأقمِ الصلاةَ إنّ الصلاةَ تَنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ، ولذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون.
التعليقات