عناصر الخطبة
1/ الاستعداد لسؤال يوم السؤال 2/ قوامة الرجل ومستلزِماتها 3/ بعضُ خوارمِ القوامة 4/ مراعاة حقوق المرأة وتحصينها من الأفكار التغريبية 5/ من مظاهر اختلال مفهوم القوامة 6/ المسؤولية الجماعية لانتشال الشباب من واقعه المريراهداف الخطبة
اقتباس
وفي ليالي هذا الشهر المبارك تتحول ليالي العبادة إلى أوقاتِ تسوُّقٍ وتجُّولٍ، وفي ليالي هذا الشهر المبارك تنشغل النساء بشراء ملابس العيد، وهنا يأتي دَوْرُ قوامَتِكَ ومسؤوليتِك، وتتجلى غيرتُك وحميِّتك على نسائك، وحرصُك على ما يرضي ربك ..
الحمد لله؛ أتَمَّ هذا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد الرسل وصفوة الأنبياء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه ومَن لبى النداء، وسلم تسليما.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- فإنه مَن يتقِ الله يجعل اللهُ له مخرجا.
موقف رهيب، ولحظات حرجة، ولقاء مهيب، ويوم عصيب، ذلك يوم السؤال عن كل شيء، والحساب على كل شيء، أمام ملك عدْل لا يظلِم الناس شيئا، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، (وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47].
سوف يُسأل الصادقون عن صدقهم، وَلَيَسْألَنَّ اللهُ الذين أُرسل إليهم، ولَيسْأَلنَّ المرسلين، و(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]، وإن الله سائلٌ كل راع عما استرعاه، أحفِظ ذلك أم ضيع؟ "وكلُّكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته".
إن هذا المصير المحتوم يحتم على كل من ولي شيئاً أن يتقي الله فيما ولِيَه واسترعاه، فالمسؤولية تكليف لا تشريف، وأمانة لا مكانة.
إن القاعدة الاجتماعية تقول: إن كل مؤسسة لابد أن يكون لها رئيس ليتولى إدارتها ويدير شؤونها، ولابد لكل جماعة من رائد؛ حتى لا تعم الفوضى وينتشر الإهمال.
والأسرة هي المؤسسة الأولى في المجتمع؛ واختار الله لها الرجل لكي يتولى مهام إدارة هذه المؤسسة ورئاستها؛ لأنه هو الذي يتولى الإنفاق عليها، (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34]، وهو الأقوى والأجدر بحمايتها بما فضل الله بعضهم على بعض.
هذا؛ وإن النطاق الذي تشمله قوامة الرجل لا يمس حرمة كيان المرأة ولا كرامتها، فالقوامة ليست تسلطاً جبروتياً، ولا استبداداً فردياً؛ ولكنها تعني في الإسلام تكليف الزوج بإدارة الأسرة إدارة لا تشذ عن الحق، ولا تميل مع الهوى، ولا تؤثر الحظ النفسي.
ثم إن هذه المسؤولية محكمة الجوانب، محدودة المعالم، فإذا جاوزها القائم على الأسرة تلاشت سلطته، وجوبه بالرفض، كما لو أمر بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وهذا يعني أن المرأة في ظل هذه القوامة لم يهضم حقها، ولم تذب شخصيتها، ولم يسقط اعتبارها، كما يهذي بذلك الجاهلون؛ ولكن القوامة بذْلٌ وتضحية، وتوجيه لقافلة الأسرة إلى المسار الصحيح.
وإذا تقرر هذا، وأنكم -أيها الرجال- قوامون على النساء قوامة تكليف ومسؤولية، فإن مسؤوليتكم خطيرة، ومهمتكم كبيرة، في الحفاظ على كيان الأسرة، والقيام على نسائكم ومَن تحت أيديكم بالتربية والتوعية والنصح والإرشاد.
إن الأسرة المسلمة المستهدفة من قبل الأعداء، ومهددة أيضاً من قبل أصحابها المسؤولين عنها، وإن المسؤولية في الأسرة يتحملها الرجل في قطاعٍ كبير: "كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته".
كما أن المرأة -أيضاً- تتحمل مسؤولية قررها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
إن على كل أب وكل أم أن يستشعر هذه المسؤولية نحو الأسرة، فهي القلعة الأخيرة التي إن خسرناها نكون قد أضعنا كرامتنا وديننا ومجتمعاتنا، ونحن نود ألا نلقي اللوم على الأعداء ونبرّئ أنفسنا.
أيها الرجال: آباءً وأزواجاً، وإخوةً وأولياءَ: إن من النقص أن ينزل الرجل نفسه في غير منزلتها اللائقة بها، فإن الله -تعالى- جعل الرجال قوَّامين على النساء، ومَن هو قائمٌ على شيءٍ فهُو أفضل منه، ومِن شأنِهِ أنْ يكون مُطاعاً لا مطيعاً، ومتبوعاً لا تابعاً.
ألا وإن مما يخرم القوامة ويفسد الأسرة تسلط المرأة على التوجيه وإدارة البيت بسبب التقليد، وهو مِن أخطر الأمور وأكثرها إيذاءً، فقد تقترح المرأة أن تلبس البنات لباساً قصيراً لا يقره الإسلام بحجة أنهن صغيرات، وأن الناس هكذا يعملون، وأن المصلحة في مسايِرة الزمن، ويضعف الرجل ويوافق، وقد ترى المرأة أن تقوم بألوانٍ من الاستقبالات، أو تلبس أصنافاً من الأزياء، أو تُدخل إلى البيت أجهزة لا يقرها الإسلام، ويضعف الرجل ويوافق.
وإنه انتكاس للأمور يمكن أن يفهم من قوله -صلى الله عليه وسلم- في أشراط الساعة أن تلد الأمة ربتها، وليس معنى هذا أن تلغى شخصية المرأة، وإنما هي القوامة، وإلغاء شخصية الرجل أكبر خطراً، وأعظم أثراً.
وقد تطغى مشاعر الأبوة المشفقة الحانية وتتعدى حدودها فتُنْسِي الأب مهمته في التوجيه والتربية، فينقلب حينئذ إلى منفِّذٍ لأوامر أطفال صغار، وإن كثيراً من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لم يجدوا في والديهم إلا الحنان المحض أو الإهمال الكامل، ومن أجل ذلك تجد في صفات كثير من أبناء هذا اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة، وعندما كان الرجل في سابق الأيام مسيطراً على البيت كانت شدته وصلابته تخففان من لين الأم.
أما بعدَ أن استنْوَقَ الجملُ في كثيرٍ من الأوساط، وأصبح الرجل في بيوت هذه الأوساط لا مهمة له إلا القيام بالخدمات، وجلْب الأغراض والحاجيات، ودفْع الأموال والنفقات، ولم يعد يمْلِكُ مِن أمْرِ بيته إلا اليسير؛ كان هذا الجيل المائع المنهار!.
وإن مما يخرم القوامة ذلك الشغل المتواصل من القوّام حينما يجد رب الأسرة نفسه عاجزا عن أن يجد الوقت الذي يجتمع فيه بنفسه أو بأفراد أسرته يوجههم ويستمع إليهم، وإذا كان هذا الوضع مستنكَراً صدوره من عامة الناس؛ فإنه من المتدينين أشدّ، واللوم لهم أكثر، حتى ولو كان الشغل في دعوةٍ وإصلاح، فإن نداء القرآن يقول: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) [التحريم:6] ويقول (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ) [طه:132]، "وإنَّ لأهلك عليك حقَّاً".
إن هؤلاء الذين يشتغلون عن أهليهم يَجْنون بعد حينٍ المصاب والعلقم، ويتجرّعون غصص العناء والشقاء، والحياة اليوم معقّدة الجوانب، مترعة بأسباب التأثير، وإن الأسرة هي القلعة الأخيرة التي ينبغي أن نوقف حياتنا وإمكانيتنا لحمايتها وحفظها، فوالله سوف تسألون!.
أيها الرجال: وأمام ما تتعرض له نساؤنا اليوم من حملة تغريبية ماكرة تستهدف النَّيْل من كرامة المرأة المسلمة، ونزع حجابها، وسلبها حياءها وعفتها، وأمام هذا السيل الجارف من حملات الإفساد والتي يتبناها دعاة استعباد المرأة؛ فإن مسؤوليتنا تعظم وتكبر.
وإذا كان الأعداء يشوهون موقف الإسلام من المرأة، وينشرون لها حقوقاً أجنبية لا تلائم طبيعتها وفطرتها؛ فإن من الواجب عليكم توعية نسائكم بحقيقة موقف الإسلام وأهداف حقوقه، وإن من واجبكم تحصين نسائكم ضد هذه الأفكار العفنة، فمن الضروري ألا تجهل المسلمة أوضاع المرأة الغربية، والإسفاف النفسي الذي نزلت إليه.
وينبغي تبصير المرأة المسلمة بحقيقة وضع المرأة في الغرب، تلك الحقيقة التي يعتِّم عليها دعاة الانحلال؛ بل ويقلبون مفاسدها وانحرافها إلى فضائل وتكريم.
لا بد أن تعلم المرأة المسلمة أن دعاة الانحلال إنما يستهدفون دينها وكرامتها وأنهم يريدون من وراء دعواتهم تحويلها إلى دمية يتلاعبون بها، ومتعة رخيصة لشهواتهم وملذاتهم.
ينبغي أن تعلم المرأة حقوقها، كما يجب أن تحرر هذه الحقوق من العادات الاجتماعية التي قد تحرمها منها أو تشوه نصاعتها وأحقيتها.
لا بد أن نسعى نحن الرجال إلى تطبيق هذه الحقوق المشروعة باعتبارها التزاماً وإلزاماً عملياً وسلوكاً، وآداباً إسلامية، حينها نبعد المرأة عن سلطان الفكر الغازي ودعاياته.
يا معشر الرجال: اعلموا أن الستر والصيانة هما أعظم عون على العفاف والحصانة، وأن احترام القيود التي شرعها الإسلام في علاقة الجنسين هو صمام الأمن من الفتنة والعار والفضيحة والخزي.
أيها الرجال: إن من أبرز مظاهر اختلال مفهوم القوامة، وأوضح صور ضعف الغيرة عند بعض الناس، ما يشاهد في الأسواق من مشاهد مؤلمة، وحركات جارحة.
إنها الأسواق، فيها من يبيع ويشتري يبغي الكسب والتجارة، وفيها من يبيع ويشتري تغطيةً للفساد والدعارة.
في الأسواق شباب مراهقون، ونساء كاسيات عاريات، في الأسواق انتهاك للحجاب، ومظاهر من التبرج المقنَّع، والتبرج الصريح.
يا أيها الرجل المسلم: أنت تثق في أهلك، وأنا أثق في أهلي، والآخر يثق في أهله، فبالله عليكم! من هن اللواتي في الأسواق يخدشن الحياء فتنة وتكسُّراً؟ ألسن بنات المسلمين؟!.
يا معشر الآباء والأمهات: وفي ليالي هذا الشهر المبارك تتحول ليالي العبادة إلى أوقاتِ تسوُّقٍ وتجُّولٍ، وفي ليالي هذا الشهر المبارك تنشغل النساء بشراء ملابس العيد، وهنا يأتي دَوْرُ قوامَتِكَ ومسؤوليتِك، وتتجلى غيرتُك وحميِّتك على نسائك، وحرصُك على ما يرضي ربك.
وأذكركم -يا معشر الآباء والأمهات- بأن تكونوا عيناً رقيبة وراعية على ملابس نسائكم وبناتكم، وأن تجنبوهن ما يسخط الله من الملابس العارية والقصيرة والضيقة.
إن العري فطرة حيوانية، ولا يميل الإنسان إليه إلا وهو يرتكس إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان، وإن رؤية العري جمالا وذوقا هو انتكاس في الذوق البشري، وإن الستر واللباس المحتشم هو نعمة من الله، ومنة على عبادة.
إن واجب الديانة، ثم مصلحة الأمة، يهيبان بكل مسؤول من أب أو غيره أن يضغطوا على كابح القاطرة قبل أن تصير إلى حافة الهاوية، وأين موضع هذا الكابح إن لم يكن في التشريع الذي يفرض على المرأة أن تكف عن السباق المحرم الذي تمارسه في حلبة التقليد الأعمى؟.
"إن الله سائل كل راع عما استرعاه"، حفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته، وإن أحوال أغلب النساء اليوم تعكس مدى تفريط الرجال في أداء حق هذه الرعاية التي جعلها الله واجباً حتماً في أعناقهم.
فأعِدُّوا للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، واستغفروا الله إنه كان للمستغفرين غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: الشباب عِمادُ الأمة وعِزُّها المجيد، ومجدها التليد، الشباب قوة الشعوب، وحصنها الحصين، ودرعها المتين، هم رجال الفتوحات، وقوات الانتصارات.
ومن قرأ التأريخ وتصفح كتب السير والمغازي، لرأى رأي المنصف العاقل الرشيد، كيف أن الشباب في صدر الإسلام وبعده كانوا لبلاد الكفار فاتحين، وعن بلاد الإسلام مناضلين ومنافحين، تجدهم محاربين، تهابهم الأعداء، ويحبهم مَن في السماء.
نتذكر يوم بدر فنتذكر ذلك الجيل من الشباب الذي يسابق للجهاد، ويسارع إلى مرضاة الله، ويتنافس في قتل الطغاة والمجرمين، كما فعل معاذ ومعوذ -رضي الله عنهما-.
ونتذكر صور الولاء للدين، والبراء من الكافرين، ولو كانوا من الأقربين، كما فعل سعد بن أبي وقاص مع أخيه عمير.
نتذكر تلك الصور الرائعة، والهمم العالية، والتنافس الشريف من شباب الإسلام في عصر النبوة، لنضع هذه الصور المبهجة أمام الواقع المرير لفئة من شبابنا، وحتى في أطهر الشهور وأعظمها عند الله.
شبابٌ هم ضحيَّةُ كيدِ الكافرين والمنافقين، بمعاونة وسائل الإعلام، ومشاركة أولياء جهَلة ظلمة تنصلوا عن التربية واهتموا بسفاسف الحياة، فأصبح لدينا جيل تنكَّر لدينه، وخرج عن مبادئه، وتبرَّأ من أهله وعشيرته، وتخلى عن عاداته، وانخلع من تقاليده.
شباب تائهون حائرون: دوَرانٌ وتفحيطٌ من بعد صلاة الفجر؛ بل ومن قبلها! ومجاهرة بترْك الصيام، تنكُّب للأرصفة، تدمير للمنشآت والأبنية، سرعة فائقة، أغانٍ صاخبة، تصرفات طائشة، إزهاق لأرواح الأبرياء، شباب غريبة هيئاتهم، مريبة تصرفاتهم، بعيدون عن الأسلاف في سماتهم وصفاتهم، تفكيرهم سطحي غير عميق، وغاياتهم دنيئة غير شريفة، متهورون في قيادتهم، متعجلون في سيرهم لا يقيمون لصلاة ولا لصيام وزنا، ولا يرعون لكبير قدرا، ولا يعرفون لقرين حقا.
تصرفات غوغاء، وأعمالٌ هوجاء، ونتائج شنعاء. فأين المسؤولية والمسؤولون؟! وأين الأمانة والمؤتمنون؟! أين الجهات الأمنية بكل أفرعها؟ وأين الجهات الشرعية؟ وأين المجموعات الدعوية عن هذا الانتهاك الصارخ لحدود الله؟ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].
"كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته" والإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته.
إن الغيور ليتساءل: كيف لأب أنيطت به أمانة عظيمة ينام قرير العين، يكتحل بالنوم ملء جفنيه، وأبناؤه خارج منزله، بل ربما بناته وزوجاته؟ فقولوا لي بربكم: أي أب هذا؟ وأي تربية تلك؟.
إذا كان الولد ينشأ في الماضي على ما عوده عليه أبوه فإنه في الحاضر ينشأ على ما هيأه له أبوه، فإن هيأ له البيئة الصالحة المصلحة، وحفظه في ذهابه وإيابه، وراقبه في دخوله وخروجه، وتفحَّص ما تقع عليه عينه، وما تسمعه أذنه، إن كان حريصاً على إسماعه القرآن، وكلام أهل الإيمان، ومصاحبته الأخيار وأهل التقى، لا يرضى له أن يرافق إلا ذوي العقول الناضجة، ولا يسمح له أن يماشي إلا أصحاب الأهداف السامية، إن كان ذلك شأنه فلن يرى منه بإذن الله إلا كل خير، ولن يعود على مجتمعه إلا كل خير.
وأما إن كان الأب قد هيأ له بيئةً عفنةً منتنةً، فيها الجرائد والمجلات، والقنوات والفضائيات، وأجهزة الألعاب الساقطات التي تنقل كل شر وتبث كل سوءٍ، وتعوده الجريمة وتبيِّن له طرقها، وغفل مع ذلك عن مراقبته، وضعُف عن متابعته، وأسلمه لرفاق السوء وجلساء الشر، ممن هم في كل وادٍ يهيمون، يفسدون ولا يصلحون، تارة في البراري أو الاستراحات، وحينًا في المطاعم أو على جوانب الطرقات. إن كان هذا هو الجو الذي يعيش فيه الولد، فما أسوأَ حظَّه! وويلٌ لأبيه منه وأمِّه! وتعِس مجتمعٌ يرجو منه خيرًا، أو ينتظر منه عزًّا!.
وإنها لخيانةٌ أيما خيانةٍ، وتفريطٌ في الواجب وتضييعٌ للأمانة، أن يهَب الله الرجلَ الولدَ نقيًّا طاهرًا، كأن قلبه صفحةٌ بيضاءُ، ثم يُلقِي بهذه الصفحة النقية في مزابل الحياة ولا يصونها، لا يغرس في قلب هذا الولد حبَّ الله ولا حب رسوله، ولا يحفظ فطرته ولا يرعاها، ولا يأمره بمعروفٍ ولا ينهاه عن منكرٍ، ولا يحثه على صلاةٍ ولا ينشئه على طاعةٍ، ولا يردعه عن كبيرةٍ، ولا يحول بينه وبين معصيةٍ؛ قال-صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري: "ما مِن عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، فلم يحطها بنصحه، إلا لم يجد رائحة الجنة".
ومن هنا، من هذا المنبر الذي وقف علي مثله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإننا نناشدكم الله أن تتقوه في أبنائكم، فتُخرجوا أجهزة الباطل من بيوتكم، وتحفظوا أبناءكم من أصحاب السوء والفتنة، وتحولوا بينهم وبين التجمعات التي لا ترضي الله في الاستراحات والطرقات وغيرها، وأنْ تدلوهم على أهل الخير، ومؤسسات الخير، وتحرصوا على أن يصاحبوهم ويعملوا معهم، حتى يكونوا سببا في حفظ أمْن بلادهم، وراحة أهلها، لا أن يكونوا معاول هدم في كيان أمتهم وبناء مجتمعهم، أو مصدر إزعاج لولاتهم وإخوانهم المسلمين.
اتقوا الله في هذه الأموال التي تنفقونها في شراء السيارات وأجهزة الفساد والقنوات، كفِّروا عن هذه الخطايا بالإنفاق في كل سبيل فيها صلاح لأبنائكم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم:6].
إنه لَذِكْرٌ لكم، وسوف تسألون. إنه لذكر لكم، وسوف تسألون!.
اللهم صل وسلم وبارك على من بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة...
التعليقات