إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ

د عبدالعزيز التويجري

2025-01-12 - 1446/07/12
عناصر الخطبة
1/موقف أم حبيبة من أبيها قبل إسلامه 2/من أضرار البدع ومساوئها 3/التشبه بالكفار خلل في العقيدة 4/التمسك بالتوحيد أمان من الفتن 5/من محاسن دين الإسلام.

اقتباس

إذا حاد الانسانُ عن تشريعاتِ الإسلامِ اقتات من فُتاتِ الأممِ، وتسول على رذائلِ أخلاقِ النِحلِ، ففي كلِ يومٍ له لباسٌ، وأصبح عائرًا بين الناسِ، يُكمل نقص نفسهِ بترهاتِ غيرِه، ويبني شخصيتَه على شفا جرف هار، ضحالةُ في المعنى، واضطرابُ في المبنى...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعالمين، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أخرج ابن سعد في الطبقات قَالَ: "لَمَّا نَقَضَت قريشُ العهدَ قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ أَنْ يَزِيدَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَة،ِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَوَتْهُ دُونَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّي، أَوْ رَغِبْتِ بِي عَنه؟! فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ، وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِهِ".

 

تُجلي أمُ المؤمنين في هذا الموقفِ روحَ العزةِ والتميزِ والإباءِ في قِطعةِ فراشٍ أن لا يمسه مشركُ؛ (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)[التوبة: 28]، حتى ولو كان هذا المشركُ أقربَ قريبٍ؛ لأنه فراشُ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

هل رأى المسلمُ كالإسلامِ فخراً *** يُكْسبُ العزَ به دنيا وأخرى

 

 فما عساه أن يجليهِ منهزمي العزة في أمتِنا حين يُلطِخُ فراش سنةِ سيدِ الأنامِ -عليه الصلاة والسلام-، بتبعيةِ وورودِ وتهنئة لأعياد تخالفُ أصولَ الإسلامِ! (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[المجادلة: 22]

 

تنهزمُ النفوسُ حين تَجعلُ من شعاراتِ عزِها تبعيةً لمن يحارب دينَها، وتَعتقدُ تميُزِها حينما تحاكي وتُسامي وتُدني من يخططُ كيف يَصدُها عن دينهِا، ويستولي على ثرواتهاِ ويسلبُ خيراتهِا؟! (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ)[البقرة: 109]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً)[النساء: 89]، هذه أمنياتُهم وهذه خططُهم التي نطق القرآنُ بها؛ لتدميرِ الإسلامِ فكريا واقتصاديا وعسكريا؛ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].

 

لا يعتزُ من لا يفهمُ القرآنَ، ولا يفلحُ من يَحيدُ عن منهجِ الإسلامِ؛ (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[البقرة: 120]، لا ينصُر اللهُ من اتبع هواهم، ليس اتباعَ دينِهِم، إنما اتباعُ هواهُم ومرادُهم لا ينصُرهُ الله، ولا يعزُه ولا يحميِه ولا يقيِه؛ (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ)[الرعد: 37]، ويحشرهُ الله مع الظالمين؛ (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ)[البقرة: 145].

 

هذه حقائقُ القرآنِ واضحةٌ بينةُ، وشواهدُ الزمانِ ظاهرةُ جليةُ، أنّ من اتبع غيرَ هدى اللهِ، ورجا العزةَ في باتباعِ نهج الكافرين؛ فإنّ الذلةَ تَرْهقه، والخسرانَ نهايتُه، وفي الحديث: "وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، ومَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(أخرجه الإمام أحمد وغيره).

 

يَظهرُ خلل العقيدةِ والتوحيد في المجتمعِ حينما يَترك المنهزمون في الأمةِ المنبعَ الصافي من المنهجَ الرباني، ليتسولوا على فتاتِ أخلاقِ الأممِ، ويدسوا أنوفَهُم في جحورِهم، فيرونَ العزةَ في ارتداءِ لباسِهم، والتميزَ بمحاكاةِ مسمياتهِم، والتفاخرَ في إظهارِ شعاراتِ أعيادِهم، ولو دخلوا جحرَ ضبٍ مليءٍ بالنتنِ لدخلوه؛ "وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ".

 

كيف يرضى مسلمٌ يشهدُ في كلِ صلاةِ أنه لا إله إلا الله، يجاري ويوالي ويحاكي من ينازعُ اللهَ في ألوهيتهِ، ويدعي له الصاحبة والولد؟! (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)[المائدة: 17]، والله يقول: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الإخلاص: 1].

 

كيف ترجو أمةٌ من ربِها الغيثَ والنصرَ والرزقَ، وسفهاؤها يتسابقون في ملاحقةِ ومتابعةِ واحتواءِ من (قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ)[المائدة: 73]، والله يقول: (وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ)[المائدة: 73].

 

إذا حاد الانسانُ عن تشريعاتِ الإسلامِ اقتات من فُتاتِ الأممِ، وتسول على رذائلِ أخلاقِ النِحلِ، ففي كلِ يومٍ له لباسٌ، وأصبح عائرًا بين الناسِ، يُكمل نقص نفسهِ بترهاتِ غيرِه، ويبني شخصيتَه على شفا جرف هار، ضحالةُ في المعنى، واضطرابُ في المبنى.

 

شريعةُ اللهِ لا نرضى بها بدلا *** وما سواها فتضليلٌ وإفسادُ

 

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-: "لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ؛ فَإِنَّ السَّخَطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ"، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "فَهَذَا عُمَرُ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَلُّمِ لِسَانِهِمْ، وَعَنْ مُجَرَّدِ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ، فَكَيْفَ مَنْ يَفْعَلُ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ؟ أَوْ قَصَدَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ دِينِهِمْ؟ أَوَ لَيْسَ عَمَلُ بَعْضِ أَعْمَالِ عِيدِهِمْ أَعْظَمَ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ؟ وَإِذَا كَانَ السَّخَطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ، فَمَنْ يَشْرَكُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْضِهِ أَلَيْسَ قَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ ذَلِكَ؟".

 

 وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنه-: "مَنْ صَنَعَ نَيْرُوزَهَمْ وَمِهْرَجَانَهمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ حُشِرَ مَعَهُمْ"، وَفي سنن البيهقي قَالَ عُمَرُ: "اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ"، وَنَصَّ الْإِمَامُ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَلَا يَعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ، وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.

 

فاتقوا الله -معشر المؤمنين-، وخالفوا المشركين وحذِروا منه أهليكم، وانصحوا من ترونه متشبها بهم، وانكروا على من يروج لأعيادهم، يتولاكم ربكم ويعزكم وينصركم؛ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 55 - 56].

 

أقول هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: التمسكُ بالتوحيدِ والارتباطُ بالعقيدةِ حفظُ للعبدِ من مضلات الفتنِ وشبهاتِ النِحلِ، رأى النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيدِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كِتَاباً أَصَابَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ، فَغَضِبَ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "أَمُتَهَوِّكُونَ فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً"(أخرجه الإمام أحمد وغيره)

.

دين الإسلام دين العزة والرفعة؛ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون: 8]، دين الإسلام كامل بتشريعاته؛ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)[المائدة: 3]، مُيَسرٌ بأحكامه؛ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185]، فلسنا بحاجة لرطانة لغتهم، أو خُضرة أرضهم، أو متابعة سخفهم.

لسنا نريد دساتيرًا مرقعـةً *** فشرعةُ اللهِ تكفينا وتُرضينا

 

دينُ الإسلام دين الجمال والكمال؛ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85]، قضى الله أنه متى ما حادت الأمةُ عن عقيدتِها، وتعلقت بهذا أو بذاك؛ إلا وتقلبت في ثنايا الإهاناتِ والنكباتِ والنكسات، حتى ترجعَ إلى كتابِ ربها وسنةِ نبيها.

 

من يتق الله وينصر دينه *** لابد في ساح المعارك يُنصَرٌ

 

اللهم اهدنا للحق ورزقنا الثبات عليه، وأعذنا من مضلات الفتن، اللهم آمنا في دورنا، واصلح ولاة أمورنا، اللهم اجعلهم نصرة للحق وأهله، وحربا على الباطل وأهله.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life