عناصر الخطبة
1/النجاح والتوفيق مطلب مهم 2/من أعظم طرق النجاح 3/أنواع الفرح 4/الفرح بفضل الله تعالى 5/إظهار الفرح بنجاح الأبناء 6/من مواطن فرح النبي صلى الله عليه وسلم 7/دعوة لإشاعة الفرح وإظهار السرور.اقتباس
افرح بإنجازك وإنجاز ولدك، وأظْهِره لولدك وإن لم تشعر بالفرحة؛ لكثرة مشكلات الحياة، فكم لفرحتك بنجاح ابنك وتفوقه من أثر كبير في المتربي! وكلما كانت الفرحة صادقةً كان أثرها أكبر. واعلم أن مما يزيد أثر النجاح والتوفيق...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمد لله ذي العزة والجلال، الموصوف بأوصاف الكمال والجمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، الموصوف بطيب الفعال، وجميل الخصال، صلى الله عليه وعلى الصحب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
عباد الله: اتقوا الله؛ فتقوى الله تقود للقول السديد، والعمل الرشيد، والفوز يوم المزيد، قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطلاق: 2، 3].
عباد الله: النجاح والتوفيق مطلب مهم يطمح كل الناس للوصول إليه، فمن باذل للسبب، عارف للطريق موفَّق، ومن مخذول عاجز كسول، أو مجتهد ضلَّ الطريق.
ومن أعظم طرق النجاح -بعد توفيق الله- أن تفرح بإنجازك ونجاحك؛ فهذا مُحفِّز لاستدعاء إنجاز جديد يصنع مستقبلك، وينبغي للآباء والمربين أن يُظهروا الفرح والابتهاج بنجاح مَن ولَّاهم الله أمرهم؛ امتثالاً لقول الله -تعالى-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]، وأعظمُ الفرح: الفرحُ بالله، والإيمان والعلم الموصل لرضا الله -تبارك وتعالى-.
والفرح صفة من صفات الله؛ يفرح بتوبة عبده وإقباله.
والفرح ضد الحزن، وهو انشراح الصدر بلذة عاجلة، يظهر أثرها عليه، والفرح منه مذموم ومحمود، فالفرح إذا أُطلِق أو قُيِّد بالفرح بالدنيا الذي ينسيك فضل الله عليك مذموم، وأما الفرح المقيد بفضل الله ورحمته محمود، وهو نوعان:
فرح بالسبب كما في قوله -تعالى-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)[يونس: 58]، أو فرح بالمسبب، وهو الله -تبارك وتعالى-: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[آل عمران: 170]، فهذا الفرح بفضل الله يستتبع الشكر ومزيد الفضل، وهو علاقة الإيمان بالله، وبه تشيع المودة بين المؤمنين، والفرح بفضل الله ثمرة الرضا من الله على العبد.
فاقطف الفرحة وإن كانت صغيرةً، وهنِّئ بإنجاز غيرك، واقبل التهنئة به، وابذلها بسعادة وابتسامة، وأعطِ الأحزان إجازةً مفتوحةً، ولا تقل ليس في النجاح ما يستحق الفرح؛ فالكل ينجح، ولقد اختلفت الأحوال، فهذا الكلام فيه وأْدٌ للتفوق والنجاح، فحذارِ حذارِ أن يخرج من فمك فضلاً عن أن يسمعه ولدك، فكل تفاصيل النجاح تستحق الفرح.
وإنك لتعجب من أناسٍ يعيشون في معاناة وتعب واستنفار في البيوت، فإذا تحقَّق نجاح ابنهم كأن لم يكن شيء، خطأ كبير، فبقدر صعوبة المعاناة يكون حجم الفرح بالنتيجة، فلماذا نختزل الفرح في نفوسنا ونتناسى الفرحة بها وإظهارها؛ قال -تعالى-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى: 11].
أيها الآباء والمربون: افرح بإنجازك وإنجاز ولدك، وأظْهِرْه لولدك، وإن لم تشعر بالفرحة؛ لكثرة مشكلات الحياة، فكم لفرحتك بنجاح ابنك وتفوقه من أثر كبير في المتربي! وكلما كانت الفرحة صادقةً كان أثرها أكبر.
واعلم أن مما يزيد أثر النجاح والتوفيق في نفسك أن تجد من يشاركك الفرحة، فدرِّب نفسك على إظهار الفرح والبهجة والسرور، فإن لم تستطع فتصنَّع، فالعلم بالتعَلُّم، والحلم بالتحلُّم، وهو هدي رسولك -صلى الله عليه وسلم- خير مربٍّ للبشرية، فكم تناقل الصحابة تهلُّل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيا ترى ما أثر إظهار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفرحة لهم.
ومتِّع سمعك بمواطن فرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بها؛ لقد فرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلام عكرمة بن أبي جهل، فوثب إليه فرحًا حتى بايعه، وفرح بإسلام عدي بن حاتم وهو من وجهاء العرب، واستمع له، يقول عدي: "فرأيت وجهه ينشط فرحًا"(رواه الترمذي وحسَّنه الألباني).
ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرح لظهور الحق والانتصار له، فحين تكلَّم المنافقون في نسب أسامة بن زيد من أبيه؛ لاختلاف لونهما ثم مَرَّ خبراء القافة ومعرفة الأثر، وشهدوا بصحة النسب سُرَّ سرورًا عظيمًا، ودخل على زوجه عائشة وأسارير وجهه تبرق فرحًا واستبشارًا.
وحين نزلت براءة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قال لها: "أبشري يا عائشة؛ فقد أنزل الله براءتك"، قالت: وإني لأتبيّن السرور في وجهه وهو يمسح من جبينه.
ويفرح -عليه السلام- إذا سمع خبرًا بصدق بعض ما أخبر به كما في قصة تميم الداري في قصة الدجَّال، فقال -عليه السلام-: "إن تميمًا الداري حدثني بحديث ففرحت، فأحببت أن أحدِّثكم".
وبمثل هذا الفرح فرح ابن مسعود لما سُئل عن رجل تزوَّج امرأة ولم يكن سمَّى لها صداقًا، فمات قبل أن يدخل، فلم يقل فيها شيئًا، ثم عادوا إليه فقال: سأقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط، ولها الميراث، وعليها العدة، فقام رجل من القوم فقال: أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بمثل ذلك، فقال ابن مسعود: هلم من يشهد لذلك؟ فقام رجلان فشهدا، فقال ابن مسعود: فما فرحت بعد الإسلام بشيء فرحي بموافقة قولي لقضاء النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأما قصة توبة كعب بن مالك ففيها من إظهار الفرح ما يعجز اللسان عن وصفه، استمع له وهو يروي قصة توبته: سمعت صوت صارخ يقول وهو على سلع بأعلى صوت: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخررت ساجدًا، يا الله ما أعظم هذا الوصف! إن هذا المنادي كان حريصًا على إدخال السرور على كعب فلم تحمله أقدامه فسابق صوته أقدامه للتبشير.
ثم قال: فذهب الناس يبشروننا، فلما جاءني من سمعت صوته يبشِّرني نزعت له ثوبي فكسوته إيَّاها ببشراه، والله ما أملك غيره، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيتلقاني الناس فرحًا فوجًا يهنئوني بالتوبة، يقولون: لتهنئك توبة الله عليك، قال كعب بن مالك: حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس حوله الناس فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني، والله لا أنساها، ما أعظم الفرح بالتوبة!
واستمع لكلام ربي -جل جلاله-: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[التوبة: 118].
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله وأَشِيعُوا الفرح بفضل الله بين الناس، واحرصوا على كل أمر يُبهج النفوس ويسعدها، ولحظات الأنس والبهجة محفوظة في الذاكرة لا تُنسى، فلو غرست فيها قيمة وحفظت ودًّا كمل الخير من كل جهة.
وإدخال السرور على الناس من أجلِّ العبادات؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلم".
الدعاء.
التعليقات