عناصر الخطبة
1/طريق تحصيل الثواب والسلامة من العقاب 2/وجوب الإخلاص لله ومتابعة رسوله 3/أهمية الوقت ووجوب اغتنامه 4/خطورة الشرك في النيات 5/حقيقة الإخلاص وعلاماته 6/وعيد شديد لمن فسدت نيته في عمله.اقتباس
الشرك في النية مما ينافي إخلاص العمل لوجه الله، وهو مُبطِل للعمل، وربما يأثم صاحبه؛ فمن أراد بعمله غير وجه الله أو نوى شيئًا غير التقرب إلى الله وطلب الجزاء منه؛ فقد أشرك في نيته وإرادته. والإخلاص الحقيقي أن يُخْلِص لله في أقواله وأفعاله وإيراداته ونياته
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وختمهم بأفضل المرسلين، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبي عمت رسالته جميع الثقلين أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بإخلاص العمل لوجهه الكريم، واتباع شريعته، فطريق الوصول إلى الثواب والسلامة من العقاب مُترتّب على حُسن المتابعة لشريعة الله، والإخلاص له فيها؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)[سورة لقمان:22].
وقال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)[سورة النساء:125]، وقال -تعالى-: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[سورة النساء:114]؛ فلا خير في كثير من كلام الناس إلا ما كان في خير، كأمر بصدقة أو أمر بمعروف ونهي عن منكر، أو إصلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك مخلصًا ومحتسبًا ثوابه عند الله فسوف يؤتيه الله ثوابًا جزيلاً واسعًا.
وعلى العكس من ذلك، من كان يسيء في عمله فيخالف ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويتَّبع غير سبيل المؤمنين، فصار في شقّ والشريعة عنه في شق عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين، فقد توعده الله على ذلك بقوله -تعالى-: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[سورة النساء:115]، فيجعل النار مصيره في الآخرة.
ومن خرج عن الإسلام وابتغى غيره من الأديان فلن يُقبَل منه، وسيكون في الآخرة من الخاسرين؛ قال -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[سورة آل عمران:85].
أيها المسلمون: ولأهمية الوقت وما يحصل فيه للإنسان، فقد أقسم الله بالزمان الذي تقع فيه حركات بني آدم من خير وشر على أنه في خسارة وهلاك، واستثنى الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم؛ فقال -تعالى-: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[سورة العصر:1-3]؛ فالمؤمنون حقًّا يتواصون بأداء الطاعات، وترك المحرمات، ويتواصون بالصبر على المصائب والأقدار، ومن ذلك الصبر على الإيذاء الحاصل ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.
عباد الله: وحيث إن الشرك في النية مما ينافي إخلاص العمل لوجه الله، فاعلموا -رحمكم الله- أنه بحر لا ساحل له، وقلَّ مَن ينجو من هذا الشرك، وهو مُبطِل للعمل، وربما يأثم صاحبه؛ قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)[سورة الزمر:65-66]، فمن أراد بعمله غير وجه الله أو نوى شيئًا غير التقرب إلى الله وطلب الجزاء منه فقد أشرك في نيته وإرادته.
فالإخلاص الحقيقي أن يُخْلِص لله في أقواله وأفعاله وإيراداته ونياته؛ قَالَ -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)[سورة الكهف:110]، فركنا العمل المتقبل أن يكون خالصًا لله، وصوابًا على شريعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا: "قال الله -تعالى-: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
وعن أبي سعيد مرفوعًا: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟" قالوا: بلى؛ قَالَ: "الشرك الخفي: يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل".
وأخرج أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس: "مَن صلى يُرائي فقد أشرك، ومَن صام يرائي فقد أشرك، ومَن تصدَّق يُرائي فقد أشرك، وإن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي، فمن أشرك بي شيئًا فإن جدة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به، أنا غني عنه".
معشر المسلمين: ومن الخطأ في النية الميل إلى الوظيفة والإخلاص من أجلها، والميل إلى الحصول على الشهادة والإخلاص من أجلها، والمطلوب أن يكون الميل إلى الوظيفة لما فيها من خدمة الإسلام والمسلمين، والمكسب الحلال، والميل إلى الشهادة للوصول إلى ما يُؤهّله بأن يكون لبنة صالحة في المجتمع، تعمل بالحق وتعين عليه وتدعو إليه، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[سورة الأنعام:161-163].
بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله العفو الغفور، الملك العظيم، الذي بيده مقاليد الأمور، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، يوفق من يشاء لمحاسن الأمور ومكاسب الأجور، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليم بما في الصدور، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي لكل مبرور، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان جلّ حياتهم في العمل المبرور والسعي المشكور، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن الله -تعالى- قد وعَد المخلصين له في أعمالهم بالثواب الجزيل، والمغفرة لذنوبهم؛ وذلك لأنه غفور شكور؛ قَالَ -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[سورة فاطر:29-30]، وقال -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)[سورة البينة:5].
فعلينا -معشر المسلمين- أن نُخلص في أقوالنا وأعمالنا الظاهرة والباطنة لربنا؛ رغبةً في ثوابه وخشيةً من عقابه، فقد جاء الوعيد الشديد لمن فسدت نيته في عمله، فلم يُرِد به وجه الله؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الناس يُقضَى يوم القيامة عليه رجل استُشْهد فأُتِيَ به فعرّفه نعمته فعرفها؛ قَالَ فما عملتَ فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدتُ؛ قَالَ: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يُقال جريء؛ فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتِيَ به فعرَّفه نِعَمه فعرفها؛ قَالَ: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمته وقرأتُ فيك القرآن؛ قَالَ: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقي في النار.
ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها؛ قَالَ: فما عملتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تُحب أن يُنفَق فيها إلا أنفقتُ فيها لك؛ قَالَ: كذبت، ولكنك فعلتَ ليُقال جواد فقد قيل، ثم أُمِرَ به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار"؛ فما أسوأ سوء الطوية في العمل يا عباد الله! وما أشد الحساب عليه! وما أعظم أهمية الإخلاص!
اللهم أصلح لنا سريرتنا في جميع أقوالنا وأعمالنا، وأحسن خاتمتنا في الأمور كلها يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات