عناصر الخطبة
1/ صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخِلقية 2/ صفات النبي صلى الله عليه وسلم الخُلُقية 3/ علامة المحبة الصادقة للنبي صلى الله عليه وسلم 4/ علاقة النبي صلى الله عليه وسلم مع أسرته

اقتباس

إن حقوق الأسرة كانت تأخذ حيّزَها الكاملَ في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فأين الساهرون الماكثون في الاستراحات الساعات من كل يوم؟! أين هم عن تلكم التربية النبوية الأسرية المتواصلة؟! فهذا مشهد نبوي...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نعم النصير ونعم الهاد،. وأشهد أن لا إله إلا الله، شهادة تبرئ صاحبها من الإلحاد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل المرسلين وأكرم العباد، أهلك مُشَاقَّه وكفاه المستهزئين ذوي الأحقاد. صلى الله وسلم عليه وعلى آله إلى يوم التناد.

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه؛ فإنها النجاة غداً، والمنجاة أبداً.

 

تخيلوا رجُلاً أبيض اللون، مشرباً بحمرة، رجِلَ الشعر أسودَه، يبلغ شحمة أذنيه إذا طال، ونصف ذلك إذا قصر، واسع الجبين، أزجَّ الحواجب في غير قرن، أدعجَ العينين، يتلألأ وجهه كالقمر ليلة البدر، أجلَّ الناس، وأبهاه من بعيد، وأحسنَه، وأحلاه من قريب.

 

يا ترى من هذا الجميل الموصوف بهذه الصفات الباهرة الظاهرة؟!

 

إنه للذي هو أحبُّ إلينا من والدينا. إنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

فهذه صفاته الظاهرة، وإليكم الآن صفاته الباطنة.

 

كان خلقه القرآن؛ يغضب لغضبه، ويرضى لرضاه.

 

وكان أحلمَ الناس، قيل له: ألا تدعو على المشركين؟ قال: إنما بعثت رحمة، ولم أبعث عذاباً.

 

وكان أشجعَ الناس، قال علي: كنا إذا حمي البأس، والتقى القوم- اتقينا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

وأعدلَ الناس، القريبُ والبعيد، والقوي والضعيف عنده سواء.

 

وأعفَ الناس، وأسخاهم، لا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، لا يبيت وعنده دينار.

 

إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء.

 

وكان أشدَّ حياء من العذراء في خدرها، لا يَثبت نظره في وجه أحد، أكثرُ الناس تبسماً، وأصدقُهم لهجة، وأوفاهم ذمة، وأكرمُهم عشرة، وأرحمهم، يصغي الإناء للهرة فما يرفعه حتى تروى؛ رحمة لها. كان أشدَّهم إكراماً لأصحابه، يتفقدهم ويسأل عنهم: من مرض عاده، ومن غاب دعا له، ومن مات استرجع، وأتبع ذلك بالدعاء له، ومن تخوف أنه وجد في نفسه انطلق حتى يأتيه في منزله.

 

ويَقبل معذرة المعتذر، ويخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكل من ضيافتهم، ولا يطوي بِشرَه عن أحد، ولا يدَعُ أحداً يمشي معه وهو راكب حتى يحملَه.

 

يقبل الهدية وإن قلت، ويكافئ عليها، ويأكلها، ولا يأكل الصدقة. لا يحقر فقيراً لفقره، تستوقفه الأمة والمسكين فيتبعهما حيث دعواه، ولا يترفع على عبيده وإمائه في مأكل، ولا ملبس. وما ضرب قطُّ خادمَه، ولا امرأةً، ولا شيئاً إلا في جهاد، بل قال أنس: خدمتُه عشرَ سنين، فما قال لي قط: أف، ولا لِمَ فعلتَ، ولا ألا فعلتَ.

 

إن جاء ما يحب قال: "الحمد لله" ، أو ما يكره قال: "الحمد لله على كل حال" .

 

يمزح، ولا يِقول إلا حقاً، يبدأ من لقيه بالسلام، لا يَقعد ولا يقوُم إلا على ذكر، يجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقوم عمن يجالسه حتى يستأذنه. ولا يقابل أحداً بما يكره، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح. أكثر جلوسه للقبلة، لا يمد رجله بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المجلس.

 

يَلبس ما وجد من مباح، ويَركب ما تيسر ولو حمارًا، ويُردف خلفه عبده، أو غيره، والذين أردفهم أكثر من ثلاثين.

 

يخصف النعل، ويرقع الثوب، ويفليه - أي ينقيه مما يلتصق به-، ويخدم في مهنة أهله.

 

آتاه الله مفاتيح خزائن الأرض فلم يقبل، واختار الآخرة. يعصب الحجر على بطنه من الجوع، يبيت هو وأهله الليالي طاوين، ولم يشبع من خبز بر ثلاثاً تباعاً، ولا من خبز الشعير حتى لقي الله - عز وجل - إيثاراً على نفسه لا فقراً، ولا بخلاً. يأتي على أهله الشهر والشهران لا يوقد في بيت من بيوته نار، ولا يأكل متكئاً. فراشه من أدم حشوه ليف. يلبس الصوف، وينتعل المخصوف. يلبس الإزار الواحد ليس عليه غيره، ويلبس يوم الجمعة برده الأحمر، ويعتم، وكان يكثر دهن رأسه، ولحيته، ويتطيب بالمسك.

 

نعم هذا رسول رب العالمين -صلى الله عليه وسلم- الذي نحبه أحب من أنفسنا ووالدينا، ومن حبنا له لا نحتفل بمولده؛ لأن هذا ليس من شرعه، ولا نُشاهد احتفالات المولد عبر الشاشات؛ لأن المرء كما يُنهى عن مشاهدة المحرمات، فكذلك يُنهى عن مشاهدة المبتدَعات، بل جنسُ البدع أعظمُ تحريمًا من جنس المحرمات.

 

 

الخطبة الثانية:

 

عباد الله: إن حقوق الأسرة كانت تأخذ حيّزَها الكاملَ في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فأين الساهرون الماكثون في الاستراحات الساعات من كل يوم؟! أين هم عن تلكم التربية النبوية الأسرية المتواصلة؟!

 

فهذا مشهد نبوي واحد من مشاهد عديدة؛ فلنسمعه كما ورد من صحيحي البخاري ومسلم: يقول أَبو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ، فَقَالَ مستمْلِحًا لسِبطه: "أَيْنَ لُكَعُ؟! أَيْنَ لُكَعُ؟! أَيْنَ لُكَعُ؟! ادْعُ الْحَسَنَ ابْنَ عَلِيٍّ" فغَسَّلَتْهُ أُمُّه وَأَلْبَسَتْهُ فِي عُنُقِهِ (قلادة تنفح طِيبًا)، فَقَامَ الْحَسَنُ يَمْشِي فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقَالَ الْحَسَنُ بِيَدِهِ هَكَذَا (فَجَاءَ يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ) [واعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ] فَقَالَ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ" (البخاري:5884، ومسلم:6410). فاللهم إنا نحب رسولك محمدًا، وسبط رسولك الحسن.

 

إنها عظمة المشاعر المحمدية الدالة على خلفية طويلة في بناء العلاقة العاطفية؛ فكان الترحيب ببسط اليدين، ثم العناق، ثم التقبيل، ثم سكب هذا الحب معلنًا في مسامعه دعاءً: "اللهم إني أحبّه".

 

فأين من يضربون أطفالهم وتلاميذهم عن هذه العظمة، أين القُساة عن هذا اللُّطف؟!

 

ومع موقف آخر يقطر عذوبة؛ فمن جنس الذكور إلى جنس الإناث، فكان تعامله -صلى الله عليه وسلم- العاطفي الأبوي مع البنات على أرقى وأرقِّ المستويات.

 

كان -صلى الله عليه وسلم- إذا زارته البَضعة النبوية قام إليها يتلقاها ورحب بها قائلاً: "مرحبًا بابنتي". ثم أخذ بيدها وقبلها، وأجلسها في مكانه الذي كان جالسًا فيه؛ مبالغة في الحفاوة والمحبة والإكرام.

 

فلما مرض مرضه الذي توفي فيه أرسل إليها يدعوها، فأقبلتْ تمشـي، لا تخطيء مِشيتها مِشيةَ أبيها -صلى الله عليه وسلم-، ولكنه هذه المرّة لم يَقُم لها كما كان يقوم؛ لأن العافية قد انهزمت في بدنه الشريف، فقد أنهكته الحمى، وإذ بفاطمة -رضي الله عنها- تنكَبُّ عليه تُقبله، وقد كان هو الذي يبادر لتقبيلها.

 

بقي أن نعرف أعجب ما في هذا الموقف، وهو أن هذا التدفق العاطفي النبوي والحب الأبوي كان لفاطمة وهي في الخامسة والعشـرين من عمرها زوجةً وأمًا لخمسة أولاد. فلنسأل أنفسنا: هل نحن واضحون في تعبيرنا عن مشاعر الحب لأبنائنا وبناتنا الكبار، أم نظن أنهم استغنوا عن تصـريحنا لهم بالحب لما كبروا؟ ألا فلنوقن أن الأولاد يَكبرون ويَكبر حبهم معهم، وليسوا لُعَبًا يُلهَى بهم صغارًا، ويُهْمَلون كبارًا.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُك رَحْمَةً مِنْ عِنْدِك تَهْدِيَ بهَا قُلُوْبَنَا، وتَجْمَعَ بِهَا أمْرَنَا، وتَحْفَظَ بهَا غائِبَنَا، وتُبَيِّضَ بِهَا وُجُوْهَنَا، وتُلْهمَنَا بهَا رُشْدَنَا.

 

اللَّهُمَّ اقْذِفْ في قُلُوْبِنَا رَجَاءَك واقْطَعْ رجَاءَنَا عمنْ سِوَاك.

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا أغَنْى خَلْقِك بك، وأفْقَرَ خَلْقِك إليْك.

 

اللَّهُمَّ أغْنِنَا عَمَّنْ أغْنَيْتَهُ عَنَّا، اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا.

المرفقات
أين-لكع؟.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life