عناصر الخطبة
1/محبة أم المؤمنين عائشة لشهر شوال 2/أحداث وقعت في شهر شوال 3/فضل صيام الست من شوال 4/صيام الست وقضاء رمضان

اقتباس

وأولُ عيدٍ تعيّدَ بهِ المسلمونَ في حياتِهم هو العيدُ الذي وقعَ في شوالٍ سنةَ اثنتينِ للهجرةِ، إثرَ النصرِ في غزوةِ بدرٍ, فما أروعَ ذلكَ العيدَ السعيدَ الذي جاءَ اللهُ به بعد أن تَوَّجَ هامَتَهم بتاجِ العزِ والفرقانِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ نحمدُه حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، صلى اللهُ وسلمَ عليه تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا ربَكم، واشكرُوه.

 

نحنُ في مطلعِ شهرِ شوالٍ، وقد كانتْ أمُنا عائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- تحبُ شوالَ خصوصًا، أتدرونَ لماذا؟؛ لأن أجملَ أيامِ عمرِها المباركِ كانت في شوالٍ, كيفَ ذلكَ؟؛ تزوَجَها رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في شوالٍ؛ ولذا "كَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ"(رواهُ مسلمٌ), قالَ النوويُ -رحمهُ اللهُ تعالى-: "فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ".

 

أيُها المسلمونَ: ما دامَ ربُنا -تعالى- يحثُنا ويقولُ: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)[إبراهيم: 5], وما دُمنا في شهرِ شوالٍ فلنستعرِضِ الآنَ سبعةً من أيامِ اللهِ التي مرتْ على سيدِ البشرِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- في شوالٍ فقطْ، بسرائِها وبأسائِها: ففي شوالٍ تزوجَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ثلاثًا من زوجاتِهِ؛ سودةَ بنتَ زمعةَ قبلَ الهجرةِ, ثم عائشةَ في السنةِ الأولى, ثم أمَّ سلمةَ في السنةِ الرابعةِ.

 

وأولُ عيدٍ تعيّدَ بهِ المسلمونَ في حياتِهم هو العيدُ الذي وقعَ في شوالٍ سنةَ اثنتينِ للهجرةِ، إثرَ النصرِ في غزوةِ بدرٍ, فما أروعَ ذلكَ العيدَ السعيدَ الذي جاءَ اللهُ به بعد أن تَوَّجَ هامَتَهم بتاجِ العزِ والفرقانِ!؛ (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الأنفال: 26].

 

وفي شوالٍ سنةَ ثلاثٍ من الهجرةِ: وقعتْ غزوةُ أحدٍ, وحصلتْ الهزيمةُ على المسلمينَ, فحصلَ الغمُّ، ولكنَّ اللهَ أزالَها بغمٍ أقوَى، وهو إشاعةُ المشركينَ مقتلَ النبيِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-؛ (فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[آل عمران: 153], وهذا علاجٌ ربانيٌ نفسانيٌ عجيبٌ، فقد نسُوا غمَّ الهزيمةِ وكثرةَ قتلاهم, فتعادَلَ الفرحُ مع الحُزنِ؛ لما تبيّنوا أن مقتلَ النبيِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- كِذبةٌ وخَدْعةُ حربٍ.

 

وفي شوالٍ سنةَ خمسٍ للهجرةِ: حاصرتِ الأحزابُ رسولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- والمسلمينَ شهراً، فدعا عليهم، فسرَى بين الأحزابِ التخاذلُ، وأرسلَ اللهُ عليهم جُنداً من الريحِ فقوّضتْ خيامَهم، وكفأتْ قدورَهم؛ (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا)[الأحزاب: 25].

 

وفي شوالٍ سنةَ ستٍ للهجرةِ: قَدِمَ أُنَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ فأظهرُوا الإسلامَ، فمرِضوا من أجواءِ الْمَدِينَةِ, فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا, فَلَمَّا صَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-, وَاسْتَاقُوا النَّعَمَ, فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأَمَرَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسُمِرَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَأُلْقُوا فِي الْحَرَّةِ، يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ.

 

وفي شوالٍ سنةَ ثمانٍ للهجرةِ: انطلقَ رسولُ اللّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إلى حنينٍ في اثنَيْ عشرَ ألفاً من المسلمينَ, وإذا كتائبُ العدوِ قد شدّتْ عليهم، فانشمرَ المسلمونَ راجعِينَ لا يلوُونَ على أَحدٍ، ولم يَبْقَ معهُ إلا ثمانونَ رجلاً, وحينئذٍ ظهرتْ شجاعتُه -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- التي لا نظيرَ لها، فقد طفِقَ يركضُ بغلتَه قِبَلَ الكفارِ وهو يقولُ: "أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ, أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ", ثم نزلَ فاستنصَرَ ربَه قائلاً: "اللّهم أنزِلْ نصرَكَ", فنَزلَ النصرُ.

 

وفي شوالٍ سنةَ عشرٍ للهجرةِ: حزِنَ نبيُكم -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وبكَى حينَ توفيَ ابنُه الرضيعُ إبراهيمُ، وعمرُه سبعةَ عشرَ شهرًا، لم يُكملْ رضاعَه في الدنيا، فأكملَ اللهُ رضاعَه في الجنةِ.

 

فاللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ خيرِ الشاكرينَ عند السراءِ، وخيرِ الصابرينَ عند الضراءِ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الذي هدَانا، والصلاةُ والسلامُ على مَن للهُدى دعانا.

 

أما بعدُ: فمِنَ المواهبِ الربانيةِ الشواليةِ تلكَ الموهبةُ العظيمةُ، بأن جعلَ اللهُ لمن صامَ ستةَ أيامٍ من شوالٍ أن يجازَى بمثلِ أجرِ مَن صامَ سنةً كاملةً، ففي صحيحِ مسلمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ؛ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر", فهذه ستةٌ وثلاثونَ يومًا تُعادِلُ ثلاثمائةٍ وستينَ يومًا؛ لأن الحسنةَ بعشرِ أمثالِها, فلا نفرطْ بهذهِ العطيةِ الجزلةِ، مقابلَ المهمةِ السهلةِ، فالعمرُ قصيرٌ، والتقصيرُ كثيرٌ.

 

ومَن كانَ عليهِ قضاءٌ فليبدأْ بهِ قبلَ الستِ؛ لأن الفرضَ أهمُ, ومَن صامَها بنيةِ صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كلِ شهرٍ حصّلَ الفضلَينِ إذا نواهُما.

 

فاللهمَ يا واسعَ المغفرةِ، تفضلتَ علينا بشهرٍ مضاعَفٍ حسناتُه، اللهُمَّ فتسلمْهُ بجودِك مضاعَفًا، وما فيه من تقصيرٍ فكن بفضلِكَ عافيًا, اللهم تقبلْ صيامَنا وقيامَنا، وزكواتِنا ومعايداتِنا ومصافحاتِنا, اللهم إنا نسألكَ عيشةً تقيةً, وميتةً سويةً, ومَرَدًا غير مخزٍ ولا فاضحٍ, اللهمَ باركْ في أوقاتِنا وأقواتِنا، وحسِّنْ أخلاقَنا، وبارِكْ أرزاقَنا, اللهم آمِنّا في أوطانِنا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، وأيِّدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، وأعزَّهم بطاعتِك، وأعزَّ بهمْ دينَك، وارزقهُم بطانةً صالحةً ناصحةً، دالّةً مُذكِّرةً, اللهم احفظْ مجاهدِينا وجنودَنا على حدودِنا.

 

 

المرفقات
I3m9rlvJ5Rz07HxY6uXkfG7Xtk1gfT70tgVZ4cVr.pdf
bw4O30Vfq6mIv4ajCzq31EheB5HcaMvf7t18tUXP.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life