أهم خصائص نمو المراهق

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/مفهوم المراهقة وفترتها 2/أهم خصاص نمو المراهق3/كيف نتعامل بإيجابية مع خصائص نمو المراهق؟

اقتباس

إِنَّ مَرَاحِلَ الْإِنْسَانِ الْعُمْرِيَّةَ لَهَا خَصَائِصُهَا وَمِيزَاتُهَا، الَّتِي تُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْ ثَمَّ يَسْتَطِيعُ الْمُرَبِّي اتِّخَاذَ الْآلِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ خَصَائِصِهَا. أَلَا وَإِنَّ مِنْ مَرَاحِلِ عُمْرِ الْإِنْسَانِ الْمُهِمَّةِ: مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مَرَاحِلَ الْإِنْسَانِ الْعُمْرِيَّةَ لَهَا خَصَائِصُهَا وَمِيزَاتُهَا، الَّتِي تُمَيِّزُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ، وَمِنْ ثَمَّ يَسْتَطِيعُ الْمُرَبِّي اتِّخَاذَ الْآلِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ خَصَائِصِهَا. أَلَا وَإِنَّ مِنْ مَرَاحِلِ عُمْرِ الْإِنْسَانِ الْمُهِمَّةِ: مَرْحَلَةَ الْمُرَاهَقَةِ، وَالْمُرَاهَقَةُ مَعْنَاهَا الِاقْتِرَابُ، وَمُرَاهَقَةُ الْغُلَامِ: اقْتِرَابُهُ مِنَ الِاحْتِلَامِ.

 

وَعِنْدَ أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ الْمُرَاهَقَةُ تَعْنِي: مَرْحَلَةَ الِابْتِعَادِ عَنِ الطُّفُولَةِ وَالِاقْتِرَابِ مِنْ مَرْحَلَةِ الْإِدْرَاكِ وَالنُّضْجِ الْجِسْمِيِّ وَالْعَقْلِيِّ وَالنَّفْسِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ. وَتَكُونُ فِي الذُّكُورِ مَا بَيْنَ سِنِّ: (12-21) سَنَةً، وَفِي الْإِنَاثِ مَا بَيْنَ سِنِّ: (13-22) سَنَةً.

 

عِبَادَ اللَّهِ: وَلِنُمُوِّ الْمُرَاهِقِ خَصَائِصُ تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ تِلْكَ الْخَصَائِصِ:

النُّمُوُّ الْجِسْمِيُّ، فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يَزْدَادُ الطُّولُ وَالْوَزْنُ، وَيَحْصُلُ إِقْبَالٌ كَبِيرٌ عَلَى الْأَلْعَابِ الرِّيَاضِيَّةِ، وَإِقْبَالٌ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِشَرَاهَةٍ، وَيَتَحَسَّنُ الْمُسْتَوَى الصِّحِّيُّ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، وَيَزْدَادُ النُّضْجُ وَالتَّحَكُّمُ فِي الْقُدُرَاتِ، وَتَبْدَأُ الْقُوَّةُ بِالظُّهُورِ، وَصَدَقَ اللَّهُ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ:54].

 

وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ تَزُولُ مَلَامِحُ الطُّفُولَةِ وَيَحْصُلُ تَغَيُّرٌ فِي شَكْلِ الْوَجْهِ، وَتَظْهَرُ عَلَيْهِ بُثُورٌ، وَنُمُوُّ الشُّعُورِ فِي أَمَاكِنَ مُعَيَّنَةٍ، وَخُشُونَةُ الصَّوْتِ لَدَى الذُّكُورِ، وَبُرُوزُ الثَّدْيَيْنِ لَدَى الْأُنْثَى. وَيَكُونُ هُنَاكَ تَوَتُّرٌ وَاضْطِرَابٌ بِسَبَبِ هَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ.

 

وَمَعْرِفَةُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ لِهَذِهِ التَّغَيُّرَاتِ تَجْعَلُهُمْ لَا يَسْتَغْرِبُونَ وَلَا يَنْتَقِدُونَ الطِّفْلَ الْمُرَاهِقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا أُمُورٌ طَبِيعِيَّةٌ يُجْبَلُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ فِي تِلْكَ الْمَرْحَلَةِ.

 

وَمِنْ خَصَائِصِهَا: النُّمُوُّ الِانْفِعَالِيُّ، وَمَظَاهِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ؛ مِثْلَ؛ الْعُنْفِ وَرِدَّةِ الْفِعْلِ الْمُبَالَغِ فِيهَا، فَيَكْثُرُ مِنْهُ الشِّجَارُ مَعَ إِخْوَتِهِ وَجِيرَانِهِ وَزُمَلَائِهِ، وَيَصْحَبُ ذَلِكَ صِيَاحٌ وَتَهْدِيدٌ وَشَتْمٌ، وَيَظْهَرُ لَدَيْهِ أَيْضًا كَثْرَةُ الْغَضَبِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى قَوَانِينِ الْأُسْرَةِ وَالْمَدْرَسَةِ. وَلَكِنْ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتَ وَاقْتِرَابِهِ مِنَ النُّضْجِ يَمِيلُ إِلَى الِاتِّزَانِ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ النُّمُوِّ الِانْفِعَالِيِّ: ضَعْفُ الِاتِّزَانِ فِي السُّلُوكِ، بِحَيْثُ يَتَأَرْجَحُ الْمُرَاهِقُ بَيْنَ سُلُوكِ الْأَطْفَالِ وَسُلُوكِ الْكِبَارِ، فَفِي بَعْضِ الْمَوَاقِفِ يَكُونُ صَعْبَ الِانْقِيَادِ، وَفِي بَعْضِهَا الْآخَرِ يَصِيرُ ضَعِيفًا حَتَّى إِنَّهُ لِيَبْكِيَ كَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ النُّمُوِّ الِانْفِعَالِيِّ: الْخَجَلُ وَالْمَيْلُ إِلَى الْعُزْلَةِ وَالِانْطِوَاءِ، فَبِسَبَبِ التَّغَيُّرَاتِ الَّتِي حَصَلَتْ عِنْدَهُ لَا يُحِبُّ كَثْرَةَ الِاخْتِلَاطِ بِالْآخَرِينَ، وَيَمِيلُ إِلَى الِانْطِوَاءِ وَالشُّرُودِ، فَيَجِدُ فِيهَا عَالَمَهُ الَّذِي يَسْتَبْدِلُ بِهِ عَالَمَ النَّاسِ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ النُّمُوِّ الِانْفِعَالِيِّ: أَنْ يَمِيلَ الْمُرَاهِقُ إِلَى إِظْهَارِ حُبِّهِ لِلْآخَرِينَ، وَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَنْ يُبَادِلُوهُ الشُّعُورَ نَفْسَهُ، خُصُوصًا الْجِنْسَ الْآخَرَ.

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ النُّمُوِّ الِانْفِعَالِيِّ: "التَّغَيُّرُ الْجِذْرِيُّ عِنْدَ بَعْضِ الْمُرَاهِقِينَ، فَقَدْ يَحْصُلُ لَدَى بَعْضِهِمْ تَغَيُّرٌ جَذْرِيٌّ يَنْعَكِسُ عَلَى سُلُوكِهِ؛ فَيَتَحَوَّلُ مِنْ طَالِبٍ مُجِدٍّ مُؤَدَّبٍ إِلَى مُهْمِلٍ كَسُولٍ مُشَاغِبٍ"(تَرْبِيَةُ الشَّبَابِ، الدُّوَيْشُ).

 

وَهَذَا -مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ- وَاقِعٌ مَلْمُوسٌ؛ فَكَمْ مِنْ أَبٍ كَانَ يَرَى فِي طُفُولَةِ ابْنِهِ النَّجَابَةَ وَالْحِرْصَ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ وَلُزُومِ مَحَاسِنِ الْآدَابِ، فَلَمَّا بَلَغَ حَدَّ الْمُرَاهَقَةِ انْتَكَسَ حَالُهُ.

فَأَصْبَحَ كَالْبَازِي الْمُنَتَّفِ رِيشُهُ *** يَرَى حَسَرَاتٍ كُلَّمَا طَارَ طَائِرُ!

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنْ خَصَائِصِ نُمُوِّ الْمُرَاهِقِ: النُّمُوُّ الِاجْتِمَاعِيُّ، فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يَتَكَوَّنُ لَدَى الْمُرَاهِقِ الشُّعُورُ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالْحَمَاسُ الْكَبِيرُ لِقَضَايَاهَا، وَالْحِرْصُ الْعَظِيمُ عَلَى مُسَاعَدَةِ الْآخَرِينَ وَرَحْمَتِهِمْ، وَالْمُشَارَكَةِ لَهُمْ فِي النَّشَاطَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْمُتَنَوِّعَةِ.

 

فَكَمْ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- مِنْ قَضِيَّةٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ قُضِيَتْ حَاجَاتُ أَهْلِهَا بِسَبَبِ حَمَاسِ أَهْلِ هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، فَحَصَلَ النَّفْعُ الْعَظِيمُ.

 

وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ -أَيْضًا-: يَحْصُلُ مِنَ الْمُرَاهِقِ الْبَحْثُ عَنِ الِاسْتِقْلَالِ الِاجْتِمَاعِيِّ؛ مِثْلَ الْمِهْنَةِ الَّتِي تُحَدِّدُ اسْتِقْلَالَهُ الِاقْتِصَادِيَّ، وَالزَّوَاجِ الَّذِي يُحَدِّدُ اسْتِقْلَالَهُ الْأُسَرِيَّ، وَهَذَا التَّفْكِيرُ تَفْكِيرٌ صَحِيحٌ إِذَا تَحَقَّقَ أَوْرَثَهُ الصِّيَانَةَ وَالْعَفَافَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُشَجَّعَ الْمُرَاهِقُونَ عَلَى ذَلِكَ وَيُسَاعَدُوا فِي تَحْقِيقِهِ؛ فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: "فَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً"، زَادَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ -وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَجْهِي أَيْ: قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ لِحيَتُهُ-: "هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا"(فَتْحُ الْبَارِي لِابْنِ حَجَرٍ).

 

وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ كَذَلِكَ يَحْصُلُ الِارْتِبَاطُ الْوَثِيقُ بِالْأَصْدِقَاءِ، وَمَحَبَّةُ الْبَقَاءِ مَعَهُمْ أَكْثَرَ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَ الْأُسْرَةِ، وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يُوَجِّهَ الْوَالِدَانِ الْمُرَاهِقَ إِلَى حُسْنِ اخْتِيَارِ أُولَئِكَ الْأَصْدِقَاءِ؛ لِمَا لِلصَّدِيقِ مِنْ أَثَرٍ عَلَى صَدِيقِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْ خَصَائِصِ نُمُوِّ الْمُرَاهِقِ: النُّمُوُّ الْعَقْلِيُّ، فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يَنْمُو الذَّكَاءُ الْعَامُّ بِسُرْعَةٍ كَبِيرَةٍ، وَتَبْدَأُ الْقُدُرَاتُ الْعَقْلِيَّةُ فِي التَّمَايُزِ، وَتَظْهَرُ سُرْعَةُ التَّحْصِيلِ، وَالْمَيْلُ إِلَى بَعْضِ الْمَوَادِّ الدِّرَاسِيَّةِ دُونَ الْأُخْرَى، وَتَنْمُو الْقُدْرَةُ عَلَى تَعَلُّمِ الْمَهَارَاتِ وَاكْتِسَابِ الْمَعْلُومَاتِ، وَيَزْدَادُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْفَهْمِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَيَنْمُو التَّفْكِيرُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَاسْتِخْدَامِ الِاسْتِنْتَاجِ، وَعَدَمِ الِالْتِزَامِ بِقُيُودِ الْآخَرِينَ وَتَكْوِينِ فِكْرٍ اسْتِقْلَالِيٍّ. هَكَذَا قَالَ أَهْلُ الِاخْتِصَاصِ.

 

فَهَذِهِ -مَعْشَرَ الْفُضَلَاءِ- أَهَمُّ خَصَائِصِ نُمُوِّ الْمُرَاهِقِ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ مَظَاهِرُهَا السَّابِقَةُ فِي بِيئَةٍ عَنْ بِيئَةٍ، وَفِي أُسْرَةٍ عَنْ أُخْرَى زِيَادَةً وَنُقْصَانًا، وَتَنَوُّعًا وَاقْتِصَارًا.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ نُمُوَّ أَوْلَادِنَا نُمُوًّا صَالِحًا، لَا يُكَدِّرُهُ انْحِرَافٌ وَلَا فَسَادٌ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَقَدَّرَ فَهَدَى، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمٍ تَتْرَى، وَآلَاءٍ لَا أُدْرِكُ لَهَا حَصْرًا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ الْمُجْتَبَى، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنَّ هَذِهِ الْخَصَائِصَ لِنُمُوِّ الْمُرَاهِقِ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَهَا بِإِيجَابِيَّةٍ، وَمِنْ صُوَرِ التَّعَامُلِ الْإِيجَابِيِّ مَعَ تِلْكَ الْخَصَائِصِ:

أَنْ لَا نَضِيقَ ذَرْعًا بِهِمْ وَنَحْنُ نَرَاهَا مِنَ الْمُرَاهِقِينَ؛ لِأَنَّهَا أَشْيَاءُ جِبِلِّيَّةٌ لَا يُلَامُونَ عَلَيْهَا، لَكِنْ يَنْبَغِي تَوْجِيهُ مَا فِيهَا مِنَ الْأَفْعَالِ وَتَعْدِيلُ مَسَارِهَا الْخَاطِئِ إِلَى الْمَسَارِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ إِذَا غَابَ التَّوْجِيهُ الصَّحِيحُ وَجَّهَتْ هَذِهِ الِانْفِعَالَاتِ الْبِيئَةُ السَّيِّئَةُ وَالصُّحْبَةُ الْمُنْحَرِفَةُ وَرُفْقَةُ السُّوءِ.

 

وَقَدْ كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التَّوْجِيهُ الصَّحِيحُ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى لَدَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- حَمَاسًا زَائِدًا فِي الْعِبَادَةِ فَإِنَّهُ وَجَّهَهُ الْوُجْهَةَ الصَّحِيحَةَ، وَأَبَانَ لَهُ الطَّرِيقَ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَقُولُ: وَاللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي. قَالَ: "فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ؛ فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ"، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ"، قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا، فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ"، فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْ صُوَرِ التَّعَامُلِ الْإِيجَابِيِّ مَعَ تِلْكَ الْخَصَائِصِ: زِيَادَةُ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ، وَتَعْزِيزُ الشُّعُورِ الْإِيجَابِيِّ، وَالتَّشْجِيعُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ النَّاتِجَةِ عَنْ تِلْكَ الْخَصَائِصِ، وَغَرْسُ الْقِيَمِ الدِّينِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِيَّةِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ عَلَى تِلْكَ الْقِيَمِ؛ كَالْقِيَمِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي آيَةِ الْحُقُوقِ الْعَشَرَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) الْآيَةَ... [النِّسَاءِ: 36]، وَصِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي آخِرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا)[الْآيَاتِ: 63-75، الْفُرْقَانِ].

 

أَلَا فَاعْلَمُوا -يَا عِبَادَ اللَّهِ- هَذِهِ الْخَصَائِصَ؛ حَتَّى تَسْلُكُوا مَسْلَكَ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَ الَّذِي يَعُودُ عَلَى أَوْلَادِكُمْ بِالنَّفْعِ الْكَبِيرِ فِي الْحَاضِرِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، فَمَنْ عَلِمَ لَيْسَ كَمَنْ جَهِلَ، وَمَنِ امْتَثَلَ طُرُقَ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةَ مَعَ أَوْلَادِهِ لَيْسَ كَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ.

 

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ: 74].

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
MkgnpUVNPkC5AtgdK9kyUdFhMHoBoXCqsIRrFH4r.doc
ahUNGooiRCUbkPAXBVhFO6G2t5NzvWc091lYV8cT.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life