أهمية علوم القرآن الكريم

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2024-09-05 - 1446/03/02
التصنيفات:

 

مرشد الحيالي

 

الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، أرسله الله داعيًا بإذنه وسراجًا منيرًا، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

لا شك أن القرآن الكريم هو الكتاب المنزل على سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ليخرج به الناس من الضلال إلى الهدى، ومن الغي إلى الرشاد، وهذا القرآن الكريم هو مصدر عزتنا وفخرنا وسعادتنا؛ ولذلك كان من المتعين على كل مسلم ومسلمة أن يهتما بكتاب الله، ويعتنيا بحفظه، ويحرصا على تطبيقه والعمل به.

 

والسعادة لا تتحقق إلا لمن اهتدى بالقرآن؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، وقال تعالى: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].

 

ومن هنا فإننا مخاطبون بهذا القرآن ومطالبون بتعليمه وتعلُّمه والعمل بموجبه، "وخيرُكم مَن تَعَلَّم القرآن وعلَّمه"، كما قال سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم.

 

ولا شكَّ أنه لا يمكن الاهتداء بالقرآن إلا إذا تعلمنا ما فيه من أحكام ومسائل وعلوم، ومن هنا يأتي دور العلم في المقدمة؛ قال تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [محمد: 19].

 

وشرف العلم كما يقال تابعٌ لشرف معلومه، وأشرف العلوم على الإطلاق ما كان منها يتعلَّق بالقرآن وعلومه.

أندى على الأكباد من قطر الندى

وألذُّ في الأجفان من سِنة الكرى

ونحن دائمًا نستمع إلى علماء التفسير وغيرهم وهم يتحدثون في تفسيرهم لكلام الله عن المكي والمدني، والناسخ والمنسوخ وعن أسباب النزول، وأن القرآن الكريم نزل مُنجَّمًا مُفرَّقًا حسب الحوادث والوقائع وعن إعجاز القرآن ووجوه إعجازه، وغير ذلك من المصطلحات التي يتم تداولها في الكتب والمؤلفات عند علماء هذا العلم الجليل.

 

وهذه المصطلحات عُني بها علمٌ من العلوم الإسلامية، وتحدث بها العلماء قديمًا وحديثًا في مؤلفاتهم ومصنفاتهم، وهي التي يُقال عنها علوم القرآن.

 

ولا بُدَّ أن نعلم أن موضوعات علوم القرآن تنقسم إلى ثلاثة أمور؛ وهي:

1- قراءة القرآن وتلاوته.

2- فهم معاني القرآن وتدبُّره.

3- العمل والتطبيق.

 

ولمعرفة هذه الأمور نحتاج إلى قواعد وأصول لا بُدَّ أن نتقنها وندرسها لنعلم تفسيره، فعلم التجويد يُعْنى بالتلاوة وأحكام التجويد وقواعده، وعلم التفسير يُعنى بالفهم ومعرفة المعنى وهكذا، وعلوم القرآن لا بُدَّ فيها من الفهم والتدبر لكتاب الله؛ لأنه يدرس أشياء كثيرة لها صلة بالقرآن مثل الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني، وما يتعلق بإعجاز القرآن ومناهج المفسرين، وكلها تدل على أهمية تلك العلوم وصلتها الوثيقة به، ولا غِنى لطالب العلم عن دراستها ومعرفتها.

 

أهمية علوم القرآن الكريم:

ولا شكَّ أن الإنسان إذا تبيَّن له أهمية هذا العلم الجليل -علوم القرآن- أقبل عليه، وحرص على تعلُّمه، فالعلم الشرعي نحتاج إليه كحاجتنا إلى الطعام الشراب؛ بل أشد -كما قال ابن القيم رحمه الله- وكل ما يدخل في العلم الشرعي له من الأهمية بقدر ما يستفيد منه الإنسان، وعلم علوم القرآن هل له من أهمية حتى نخصص له مقررات في الجامعات والمعاهد، وحتى نفرد له المؤلفات والمصنفات؟ لا شك نعم، وذلك يتبين من وجوه عدة نجملها فيما يلي:

أولًا:

تتبين أهمية هذا العلم من حيث إنه من تعرف عليه وعلى مسائله وقضاياه وأحكامه، وما تضمنه من مباحث فإنه يزداد بالقرآن الكريم معرفةً وحبًّا وإقبالًا، وكفى بكلام الله شرفًا وفضلًا، حيث يتبيَّن لنا من خلال علوم القرآن كيف نزل، وكيف حفظه الله على مَرِّ العصور، ووجوه الإعجاز، ونحو ذلك من المباحث الهامَّة المتعلقة بعلوم القرآن الكريم.

 

ثانيًا:

نتعلَّم من علوم القرآن الكريم معرفة الشبهات والتصدي لها التي افتراها أعداء الإسلام، وكيفية ردها وبيَّن زيفها، وبيان بطلانها، وهو أمر هام وخاصة للمهتمين بهذا العلم الجليل، ولو بحثنا في علوم القرآن لوجدنا أن كثيرًا من مسائله هي رد على شبهات آثارها أعداء الإسلام، وهناك مباحث مستقلة خاصة عند المتأخرين حيث يولونها اهتمامًا، ويجعلون ذلك في نهاية مؤلفاتهم مباحث في رد الشبهات، وتفنيد الأباطيل، وهو نوع من أنواع الجهاد، كما تجد ذلك في كتاب الانتصار للباقلاني، والداني في المقنع، والزركشي وغيرهم، ومن المتأخرين الذين تصدوا لمحاولات التشكيك ضمن علوم القرآن: الزرقاني، وصبحي الصالح، وغانم قدوري، ومناع القطان وغيرهم.

 

ثالثًا:

بيان الشروط والآداب التي يجب توفرها في المُفسِّر، والعلوم الواجب توفرها فيمن يتصدَّى لبيان القرآن وتعليمه للخلق، وهذا من أرفع المنازل، وأعظم المقامات، ومن أفضل الأعمال التي يتقرَّب بها العبد إلى ربه، وأن القائمين على معرفة القرآن وعلومه وتدريسه، وتعليمه لهم مقام صِدْق عند ربِّهم.

 

رابعًا:

إن الدارس لهذا العلم يتسلح بسلاح قوي ضد غارات أعداء الإسلام التي شنوها على القرآن الكريم زورًا وبهتانًا، ولا شك أن الدفاع عن القرآن -الذي هو أصل الإسلام- من أوجب الواجبات على الأمة الإسلامية، ولا سيَّما علماؤها وأهل الرأي فيها، وإنه لشرف عظيم وفضل كبير أن يكون المسلم مُنافِحًا عن هذا الكتاب الجليل.

 

خامسًا:

إن الدارس لهذا العلم يكون على حظٍّ كبير من العلم بالقرآن، وبما يشتمل عليه من أنواع العلوم والمعارف، ويحظى بثقافة عالية وواسعة فيما يتعلق بالقرآن الكريم.

 

والعلم يصلح القلوب، ويهذب السلوك، ويُغذِّي العقول، ولعلوم القرآن من ذلك الحظ الأوفر.

 

فالقرآن إذن أحسن الحديث وأصدقه، وعلومه أشرف العلوم وأوجبها على كل مسلم أيًّا كان تخصُّصه وأيًّا كانت حرفته.

 

سادسًا:

الاستعانة ببحوث علوم القرآن على فهم مراد الله، وتفسير القرآن الكريم، وهو من أهمها وأجلها نفعًا لشدة ارتباط هذه البحوث بالتفسير؛ كالناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، ومعرفة المدني والمكي، والخاص والعام، والمقيد والمطلق، ونحو ذلك.

 

والبحوث التي كتبت وكشفت عن وجوه إعجاز القرآن وبيان تفسيره، والعلوم المتعلقة التي لها صلة بالقرآن وعلومه ليس لها حصر أو عدد خاصةً في الجامعات الإسلامية ومعاهدها، عدا مَنْ ألَّف في علوم القرآن ابتداءً قديمًا وحديثًا.

 

ومن أهم من كتب في علوم القرآن بلغة العصر ما كتبه الأستاذ غانم قدوري، والأستاذ مناع القطان، والأستاذ الدكتور فضل حسن عباس في مؤلفه القيم (إتقان البرهان في علوم القرآن)، فقد بيَّن رحمه الله جهود العلماء في خدمة كتاب الله على مر العصور، وذكر في مقدمة له أهمية هذا العلم، فقال رحمه الله: (لن نكون مغالين إذا قلنا: إن موضوعات علوم القرآن هي أخطر موضوعات التراث الإسلامي؛ لأن لها صلة وثيقة بالقرآن، ومن أجل ذلك وجدنا أعداء الإسلام قديمًا وحديثًا يحاولون البحث عن أي ثغرة باطلة أو أي قضية دونت خطأ، وعن أي رأي غير سديد ذكره الكاتبون إلا وحاولوا من خلاله الطعن في هذا القرآن ليشككوا المسلمين فيه؛ ولذا قام أئمتنا في التصدي لهؤلاء، ورد سهام هؤلاء الحاقدين إلى نحورهم...إلخ مما قاله من كلام نفيس قيم.

 

ونحن في ذلك ندعو طلاب العلم أن يهتموا بعلوم القرآن من خلال حفظ مسائله، والإحاطة بقواعده حتى يكون طالب العلم مؤهلًا لحمل هذا الدين، وتبليغه لعموم الخلق، وكذلك للتصدي لما يُثار حول القرآن وعلومه من شكوك وطعون، وفي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُه يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ."...

 

وفي النهاية أسأل الله التوفيق، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمع القول فيتَّبِع أحسنه، وأن يجعلنا وإيَّاكم ممن وفق لنشره وتبليغه، والتعريف به والعمل به، وأن يرزقنا سعادة الدين والدنيا، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى اللهم وسلم على أشرف خلقه وأكرم رسله سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life