أهمية دراسة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والسلف الصالح

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/أهمية دراسة سير السلف 2/ظاهرة انصراف الناس عن سير العظماء 3/من فوائد دراسة السيرة النبوية 4/التحذير من القصاص وغرائبهم 5/برنامج عملي للأسرة في قراءة السيرة وقصص الصحابة.

اقتباس

ولو جعل درس لأهل البيت كلهم لكان حسنا, ولو شيئا يسيرا, ولو صفحة واحدة, والجميع على الشاي يقرؤون ويتناقشون؛ فيتعلمون, وتحفهم الملائكة, وتنزل البركة في البيت, ثم ننتقل بعد السيرة في قراءة سير الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة..

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضْلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إنَّ أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب70-71].

 

فيا أيها الناس: إن من أبرز خصائص هذه الأمة ما حباها  الله من سيرة عطرة منذ نشأتها وعلى مر العصور, حتى عصرنا هذا, كلها مفاخر, ومنهج حياة للمسلم, وإن أمة لا تعرف سيرة أجدادها, أمةٌ غافلة عن مجدها, غارقة في أمجاد غيرها ممن فتنوا بحضارتهم؛ لما نسوا حضارة أمتهم العريقة.

 

عباد الله: منذ أن بعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- وهو يرسم للأمة منهجا يسيرون عليه, ويطبقه بنفسه قبلهم, وجعل أصحابه يسيرون على نفس النهج, وهكذا دواليك, وتم تسطير تلك السير والحوادث, بما فيها من خير وشر وحلو ومر؛ ليستفيد من جاء بعدهم بذلك, ولكننا في هذا الزمن, زمن التقنية والحواسيب, صرفنا تماما عن أمجاد أمتنا, وكثير من الخلق أصبحوا يبحثون عن سير الساقطين التافهين الذين يعلقون الناس بالدنيا, ويصرفونهم عن الآخرة, ولا يفيدونهم فيما ينفعهم!.

 

لقد صنفت كتب كثيرة في السيرة والتراجم, قد ملأت أدراج المكاتب, وسطرت عبر النت, قريبة المنال, إذا خلوت بها؛ عشت في زمن تلك الحقبة, واكتسبت من خبراتهم وزاد عزك, وعرفت قدر أمتك, فلم تغتر بغيرهم.

 

إن قراءة السيرة تعد منهجا يسير عليه الناس, وليس مجرد تسلية, كما أنها من أسباب الثبات, قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)[هود: 120].

 

وهي من طرق معرفة أسباب التشريع, فأغلب الأحكام لها أسباب, وعند معرفة سببها, يتبين شأنها, ويتضح أمرها, مثال: سبب الرمل عند الطواف, إذا قرأ في السيرة تبين له السبب الداعي للرمل.

 

كما أن الاطلاع على السيرة يزيد من قوة الإيمان, فإذا قرأ المسلم سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه والسلف الصالح, عرف ما هم عليه من العلم والإيمان؛ فيتقوى بذلك إيمانه, ويحن إلى أولئك السلف الصالح وماهم عليه من خلق ودين.

 

كما أن السيرة تعطي المسلم الطرق الصحيحة للتربية وتنشئة الأبناء, بل الجيل المسلم كله؛ كما حصل في مدرسة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

وغيرها كثير, والمتأمل في كتاب الله يرى كثرة القصص, وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقص على الناس؛ كما قال -سبحانه-: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[الأعراف: 176], وأخبر أن في قصص الأولين عبر؛ فقال: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ)[يوسف: 111], قال ابن عبد البر: "قال بعض السلف: الحكاياتُ جندٌ من جنود الله -تعالى- يثبت بها قلوب أوليائه".

 

معاشر المؤمنين: ومن المهم التنبيه على أمر يجدر بالجميع فهمه, أن أخبار التاريخ والسير والملاحم ونحوها إذا كان لا يؤخذ منها علم شرعي في الأحكام,؛ فإن أهل العلم يتساهلون في روايتها مالم تشتمل على منكر, والمتتبع لتآليف العلماء المعتبرين يجد ذلك واضحا جليا.

 

غير أن السير والتواريخ يكثر فيها الغرائب والمنكرات, وجاء عن بني إسرائيل مما يسمى بالإسرائيليات, وقال علي بن المديني: "أكذب الناس ثلاثة: القصاص, والسؤال, والوجوه", قلت: فما بال الوجوه؟! قال: يكذبون في مجالسهم ولا يرد عليهم".

 

وليس في المغازي أصح من كتاب مغازي موسى بن عقبة, مع صغره وخلوه من أكثر ما يذكر في كتب غيره!.

 

وقال حماد بن زيد: "سمعت أيوب يقول: ما أمات العلم إلا القصاص, إن الرجل ليجلس إلى القاص برهة من دهره فلا يتعلق منه بشيء, وإنه ليجلس إلى الرجل العالم الساعة فما يقوم حتى يفيد منه شيئا".

 

ويقصد بالقصاص الذي يتصدرون للناس ويقصون عليهم, ولا علم عندهم إلا الغرائب, يجذبون الناس بالغريب من القول والقصص, وما أكثرهم اليوم!, فتجده يورد حديثا يقول: "هذا حديث لأول مرة تسمعونه", و"هذه قصة لم يسمع بها من قبل"!.

 

والواجب على المسلم أن يأخذ العلم من أهله, الذين عرفوا بالعلم وطلبه وشهد لهم أهل العلم بالعلم.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين, أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم؛ إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه وسلم تسليما كثيرا, وبعد:

 

فيا أيها الناس: إذا علمنا ما تقدم من فوائد قراءة وتعلم سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم وأصحابه- ومن بعدهم من السلف الصالح, دعانا هذا لتعلمها وتعليمها أبناءنا, فمما ينصح به في كتب السيرة: كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري, وكتاب السيرة النبوية من مصادرها الأصلية لمهدي رزق, ونحوها, نقرأها ونتعلم ما فيها ولو جعل درس لأهل البيت كلهم لكان حسنا, ولو شيئا يسيرا, ولو صفحة واحدة, والجميع على الشاي يقرؤون ويتناقشون؛ فيتعلمون, وتحفهم الملائكة, وتنزل البركة في البيت.

 

ثم ننتقل بعد السيرة في قراءة سير الصحابة ومن بعدهم من سلف الأمة؛ لنحيي في أولادنا محبة السلف الصالح, بدلا من متابعة الساقطين ممن تصدروا هذه الأيام لا كثرهم الله, ولقد أعجبت كثيرا بذلك الطفل الذي كان جوابه للمعلم عندما سأل الطلاب: ماذا تريد أن تكون إذا كبرت؟, فكان جوابه صادما للجميع, حيث قال: "أريد أن أكون صحابيا!", فعلم المعلم أن خلف هذا الصبي أمٌ تقرأ عليه سيرة الصحابة كل ليلة, هكذا ينبغي أن ننشئ أولادنا؛ لتقر عيوننا بهم في الدنيا والآخرة.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علما يا كريم, وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ, رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.

المرفقات
lKHZY2srIMj9oLRuMjENIx66Wt18mEULe2dpsFI8.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life