عناصر الخطبة
1/وجوب تعلم العلم النافع 2/ طلب العلم فريضة 3/أهمية تعلُّم العلم وتعليمه 4/من آداب طلب العلم 5/إخلاص النية في تعلم العلم وتعليمه 6/من أهم أسس طلب العلم النافع.اقتباس
إن العلم الشرعي هو الأصل والأساس، وأعظم العبادات وآكد فروض الكفايات، بل به حياة الإسلام والمسلمين، وهو الميراث النبوي، ونور القلب، وأهله هم أهل الله وحزبه وأولى الناس به، وأقربهم إليه، وأخشاهم له، وأرفعهم درجات...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله الذي خلق الانسان وعلمه البيان، وأرسل الرسول وأنزل عليه القران، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: من أهم ما يجب على كل فرد من أفراد المكلفين ذكرًا كان أو أنثى: تعلُّم ما يجب عليه من أمر دينه، فلا يُعْذَر أحدٌ منا بالجهل به؛ لقدرته على السؤال والتعلُّم قال -تعالى-: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النحل: ٤٣].
ولما روى أنس بن مالك -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "يجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه، قيل له: مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله؛ صلاته، وصيامه، ونحو ذلك".
وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله-: "اعلم رحمك الله، أن طلب العلم فريضة، وأنه شفاء للقلوب المريضة، وأن أهم ما على العبد معرفة دينه، الذي معرفته والعمل به سبب لدخول الجنة، والجهل به وإضاعته سبب لدخول النار"؛ أعاذنا الله منها.
وفصل بعضهم فقال: إن كل ما يجب على الإنسان العمل به فيجب تعلُّمه، كأصول الإيمان، وشرائع الإسلام، وكذا ما يجب اجتنابه من المحرمات، وما يحتاج إليه في المعاملات، ونحو ذلك فيما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب عليه العلم به، بخلاف القدر الزائد على ما يحتاج إليه المعين، فإنه من فروض الكفايات.
ومع أنه من فروض الكفايات فتعلمه أفضل من قيام الليل، وصيام النهار، والصدقة بالذهب والفضة، مع صدق النية وحسن الاتباع؛ لقوله -تعالى-: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[سورة الزمر:9]، ولقوله -تعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[سورة المجادلة:11].
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-: "تعلُّم العلم وتعليمه أفضل من الجهاد وغيره مما يتطوع به"، وقال غيره: إن العلم الشرعي هو الأصل والأساس، وأعظم العبادات وآكد فروض الكفايات، بل به حياة الإسلام والمسلمين، وهو الميراث النبوي، ونور القلب، وأهله هم أهل الله وحزبه وأولى الناس به، وأقربهم إليه، وأخشاهم له، وأرفعهم درجات، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[سورة فاطر:28]، ولما في الصحيحين عن معاوية -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين".
فإذا كان الأمر كذلك في شأن العلم النافع الواجب منه والمستحب، فما علينا إلا أن نجد ونجتهد في تحصيله والعمل به، وكفى به شرفًا أنه العلم الموروث عن أشرف الأنبياء والمرسلين، وكفى به حجةً وبرهانًا أنه مُستمَدّ من كتاب الله وسُنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وكفى به وضوحًا: أنه المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
معشر المسلمين: ولأهمية العلم النافع وفضله، فعلينا أن نهتم بإخلاص النية فيه بأن نريد به وجه الله والدار الآخرة، لا المرتبة والوظيفة، ولا ليقال هو عالم ونحو ذلك، وعلينا أيضًا الانتباه لما يحصل في حقول التعليم من مزاحمة بالعلوم المفضولة، وربما اشتمل بعضها على ما يناقض العلوم الشرعية، حتى أصبح بعض الشباب يبحث عن حقول تخصصية في العلوم الشرعية، بل أصبح الفقه في الدين قليلاً، مع أن القراء كثيرون، فما أحوجنا إذًا للعلوم الشرعية والتمسك بها، من القرآن والسنة والفقه في الدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النساء: ١٧٤ – ١٧٥]. بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، أحمده -تعالى- وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، منزل القرآن وحافظه وميسره، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبيٌّ أوتي القرآن ومثله معه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: فإن الإمامة في الدين موروثة عن الصبر واليقين، قال الله -تعالى- (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[سورة السجدة:24]، فالدين كله عِلْم بالحق وعمل به، والعمل به لا بد فيه من الصبر، وقد حثَّ معاذ بن جبل -رضي الله عنه-، على العلم النافع وبين فضله وفائدته، وما ينال به، فقال: "عليكم بالعلم؛ فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يُعرَف الله ويُعبَد، وبه يُمجَّد الله ويُوحَّد، يرفع الله بالعلم أقوامًا يجعلهم للناس قادة، وأئمة يهتدون بهم، وينتهون إلى رأيهم"، فالعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، ولا ينال الهدى إلا بالعلم، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر.
أخي المسلم: من التأسيس لطلب العلم النافع: حفظ القرآن الكريم في الصغر، وكذلك حفظ المتون، فهي مُلخّصات لتلك الفنون، ولهذا قيل: "مَن حفظ المتون حاز الفنون"، ومما يعين على الحفظ والفهم: اجتناب المعاصي؛ قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور *** ونور الله لا يهدى لعاصي
اللهم ارزقنا العلم النافع، وجَنِّبنا المعاصي، واجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، بمنك وفضلك يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات