عناصر الخطبة
1/ دروسٌ من تظاهرات الشعوب الأخيرة المطيحة بحكوماتها 2/ تحريم الخروج على الحكام المسلمين درءا للمفاسد 3/ عرضٌ لمفاسد مترتبة على الخروج على الحكام 4/ تحذير من الفتن التي يدعو لها المتربصون 5/ دور الحكام في حفظ الأمن بإقامة العدل 6/ عرضٌ لبيان هيئة كبار العلماء حول المظاهرات
اهداف الخطبة

اقتباس

لقد بينت الشريعة الإسلامية الطريقة الصحيحة في مناصحة الحاكم، وحذرت أيما تحذير من الخروج على الحاكم المسلم ولو كان ظالما، وذلك لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة التي تربو على المصالح المتوهمة، (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد: فاتقوا الله...

 

أيها المسلمون: لله في خلقه شؤون، وفي مسير الحياة دروس وعبر، وكم من محنة فيها من المنح ما لا يقدره عقل، ولا يخطر ببال، وقد رأيتم ما حدث في الأيام الماضية من تظاهرات في بعض الدول، وزوال رؤساء بعد تمكّن، وذلّ آخرين بعد عز، واضطراب أحوال بعد استقرار، ولله فيما يقدر من الحكم والأسرار أعظمها وأبلغها، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].

 

عباد الله: إن هذه الأحداث وتلك الأقدار، بقدر ما فيها من فساد ودمار وخراب، وإزهاق أرواح، وإذهاب أمن، وزعزعة اطمئنان، إلا أنها حملت في طياتها فوائد ومعاني عظيمة للأمة عموما، ولتلك الشعوب خصوصا.

 

ومن أجلّ تلك الفوائد أنها أزالت أقنعة كثيفة كانت تغطي وجوه الفساد الكالحة، فشعوب كانت تعاني الويلات من حكامها أصنافا وأشكالا، حرب على الدين وأهله، ومنع لشعائر الإسلام الظاهرة، وملاحقة المتمسكين بها، تحكيم للقوانين الوضعية، وتنحية للشريعة الإسلامية، ظلم واستبداد، سجون وقهر، تقتير وفقر، عانت منه الشعوب عشرات السنين.

 

وإذا كانت وسائل الإعلام قد حملت وزر إضلال الناس وتغييب الحقائق عنهم في كثير من الوقائع والمناسبات، ومارست دور التضليل للمجتمعات منذ عقود وسنوات، فقد أراد الله بهذه الأحداث أن تتضح للناس الحقائق ويروها بأعينهم كما هي بلا تغيير.

 

لقد رأينا تظاهرات ضد الفساد والظلم الذي مارسته -وما تزال تمارسه- حكومات لم تخف الله في شعوبها، تظاهرات حاشدة وقوية أطاحت برؤساء، وألجأت آخرين إلى الفرار.

 

والدرس الثاني والفائدة الأخرى من هذه الأحداث الكبيرة أن التظاهرات التي حدثت والغضب الذي برز لم يكن قاصرا على أصحاب منهج بعينه، بل لقد وجدت الشعوب أنفسها في ظل سياسة التجاهل والتجويع ونهب الثروات مضطرة للخروج في الشوارع لتواجه ما تواجه؛ لأنها أصبحت بين خيارين أحلاهما مر: إما الموت البطيء جوعا وهما وفقرا، وإما مجابهة هؤلاء الحكام حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

 

لقد عاشت الشعوب سنين من التضليل الإعلامي الدولي والمحلي، والذي زعم فيه أن الإسلام والإسلاميين هم أهل الإرهاب ومصدره، وأنهم موقدو الفتن ومسعرو الحروب، ها هم اليوم يرون الشعوب بقضّها وقضيضها تخرج في تظاهرات حاشدة، فينتج عن خروجها إفساد وقتل وترويع، وذهاب أمن واختلال أحوال، فمن الذي أوقدها وأحمى وطيسها؟ بل؛ من الذي عبأ تلك الشعوب طوال السنين حتى عادت صدورها كالقدور، ثم انفجرت في لحظات غضب مفاجئة؟ أليس هم الحكام الطغاة وأتباعهم وجنودهم؟.

 

لقد كشفت هذه الأحداث أن هؤلاء الطغاة كانوا هم المؤجّجين للإرهاب بتماديهم في الظلم وإصرارهم على البغي، الغارسين للأحقاد في القلوب بتجاهل الشعوب وإهانتها والعبث بمقدراتها، المغضبين لها بالتضييق عليها في دينها والعمل على تغيير قيمها وإفساد أخلاقها، حتى لم يبق لها إلا أن تخرج بعلمائها وعامتها، وتثور ثورة رجل واحد مستنكرة الظلم والهضم، منتظرة الفرج والخلاص.

 

ومن الدروس في هذه الأحداث أن دولة الظلم زائلة مهما انتفخت وانتفشت، ففرعون بسلطته وقارون بماله سيظلان مثلين ونموذجين لسقوط كل من أعماه الملك أو أطغاه المال فتكبر وتجبر، ثم صار مآله إلى الهلاك، وأصبح خبرا بعد أن كان عينا.

 

أيها المسلمون: ومع ما أحدثته بعض التظاهرات في بعض البلاد الإسلامية من حولنا من آثار قد تحمد في النظرة الأولى، ونسأل الله أن تكون عاقبتهم في مصر وتونس وليبيا إلى ما هو خير وأفضل، إلا أن على المجتمعات الإسلامية الأخرى -ومجتمعنا على وجه الخصوص- أن تعي أن التظاهرات ليست هي الحل الناجع لمشكلاتهم، وليست هي المخلص لهم مما يعانونه من ظلم أو هضم لحقوقهم، بل عليهم أن يعلموا أن العشوائية والهمجية قد تحول بينهم وبين الوصول إلى مقاصدهم النبيلة وبلوغ أهدافهم السامية.

 

وإذا أرادت الأمة أن تأخذ بحقوقها كاملة فلتتق الله ربها أولا، ولتنصح لولاة أمرها، ولتأمر بالمعروف، ولتنه عن المنكر، ولتقم كلها عن بكرة أبيها بهذا الواجب العظيم، لعامة الأمة ولولاة أمرها، كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "الدين النصيحة"، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم"، آخذة في اعتبارها أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقتصر على الانحرافات السلوكية الفردية، أو الغزو الثقافي الخارجي فحسب، وإنما يتجاوز ذلك للأخذ على أيدي المفسدين والعابثين بحقوق المسلمين في دينهم وأخلاقهم، وفي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

 

عباد الله: إننا في زمان انتشرت فيه الفتن بين المسلمين، وبدأ أقوام لهم مطامح سياسية، وأخرى طائفية متمثلة في الشيعة الرافضة سواء في بلادنا أو في البحرين واليمن، تقوم بتهييج الناس والشباب ليخترقوا بهم أبواب الفتن، وإذا كانت مظاهرات تونس ومصر وليبيا تدعو إلى وحدة وطنية، لا قبلية ولا طائفية، إلا أنها في البحرين أو اليمن أو في بلادنا -لا قدر الله- تدعو إلى التفرق، والطائفية، والتشتت، والهمجية.

 

إنه لا يشك عاقل في أن الخروج على الجماعة والإخلال بالسلم الاجتماعي هو أصل كل بلاء وقع في تاريخ المسلمين؛ لذا حذر منها -صلى الله عليه وسلم- أشد التحذير في المجتمع الذي يحكمه حاكم مسلم ولو كان ظالما، ففي الصحيحين، عن ابن عباس، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كره من أميره شيئا فليصبر عليه؛ فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية"، وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية".

 

عباد الله: إن المظاهرات في بلادنا وأمثالها من البلدان التي شعائر الإسلام فيها ظاهرة، وتحكيم الشريعة فيها معلنة، والحقوق في المجمل محفوظة، وإن كان هناك نوع ظلم أو تقصير أو إهمال للبعض، إلا أن المظاهرات والحال كهذه ليترتب عليها مفاسد عظيمة، من سفك الدماء، وذهاب الأمن، وضياع الأموال، وانتشار النهب والسلب، واستغلال أطراف خارجية، وتدخلات دولية، وأخرى طائفية، فكم من مظاهرات بدأت سلمية ثم انتهت دموية!.

 

والأمن والمحافظة عليه من أهم الواجبات، وأعظم المكتسبات، وإذا زال الأمن -لا قدر الله- خاف الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ولم يتمكنوا من إقامة عباداتهم التي أمرهم الله بها، فالأمن والإيمان قرينان، وشتان بين من كانوا يصلّون آمنين مطمئنين، وبين من تركوا صلاة الجماعة خوفا على بيوتهم وأعراضهم! وشتان بين من كان يقوم الليل أو ينامه مطمئنا، وبين من يسهر لحراسة أهله وجيرانه من المفسدين! أيسرّ المرء أن تكون هذه حاله؟!.

 

ومن مفاسد هذه المظاهرات أنها سبب لرد الحق، خلافا لما يظنه البعض من أنها سبب لإقامة الحق، فبعض الحكام إذا قوبل بالمظاهرات والعنف قد يزداد عنادا وتصلبا وضلالا، وما الواقع عنا ببعيد، وما يجري لإخواننا في ليبيا من القتل والاعتداء والجور والتدمير من طاغيتهم لأكبر دليل على تمادي الطغاة في ظلمهم وبطشهم.

 

عباد الله: لقد بينت الشريعة الإسلامية الطريقة الصحيحة في مناصحة الحاكم، وحذرت أيما تحذير من الخروج على الحاكم المسلم ولو كان ظالما، وذلك لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة التي تربو على المصالح المتوهمة، (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:216].

 

خرّج الإمام البخاري في صحيحه، عن جنادة بن أبي أمية قال: دخلنا على عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وهو مريض، قلنا: أصلحك الله! حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعانا النبي-صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا "على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان". كل ذلك دفعا للمفسدة العظمى بالمفسدة الصغرى، فظلم الحاكم مفسدة، لكن الأعظم منها مفسدة الخروج عليه؛ لما يترتب عليه من سفك للدماء، وهتك للأعراض، وسلب للأموال، وذهاب للأمن والاستقرار، وتسلط للأعداء والمتربصين.

 

وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ستكون أثرة -أي: استئثار بالأموال- وأمور تنكرونها"، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم". قال النووي -رحمه الله- في شرحه للحديث: "وفيه: الحث على السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا، فيعطى حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه ولا يخلع؛ بل يتضرع إلى الله -تعالى- في كشف أذاه ودفع شره، وإصلاحه" انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

فمع استئثار الحكام بالأموال دون الشعوب، ومع وقوع المنكرات منهم، أمر -عليه الصلاة والسلام- بالصبر، وسؤال الله -تعالى- رفع المظالم، وليس هذا محبة في الظالمين، ولا تكريما  لهم؛ بل حقنا لدماء المسلمين، وحفظا لأعراضهم وأموالهم وأمنهم وبلادهم.

 

يقال هذا الكلام -أيها الإخوة في الله- ونحن نسمع وينقل إلينا هذه الأيام عن بعض من يزعمون الإصلاح في قنواتهم المغرضة، دعوتهم إلى التظاهر والخروج على ولاة الأمر في بلادنا، حماها الله وحرسها من كل مفسد ومرجف، وتالله! ما أرادوا الخير ولا وفقوا للصواب. فليحذر المؤمن التسرع والتشرف للفتن، وليتعوذ بالله من شرها، فإن الفتنة إذا وقعت أكلت الأخضر واليابس. نعوذ بالله من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

 

أيها المسلمون: لتعلموا أن بلادنا بلاد محسودة، وبالأذى مقصودة، لا تسلم من ترة معاد وحاقد، واشتطاط مناوئ وحاسد، وأعداء الأمة لا يألون إقداما ولا ينكصون إحجاما في التخطيط لإشاعة الفوضى، وإثارة البلبلة، وإذاعة السوء، وزرع بذور الفرقة والفتنة في أرض الإسلام، يغرون قريشا بتميم، وزيدا بعمرو، وبعضا ببعض؛ ليحكموا السيطرة ويفرضوا الهيمنة، ولتكون أرض الإسلام بلادا متناثرة، وطوائف متناحرة، وأحزابا متصارعة، يسهل تطويعها، ويمكن تعويقها.

 

وللعدو صولة، وللمتربص جولة، ولكنها صولة آفنة، وجولة خاسرة، وأهل الإسلام على وعي بالعواقب، وإدراك للمآلات، وهم قادرون، بحول الله وقوته، ثم بتضافرهم وتناصرهم وتحاورهم، على حماية أوطانهم، وإدارة شؤونهم، ومعالجة مشكلاتهم، دون إملاءات الحاقدين، وتدخلات الشامتين، وخطابات الشانئين، ولن تحمى الأوطان إلا برجالها، ولن تصان الذمار إلا بأهلها.

 

أيها المسلمون: اعلموا أنه لا عيش لمن يضاجع الخوف، ولا حياة لمن يبدده الهلع، ولا قرار لمن يلفه الفزع، والأمن نعمة عظمى، ومنة كبرى، فلا حياة ولا بقاء، ولا رفعة ولا بناء، ولا قوة ولا نماء، إلا بأرض السلم والأمن، سنة ماضية، وحقيقة قاضية.

 

فاحفظوا أمنكم ووحدتكم، وصونوا أوطانكم واستقراركم، وابتعدوا عن ملتطم الغوائل، وآثروا السلامة عند الفتن والنوازل، واسلكوا المسالك الرشيدة، وقفوا المواقف السديدة، وراعوا المصالح، وانظروا في المناجح، ووازنوا بين حسنات ما يدفع، وسيئات ما يقع ويتوقع، وارتادوا الأنفع والأنجع، واحقنوا الدماء في أهبها، وئدوا الفتنة في مهدها، فالفتنة راتعة تطأ في خطامها، من أخذ بها وطأته، ومن فتح بابها صرعته، ومن أدار راحتها أهلكته.

 

أيها المسلمون: لا عز إلا بالشريعة، ولا حياة إلا بالأمن، ولا أمن إلا بالعدل، والعدل هو الميزان المنصوب بين الخليقة، وليس شيء أسرع في خراب الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم والعدوان، ولا يكون العمران حيث يظهر الطغيان؛ لأن الظلم جالب الإحن، ومسبب المحن، والجور مسلبة للنعم، مجلبة للنقم، وقد قيل: "الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش".

 

أيها المسلمون: الأمن بالدين يبقى، والدين بالأمن يقوى، ومن رام هدى في غير الإسلام ضل، ومن رام إصلاحا بغير الإسلام زل، ومن رام عزا في غير الإسلام ذل، ومن أراد أمنا بغير الإسلام ضاع أمنه واختل.

 

أقول قولي هذا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: عباد الله، فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].

 

أيها المسلمون: في ظل العدل يعيش الإنسان آمنا في سربه، مطمئنا على أهله وماله، عابدا ربه في هدوء نفس وراحة بال، مؤديا شعائر دينه بحرية تامة، يعطي ما عليه كاملا، ويأخذ ما له وافيا، ومن ثم يشعر بانتمائه الحقيقي لمجتمعه الذي يعيش فيه.

 

وفي ظل هذا الانتماء يعيش المجتمع متينا متماسكا، شديدا على الأعداء، عصيا على المتربصين، لا يستطيع النيل منه أحد بسهولة؛ لأن كل فرد فيه يعلم أنه إن لم يدافع عن مجتمعه، فإن الأعداء سيسومونه الذل والهوان، ومن ثم يقف كله في مواجهة أي تجاوز للنظام، أو خروج على الأحكام.

 

وأما حين ينتشر الظلم، وتعم الأثرة، ولا يجد صاحب الحق ملاذا، فإن الفرد لا يشعر لذلك المجتمع بأي انتماء، ومن ثم يعيش المجتمع متنافرا متباغضا، يتحين كل فرصة للإيقاع بكبرائه، ويفرح بكل صيحة عليهم؛ لعلها تكون المخلصة له مما يعانيه من ظلم، ومن ثم يهون على الأعداء اجتذابه إليهم.

 

إن الدولة في الإسلام لم تكن يوما هي المسؤولة وحدها عن الأمن وأخذ الناس بالنظام، غير أنها بعدلها في الرعية وحكمها بالسوية أشعرت كل واحد منهم بأن هذا المجتمع مجتمعه، وأنه يستحق أن يعيش فيه، وينتمي إليه، ويدافع عنه.

 

ولقد فهمت الرعية في المجتمع المسلم المحكوم بالعدل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، فردوا الظالم عن ظلمه، وأخذوا للمظلوم حقه، فنصر بعضهم بعضا، وعاشوا متواصين بالحق متواصين بالصبر، ملتزمين بالنصيحة، مقاومين للمنكرات، فأفلحوا بذلك، وأخرجوا أنفسهم من الخسران الذي مني به كثير من بني الإنسان.

 

وإن أشد ما يجب أن تحذره الأمة اليوم وتخافه تحقيقا للعدل واجتنابا للظلم ما بليت به من دعوات مغرضة للتظاهر والتجمهر للمطالبة ببعض المطالب التي منها ما هو مشروع، ومنها ما هو مرفوض دينا وعقلا.

 

وإن الدعوة إلى المظاهرات في بلادنا والتي عمت بلاد المسلمين اليوم حتى صارت تقليدا يتنادى الناس لها دون معرفة ما تؤول إليه الأمور بسببها لهو أمر مخيف، مخالف لقواعد الشريعة التي جاءت بوجوب المحافظة على الأمن والسلم، ومعاقبة المتعدي عليه؛ ولذا، فإن هذه المظاهرات فيها محاذير شرعية وأخطار اجتماعية على بلادنا.

 

من تلك المحاذير والمخالفات مفارقة الجماعة إذا كانت هذه المظاهرات مراغمة للحاكم وتدعو لإسقاطه وخلعه والخروج عليه، وكفى بهذا مخالفة وذنبا!.

 

ثم هذه المظاهرات عند كل من عرفها هي من أعظم أسباب الفساد في الأرض؛ بسبب ما تؤول إليه غالبا من هلاك الحرث والنسل.

 

ولقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصول حيازة الدنيا ثلاثة أشياء: الأمن في الأوطان، والمعافاة في الأبدان، والرزق والكفاف، ففقد الأمن فقد لثلث الحياة، والثلث كثير. ولما كان الأمن ثلث العيش، امتن الله به على الأسلاف من قريش: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) [قريش:3-4].

 

عباد الله: ولدرء المفاسد العظيمة الناتجة عن المظاهرات أكدت وزارة الداخلية في بلادنا منع كافة أنواع المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والدعوة لها؛ لتعارضها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وقيم وأعراف المجتمع السعودي.

 

وأكدت هيئة كبار العلماء في بيانها الصادر يوم الأحد الماضي أهمية اجتماع الكلمة، وتوحد الصف على كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في ظل قيادة حكيمة لها بيعتها الشرعية.

 

وأضافت هيئة كبار العلماء في بيانها أن المملكة العربية السعودية قائمة على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة، فإن الإصلاح والنصيحة فيها لا تكون بالمظاهرات والأساليب التي تثير الفتن وتفرق الجماعة، والهيئة تؤكد على حرمة المظاهرات في هذه البلاد، وتؤكد الهيئة على أهمية اضطلاع الجهات الشرعية والرقابية والتنفيذية بواجبها، كما قضت بذلك أنظمة الدولة، وتوجيهات ولاة أمرها، ومحاسبة كل مقصر.

 

مع بيان أن الواجب على المسلمين اعتزال الفتن، وسد أبوابها، وزجر طلابها ومروجيها، مع ضرورة لزوم منهج الكتاب والسنة وفق منهج سلف الأمة، ونبذ كل أسباب التفرق والاختلاف: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103].

 

نسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه, وأن يجمع كلمتنا على الحق، وأن يصلح ذات بيننا، ويهدينا سبل السلام, وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه, ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه, وأن يهدي ضال المسلمين, ونسأله أن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يولي على المسلمين خيارهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا...

 

هذا، وصلوا وسلموا على البشير النذير، والسراج المنير...

 

 

المرفقات
أهمية الأمن وفساد المظاهرات.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life