عناصر الخطبة
1/ أول ما أنزل من القرآن 2/ تدرج التكليفات في الشريعة الإسلامية 3/ إذا رسخ الإيمان سهلت التكاليف 4/ متى يأتي النصر من رب العالمين؟ 5/ لماذا هُزم المسلمون في أُحد؟ 6/ أسباب ما يصيب المسلمين اليوم من بلايا 7/ اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بإصلاح نفوس أصحابه 8/ الإيمان إذا وقر في القلب صدقه العمل
اهداف الخطبة

اقتباس

إن ما يصيب المسلمين اليوم فيما يسمى بالربيع العربي والثورات العربية على الحكام الظلمة الطغاة، وما يقع على إخواننا في بلدان كثيرة وما وقع وما يزال يقع على إخواننا المسلمين مما نحزن لرؤيته ونحزن لسماعه حتى أصبحت قلوبنا تتفطر على إخواننا وأخواتنا، وأطفالنا وشيوخنا، وآباءنا وأمهاتنا في كل موطن تتفطر له القلوب.. لكن يجب أن نهتم بإصلاحنا لأنفسنا وإصلاح المسلمين عمومًا لأنفسهم، وإن نظر المسلمون إلى أنفسهم تبين لهم مواضع الخلل التي بها تسلط الطغاة عليهم ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والمثيل والكفء والنظير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين ببصر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: تقول أُمّنا عائشة رضي الله تعالى عنها وهي بعد ما هاجرت إلى المدينة وتزوجها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كانت تحدث الناس بأوائل ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم في أوائل دعوته في الإسلام لما كان مكَذَّبًا في مكة، وكان أصحابه يُعذَّبُون حوله، قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وهي تتكلم عما كان يُنزله ربنا جل وعلا من القرآن في تلك الأحوال لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر ببلال وإذا هو يُعذّب، ويمر بخباب وإذا هو ملقى على الجمر الحار، ويمر بسمية وزوجها وابنها وهم على جذوع النخل قد رُبِطُوا وأعداء الله تعالى يجلدونهم..

قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: " كان أول ما أنزل من القرآن الكلام عن الجنة والنار والإيمان بالله تعالى حتى إذا استقر الإيمان في النفوس نزلت بعد ذلك الشرائع".

نزل بعد ذلك الأمر في الجهاد في سبيل الله، والأمر ببذل النفس والمال وترك الولد والحياة لنُصرة دين الله تعالى، نزل بعد ذلك وجوب الصلاة، نزل بعد ذلك وجوب الصوم، ووجوب الإنفاق في سبيل الله، والزكاة، ووجوب الحج..

قالت: "ولو كان أول ما أُنزل الشرائع لكان أكثر الناس لا يطيع"، أو كما قالت رضي الله تعالى عنها.

إن ربنا جل في علاه لما بعث نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كان ربنا سبحانه وتعالى قادرًا أن يبعث معه ملائكة يُلزِمُون الناسَ بالإيمان بالله جل وعلا.

ولما كان أمية بن خلف يرفع السوط على بلال كان ربنا جل وعلا قادرًا كما أنه قادر اليوم على أن يشل تلك اليد التي تعذب بلالاً، ألم يكن ربنا جل وعلا رحيمًا بسُمية لما طعنها أبو جهل، ألم يكن رحيمًا بزوجها ياسر، ألم يكن ربنا جل وعلا يسمع دعاءهم ويرى دموعهم تجري على خدودهم، ويسمع أناتهم ويرى النبي عليه الصلاة والسلام يمر بهم وهو يصبّرهم، والله ربنا جل قادر سبحانه وتعالى على أن يأمر السماء فتمطر أو يأمر الأرض فتنشق بمن شاء من أولئك الكافرين..

ومع ذلك يقول الله جل وعلا لنبينا صلى الله عليه وسلم في تلك الأحوال، ويقول لأبطال الصحابة لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة وغيرهم من الصحابة الكرام الذين تتشوق نفوسهم إلى القتال إلى إنقاذ بلال بالقوة والعتاد والجهاد وإن إنقاذ خباب وغيرهم..

يقول الله جل وعلا عنهم: (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) أصلحوا أنفسكم، أصلحوا علاقتكم بربكم، مكّنوا الإيمان في قلوبكم، فإذا تمكن الإيمان في القلب فأصبح جبلاً راسيًا لا يزعزعه أمر ببذل النفس، ولا يزعزعه أمر ببذل المال، ولا يزعزعه أمر بفراق الزوج أو الولد، ولا يزعزعه أمر بأن يصلي أو يتعبد وإن شق ذلك على نفسه..

إذا ثبت الإيمان في القلب عندها بعد ذلك تأتي الأوامر ويأتي النصر من رب العالمين، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).

(كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) يعني أصلحوا ما بينكم وبين ربكم، وعالجوا قلوبكم حتى تتحمل بعد ذلك قيادة الأمة.

ولما انتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في معركة بدر، وظهر الإسلام، ثم أقبل الكافرون بعد ذلك ليقاتلوا المؤمنين في معركة أُحد وخرج المؤمنون إليهم وهم في نشوة نصر لم يمضِ عليه سنة، فلما رجع المنافقون من الجيش بعدما وصل إلى أحد لم يجد المسلمون في أنفسهم خوفًا ولا رعبًا من الكافرين ولا من قلة عددهم فإنهم قد انتصروا من قبل على قلة عددهم وضعف عدتهم، وها هم اليوم يأتون مستعدين فإذا بالنبي عليه الصلاة والسلام يرتب أصحابه في أول المعركة، ويأمر بعض أصحابه بأن يصعدوا على جبل الرماة، يأمر سبعين صحابي ويقول لهم: «إن رأيتمونا انتصرنا فلا تنزلوا إلينا حتى يأتيكم الأمر مني، وإن رأيتمونا هزمنا فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تنزلوا إلينا أبدًا» مكانكم هنا، لا تتحركوا أبدًا حتى آمركم أنا بأن تنزلوا أو أن تنصرفوا..

فلما ابتدأ القتال ونصر الله تعالى المؤمنين في أوائل المعركة كما قال بعض الصحابة: "والله ما لبث الكافرين بين أيدينا بقدر فواق ناقة" يعني بقدر الزمن الذي بين حلبتين للناقة أو بمقدار الوقت الذي تحلب فيه الناقة.. "ما لبثوا بين أيدينا بقدر فواق ناقة حتى انهزموا بيننا"، والأمر كما قال الله جل وعلا: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ) الله وعدكم بأن ينصر دينه، وعدكم أن يمكّن الدين، أخبركم بأنه يحب المؤمنين ويبغض الكافرين..

(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) إذ تقتلون الكافرين بإذن الله وبتأيده لكم ونصره لكم وإحسانه إليكم (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ)، ثم بيّن الله جل وعلا سبب الهزيمة التي وقعت، سبب القتل والاستشهاد الذي وقع لسبعين صحابيًّا، سبب الجروح التي أصابتكم أيها الصحابة، أكثر من 150 صحابي رجعوا جرحى، منهم من قُطع أصبعه، منهم من ينزف دمعه، وعلى رأسهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع وقد كُسرت رباعية أسنانه، ففمه ينزف دمًا، وخده المبارك ينزف دمًا، وركبته تنزف دمًا، ورأسه المبارك قد شج فهو ينزف دمًا..

فبين الله تعالى أن هذا الذي وقع هو من عند أنفسكم لما خالف أولئك الرماة ونزلوا من غير إذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزلوا فالتف الكفار وصعدوا الجبل، وجعلوا يرمون المؤمنون وارتد الكافرون المنهزمين إلى المؤمنين، فصار المسلمون بجيشهم كالذي وُضع بين فكي كماشة، عدو من ورائهم ومن فوقهم يرميهم وعدو من أمامهم..

فقال الله جل وعلا شارحًا ذلك وهو يبين النصر الذي جاء في البداية: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ..)

إنما كانت هذه الهزيمة وهذا القتل وهذه الجراح كانت تأديبًا للمؤمنين وإصلاحًا لنفوسهم حتى تعلموا أن طاعتكم لله وتعبدكم لله، وأن ابتغاءكم وجه الله هو سبب النصر الذي ينزل عليكم، إن خالط ذلك دنيا محبة لغنائم أو إقبال على هذه الغنائم أو رغبة فيها، أو رغبة في أن تنتصروا فقط لأجل غنيمة دون أن يقع في القلب محبة نصر الله تعالى، فإن الهزيمة تكون هي مآلكم وهي جزاؤكم..

كما بين الله جل وعلا ذلك فقال سبحانه وتعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ) يعني هزمتم وقتل منكم سبعون (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) يعني قد أُصبتم في بدر مثليها قتلكم سبعين وأسرتم سبعين (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ..) أنتم الذين قصرتم في علاج أنفسكم وفي التعامل معها..

أيها المسلمون: إن ما يصيب المسلمين اليوم فيما يسمى بالربيع العربي والثورات العربية على الحكام الظلمة الطغاة، وما يقع على إخواننا في بلدان كثيرة وما وقع وما يزال يقع على إخواننا المسلمين مما نحزن لرؤيته ونحزن لسماعه حتى أصبحت قلوبنا تتفطر على إخواننا وأخواتنا، وأطفالنا وشيوخنا، وآباءنا وأمهاتنا في كل موطن تتفطر له القلوب.. لكن يجب أن نهتم بإصلاحنا لأنفسنا وإصلاح المسلمين عمومًا لأنفسهم، وإن نظر المسلمون إلى أنفسهم تبين لهم مواضع الخلل التي بها تسلط الطغاة عليهم.. كيف المسلمون مع صلاتهم؟ كيف حالهم مع صدقاتهم؟ كيف عفتهم في أنفسهم على الفواحش؟ كيف غضهم لأبصارهم؟ كيف أحوالهم في نصرتهم لدينهم أصلاً؟ كيف حرصهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ما هو عملهم في الدعوة إلى الله تعالى؟

لما قصر المسلمون وفسدت نفوسهم ابتلاهم الله تعالى بما ابتلاهم به ليرجعهم إليه جل وعلا، ولقد كان نبينا صلوات ربي وسلامه عليه في مكة 13 سنة يرى أصحابه على مثل هذا الحال ما بين تعذيب وتقتيل وكان في قلبه اعتقاد جازم ويقين تام أن الله تعالى ناصر دينه..

لكنه يعلم أن هذا النصر لا بد أن يأتي بعد تصفية النفوس وإصلاحها وربطها بربها جل وعلا، عندها يستحق هؤلاء أن ينصرهم ربنا جل وعلا.

يقول خباب رضي الله تعالى عنه كما في صحيح البخاري: "أقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإذا هو متوسد بردة له في ظل الكعبة -وكان خباب يُعذّب في ذلك الحين، تفلت من العذاب يوم-، أقبل وقال: فقلت: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ قال فقام النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «يا خباب لقد كان من كان قبلكم يؤتى بالرجل فيوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصده ذلك عن دينه».

عجبًا ما الذي ثبّته؟ ثبته إيمان راسخ في قلبه، ثبته طول صلاة، وطول تعبد، وطول تقرب إلى الله تعالى، ثبتته بكاء الأسحار، والسجدات في تلك الليالي، ثبته هذا الدين على أن يتحمل هذا البلاء.

قال : «يؤتى بالمنشار فيوضع في مفرق رأسه، فيشق باثنين ما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم من لحم أو عصب ما يصده ذلك عن دينه» ثم قال عليه الصلاة والسلام: «يا خباب والله لينصرن الله هذا الدين».

عجبًا ينصر هذا الدين وأنت عدد أصحابك يعدون بأصابع الواحدة؟! أينصر هذا الدين وأنت لا عتاد بين يديك ولا عدد؟ ينصر هذا الدين وأنت ترى أمية يُعذب بلالاً، وأبا جهل يعذب سمية، وخباب يُعذب، والكفار يضرسون بأنيابهم من كل موطن؟!

نعم «لينصرن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»

نعم أيها المسلمون: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصًا على إصلاح أصحابه، وكما قال الله جل وعلا لما وقع في قلوب بعض المؤمنين تعجُّب: كيف نُهزم في أحد وأولئك يعبدون الأصنام وأولئك يتقربون إلى الأوثان ونحن الذين تقربنا وتعبدنا نهزم؟!!

قال الله تعالى لهم: (لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ليختبركم في دينكم ليختبر ثباتكم على دينكم، ولكن ليبلو بعضكم ببعض ثم قال الله جل وعلا: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) وفي الآية الأخرى (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) الذي يموت في سبيل الله تعالى مقبلاً غير مدبر أو يقتله ظالم من الظلمة نحتسبه عند الله تعالى أنه يغفر له من أول قطرة من دمه، وأنه لا يجد من ألم القتل إلا كمثل القرصة، وأنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وقد عجل به أولئك إلى جنة النعيم، فلما نرى أمثال هؤلاء يفعلون ما يفعلون بإخواننا نعلم أن الله جل وعلى يأخذ شهداء من المؤمنين.

ألم ترى أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كان قبل أن يفتح مكة له أصحاب في مكة أفاضل لا يزالون محبوسين ويعذبون، ومع ذلك يجلس عليه الصلاة والسلام مع أصحابه، ويهتم بأدق الدقائق في علاجهم لم يكن يقل عليه الصلاة والسلام لا أهتم بإصلاحهم حتى أخلص إخواننا الذين يعذبون.. لا.

يلقى عليه الصلاة والسلام يومًا عبد الله بن عمرو كما في صحيح البخاري، وإذا عبد الله رضي الله عنه عليه إزار قد استرخى تحت كعبيه، فيقول له صلى الله عليه وسلم: «يا عبدالله ارفع إزارك».

وهل النبي صلى الله عليه وسلم متفرغ حتى يتكلم عن الإزار؟! لصحابي شاب وأصحابه لا يزالون يعذبون في مكة، وتحول قريش بينهم وبين الهجرة، ولا يزال كسرى يتوعد المسلمين، وهرقل يتوعدهم، وملك اليمن في ذلك الحين يرسل إلى النبي عليه الصلاة والسلام من يهدده، مع كل هذه المخاوف حوله إلا أنه يهتم بإصلاح نفوس أصحابه..

يقول: يا عبدالله بن عمر وإن وقع على المسلمين ما وقع، وإن حزن قلبك على إخوانك لكن لا تسبل إزارك، ارفع إزارك.

قال: فرفعته، قال: ارفع، فرفعته، قال: ارفع، فرفعته، حتى وصلت به إلى أنصاف الساقين وهو إزار كالإحرام لا يشق عليه رفعه، إنما يلوي بعضه على بعض حتى وصل إلى نصف الساق..

قال فقال عليه الصلاة والسلام: «أزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن أبيت فلا حظ للكعبين في الإزار».

انظر إلى التدقيق في مثل هذه المسائل إصلاح النفوس..

عمر رضي الله تعالى عنه في فراش الموت وجراحه تثعب دمًا، وقد طُعن بخنجر مسموم، والطبيب يسقيه اللبن، فيخرج اللبن من جروحه فيدخل عليه شاب فيقول: يا أمير المؤمنين، لقد حكمت فكان حكمك عدلاً، ويثني على عمر، فلما ولَّى الشاب نظر عمر إليه، فإذا إزاره تحت كعبيه، قال: ردوا عليَّ الغلام..

"يا بني ارفع إزارك، فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك".. الاهتمام بإصلاح الناس، إصلاح اتباعهم للسنة، إصلاح صلاتهم، إصلاح حجاب النساء، إصلاح ابتعاد الناس عن المعازف والمحرمات، إصلاح أمرنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الاهتمام بطلب العلم، الاهتمام بحلقات تحفيظ القرآن، تربية الناس على الخير..

هذا أهم عن عوامل لينزل الله تعالى نصره على عباده، لذلك لا تعجب لما يصلي النبي عليه الصلاة والسلام بأصحابه وقبل صلاته يسوى صفوفهم، أو تسوية الصفوف أهم من إطلاق أسر صحابة مأسورين في ديار الكافرين !!

هو عليه الصلاة والسلام يبذل هناك لكنه يصلح هؤلاء؛ لأنه بهؤلاء سوف يفك أسرى أولئك، فإذا أصلح قلوب هؤلاء وصارت محبتهم لله تملأ قلوبهم، وصار الإيمان كالجبال الراسيات في قلوبهم عندها ينتصر الدين بأمثال هؤلاء..

وإن قُتل من قُتل منهم، وإن جُرح من جُرح، فلا يزال الله تعالى يتخذ منهم شهداء، ولا نزال إلى اليوم نرى نماذج مشرفة فيمن ابتُلوا من المؤمنين ووقع عليهم ظلم وحملوا راية الجهاد.

لا نزال إلى اليوم نسمع المقابلات مع رجال ونساء في سوريا وفي غيرها، وإذا بأحدهم يقول: والله يا شيخ قد قتل لي واستشهد 3 واحتسبهم عند ربنا جل وعلا، ولا ترى في عينه دمعة تخرج منه، وهم أولاده وحبة فؤاده وملاك قلبه وجمارة نفسه، ومع ذلك لما تمكن الإيمان في القلب وصارت هذه القذائف وهذه الدماء لا تمثل لهم شيئًا بجانب ما أعده الله تعالى، هان عليهم بذل نفوسهم في سبيل الله.

هذا الذي يقع على المسلمين اليوم؛ إنْ في سوريا، وإنْ في اليمن وتونس وليبيا ومصر وفلسطين والعراق، وفي كثير من بلاد المسلمين، هذا الذي يقع إنما هو تهيئة من ربنا جل وعلا للمسلمين ليخلع عنهم ثوب الترفه، وينزع عنهم طاقية الذل ولأجل أن يتعبدوا لربهم جل وعلا ويكونوا أهلاً فعلاً لأجل أن يرفعوا راية الإسلام ويقيموا خلافة الإسلام التي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكًا عاضًّا فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكًا جبريًّا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»، ثم سكت بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) آمنوا: استقر الإيمان في قلوبهم ثم عملوا الصالحات، صاروا كلهم يصلون، كل نساءهم يتحجبن، كلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كلهم يؤدون زكاتهم، كلهم يصومون، كلهم يعلمون الصالحات (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ..)

لا أحد يستطيع بعد ذلك أن يمنعك من دخول مصاحف إلى بلدك؛ لأن الله مكَّن الدين، لا يستطيع أحد أن ينشر منكرًا في قناة؛ لأن الله مكن الدين، لا يستطيع أحد أن يحول بينك وبين بذل النفس في سبيل الله لأن الله مكن الدين (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) والشرط الأول (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا).

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يستعملنا جميعا في طاعته وأن يمكّن الإيمان في قلوبنا، وأن يعيننا على إصلاح أنفسنا، وأن ينصر الله تعالى بنا الدين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين..

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين.

 

 

 

 

 

المرفقات
أهمية إصلاح النفوس.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life