عناصر الخطبة
1/خطورة عبادة الله على حرف 2/العقيدة الإسلامية لا توزن بميزان الربح والخسارة 3/أثر العقيدة الإسلامية في حياة المسلم 4/ثلاث رسائل بخصوص التعليم والمقابر والأقصى الشريفاقتباس
المؤمن الصادق لا ينتظر جزاءً دنيويًّا ماديًّا على إيمانه، فالعقيدة بذاتها هي الجزاء، وهي المكسَب، وهي التي تُضفي على الإنسان الطمأنينةَ والرضا والكرامةَ والعزةَ؛ فالمؤمن هو الذي يعبد ربه شكرًا له على هدايته والتقرب منه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ.
الحمد لله إذ لم يأتني أجَلِي *** حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا
الحمد لله حمدَ العابدين الشاكرين، ونستغفركَ ربنا ونتوب إليك، ونتوكل عليكَ، ونُثني عليكَ الخيرَ كلَّه، أنتَ ربُّنا، ونحنُ عبيدُكَ، لا معبودَ سواكَ، لا ركوعَ ولا سجودَ ولا ولاءَ إلا إليكَ، سبحانكَ فأنتَ ملاذُ المؤمنينَ الصادقينَ، حافظُ المسلمينَ المجاهدينَ، مُخزي السماسرةِ الملعونينَ، والبائعينَ الخائنينَ، هازمُ الكافرينَ المحتلينَ المتغطرسينَ.
إلهي على صراط قد يممتُ إقبالي *** فأنتَ مولايَ في حِلِّي وترحالي
ربي بغيرك ما أشركتُ في نُسُكي *** ولا كفرتُ بأقوالي وأفعالي
آمنتُ أنكَ ربِّي واحدٌ أحدٌ *** عليكَ معقودةٌ في العفو آمالي
ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، القائل في سورة الأحزاب: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39].
اللهم اجعل في أبصارنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي قلوبنا نورًا، اللهم اشرح لنا صدورنا، ويسر أمورنا، اللهم إنا نعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الأمر، وشر فتنة ما يلج في الليل، وشر فتنة ما يلج في النهار، وشرِّ ما تهبُّ به الريحُ، وشرّ بوائق الدهر، ونشهد أن سيدنا وقائدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا، عبد الله ونبيه ورسوله، إمام العادلين، وقدوة العاملين، وخاتم الأنبياء والمرسلين؛ القائل: "ذاق طعمَ الإيمانِ مَنْ رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا"، عليه الصلاة والسلام.
صلَّى الله عليكَ يا حبيبي يا رسول الله، ونحن نصلي عليك وعلى آلك الطيبين الطاهرين المبجلين، وصحابتك الغر الميامين المحجلين، ومن تبعكم وجاهد جهادكم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة الحج: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)[الْحَجِّ: 11]، صدق الله العظيم.
أيها المصلون، أيها المسلمون: لهذه الآية الكريمة سبب نزول، وملخَّصُه: "كان الرجل يأتي المدينةَ المنوَّرةَ فيُسلِمُ، فإن ولدَتْ زوجتُه غُلامًا أو أنتجَتْ خيلُه مهرًا قال عن الإسلام: هذا دين صالح، أمَّا إذا لم تلد امرأته غلامًا، أو لم تُنتِج خَليُه مهرًا قال عن الإسلام: هذا دين سوء"، فنزلت هذه الآية الكريمة؛ حيث تشاءم من تصرفاته، وهذه الآية من سورة الحج وهي مدينة، لتوضِّحَ بأن العقيدة الإسلاميَّة لا تُوزَن بميزان الربح والخسارة، وليست هي صفقة تجارية، وليست قائمة على مصالح دنيويَّة، فالذي يتوهم أنَّه كذلك تكون عقيدته مهزوزة، وتقوم عبادته على الشك وعدم اليقين، وبالتالي يكون قد خسر الدنيا والآخرة؛ ذلك هو الخسران المبين.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون: إن العقيدة بالنسبة للمسلم هي الركيزة الثابتة في حياته العملية، فالذي يبحث عن الحلال والحرام يكون مؤمنًا، والذي يدافع عن الحق يكون مؤمنًا، والذي يبتعد عن الكذب والنفاق يكون مؤمنًا، وإذا اضطربت الدنيا حولَه وثبَت على موقفه يكون مؤمنًا، وإذا تجاذبَتْه الأحداثُ، ولاحقَتْه المصائبُ وصَبَرَ وثبَت ولم يستسلم ولم ييأس يكون مؤمنًا، فالمؤمن الصادق -أيها المسلمون- لا ينتظر جزاءً دنيويًّا ماديًّا على إيمانه، فالعقيدة بذاتها هي الجزاء، وهي المكسَب، وهي التي تُضفي على الإنسان الطمأنينةَ والرضا والكرامةَ والعزةَ؛ فالمؤمن هو الذي يعبد ربه شكرًا له على هدايته والتقرب منه، فيقول رسولنا الكريم الأكرم، محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي: "يقول الله -عز وجل-: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُ، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا، اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
أيها المسلمون، أيها المؤمنون: إن الإيمان يجعل المسلم شجاعًا لا جبانًا، ويجعله مخلصًا لا خائنًا، ويجعله وفيًّا لا غادرًا، ويجعله صادقًا لا كاذبًا ولا منافقًا، ويجعله ذا كرامة لا مهانة، ويجعله ثابتًا على الحق لا مهزوزًا ولا متلونًا، ولا مستسلِمًا.
أيها المصلون: أجيبوني بقلب واحد وصوت واحد: مَنْ خالِقُنا؟ الله. مَنِ الواحدُ الأحدُ؟ الله. مَنْ تعبدون؟ الله. مَنْ ملجؤنا؟ الله. مَنْ ينصرنا؟ الله. مَنْ يرزقنا؟ الله. مَنْ يشفينا؟ الله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فتوبوا إليه وارجعوا إليه، فالإيمان الصحيح هو الذي يؤدِّي إلى استسلام المخلوق للخالق، الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لن يتخلى عن المؤمنين، وأن رب العزة قد قرر في اللوح المحفوظ بأن المسلمين هم الأعلون بالإيمان، بقوله في سورة آل عمران: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139].
نعم أيها المصلون: فنحن الأعلون، وسنبقى كذلك إن شاء الله شريطة أن نتصف بالإيمان.
جاء في الحديث النبوي الشريف: "عينانِ لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكَتْ من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتَتْ تحرُسُ في سبيلِ اللهِ" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا وحبيبنا محمد النبي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أيها المصلون: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل وبإيجاز:
الرسالة الأولى: بشأن التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم، الذي هو بمثابة الماء والهواء للإنسان، فلا غنى عن التعليم، ومن حق كل شعب في العالم أن يطبق المناهج التعليميَّة المدرسيَّة التي تتناسب مع عقيدته وهويته وثقافته، وعاداته وتقاليده، وهذا ما كفلته الاتفاقات الدولية، وهذا ما هو مطبق عمليًّا في فلسطين، حيث توجد مدارس دينيَّة خاصَّة لليهود، كما توجد مدارس خاصَّة لكل جالية في أوروبا وأمريكا؛ لذا فمِنْ حقِّ الشعبِ الفلسطينيِّ المتجذِّر في أرضه، في أرض فلسطين، الأرض المبارَكة المقدَّسة منذ آلاف السنين، من حقه أن يطبق المناهج المدرسيَّة التي تتناسب مع هويته وثقافته وإيمانه، ولا يحِقُّ لسلطات الاحتلال أن تتدخَّل في هذه المناهج، هذا ونستنكر ما قامت به سلطات الاحتلال من منع عقد اجتماع لأولياء أمور الطلاب في بلدة (العيسوية) بالقدس، بحجة أن هذا الاجتماع له عَلاقة بالسلطة الفلسطينية، نحن لنا حقنا في مناهجنا، ونستنكر تدخل وزارة المعارف الإسرائيلية، ونؤكد للمرة تلو الأخرى أن المقدسيين من حقهم الشرعي والقانوني، والدولي، تطبيق المناهج المدرسيَّة التعليميَّة التي تناسبه، اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
أيها المصلون: الرسالة الثانية: بشأن المحافظة على المقابر، فكما هو ملاحَظ أن المسلمين يُهمِلون مقابرَهم فلا يحافظون عليها، في حين أن المقابر هي شاهدة على تاريخنا، وعلى حقنا المتجذر في هذه الديار، فهي أقوى من الطابو، وعليه فنحن نطالب المسلمين كل في بلده وموقعه أن يحافظوا على المقابر؛ من حيث إحاطتها بالأسوار، وتنظيفها من الأشواك، ومنع المواشي من دخولها، وإعادة صيانة القبور المندثرة، بحيث تظهر معالمها دون مبالغة في البناء، هذا لا يعني أن حقنا الشرعي غير وارد، بالنسبة إلى قرار الله -عز وجل-، ونستنكر اعتداءات سلطات الاحتلال على مئات مقابر المسلمين في فلسطين بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص، بما في ذلك مقبرة "مأمن الله"، ومقبرة "باب الرحمة".
أيها المصلون: الرسالة الثالثة والأخيرة: بشأن المسجد الأقصى المبارك، وكما عودناكم فالأخطار لا تزال تحدق به من اقتحامات، بل من تهديدات، من قبل الجماعات اليهودية المتطرفة، والمدعومة من حكومة الاحتلال، فإن المخطَّطات العدوانية مُبيَّتة للتنفيذ ولكن بسياسة خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة؛ حيث تستغل هذه الجماعات أعيادهم المتعددة، لتحفيز مصالحهم العدوانية، فعلى المسلمين كل المسلمين في العالم أن يتنبهوا وأن يدركوا الأخطار المحدقة بالمسجد الأقصى المبارك، ومن حق كل مسلم أن يأتي إلى المسجد الأقصى دون تحديد للأعمار، ونؤكد حقنا الشرعي المستنِد إلى قرار الله -عز وجل- من سبع سموات، فلا تفاوض حوله، ولا تنازل عن ذرة تراب منه، فالأقصى جزء من عقيدتنا وإيماننا وهو درة فلسطين، بل درة العالم الإسلامي، فالأقصى هو الذي يربط ملياري مسلم بفلسطين، ولا يسعنا إلا أن نقول: حماك الله يا أقصى، قولوا: آمين.
أيها المصلون: يقول الله -عز وجل- في سورة غافر (المؤمن): (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 60]، فالساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بَعديّ: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وفَرِّج الكربَ عنَّا، اللهم احمِ المسجدَ الأقصى من كل سوء، اللهم تقبل صلاتنا وقيامنا وصيامنا وصالح أعمالنا، اللهم يا الله يا أمل الحائرين، ويا نصير المستضعفين، ندعوك بكل اليقين، إعلاء شأن المسلمين بالنصر والعز والتمكين.
اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِق سراحَ أسرانا، اللهم إنا نسألك توبة نصوحا، توبة قبل الممات، وراحة عن الممات، ورحمة ومغفرة بعد الممات، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وأقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات