عناصر الخطبة
1/ الزكاة أحد أركان الإسلام 2/ الزكاة من أعظم فرائض الإسلام 3/عقوبات مانع الزكاة 4/الأموال التي تجب فيها الزكاة 5/مقدار الزكاة المفروضة 6/الزكاة من محاسن الإسلام.اقتباس
الزكاة من محاسن الإسلام، الذي جاء بالمساواة، والتراحم، والتعاطف، والتعاون، والإسلامُ هو دين العدالة الاجتماعية، الذي يكفل للفقير العاجز العيش والقوت، وللغني حرية التملك مقابل سعيه وكدحه، فلا شيوعيةَ متطرفة، ولا رأسماليةَ ممسكَة شحيحة....
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أما بعدُ: فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: "الأموال التي تجب فيها الزكاة"، واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أن الزكاةَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ؛ رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أن الزكاةَ من أعظم فرائض الإسلام؛ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ، وَنَحْنُ نَسِيرُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ".
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أن مانعَ الزكاةِ يُعذَّبُ عذابًا شديدًا يوم القيامةِ؛ روى الطبراني بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَانِعُ الزَّكَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ".
ورَوَى مُسْلِمٌ عن أَبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ، إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".
قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ، وَلَا جَلْحَاءُ، وَلَا عَضْبَاءُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".
ولا تجبُ الزكاةُ إلا في أربعةِ أموالٍ:
الأول: الذَّهَبُ وَالفِضَّةُ، والعُمْلَاتُ الوَرَقِيَّةُ، والأشياءُ المعدَّةُ للتِّجارةِ؛ قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[التوبة: 34]، وَقال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[التوبة: 103].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً، تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ".
ويجبُ فيهَا رُبْعُ العُشْرِ إذَا بلَغَتِ النِّصَابَ وهو مقدارُ سِتِّمائةِ جرامٍ فضَّة إِذَا مرَّ عليهَا حولٌ هجريّ؛ رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ".
ورَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ".
وَرَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فَإِذَا كَانَتْ لَكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَحَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ، فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ -يَعْنِي فِي الذَّهَبِ- حَتَّى يَكُونَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا، وَحَالَ عَلَيْهَا الحَوْلُ، فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ، فَمَا زَادَ، فَبِحِسَابِ ذَلِكَ".
نصابُ الفضةِ = خمس أواق = مائتي درهم فضة = ستمائة جرام فضة عيار ألف.
ونصاب الذهبِ = عشرون مثقالًا ذهبًا عيارَ أربعة وعشرين = 85 جرامًا ذهبًا عيارَ أربعة وعشرين = 97 جرامًا ذهبًا عيارَ واحد وعشرين = 113 جرامًا ذهبًا عيار ثمانية عشر.
ويحسبُ نصاب الأشياء المعدة للتجارة بنصاب الفضةِ؛ لأنه أفضل للفقير.
وتجب الزكاة في رِبحِ التِّجارة إذا مرَّ على أصلهِ حولٌ هجريٌّ، ولا يُنتظر به حتى يمر عليه حول هجري.
الثاني: الخَارِجُ مِنَ الأَرْضِ من الحُبوبِ والثمارِ التي تُدَّخرُ للاقتياتِ إذَا بَلَغَتِ النِّصابَ، وهُو خَمْسَةُ أَوْسُقٍ؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)[البقرة: 267].
ورَوَى البُخَارِيُّ عن عَبْدِ اللهِ بن عمر -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا23] الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ[24] نِصْفُ الْعُشْرِ"[25].
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ"[26].
وتجب الزكاةُ في الحبوب والثمار يومَ حصادِها.
لِقَوْلِهِ -تعالى-: (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام: 141].
فَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللهِ بِإِيتَاءِ الصَّدَقَةِ المَفْرُوضَةِ مِنَ الثَّمَرِ وَالحَبِّ بِمُجَرَّدِ حَصَادِهِ.
والزَّرْعُ الَّذِي يُسْقَى بِغَيْرِ كُلْفَةٍ كالمَطَرِ، وَالآبارِ مقدارُ زكاتهِ العشرُ.
رَوَى البُخَارِيُّ عن عَبْدِ اللهِ بن عمر -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ"[27].
والزَّرْعُ الَّذِي يُسْقَى بِكُلْفَةٍ كالمَكِيناتِ، ونَحوِهَا مقدارُ زكاتهِ نصفُ العشرِ.
رَوَى البُخَارِيُّ عن عَبْدِ اللهِ بن عمر -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ". والعَثَرِيُّ: أي مَا يَشْرَبُ المَاءَ بِجِذُورِهِ، كَالنَّخيلِ الَّذِي يَشْربُ بعُروقِهِ مِنْ مَاءِ المَطَرِ. والنَّضْحُ: أي السَّوَاقِي، وَنَحْوِهَا (انظر: النهاية في غريب الحديث: 3/ 182).
فَإِنْ سُقِيَ نِصْفَ السَّنَةِ بِكُلْفَةٍ، وَنِصْفَهَا بِمَا لَا كُلْفَةَ فِيهِ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ العُشْرِ. وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنَ الآخَرِ اعْتُبِرَ بِالأَكْثَرِ.
الثالث: الرِّكَازُ. وهو الكَنْزُ الذي يُوجدُ في الأرضِ، ولا يُعرفُ صاحبهُ.
وَيَجِبُ إِخْرَاجُ الخُمُسِ مِنْ قَلِيلِ الرِّكَازِ، وَكَثِيرِهِ، مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ، متى وُجِدَ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مُرُورُ الحَوْلِ.
رَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عن أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ".
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا.
وبعد: المال الرابع الذي تجب فيه الزكاة: البَقَرُ وَالغَنَمُ وَالإبلُ التي ترعَى بلا مُؤنةٍ فِي مُعْظَمِ الحَوْلِ إذا مرَّ عليها حولٌ هجريٌّ، وَلَا زَكَاةَ فِي البهائمِ المَعْلُوفَةِ؛ رَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ". وسائمةُ الغنم: هي التي ترعى بلا مؤنةٍ، فلا زكاة في المعلوفةِ.
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنَ الْبَقَرِ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً، وَمِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا، أَوْ تَبِيعَةً".
ورَوَى البُخَارِيُّ عنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى المسْلِمِينَ، وَالَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ المسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا، فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ.
فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنَ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ.
إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى.
فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى.
فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الجَمَلِ.
فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَفِيهَا جَذَعَةٌ.
فَإِذَا بَلَغَتْ، سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ، فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ.
فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الجَمَلِ.
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا.
فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِبِلِ، فَفِيهَا شَاةٌ.
وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا، إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ، شَاةٌ.
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِئَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ.
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثِمِئَةٍ، فَفِيهَا ثَلَاثٌ.
فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِئَةٍ، فَفِي كُلِّ مِئَةٍ شَاةٌ.
فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً، فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا"(رواه البخاري: 1454).
ولا يُشترط مرور الحولِ الهجري في نَتَاجِ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، فَإِنَّ حَوْلَهَا حَوْلُ أَصْلِهَا، فَتُضَمُّ إِلَيْهَا إِنْ كَانَ أَصْلُهَا نِصَابًا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنَ المَاشِيَةِ، فَتَوَالَدَتْ فِي أَثْنَاءِ الحَوْلِ حَتَّى بَلَغَ النِّصَابَ الثَّانِي ضُمَّتْ إِلَى الأُمَّاتِ فِي الحَوْلِ، وَعُدَّتْ مَعَهَا إِذَا تَمَّ حَوْلُ الأُمَّاِت، وَأُخْرِجَ عَنْهَا، وَعَنِ الأُمَّاتِ زَكَاةُ المَالِ الوَاحِدِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ -رضي الله عنه-: "فَاعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالْغَذَاءِ حَتَّى بِالسَّخْلَةِ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ". والسخلة: هي الصغيرة من أولاد المعز.
وختامًا، فإن الزكاة من محاسن الإسلام، الذي جاء بالمساواة، والتراحم، والتعاطف، والتعاون، والإسلامُ هو دين العدالة الاجتماعية، الذي يكفل للفقير العاجز العيش والقوت، وللغني حرية التملك مقابل سعيه وكدحه، فلا شيوعيةَ متطرفة، ولا رأسماليةَ ممسكَة شحيحة.
اللهم اغفر لنا خطايانا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما أنت أعلم به منا.
اللهم اغفر لنا جِدَّنا وهزلنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قديرٌ.
اللهم اهدنا وسدِّدنا، ووفِّقنا.
اللهم إنا نسألك الهدى، والسداد.
اللهم لا تُزغْ قلوبَنا بعد إذ هديتنا.
اللهم ارزقنا الإحسان في عبادتك.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
التعليقات