اقتباس
الدعوة إلى الله هي في جملتها حزمة من قوانين ومعارف وأخلاق وسلوكيات، يحملها الداعية؛ ليغير بها المدعو، فهي ليست كلمات تقال، ولكنها كالبذرة توضع في الأرض، لو تركها الزارع وشأنها لضاعت، وتغلبت عليها
حشرات الأرض، لكنه إذا تناولها بالعناية والرعاية والتعهد أثمرت، ونفع الله بها الزارع وغيره من الناس. والداعية يقوم في الأمة مقام نبيها -صلى الله عليه وسلم-، يهتدي بهديه، ويستن بسنته، ويسير على دربه المنير، ويتعرض لنفس ما تعرض له النبي -صلى الله عليه وسلم- من محن وابتلاءات وصعوبات وعقبات. لذلك لا ينبغي للداعية مهما كانت الظروف والضغوط أن يستجيب لدواعي الهوى ورغبات النفس، بالابتعاد عن الناس، والانعزال...
أولاً: تعرف الانعزال لغةً واصطلاحاً:
الانعزال أو العزلة أو التفرد في اللغة تعنى: الابتعاد أو التنحي جانباً، قال صاحب لسان العرب: عزل الشيء يعزله عزلاً، وعزّله فاعتزل وانعزل وتعزّل: نحَّاه جانباً فتنحى، وقوله تعالى: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء: 212] معناه: أنهم لما رموا بالنجوم، كما في قوله تعالى: (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) [الجن:9]، أي منعوا من السمع.
وأما اصطلاحاً: فيراد بها إيثار حياة التفرد على حياة الجماعة، وذلك بأن يكتفي الداعية بإقامة الإسلام في نفسه، غير مبال بالآخرين، وبما هم فيه من ضياع وانحراف، أو أن يقيم الإسلام في نفسه، ويسعى جاهداً لإقامته في الناس، ولكن بجهود فردية بعيدة عن التعاون والتآزر من بقية العاملين في الميدان.
ثانياً: الداعية بين الانعزال والاختلاط:
اختلف العلماء أيهما أفضل: الانعزال أم الاختلاط؟
أولاً: أدلة القائلين بتفضيل الانعزال:
استدل أصحاب القول بالانعزال بما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عِندَمَا سُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ خَيرٌ؟ قَالَ: "رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ، يَعْبُدُ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ". وبما رواه الترمذي في سننه من حديث عقبة بن عامر قال: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَليَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيْئَتِكَ". وبالحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث حذيفة بن اليمان: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له في آخر الحديث: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ على أَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ ". وبما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ المُسْلِم غَنَمًا يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ". كما استدلوا بما روي عن عمر أنه قال: "خذوا بحظكم من العزلة". وقال سعد بن أبي وقاص: " لوددت أن بيني وبين الناس بابًا من حديد، لا يكلمني أحد ولا أكلمه، حتى ألقى الله سبحانه ".
كما استدل القائلون بتفضيل الانعزال على الاختلاط بحزمة الفوائد التي تعود على المعتزل منها:
1-التفرغ للعبادة، والاستئناس بمناجاة الله –سبحانه-، فإن ذلك يستدعي فراغًا ولا فراغ مع المخالطة، فالعزلة وسيلة إلى ذلك.
2-التخلص بالعزلة عن المعاصي التي يتعرض لها الإنسان غالبًا بالمخالطة وهي أربعة: الغيبة: فإن عادة الناس الخوض بالأعراض والتفكه بها، فإن خالطتهم ووافقتهم أثمت وتعرضت لسخط الله –تعالى-، وإن سكتَّ كنت شريكًا في الإثم. ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من خالط الناس لم يَخلُ عن مشاهدة المنكرات، فإن سكت عصى الله، وإن أنكر تعرض لأنواع من الضرر، وفي العزلة سلامة من هذا الرياء: وهو الداء العضال الذي يعسر الأضرار منه، وأول ما في مخالطة الناس إظهار التشوق إليهم، ولا يخلو ذلك عن الكذب، إما في الأصل، وإما في الزيادة. وقد كان السلف يحترزون في جواب قول السائل: كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ كما قال بعضهم، وقد قيل له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحنا ضعفاء مذنبين، نأكل أرزاقنا، وننتظر آجالنا. مسارقة الطبع من أخلاقهم الرديئة، وهو داء دفين قلما ينتبه له العقلاء فضلًا عن الغافلين، وذلك أنه قَلَّ أن يجالس الإنسان فاسقًا مرة، مع كونه منكرًا عليه في باطنه، إلا ولو قاس نفسه إلى ما قبل مجالسته، لوجد فرقًا في النفور عن الفساد؛ لأن الفساد يصير بكثرة المباشرة هينًا على الطبع، ويسقط وقعه واستعظامه.
3-الخلاص من الفتن والخصومات، وصيانة الدين عن الخوض فيها، فإنه قلما تخلو البلاد من العصبية، والخصومات، والمعتزل عنهم سليم. روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمرو -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر الفتن ووصفها وقال: "إذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أمانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا، وَشَبَّكَ بَينَ أَصَابِعِهِ، فَقُلتُ: مَا تَأمُرُنِي؟ فَقَالَ:" الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ ".
4-الخلاص من شر الناس، فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة، ومرة بالنميمة، ومرة بسوء الظن، ومرة بالأطماع الكاذبة، ومن خالط الناس لم ينفك من حاسد، وعدو، وغير ذلك من أنواع الشر التي يلقاها الإنسان من معارفه، وفي العزلة خلاص من ذلك. وقال عمر -رضي الله عنه-: "في العزلة راحة من خلطاء السوء". وقال رجل لأخيه:" أصحبك إلى الحج، فقال: دعنا نعيش في ستر الله، فإنا نخاف أن يرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه". وهذه فائدة أخرى في العزلة، وهي بقاء الستر على الدين والمروءة، وسائر العورات.
5-أن ينقطع طمع الناس عنك، وطمعك عنهم، أما طمعهم، فإن رضاهم غاية لا تدرك، فالمنقطع عنهم قاطع لطمعهم في حضور ولائمهم وإملاكاتهم. وأما انقطاع الطمع، فإن من نظر إلى زهرة الدنيا تحرك حرصه، وانبعث بقوة الحرص طمعه، ولا يرى إلا الخيبة في أكثر المطامع فيتأذى. قال تعالى: (وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 131]. وفي الحديث: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ".
ثانياً: أدلة القائلين بتفضيل الاختلاط:
استدل أصحاب القول بالاختلاط بقول الله –تعالى-: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا) [الفرقان: 7]. فقد كان عليه الصلاة والسلام يخالط الناس في أسواقهم، ويأمرهم، وينهاهم، ويأكل معهم، كما قال تعالى: (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان: 20] بما رواه الترمذي وابن ماجه في سننهما من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعظَمُ أَجرًا مِنَ المُؤمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ". كما استدلوا بما أوجبه الله على المسلمين من حضور الجمع والجماعات، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإجابة دعوتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ولا يتحقق ذلك إلا بمخالطتهم والصواب هو التفصيل في ذلك: فمن آتاه الله العلم والقوة، واستطاع القيام بحق المخالطة من تعليم العلم، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع السلامة من الفتن، فالاختلاط في حق هذا أفضل؛ ومن لم يكن قادرًا على ذلك ويخشى الفتنة في دينه، فالعزلة في حقه أولى، والأول أفضل من الثاني كما جاء النص بذلك في الحديث المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعظَمُ أَجرًا مِنَ المُؤمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ".
كما استدل القائلون بتفضيل الاختلاط على الانعزال بحزمة من الفوائد ذكرها حجة الإسلام الغزّالي، إذ قال رحمه الله: " اعلم أن المقاصد الدينية والدنيوية ما يستفاد بالاستعانة بالآخرين؛ ولا يحصل ذلك إلا بالمخالطة، فكل ما يستفاد من المخالطة يفوت بالعزلة، وفواته من آفات العزلة، فانظر إلى فوائد المخالطة والدواعي إليها " وهي ست، نذكرها بإيجاز:
أولًا: التعليم والتعلم؛ وهما أعظم العبادات في الدنيا، ولا يتصور ذلك إلا بالمخالطة، إلا أن العلوم كثيرة، وعن بعضها مندوحة، وبعضها ضروري في الدنيا، فالمحتاج إلى التعلم لما هو فرض عليه عاص بالعزلة، وإن تعلم الفرض وكان لا يتأتى منه الخوض في العلوم ورأى الاشتغال بالعبادة فليعتزل، وإن كان يقدر على التبرز في علوم الشرع والعقل فالعزلة في حقه قبل التعلم غاية الخسران. ولهذا قال النخعي وغيره: "تفقه ثم اعتزل"، فمن اعتزل قبل التعلم فهو في الأكثر مضيع أوقاته بنوم أو فكر في هوس، فالعلم هو أصل الدين؛ فلا خير في عزلة العوام والجهال، أعني من لا يحسن العبادة في الخلوة، ولا يعرف جميع ما يلزم فيها، فمثال النفس مثال مريض يحتاج إلى طبيب متلطف يعالجه، فالمريض الجاهل إذا خلا بنفسه عن الطبيب قبل أن يتعلم الطب تضاعف لا محالة مرضه، فلا تليق العزلة إلا بالعالم، وأما التعليم ففيه ثواب عظيم مهما صحت نية المعلم والمتعلم، ومهما كان القصد إقامة الجاه والاستكثار بالأصحاب والأتباع فهو هلاك الدين.
ثانيًا: النفع والانتفاع؛ أما الانتفاع بالناس فبالكسب والمعاملة، وذلك لا يتأتى إلا بالمخالطة، والمحتاج إليه مضطر إلى ترك العزلة؛ فيقع في جهاد من المخالطة، إن طلب موافقة الشرع فيه، فإن كان معه مال لو اكتفى به قانعًا لأقنعه؛ فالعزلة أفضل له إذا انسدت طرق المكاسب في الأكثر إلا من المعاصي، إلا أن يكون غرضه الكسب للصدقة، فإذا اكتسب من وجهه، وتصدق به فهو أفضل من العزلة للاشتغال بالنافلة. وأما النفع فهو أن ينفع الناس، إما بماله أو ببدنه؛ فيقوم بحاجاتهم في سبيل الله، ففي النهوض بقضاء حوائج المسلمين ثواب؛ وذلك لا ينال إلا بالمخالطة، ومن قدر عليها مع القيام بحدود الشرع فهي أفضل له من العزلة؛ إن كان لا يشتغل في عزلته إلا بنوافل الصلوات والأعمال البدنية.
ثالثًا: التأديب والتأدب؛ ونعني به الارتياض بمقاساة الناس، والمجاهدة في تحمل أذاهم كسرًا للنفس وقهرًا للشهوات، وهي من الفوائد التي تستفاد بالمخالطة، وهي أفضل من العزلة في حق من لم تتهذب أخلاقه، ولم تذعن لحدود الشرع شهواته، وكان هذا هو المبدأ كسرًا لرعونة النفس، وأما التأديب فإنما نعني به أن يروض غيره، فإنه لا يقدر على تهذيبهم إلا بمخالطتهم.
رابعًا: الاستئناس والإيناس؛ وقد يستحب ذلك الأمر في الدين، وذلك فيمن تستأنس بمشاهدة أحواله وأقواله في الدين؛ كالأنس بالملازمين لسمت التقوى، وقد يتعلق بحظ النفس، ويستحب إذا كان الغرض منه ترويح القلب لتهييج دواعي النشاط في العبادة، فإن القلوب إذا أكرهت عميت، ومهما كان في الوحدة وحشة، وفي المجالسة أنس يروح القلب فهي أولى، فلا يستغني المعتزل إذًا عن رفيق يستأنس بمشاهدته ومحادثته في اليوم والليلة ساعة، فليجتهد في طلب من لا يفسد عليه في ساعته تلك سائر ساعاته، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-:" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل "، فهذا النوع من الاستئناس في بعض أوقات النهار ربما يكون أفضل من العزلة في حق بعض الأشخاص، فليتفقد فيه أحوال القلب وأحوال الجليس أولًا ثم ليجالس.
خامسًا: في نيل الثواب وإنالته؛ أما النيل فبحضور الجنائز، وعيادة المريض، وحضور العيدين، وأما حضور الجمعة فلا بد منه، وحضور الجماعة في سائر الصلوات أيضًا لا رخصة في تركه، إلا لخوف ضرر ظاهر، يقاوم ما يفوت من فضيلة الجماعة ويزيد عليه، وذلك لا يتفق إلا نادرًا، وكذلك في حضور الدعوات ثواب من حيث إنه إدخال سرور على قلب مسلم. وأما إنالته فهو أن يفتح الباب لتعوده الناس، أو ليعزوه في المصائب، أو يهنوه على النعم، فإنهم ينالون بذلك ثوابًا، وكذلك إذا كان من العلماء وأذن لهم في الزيارة نالوا ثواب الزيارة.
سادسًا: من فوائد المخالطة التواضع، فإنه من أفضل المقامات، ولا يقدر عليه في الوحدة، وقد يكون الكبر سببًا في اختيار العزلة، فكم من معتزل في بيته وباعثه الكبر، ومانعه عن المحافل ألا يوقر أو لا يقدم، أو يرى الترفع عن مخالطتهم أرفع لمحله وأتقى لطراوة ذكره بين الناس.
والترجيح: أن الأصل في المسألة هو الاختلاط والمجالسة، والاجتماع؛ اجتماع أهل الإسلام واختلاطهم وتلاقيهم في المجالس والمجامع والمساجد والطرقات، يبذلون السلام، ويحسنون الكلام، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويدلون على الخير، ويتناصحون ويزيلون الأذى عن الطريق، وينفعون، ويأمرون، ويصلحون بين المتخاصمين. ولهذا قال ابن الوزير الصنعاني -رحمه الله-: "العزلة عبادة الضعفاء وصيد الشياطين؛ لأن الأصل عدمها، فالضعيف الذي يعتزل يكون صيدًا للشياطين ما لم يُحصَّن بعلمٍ، ويكون اعتزاله لسبب".
ومخالطة الناس لا بد أن يكون فيها بعض من الشقاء والعناء، ولا بد أن يكون فيها بعض من النكد والضيق، ولكن على المؤمن عمومًا، والداعية على وجه الخصوص، أن يصبر على مخالطة الناس، وعلى ما يصدر منهم من أذى، وأن يحتسب الأجر في ذلك، وأن ينظر دائمًا إلى الناس بعين الرأفة والرحمة؛ فإن الناس محتاجون إلى الداعية؛ فهم أشد حاجة للدعاة من الأكل والشرب، فبالداعية يحفظ الله –تعالى- الأمة من المؤثرات الخارجية، والعوامل الداخلية، وقد كثُرت كل من تلك المؤثرات وهذه العوامل في مجتمعات المسلمين، وستبقى تزداد كلما ابتعدنا عن عصر النبوة. قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله، ورجاء ثوابه، وقد يجزع الإنسان وهو متجلِّد لا يُرى منه إلا الصبر".
ومذهب جماهير السلف تفضيل الاختلاط بالناس، في الأحوال الطبيعية التي لا يلحق المسلم فيها ضرر في دينه، على اعتزالهم والابتعاد عنهم، ولهذا قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-:"خالطوا الناس وزايلوهم، وصافحوهم، ودينكم لا تَكْلِمُونه"، وقال عمر -رضي الله عنه-:"خالطوا الناس بما يحبون، وزايلوهم بأعمالكم، وجِدُّوا مع العامة "، وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:"خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم؛ فإن لامرئ ما اكتسب، وهو يوم القيامة مع من أحب". قال الشيخ عبد الكريم زيدان -رحمه الله- في أصول الدعوة:" الدعوة إلى الله من وجائب الإسلام، ومن وسائلها مخالطة الناس؛ فتكون المخالطة واجبة؛ لأن ما لا يُؤدَّى الواجب إلا به فهو واجب، والواقع أن طبيعة الإسلام تقتضي المخالطة، فالإسلام ليس معنًى خاصًا بالفرد؛ بل هو أيضًا عمل المسلم خارج نفسه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ أن أكرمه الله بالنبوة وأمره بالتبليغ عاش مع الناس وخالطهم وغشي مجالسهم؛ يدعوهم إلى الله، ويحذرهم مما هم فيه، وكذلك فعل أصحابه الكرام؛ خالطوا الناس، وبثوا فيهم ما تعلموه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الهدى والعلم والدين. وما روي عن بعض التابعين من استحباب العزلة وكراهية المخالطة؛ فهو أمر يتعلق بأحوال طارئة وظروف استثنائية، فليس ما ذكروه هو القاعدة التي يستهدي بها المسلمون من بعدهم؛ لأن وجوب الدعوة إلى الله أمر ثابت في الشرع، والمخالطة هي المقدمة إلى الدعوة، فلا يمكن التخلي عنها؛ بل إن هذا الوجوب أصبح أشد في زماننا من أي زمان مضى؛ لما غشي البشر من غاشية رهيبة قاسية من المادية الصماء السوداء، التي حجبت عنهم أنوار الحق، وقطعت صلاتهم بالله -عز وجل-؛ مما جعل لزامًا على كل مسلم أن يسهم في الدعوة إلى الله بقدر طاقته، وبأي نوع من أنواع القدرة يستطيعه، وهذا يستلزم مخالطة الناس ليدعوهم إلى الله".
ثالثاً: لماذا يفضل بعض الدعاة الانعزال؟
هناك عدة أسباب قد تدفع البعض لتفضيل الاعتزال عن الاختلاط، من أبرزها:
1-الفهم الخاطئ لبعض النصوص الداعية للاعتزال، مع الغفلة عن موقعها من النصوص الأخرى الداعية لمخالطة الناس والصبر على آذاهم، والغفلة عن الأسباب الداعية لتفضيل الاعتزال في ذات النص المحتج بها، وأنها ليست الأصل في المسألة، بل الاستثناء المقيد بوقت الفتن والحروب الجاهلية التي لا يستبان فيها الحق من الباطل.
2-الوقوف عند ظاهرة الانعزال التي أثرت عن بعض السلف مع الغفلة عن الظروف التي دعت إلى ذلك. فها هو نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يقول لقومه كما ورد في القرآن الكريم: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [ مريم 48]، وقد كان الحامل له على ذلك استنفاذ وسائل التغيير والإصلاح، ثم إصرار قومه على الكفر، الأمر الذي خشي معه الفتنة في الدين، ففر منهم واعتزلهم. وها هو أبو ذر، وابن عمر، ومعهما جمع من الصحابة يعتزلون جماعة المسلمين، ويعيشون وحدهم لما وقعت الفتنة، وقد كان الباعث لهم على ذلك، صيانة أيديهم أن تغمس في دماء زكية. والإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، يقضى أخريات أيام حياته في عزلة بعيداً عن الناس، وقد كان عذره، تجنب مصادمة السلطات حقناً لدماء المسلمين.
وإن الداعية الذي يقرأ عن هذه العزلة، التي عاشها هؤلاء وينسى ظروفها وملابساتها يتولد في نفسه معنى الاقتداء والتأسي، أو على الأقل المحاكاة والتشبه، فيلجأ إلى حياة العزلة، بعيداً عن جو الجماعة حتى وإن لم يكن لهذه العزلة ما يبررها وما يدعو إليها.
3-ظن بعض الدعاة أن حياة الجماعة تلغى دائماً ذاتية المنتمى إليها، وتؤثر على شخصيته مع الغفلة عن منهج الإسلام في التوفيق بين الفردية والجماعة.
4-الغفلة عن طبيعة تكاليف مخالطة الجماعة والعيش بين الناس، إذ أن طبيعة هذه التكاليف: أنها كثيرة ضخمة، تستوعب حياة الإنسان من أول يوم إلى آخر يوم، وقد لا تنتهي، وغالباً ما تكون على خلاف ما تهوى الأنفس، وما لم يكن العامل منتبهاً إلى ذلك، فإنه يعمل نفسه من التزكية والتربية، والمجاهدة وتسيطر عليه الأهواء والشهوات وبمرور الأيام يضعف ويعجز عن القيام بهذه التكاليف، وحينئذٍ يبحث عن مخرج أو ملجأ فلا يجد سوى العزلة أو التفرد.
5-التذرع بأن مخالطة الناس تشغل عن التفرغ للعبادة من صلاة إلى صيام إلى قراءة القرآن إلى ذكر إلى دعاء ، إلى استغفار إلى تفكر إلخ، مع الغفلة عن المفهوم الصحيح للعبادة، إذ المفهوم الصحيح للعبادة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: "إنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من القوال والأعمال الظاهرة و الباطنة، فالصلاة و الزكاة و الصيام و الحج عبادة، و الدعاء والاستغفار والذكر وتلاوة القرآن عبادة، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام عبادة والوفاء بالعهود عبادة والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين عبادة، والإحسان للجار واليتيم و المسكين وابن السبيل والخادم والرحمة بالضعيف والرفق بالحيوان عبادة، وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له، و الصبر لحكمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء في رحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك كله عبادة ".
6-وقد يكون الحامل على العزلة الاعتذار بانتشار الشر والفساد مع الغفلة عن دور المسلم حين ينتشر الشر والفساد، إذ أن دور المسلم في هذه الحال أن ينشط للمقاومة بكل الأساليب المتاحة، والوسائل الممكنة ولا يلجأ إلى العزلة إلا عند تمكن الداء وعجز الوسائل وخوف الفتنة. وإذا ما غفل المسلم العامل عن حقيقة هذا الدور فإنه يفر لأول وهلة إلى العزلة أو التفرد، وتتحول الأرض إلى بؤرة من الشر والفساد، وصدق الله في قوله: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة:252]، (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً) [الحج:40]. وصدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- الناصح الأمين: "مثل القائم على حدود اللهو الواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً".
رابعاً: آثار الانعزال على الداعية:
1-الجهل بالنفس: ذلك أن الإنسان مهما يكن ذكاؤه وفطنته، لا يمكنه وحده أن يعرف أبعاد ومعالم شخصيته معرفة دقيقة، بل لابد من آخرين يعينونه على ذلك، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يستطيع الإنسان أن يكتشف ما في شخصيته من أثرة وأنانية أو إيثار، وتعاون، إلا إذا عاش بين الناس وخالطهم، ورأي أصحاب الحاجات منهم، ثم تأمل في نفسه، هل تقسو وتجمد، فتشح وتبخل؟ وحينئذٍ تكون الثرة والأنانية، أو ترق وتلين فتجود وتعطى؟ وحينئذٍ يكون الإيثار والتعاون، وكذلك لا يمكنه أن يقف على ما في شخصيته من حلم وأناة، أو حمق وعجلة، إلا إذا خالط الناس وصادف طبقات من غير أولى الكياسة، ونظر: هل يقابل خشونة ألسنتهم باللين، وغلظة قلوبهم بالرفق؟ وهنا يكون الحلم والأناة، أو يقابلها بمثلها أو أشد؟ وهنا يكون الحمق والعجلة. وأيضاً لا يعرف الإنسان ما لديه من الشجاعة الأدبية أو الجبن والخور إلا إذا لزم الجماعة. أما إذا عاش في عزلة أو منفرداً فإن شخصيته تبقى مجهولة لديه، وذلك هو الخسران بعينه، إذ ربما يفعل الشر ظاناً أنه الخير، وربما يترك الخير، معتقداً أنه الشر، كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف: 103-104].
2-فقدان النصيحة والإرشاد: وذلك بتجنب الناس الذين قد يساعدونه على إصلاح عيوبه، ذلك أن الإنسان قد يعرف عيوبه، لكنه قد يكون من ضعف الإرادة، وخور العزيمة بحيث يعجز بمفرده عن إصلاح وتقويم هذه العيوب، ولابد له من معين، يعينه على نفسه، وحين يختار العزلة أو التفرد يحرم هذا المعين، ويبقى طوال حياته غارقاً في المعاصي والسيئات.
3-تسلط الشياطين: فالانعزال قد يجعل الإنسان فريسة لإغواء الشيطان وإضلاله، ووسوسته، فضلاً عما يلحق شخصيته من الانفصام أو الخلل، ذلك أن الإنسان مؤلف من مادة وروح، و الروح مزود بطاقة من الغرائز تشبه الخيوط الدقيقة المتقابلة المتوازية، كل غريزتين منهما متجاورتين في النفس، وهما في الوقت ذاته مختلفتان في الاتجاه، الخوف و الرجاء، الحب و الكره، الاتجاه إلى الواقع والاتجاه إلى الخيال، الطاقة الحسية والطاقة المعنوية، الإيمان بما تدركه الحواس والإيمان بما لا تدركه الحواس، حب الالتزام و الميول إلى التطوع، الفردية و الجماعية، السلبية والإيجابية...الخ، كلها غرائز متوازية، وهي تؤدى مهمتها في ربط الكائن البشرى بالحياة، كأنما هي أوتاد متفرقة، متقابلة تشد الكيان كله، وتربطه من كل جانب يصلح للارتباط، وهي في الوقت ذاته توسع أفقه وتفسح مجال حياته، فلا ينحصر في نطاق واحد، ولا في مستوى واحد، بيد أن تحقيق التوازن و التكامل في حياة الإنسان مرهون بإعطاء كل غريزة من هذه الغرائز حقها ، دون زيادة أو نقص.
والجماعة هي المجال الوحيد الذي يوظف سائر طاقات المسلم ويعمل كل الغرائز بدرجات متساوية ومتوازية في نفس الوقت، فتتكون الشخصية السوية المتكاملة، الخالية من أي انفصام أو اعوجاج والمحصنة ضد كيد الشيطان وإغوائه.
4-قلة التجربة وضعف الخبرة: ذلك أن العمل لدين الله طريق مليئة بالأشواك محفوفة بالمخاطر، والمسلم الحصيف الذكي هو الذي تكون لديه الخبرة أو التجربة التي تمكنه من التغلب على هذه المخاطر، والنجاة من تلك الأشواك. وليس هناك مجال أرحب وأوسع يكتسب فيه المسلم الخبرات ويتعلم التجارب سوى العيش مع الناس ومخالطتهم. وحين ينأى المسلم العامل بنفسه عن الجماعة، ويرضى بالعزلة أو التفرد فإنه يحرم هذه الخيرات، وتلك التجارب، ويبقى طول حياته ضيق الأفق قاصر النظر، لا يعرف كيف يواجه أبسط المشكلات، فضلاً عن أمهاتها وعظائمها. ولعل هذا الأثر هو ما نفهمه من قوله -صلى الله عليه وسلم-:
"إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة".
5-سيطرة اليأس والقنوط على النفوس: الأمر الذي قد ينتهي بهم إلى الفتور، ذلك أن المسلم العامل لدين الله لاسيما في هذا العصر يأتيه الشيطان بين الحين والحين ويلقى عليه هذه التساؤلات المثبطة والمقلقة من عينة:
ما المخرج وأعداء الله كثير؟ وهم الآن ممسكون بخناق العالم الإسلامي، ولديهم خطط ماكرة وأساليب خبيثة؟
ويستطيع المسلم المخالط للناس والعامل من خلال جماعة دفع هذه التساؤلات، بأنه ليس وحيداً في هذا الميدان، وإنما هناك آخرون سواه يسيرون في نفس الطريق، وأولئك لهم من الأساليب والإمكانات ما يعينهم على مواجهة أعدائهم، وإحباط مكائدهم ومخططاتهم. أما إذا كان في عزلة أو يعمل وحده، فإن هذه التساؤلات تظل تلح عليه وليس هناك ما يدفعها به، حينئذٍ يدب اليأس في قلبه والقنوط إلى نفسه فيفتر وربما ترك العمل لدين الله.
والخلاصة أنه لا حق للداعية أن يترك الناس ويهجرهم انتصارًا لنفسه، ولا أن يتبرم من حالهم أو يترك الإخلاص في النصح لهم، فإن تلك الأفعال مجانبة للحكمة والهدى، ولا يتصور الداعية في يوم من الأيام أن الأمور ستصفى له الصفاء الكامل؛ بل عليه أن يوطن نفسه على أن الأمور فيها من التعقيد والكبد ما فيها، وإن أحب الخلق إلى الله –تعالى- هم الرسل والأنبياء، ومع ذلك فقد عانوا من أممهم الأمَرَّيْن، ولاقوا في سبيل الدعوة إلى الله تعالى ما لا يوصف، من الأذى القولي والفعلي، والطرد والإهانة والقتل، ومع ذلك فلا يزال الأنبياء على دعوتهم والصبر عليهم. ومن الأمور المقررة عند أهل المعرفة أنه لا يستطيع العمل على تغيير واقع الناس، وانتشالهم من الضلال إلى الهدى، ومن البدعة إلى السنَّة، بصورة صحيحة مؤثرة، إلا من عاشرهم، ودَاخَلهم، وعرف أحوالهم؛ ولذا، على الداعية وطالب العلم أن يستشعر الخيرية، التي جاءت في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:" المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ".
التعليقات
مصطفى
15-10-2019السلام عليكم.... كنت ابحث عن كيفية التوفيق بين الاعراض عن اللغو وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن افضلية من يخالط الناس فوجدت ضالتي بمقالتكم ..... احسن الله اليكم وزادكم علما