عناصر الخطبة
1/ البشارة بنصرة هذا الدين 2/ التاريخ أكثره نصر للإسلام وأهله 3/ عاقبة الظالمين ونهايتهم 4/ من المبشرات العظيمة بنصرة هذا الدين 5/ شهادة أعداء الإسلام بأن المستقبل لهذا الدين الإسلامي 6/ واجب المسلمين تجاه هذه المبشراتاهداف الخطبة
اقتباس
قال أحد العلماء الفرنسيين: "إن المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين، قد استيقظ وأخذ ينادي: ها أنا لم أمت، أنا أعود للحياة؛ لا لأكون أداة طيعة تسيرها العواصم الكبرى، ربما يعود اليوم الذي تصبح بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب، لست متنبئ، لكن الأمارات الدالة على هذا كثيرة، ولا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقفها"
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ".
في وسط هذا الظلام الدامس الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر، وفي وسط اليأس والإحباط الذي يشعر به الكثيرون اليوم من تكالب الأعداء وضعف المسلمين، تَسْطَعُ هذه البشارات العظيمة: "بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ"؛ لتحيي في قلوب المؤمنين الأمل بأن المستقبل لدين الإسلام (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح 5: 6] ولن يغلب عسر واحد يسـرين، فـ (لا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139] والمتتبع لآيات القرآن العظيم، والأحاديث النبوية الصحيحة يطالع فيها العديد من هذه البشاراتٍ العظيمة.
ونحن لو تصفحنا تاريخ هذه الأمة منذ بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى الآن نلاحظ أن أكثر الوقت الذي عاشته هذه الأمة كان النصر فيه حليفها، وأن الوقت الذي كان المسلمون فيه في استضعاف، -كما هو الحال في فترة غزوة التتار أو الحملات الصليبية أو الوقت الحاضر الذي نعيشـه الآن- هو الأقل وليس الأكثر في مراحل تاريخ هذه الأمة.
إننا نعيش حالياً في مرحلة استثنائية فعلاً يجب علينا أن نتعلم فقهها ونتفهمه؛ حتى نتجاوزها بسلام؛ لأنها مرحلة لن تدوم (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140] فالمؤمن يعرف بأن دوام الحال من المحال، و (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]
إن النصوص الشرعية تنطق بأن الأصل هو أن القوة للمسلمين، وأن النصر لهم، وأن ما نحن فيه الآن -كما قلنا- هو مرحلة استثنائية عارضة، قد تطول أو تقصر، تبعا لمشيئة الله عز وجل أولا، ثم مدي تمسك المسلمين بأهداب الشرع الحنيف ثانيا.
ومن هذه النصوص الشرعية التي تبشر بأن المستقبل هو لدين الإسلام قول الله سبحانه وتعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف 8: 9]
ومن النصوص الشرعية الدالة على ذلك -أيضاً- قوله عز وجل: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55]
قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا وعد من الله لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بأنه سيجعل أمته الولاة على الناس؛ فتصلح بهم البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم بعد خوفهم من الناس أمناً وحكماً فيهم.
وقد فعل تبارك وتعالى ذلك -وله الحمد والمنة-، وقد وقعت كلها -بحمد الله- كما أخبر به صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لم يمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى فتح الله له مكة وخيبر والبحرين، وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها، وأخذ الجزية من مَجُوس هَجَر، ومن بعض أطراف الشام، وهاداه هرقل ملك الروم والمقوقس صاحب مصر والإسكندرية وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة.
ثم تولى أبو بكر الصديق، ومن بعده عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، ورأينا كيف امتدت دولة الإسلام في عهدهم -رضي الله عنهم- إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها، بعد أن كَسَّر المسلمون كسرى وقَصَّروا قيصر، وأنفقت أموالهم في سبيل الله، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فها نحن -كما يقول ابن كثير في وصفه- نتقلب في ما وعدنا الله -عز وجل- على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فنسأل الله الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم والقيام بحكمه على الوجه الذي يرضيه عنا".
فالصحابة -رضي الله عنهم- لما كانوا أقوم الناس بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأوامر الله -عز وجل- وأطوعَهم له؛ كان نصرهم وتفوقهم بحسبهم، ولما قصر الناس بعدهم في بعض الأوامر؛ نقص ظهورهم وانتصارهم بحسبهم أيضا.
عندما يشعر المسلم بهذا، ويعتقد وضعه في العطاءِ لهذا الدين والعملِِِِِ له - يوقن بأنه مهما طال الليل فلابد من طلوع الفجر، وأن الفرج آت لاريب فيه، وأن صبحه لابد أن يتنفس لأن الله -عز وجل- قال: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)،[غافر:51] فالنصر للمسلمين لابد منه؛ لأنهم المتقون وقد قال سبحانه وتعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
أما معسكر الكفر من النصارى واليهود وغيرهم من المشركين اليوم فهؤلاء مصيرهم إلى الهلاك بإذن الله؛ فرغم أنهم ينفقون أموالهم بالمليارات؛ ليصدوا عن سبيل الله، -كما يحدث اليوم بوضوح شديد-، إلا أن ربَّ العزة يؤكد لنا: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال:36] لأن الله -عز وجل- قال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً) [الطلاق:9]
فهذه هي عاقبة ونهاية الكفار المعتدين، والزلازل والبراكين جند من جنود الله العزيز الحكيم، وقد رأينا كيف سلطها الله عليهم في الآونة الأخيرة؛ فقتلت وشردت الملايين، وهدمت وخربت المدن، وابتلعت قواعد ومعسكرات، ناهيك عن تسليطهم بعضهم على بعض.
والحرب العالمية الثانية ليست منا ببعيد، وقد أرانا الله فيها آياتِه فيهم، قتل فيها خمسون مليوناً منهم، ودمرت مدن، وسقطت دول؟ والله قادر على إعادة الكرة مرة أخرى.
وتتوالى البشائر النبوية بنصر هذه الأمة -أيضاً- في الأحاديث الصحيحة، ويقسم على ذلك صلى الله عليه وسلم فيقول: "وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَحَضْرَمُوتَ مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى".
وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن انتشار دين الإسلام في العالم فقال: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلا وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ".
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا".
فهذه الأحاديث أيضاً فيها معجزات ظاهرة، تبشـر بالنصر والتمكين لهذا الدين؛ ففيها إخبار بأن ملك أمته صلى الله عليه وسلم سيبلغ المشارق والمغارب، وأن سلطان الإسلام سينسحب على كل شبر يصله ضوء النهار.
وهذا وإن كان لم يحدث بعد حتى الآن، إلا أنه لا محالة واقع؛ لأنه حديث وحي يوحى؛ فلماذا لا نتعبد ربَّنا بالتصديق بكلامه عز وجل؟!، ونتقرب إليه بالتصديق بوعده وبوعد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى؟!
وهو الذي بشرنا بفتح روما بعد فتح القسطنطينية، وهو الذي أخبرنا أنه "سيكون بعده -صلى الله عليه وسلم- خلافة عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثم يكون مُلْكًا عَاضًّا، ثم مُلْكًا جَبْرِيَّةً، ثم خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ"، وقد وقع كل هذا ولم يبق إلا الأخيرة.
ومن المبشرات العظيمة: أن الله لا يترك دينه بدون مجددين، وكلما خبا هذا الضوء وخفت، أعاده الله للوهج مرة أخرى بهؤلاء العظماء الذين يحيون السنة، ويميتون البدعة، ويوقدون أنوار التوحيد، ويطفئون نيران الشرك؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا" فيحيون ما اندرس مما بلي وذهب، ويرجعون الناس للعمل بالكتاب والسنة.
ومن المبشرات المشجعة: أن هناك طائفة منصورة لا يخلو منها الزمان قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وفي رواية: "لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ".
وفي رواية: "ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ"، فهذه الطائفة موجودة مستمرة، وقد توجد في بعض الأرض دون بعض، وفي بعض البلدان دون بعض، ولكنها موجودة في قطاعات عريضة من المجتمع، إنها طائفة منصورة بالحق إلي يوم القيامة.
الخطبة الثانية:
إن الكتاب والسنة ليذخران بالأدلة الشرعية التي تثبت أن النصر للإسلام، وأن المستقبل والقوة في النهاية للمسلمين، وأن الخلافة على منهاج النبوة ستكون، وأن عيسى سينزل، والمهدي سيظهر، وأن اليهود سيهزمون، والنصارى سيهزمون، وأن الإسلام سيطبق الأرض؛ كل هذه حقائق لا يمكن الشك فيها.
ونختم هذه المبشرات التي تنطق بأن المستقبل لنا والسفال لعدونا، نختم بشهادة أعدائنا أنفسهم، إنهم يعترفون بقوة ديننا ويخشونه ويخافونه ويحسبون له ألف حساب، وعندهم دراسات وتحليلات كاملة تجعلهم على يقين بأن هذا الدين ستكون له الهيمنة والسيطرة على العالم.
قال أحدهم: "يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب؛ لأن قوة العرب تتصاحب دائماً مع قوة الإسلام وعزته وانتشاره، إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر بيسر في قارة أفريقيا".
وقال أحد العلماء الفرنسيين: "إن المسلم الذي نام نوماً عميقاً مئات السنين، قد استيقظ وأخذ ينادي: ها أنا لم أمت، أنا أعود للحياة؛ لا لأكون أداة طيعة تسيرها العواصم الكبرى، ربما يعود اليوم الذي تصبح بلاد الإفرنج مهددة بالمسلمين، يهبطون إليها من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب، لست متنبئ، لكن الأمارات الدالة على هذا كثيرة، ولا تقوى الذرة ولا الصواريخ على وقفها". والفضل كما يقال ما شهدت به الأعداء.
فإذا عرفنا من خلال هذا العرض السريع للبشارات أن المستقبل هو لدين الإسلام، وأن المسلمين هم الأجدر بقيادة البشرية؛ لأن عندهم نظام إسلامي، ومنهج رباني، وشريعة سماوية، تحكم تصرفات الناس وتبينها لهم؛ ابتداءً من قضاء الإنسان لحاجته إلى أعظم مهمة في الوجود وهي توحيد الله والإيمان به، كل هذا في قرآنٍ ناسخ لكل ما قبله، ومهيمنٍ عليه، قرآنٍ أحكمت آياتُهُ ثم فصلت من لدن حكيم عليم.
إذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن النصر لا يأتي بدون بذل أسباب؛ فالواجب إذن على كل منا أن يعمل على إعلاء شأن هذا الدين العظيم؛ بأن ننصر الله بإقامة شرعه في أنفسنا وأهلينا، وتطبيق شريعة ربنا في كل أمور حياتنا، حتى نكون مؤمنين بحق، ونستأهل النصر الذي وعدنا الله به في قوله عز وجل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر:51]
نسأل الله عز وجل أن يعجل النصر للمسلمين، وأن يرزقنا العمل لدينه القويم، وأن يجعلنا من جنوده وحزبه المفلحين.
التعليقات